دول الخليج العربي

جذور الصراع بين “تميم” و”بن جاسم”…هل الدوحة على موعد مع انقلاب جديد ؟

رغم مرور 7 سنوات على انتقال السلطة فى إمارة قطر من “حمد بن خليفة” إلى إبنه تميم، إلا أن الصراع لم يتوقف يوما بين أجنحة الحكم القطرية سواء داخل أسرة آل ثانى أو بين تميم ورئيس وزراء أبيه واقوى رجال الإمارة الخليجية الصغيرة “حمد بن جاسم”، والذى لم يفقد طموحه فى تغيير تركيبة الحكم الحالية واستعادة دوره فى رسم سياسات قطر الخارجية وربما القفز لحكم الإمارة الصغيرة بعد انتصاره على محور تميم ووالدته موزة ومستشارهم عزمي بشارة عضو الكنيست الإسرائيلي السابق . 

وكانت الشائعات التي أحاطت بحادث “الوكرة” الأخير وحديث وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي عن عملية انقلاب يقودها بن جاسم ضد تميم وتصدى الجنود الأتراك إلا إشارة لحدة الصراع على الحكم و حالة ‏الغليان ‏الداخلي‎ بين جناح تميم وجناح بن جاسم المدعوم من الوالد حمد والتى أشار إليها بن جاسم صراحة في إحدى تدويناته المثيرة للجدل عقب حادث الوكره والتي أشار فيها إلى “أن مرجعيته معروفة “ فى إشارة إلى ولائه إلى حمد والد تميم ثم أعقبها بإزالته صورة تميم المثبته على حسابه على موقع تويتر” . 

لا تمتلك الإمارة الصغيرة مؤسسات حكم مستقره يمكن من خلالها قراءة مؤشرات الصراع ، فهى بلا برلمان أو مجلس شورى إلا أن أدواتها الإعلامية تحولت في السنوات الأخيرة إلى مراكز حكم داخل الإمارة، ومن ثم يمكن من خلالها قراءه حدود ومؤشرات الصراع مثلما ظهر فى هجوم المذيع الإخواني محمد ناصر على تميم بن حمد ومستشاره عزمى بشارة والتى جاءت كمقدمه لهجوم أكبر يتم من خلال مذيعي الجزيرة ضد مؤسسة العربي الجديد التى يقودها بشارة المدعوم من تيار تميم ووالدته الشيخة موزة بنت ناصر.

الإهانة التي وجهها ناصر المدعوم من المخابرات التركية إلى تميم وبشارة دليل تململ موجود وظاهر فى قطر من الأمير الصغير وخضوعه التام لوالدته وربما انتقل إلى تركيا التى تحتل قواتها العسكرية مساحات شاسعة من قطر بعدما تم تقسيمها إلى قواعد عسكرية تشرف عليها تركيا ونظام رجب طيب أردوغان، ولديهم علاقات وطيده ببن جاسم الذى يرتبط أيضا بعلاقات مميزة بإسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا . 

جذور الصراع

وقائع صراع الأجنحة في قطر تقترب كثيرا من سيناريو المسلسل الأمريكي ذائع الصيت صراع العروش فلدينا ملكة تساند إبنها المنصاع لكل أوامرها، ووزير خارج عن السيطرة يحاول إزالة هذا الحكم الضعيف .

والحقيقة الصراع بين الجناحين يرجع إلى بداية العقد الماضي مع بزوغ نجم بن جاسم فى بلاط الأمير حمد وسيطرته الكاملة على السياسة الخارجية وصناعة نفوذ قطر بعلاقاتها المتناقضة مع الجماعات الإرهابية مثل الإخوان والمليشيات المسلحة مثل حزب الله وحماس، ثم صناعة علاقات مميزة مع الولايات المتحدة وإسرائيل وبريطانيا، وكان بن جاسم يقوم بدور الرجل القطري القوي فهو ممثل أحد فروع آل ثاني القوية وشريك للأمير الوالد في الانقلاب على أبيه ولديه صلاحية تهديد الدول بتهدئة قناة الجزيرة على حكامها مقابل تنفيذ ما تطلبه قطر وهو ما كشفته وثائق ويكليكس عام  2010 وعدد من الدبلوماسيين العرب خلال فوضى أحداث يناير 2011 وقلق عواصم عربية من انتقال الفوضى المدعومة من الجزيرة إليها.

كانت الشيخة”موزة” تتابع ما يقوم به حمد بن جاسم بقلق شديد خاصة وأنه يملك مفاتيح القوة في قطر ولديه طموح بالتواجد على رأس الإمارة، فهو من أحد فروع آل ثاني القوية ولديه نفوذ خاص فضلا عن علاقته القوية بتنظيم الإخوان المسلمين المتغلغل فى الإمارة، بالإضافة إلى هيمنته على أكبر محافظ قطر المالية برئاسته لصندوق قطر والذى كان يحتوى على 200 مليار دولار و تحكمه فى قناة الجزيرة فى وجود “حمد بن ثامر” أحد المقربين منه على رأس مجموعة القنوات القطرية .

لم تكتفى سيدة القصر القوية بمتابعة صعوده للسلطة فهى تعلم جيدا أن عواقب وصوله ستكون وخيمه عليها وعلى أولادها خاصة وأنها خاضت تجربة النفي من قطر مع  والدها المعارض “ناصر بن عبد الله المسند”، ومن ثم بدأت التخطيط لتحجيم بن جاسم عبر وضع شقيقها محمد المسند على رأس جهاز المخابرات القطري، حيث يتردد أنه كان محرك كثير من اتهامات الفساد التى طالت بن جاسم بعد ترك منصبة كرئيس للوزراء ثم تعيين إبنها المقرب والمطيع تميم وليا للعهد بدلا من شقيقه جاسم بن حمد عام 2003 .

وتحركت لتأسيس عدد من المؤسسات الحقوقية والتنموية لمنافسة حضور بن جاسم الإقليمي، واشترت نفوذا لدى نشطاء معارضين فى جميع الدول العربية عبر أنشطة المؤسسة العربية للديمقراطية، والتقت مع “عزمي بشارة” الذى لجأ للدوحة فى كراهية قرب حمد بن جاسم للأمير السابق حمد، وعملا معاً على تحجيم دوره فى الإمارة .

شريك الانقلاب

كان بن جاسم شريكا مع الأمير الوالد خليفة بن حمد في الانقلاب على ‏والده خليفة  عام 1995 حيث جمع السفراء الأجانب وأبلغهم بالانقلاب حتى تصل المعلومة إلى بلادهم قبل أن يعلن حمد توليه الإمارة ومنع والده من العودة من سويسرا، وتولى حمد ولى العهد الأمور فى البلاد قبل وقوعه، وفي 16 سبتمبر 2003 عين حمد ‏بن جاسم نائبا أول ‏لرئيس الوزراء مع الإبقاء على منصبه وزير للخارجية، ثم في 2 ‏أبريل ‏‏2007 تم تعيينه رئيسا للوزراء بعد استقالة عبد الله بن خليفة آل ‏ثاني ، كما واصل بن جاسم عمله كوزير للخارجية وعضو مجلس ‏الأسرة ‏الحاكمة الذي ‏أنشئ في عام 2000 .

اقام حمد صلات قوية مع الولايات المتحدة، وكان من أكبر الداعمين للمجلس ‏الاستشاري الدولي لمؤسسة بروكينغز، ومؤسس مركز بروكينغز الدوحة و تضخمت ثروته الشخصية لتصل إلى أكثر من 20 مليار دولار عام 2013 و يملك حصصاً في العديد من الشركات القوية مثل الخطوط الجوية القطرية ‏وشركة ‏الديار القطرية للاستثمار العقاري ومشروع اللؤلؤة وشركة ‏هارودز في ‏بريطانيا ‏‎.‎

لكنه فى الوقت نفسه صنع عدائيات بسبب انغماسه بكلّ ‏النشاطات ‏التجارية في البلد، فضلا عن استعدائه عائلات مهمّة ‏أبرزها ‏آل العطيّة، ‏إضافة بالطبع إلى عائلة الشيخة موزة والمحيطين ‏بها والمستفيدين منها‎.‎

ظهرت مؤشرات معركة الاجنحة مبكرا حيث أشارت برقية دبلوماسية في مايو 2008 أن  القائم بالأعمال ‏الأمريكي ‏في الدوحة أشار إلى نزاع بين حمد ومسؤولين في المخابرات ‏القطرية التى يديرها محمد المسند شقيق الأميرة موزة حول ‏تورط وزير مقرب من جاسم وهو “عبدالله بن خالد آل ثاني”،وزير الداخلية ووزير الأوقاف السابق، فى دعوة مهندس تفجيرات 11 سبتمبر ومتعهد عمليات القاعدة الإرهابية منذ 1992، خالد شيخ محمد، للإقامة في قطر وتوفير وظيفه حكومية له في مصلحة المياه والكهرباء السابق ومنحه لاحقاً شقة سكنية في إحدى المجمعات .

وأشارت التقارير الأمنية إلى تسهيل وزير الداخلية القطري السابق عملية هروب خالد شيخ محمد في طائرة خاصة له وتقديم مساعدات مالية له بعد مساعٍ لجهاز المخابرات القطرى إلقاء القبض عليه في قطر للتحقيق معه .

اتهامات بالفساد

واجه حمد ‏بعد استقالته من منصب رئيس مجلس الوزراء وإعفائه ‏ من ‏منصب نائب رئيس جهاز قطر للاستثمار ‏اتهامات بالفساد والتعذيب التى جاءت فى ‏دعوى قضائية رفعها “فواز العطية” الناطق الرسمي السابق لقطر أمام المحاكم البريطانية، حيث اتهمه العطية بسجنه وتعذيبه والاستيلاء على أرض يملكها فى قطر .

و تشير الوثائق التي قدمها محامو فواز إلى أن حمد بن جاسم عرض في عام ‏‏1997 شراء 20 ألف متر مربع من فواز في غرب الدوحة ورفض العطية البيع وهو ما دفع حمد إلى الانتقام منه .

وظهر تميم كداعم للعطية حيث قام بإطلاق سراحه من السجن في أواخر ‏يناير عام 2011، حيث تم إبلاغه بأن الإفراج عنه تم ‏‏”بناء ‏على ‏تعليمات من تميم ولي عهد دولة قطر آنذاك واسقاط  كل القضايا المرفوعة ضد العطية رسميًا في ‏‏23 ‏يونيو من نفس العام  إلا أن حمد بن جاسم أقام ضده  دعوه قضائية أخرى، ‏مدعيًا أنه قام بتزوير شيك بنكي بقيمة أكثر من 3 ‏ملايين ‏ريال قطري وتم اسقاط تلك القضية بعد تدخل تميم مرة أخرى .

كما تردد أن حمد بن جاسم اشتكى لمقربين منه من ‏أن ‏الامير وعائلته هم الذين يقفون وراء الفضيحة التي لحقت ‏بابنته ‏سلوى في ‏العاصمة البريطانية والقبض عليها فى شقة للدعارة ونشرتها جريدة الفايننشال تايمز عام 2013 وأن هذه إشارة لما قد ينتظره من دفع أثمان ‏وإبعاده ‏عن دائرة التأثير وصنع القرار في قطر . ‏

ورغم عنف المواجهة بين تميم وحمد إلا أنه لم يتمكن من حسم المعركة رغم وجوده فى منصب الأمير، بل اتضح أن حمد يحظى بدعم من الأمير الوالد الذى لايزال يحتفظ بكثير من النفوذ داخل الإمارة والدليل على ذلك إدراج بن جاسم في ‏منصب “مستشار” في السفارة القطرية حتى يتمتع بالحصانة ‏القانونية بموجب اتفاقية فيينا لعام 1961، وبالتالى لا يمكن ملاحقته في أي قضية جديدة ، كما استحوذ في يونيو 2014 على 80٪ من شركة هريتاد أويل والتي ‏تم ‏إدراجها كشركة لندن للإستكشاف والإنتاج ليصبح لديه محفظة مالية جديدة ينفق بها على تحركاته الخارجية لصالح الدولة القطرية العميقة التى تتبع الوالد ولازالت بعيده عن سيطرة الأمير تميم .

تنظيم الحمدين

لم تأتى تسمية تنظيم الحمدين من فراغ ، فالعلاقة القوية التى تربط الأمير الوالد حمد بن حمد بن جاسم لازالت مستمرة وبقوة وكراهيتهم للسعودية والإمارات ومصر والبحرين تتحكم فى تحركات الإمارة الصغيرة، كما لايزال بن جاسم رغم محاولات تطويقه من جانب جناح موزة و تميم ناجحا فى التعبير عن قوة سطوة الوالد رغم وجود الأمير، فعندما حاول تميم ‏المسّ بموازنة قناة ‏‏الجزيرة بحجة أنها ضخمة جدا، والعمل على نقل قوتها للتليفزيون العربي والعربي الجديد وصرف مئات الموظّفين، أفهمه والده ‏أن هذا ممنوع وإذا تم لسبب أو لآخر يتم في أضيق الحدود وبذلك كانت قنوات “بين سبورت القطرية” هى ضحية الأزمة المالية وليست الجزيرة .

نفذت إرادة الأمير الوالد وكفت يد  تميم عن تقليص عدد موظفي قناة الجزيرة كما ‏كان يخطّط مع والدته، ومع ازدياد العبء المالي على الدولة بفعل ‏العمل على إنشاء ‏ملاعب لبطولة العالم في كرة القدم لسنة 2022، صار على تميم الاستعانة ‏بأشخاص محسوبين على حمد بن جاسم ‏لإيجاد الأموال اللازمة لتمويل ‏الدولة القطرية ومؤسساتها وسياستها الخارجية التي قيل إن تميم كان يريد ‏تغيير طبيعتها وجعلها ‏أقل عدوانية‎.‎

مصادر قطرية متطابقة أكدت أن بن جاسم نجح بعد خروجه من الوزارة فى الالتفاف على جناح موزة وتميم واستعاده نفوذه القويّ ‏داخل السلطة، ‏وعبرت مقابلاته التليفزيونية مع بى بى سى وغيرها من وسائل الإعلام الغربية وتغريداته التى يتحدث فيها باسم قطر عن رغبته في القول للعالم أنه لايزال رجل قطر القوي.

لا يمكن التكهن بمستقبل الصراع الذى لم يحسمه أي طرف لصالحه ولكن المؤكد أن معادلة الحكم داخل قطر أصبح فيها متغير جديد وهو التواجد التركي المؤثر سواء في إبعاد قطر عن أي محاولات للتصالح مع جيرانها أو تغيير أجندتها الاقتصادية والإعلامية، فقد غضبت إسطنبول بشده حينما وصلتها معلومات عن لقاءات تمت بين وزير الخارجية القطرى مع مسئولين سعوديين العام الماضى للتصالح، كما غضبت تركيا بشدة من سياسة جريدة العربى الجديد وسخرية بلال فضل مدير تحريرها المقرب من “عزمى بشارة” من أردوغان وعلي أرباش وزير الأوقاف والشؤون الدينية، وغضب أنقرة عبر عنه محمد ناصر مذيع مكملين والمقيم في إسطنبول ووثيق الصلة بالمخابرات التركية والذى خرج وأهان تميم ومستشارة عزمى بشارة .

ويبدوا أن التحرك التركى جاء على هوى حمد بن جاسم الذى لم يعلق على الأمر نهائيا ربما لعلاقته القوية برجب طيب اردوغان .

ورهانه على أن تركيا ستحسم الأمور في الإمارة بالوقت المناسب وبالتوافق مع الأمير الوالد الذى يبدو أنه غير راضي عن أداء تميم أيضا، خاصة مع تكرار الفشل بعدد من الملفات الإقليمية والأزمة الاقتصادية الأخيرة التي أثرت على عمليات بناء منشآت كأس العالم، وتراجع نفوذ الدوحة بعدد من العواصم العربية خاصة تونس ونجاح الرباعي العربي فى حصار النفوذ القطري التركي، وأخيرا الصراع الإعلامي الخفي بين الجزيرة والعربي والتي يراها الوالد انتقاصا من قوة قطر الإعلامية.

يتعامل بن جاسم بثقة شديدة مع دسائس ومؤامرات جناح تميم وموزة، ويعلم أن لعبتهم ستفشل مع الوقت لقلة الكوادر المؤهلة حولهم وتوقعه بتفاقم الأزمة الاقتصادية ووضع ثقتهم في أطراف تناصب تركيا العداء مثل عزمى بشارة والمرتبطين به، وأن تركيا ستنحاز للطرف الأقوى فى النهاية في صراع الأجنحة، ولن تحتمل أي مهاترات او خسائر للموقف التركى فى الخليج بسبب مغامرات الأمير الصغير.  

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى