مكافحة الإرهاب

عزام التميمي المتنقل بين جناحي الدوحة وأنقرة

من الواضح أن عزام التميمي ذلك الرجل الـ “فلسطيني” الأصل والبريطاني الجنسية بالطبع، لا يهتم كثيرًا لقضية أبناء جلدته وهي القضية التي كان يجب أن تكون محركًا أساسيًا له بدلًا عن الانخراط في حبال الجماعة المشبوهة “التنظيم الدولي للإخوان المسلمين” ورفع رايته تارة من الدوحة وتارة من أنقرة.

وتشير المصادر إلى أن عزام التميمي وُلد في مدينة الخليل الفلسطينية في منتصف خمسينيات القرن الماضي ثم تركها مع عائلته متجهًا إلى الكويت قبل أن تستقر به الحال في بريطانيا ويتدرج في المناصب داخل جماعة الإخوان حتى يصبح عضوًا فاعلًا في الرابطة الإسلامية في لندن وهي المنظمة التي أجرت السلطات البريطانية تحقيقات حولها منذ عدة سنوات.

وقد شهد ذلك التوقيت حصوله على الجنسية البريطانية، بعد أن أنهى مساره العلمي بالحصول على درجة الدكتوراه في النظرية السياسية من جامعة ويست منستر بلندن عام 1998، بأطروحة تحت عنوان: “الإسلام والانتقال إلى الديمقراطية في الشرق الأوسط: آفاق وعقبات”.

سلم الصعود

كعادة المنتمين للجماعة من اقتناص الفرص والقفز على مكاسب الآخرين كانت الفوضى التي صاحبت أحداث الخامس والعشرين من يناير 2011 وإرهاصاتها فرصة سانحة للتميمي، إذ علت أسهمه داخل بورصة المحظورة منذ ذلك التوقيت. كما شهدت تلك الفترة أوج دعم دولة قطر لجماعة الإخوان وكان للتميمي أن ترأس في وقتها قناة الحوار الإخوانية الممولة من الدوحة.

 وحسب مصادر فإن قناة الحوار مملوكة لـمجموعة “Sage Media Limited” والتي يترأسها عدنان فاعور، ووفقًا لسجل الشركات في المملكة المتحدة. تم تمويل الشركة بقرض بقيمة 7,732,136 جنيه إسترليني من بنك انتركونتننتال اللبناني. كما تلقت الشركة أيضًا قرضًا قيمته 354,500 جنيه إسترليني من Readytech Management، وهي شركة أخرى مملوكة لعدنان فاعور.

وكان ذلك قبل أن يتجه أو يهرب إلى أنقرة بعد سقوط حكم الإخوان في مصر بثورة 30 يونيو 2013، حيث اكتسبت الحرب الإعلامية على النظام المصري أبعادًا أخرى أضيفت إلى التمويل القطري، فكانت الدوحة تمول مخططات المخابرات التركية لضرب الدولة المصرية عن طريق عدد من الأذرع كان التميمي أهمها.

وبطبيعة الحال لم تكن دولة قطر لترمي بأموالها في يد كائن من كائن وإنما كان لابد لها من التعامل مع رجل أمين بمقاييس التنظيم ومشهود له بالسمع والطاعة فكان عزام التميمي “المرشح الأقوى” ليكون همزة الوصل التي تنقل أموال الدوحة إلى أذرع الإرهاب الإعلامية في قلعته الحصينة “إلى حد ما” أنقرة!

وبذلك أصبح ” عزام” هو المسؤول رقم واحد عن الملف الإعلامي للإخوان متحكمًا في السياسة التحريرية لتلك القنوات والمحتوى وقد وسع أعماله فيما بعد ليؤسس شركة لتوريد أجهزة البث الفضائي لقنوات الإخوان في تركيا.

قناة الشرق كشفت المزيد

في أزمة قناة الشرق التي استمرت لمدة عامين تقريبًا سيطر خلالها العاملون في القناة على موقعها كاشفين جملة الفضائح والأسرار التي تضمنت رواتب بعض قياداتها العليا والتمويلات السخية بملايين الدولارات التي تنفق على القناة لتكريس ساعات بثها للتحريض على الدولة المصرية، تدخل عزام التميمي لإنقاذ الموقف وذلك لثقة الهارب “أيمن نور” فيه.

وبتتبع حلقات هذه الشبكة تظهر حلقة جديدة ترتبط بالمقاول الهارب أيضًا وكلهم “هاربون” محمد علي والشاعر “ياسر العمدة” الذي أكد أن قناة الشرق يتم تمويلها بملايين الدولارات شهريًا وهو الأمر الذي لم يتم نفيه.

C:\Users\Nermeen.Saeed.ecss\Desktop\أبي أحمد\maxresdefault.jpg

العمدة أخبر المقاول في مكالمة مسربة تناولت الحديث عن دور الإخوان في تركيا أن يحرص على الابتعاد عن عناصر الجماعة الموجودين في تركيا لأن علاقتهم بتنظيم الإخوان لا تتعدى كونها “مواءمة” وليس انتماءً عقائديًا، أما المواءمة فتتمثل فيما تحتويه حقيبة الفلسطيني “عبد الرحمن أبو دية” الحاصل على الجنسية البريطانية بالطبع! فالأموال التي يحملها أبو دية شهريًا من قطر إلى أنقرة هي العامل الوحيد الذي يربط بين إخوان تركيا والتنظيم الأم.

وقد اتضحت علاقته بقطر بعد المقاطعة الرباعية لها عندما انتقد “الحصار” ووصفه “بالعدواني الظالم” إذ صرح لقناة الشرق الإخوانية بأن الدوحة سعت بعد المقاطعة العربية لها بتكوين تحالف مضاد شكلت تركيا رأس حربته.

C:\Users\Nermeen.Saeed.ecss\Desktop\أبي أحمد\download.png

الشرق نقطة لانقلاب التميمي على الدوحة

كانت نقطة التحول في العلاقات بين التميمي وفرع التنظيم في الدوحة عندما قررت الدوحة إبعاد بعض قيادات التنظيم المتواجدين على أراضيها وذلك في سبتمبر 2014 وعلى الرغم من أن التميمي قال في وقتها إن السبب في إبعاد قيادات الجماعة يرجع إلى الضغوطات التي مارستها دول المقاطعة الرباعية على الدوحة وتحديدًا السعودية والإمارات لاستبعاد تلك القيادات حيث كانت انقرة هي الوجهة التالية، إلا أن تلك الواقعة كانت نقطة تحول في العلاقات بين التميمي وقطر.

ولذلك لم يكن من قبيل المفاجئة  أن يصف ابن مفتي الجماعة “عبد الرحمن يوسف القرضاوي” عزام التميمي بأنه كالأعور إذا رأى والأخرق إذا نصح، ويعزو البعض الخلاف بين الطرفين إلى رؤية  ابن القرضاوي  حول أن جل ما يفعله التميمي في أنقرة هو استغلال التمويل القطري لمصالحه الشخصية، وقد اتضح هذا عندما ألقى التميمي بثقله في أزمة قناة الشرق وما تكشف بعد ذلك من أن اهتمامه بحل الموضوع إنما جاء مدفوعًا برغبته في استمرار تدفق الأموال إلى شركته التي كانت تورد الأثاث المستعمل وأدوات البث الفضائي المستعملة والرديئة أيضًا إلى قناة الشرق، وأن إيقاف عمل القناة كان سيعني بالتبعية خسارة شركته. وفي وقتها غرد “عبد الرحمن يوسف القرضاوي” عبر حسابه في تويتر تغريدة كشفت الخيوط الأولى من حكاية التميمي وقال ابن القرضاوي في وقتها ” الرزق يحب الخفية”.

وقد اطمأن “عبد الرحمن يوسف القرضاوي” لهذا المنهج ورأى أن فيه خدمات جليلة لفرع التنظيم وأوليائه في الدوحة فكشف عن وقائع استغلال الإخوان للقنوات في إسطنبول لتمويل شركاتهم، ومن بينها شركة عزام التميمي حيث وصف ابن القرضاوي الطريقة التي تدار بها قنوات الإخوان التي تغدق عليها الأموال القطرية بالطريقة “المافيوية” وفي وقتها لم يستطع التميمي أن يلتزم الصمت ونتج عن ذلك موجة تراشق بين فرع التنظيم في الدوحة وأنقرة والأزمة “التمويل”. وأرجع ابن القرضاوي في وقتها الهجوم الذي شنّه التميمي عليه إلى أنه يخشى أن يكون ما حدث في دهاليز قناة الشرق “سابقة يؤسس عليها” وأن التزامه الصمت كان سيشجع العاملين في قناة الحوار التي يديرها التميمي على المطالبة بحقوقهم أيضًا.

وشاهدنا انعكاسات أوضح لانقلاب التميمي على الدوحة عندما خرج علينا بعد مقتل خاشقجي في حلقة على قناة الحوار   ليقول إن الجزيرة اهتمت بقضية خاشقجى لأنها استغلت الأزمة بين قطر والسعودية وأطلقت تلك المعركة الإعلامية بسبب استمرار المقاطعة العربية لها.

بسبوسة بالقشطة.. أم عملية موسعة لغسل الأموال

وبالعودة إلى قطر، فصحيح أنها استبعدت قيادات الإخوان ربما مجبورة أو عن طريق صفقة، إلا أن دعمها للجماعة المحظورة لم ينقطع في يوم من الأيام، وقد كان الفيلم الدعائي المحرض “بسبوسة بالقشطة” والذي مثّل واحدة من أكثر عمليات غسل الأموال توسعًا أحد أبرز انعكاسات استمرار الدعم القطري للإخوان.

C:\Users\Nermeen.Saeed.ecss\Desktop\أبي أحمد\580.jpg

الفيلم التحريضي تم تمويله بأموال قطرية للحديث عن أحوال السجون المصرية وتشويه الواقع وإلقاء الضوء على معاناتهم كما روجت أذرع الإخوان، وبالطبع اتخذ العرض الخاص للفيلم من إسطنبول نقطة انطلاق له وحاز على تغطية مميزة من قناة الجزيرة القطرية.

حيث تشير المصادر إلى أن إنتاج الأفلام الوثائقية من هذه النوعية لا يمثل إلا نافذة جديدة لاستنزاف الموارد المالية القطرية وفي نفس الوقت ضرب استقرار الدولة المصرية إذا ما كان الممول يريد ذلك والدليل على ذلك الصراع الذي نشأ بين الهارب “أيمن نور” وعزام التميمي للحصول على نصيب الأسد من صفقة تمويل ” بسبوسة بالقشطة”.

وفي هذا السياق كان الإعلامي “محمد الباز” قد كشف عن الاستيلاء على ما يقرب من مليون دولار من قبل أيمن نور مما دفع القطريين لتهميش دوره لصالح رجلهم المخلص “عزام التميمي” الأمر الذي نشأ عنه نوع من الصراع لاحقًا بين التميمي ونور خلافًا على من يحتكر الأموال القطرية التي تمول حياكة الشائعات حول مصر. 

وحسب مصادر فإن الأموال القطرية يتم تحويلها للدوائر الإخوانية عبر استخدام “باي بال”، وهي إحدى تقنيات تحويل الأموال، إذ إنها شبكة مؤمنة وتعمل من خارج الحدود عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتضم الكتائب الإلكترونية لتنظيم الإخوان 11 ألف عنصر تعتمد على هذه الأداة اعتمادًا كليًا.

التميمي حلقة وصل لتمويل المؤسسات التعليمية

ليست الأبواق الإعلامية في الخارج هي جهة تلقي الأموال الوحيدة من قطر عن طريق سمسارها “عزام التميمي” وإنما ظهرت على خريطة التمويلات أيضًا المؤسسات التعليمية التي تهدف الدوحة من ورائها إلى نشر أفكار التنظيم ودعمه.

وفي إطار ذلك السعي القطري كشفت وزارة التعليم العالي الأمريكية عن إجراء تحقيقات عن إخفاء جامعتي “هارفارد” و”بيل” لحجم التبرعات المادية الواصل لهما من الإمارة الخليجية والمعهد الدولي للفكر الإسلامي بلندن والذي يترأسه عزام التميمي. 

وهو الأمر الذي أكد عليه موقع “Clarion Project” وهو الموقع المتخصص في مكافحة التطرف بأشكاله وتتبع الجماعات الإرهابية، وفي أحد تقاريره أشار الموقع إلى أن الجامعات الأمريكية جمعت من الدول التي تدعم جماعات مشبوهة وتنظيمات إرهابية ما يقرب من عشر مليارات دولار في الفترة من 2012 وحتى  2018 وقامت بإدراج مبالغ تبرعات أقل بكثير في الكشوفات الرسمية. 

ولذلك عمدت وزارة التعليم الأمريكية بتاريخ 12 فبراير الماضي إلى الإعلان عن أن بعض الجامعات أخفت قيمة التبرعات الحقيقية في الأربع سنوات الأخيرة، مؤكدة أن هناك 300 جامعة فقط من أصل 6 آلاف جامعة أمريكية تقوم بالإبلاغ عن التبرعات من الأساس وبالطبع فإن تمويل مؤسسات تعليمية يعني أن ما تقوم به تلك المؤسسات العريقة من أنشطة بحثية وغيرها تخرج منحازة للممول. وقد وجد أيضًا أن تركيا بالإضافة لمعهد الفكر الذي يديره التميمي في لندن يقدمان تبرعات لمؤسسات تعليمية أمريكية وذلك في إطار السياسة القطرية.

عزام التميمي في دور ” الدوبلير”

ربما يثير ما تقدم من أجزاء عن حكاية عزام التميمي بعض الإعجاب ليس بماهية ما يقوم به وإنما بقدرته على القيام به، إلا أن هذا الإعجاب سرعان ما يتلاشى تاركًا المجال للكثير من التساؤلات التي جعلت من التميمي “دوبلير” عزمي بشارة!

C:\Users\Nermeen.Saeed.ecss\Desktop\أبي أحمد\عزمي_بشارة_محاضرا_في_قصر_قرطاج_في_تونس.jpg

فالعضو السابق في الكنيست الإسرائيلي ومستشار أمير قطر تميم من حمد كان الأوضح في المشهد الإخواني اللندني حيث يدير ويقرر قبل أن يزيحه النظام القطري بعد اتضاح دوره الذي يقوم به بالتعاون مع المخابرات القطرية والتركية أو يعيده إلى خلف الستار كما يرجح البعض مصدرًا في المشهد ” عزام التميمي”.

استراتيجية جديدة 

أفرزت هذه الأجواء التي تشهد صراعات محمومة على كعكة التمويل القطري للإعلام الإخواني حالة من النفور لدى الممول لأنه وحتى الآن لم يحقق الهدف المرجو بل أن بعض الأهداف انقلبت عليه عندما ظهرت تسريبات وفضائح خاصة بالاستيلاء على أموال التنظيم من قبل القيادات الإخوانية في تركيا.

ولذلك تغيرت الأهداف من استعادة الحيوية الثورية وتصدير مشهد الثورة المستمرة إلى استعادة الحاضنة الشعبية وثقة النخب التي أصبحت كلها معادية لتنظيم الإخوان، لا مانع من إعادة ترتيب المشهد الإعلامي الإخواني دون إحداث الكثير من الضجة.

وحسب العقل المدبر لمشهدهم الإعلامي “عزام التميمي” فإنه من الأفضل أن يبدأ الإخوان الآن وفي ظل هذه الصراعات في شحذ أجهزتهم الإعلامية للفترة القادمة تحت لواء هدف استراتيجي مبتغاه الأول هو التأثير في المجتمع لإعادة إنتاج حاضنة شعبية من جديد.

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

نيرمين سعيد

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى