دول المشرق العربي

هل تقود أزمة انفجار مرفأ بيروت إلى إسقاط حكومة حسان دياب؟

تتوالى الأزمات التي تواجه الدولة اللبنانية بشكل عام والتي تواجه الحكومة اللبنانية الحالية بشكل خاص، فإضافة إلى الأزمة الاقتصادية والمالية التي تعيشها لبنان، وكذلك الصحية جراء فيروس كورونا، اندلعت أزمة أخرى أكثر تعقيدًا تسببت في الكثير من الضحايا والمصابين وتدمير معظم العاصمة بيروت، وهى انفجار مرفأ بيروت مساء الرابع من أغسطس الجاري، ليس هذا فحسب بل سبق الأمر استقالة أحد وزراء حكومة دياب  ناصيف حتي وزير الخارجية اللبنانية في 3 أغسطس، موجهًا من خلال بيان استقالته اتهامات للإدارة الحالية في لبنان بإفتقادها إلى الرؤية والإرادة الفعلية لخروج لبنان من أزماتها.

وللحكومة الحالية طابع خاص إذ أنها تأتى بعد الحراك اللبناني في أكتوبر 2019 الذي طالب بإدارة جديدة وحكومة إنقاذ تنتشل الدولة من أزماتها المختلفة من حيث مواجهة الفساد السياسي في الدولة والأزمة المالية والاقتصادية، لكن الحكومة فشلت في تحقيق ذلك ومازالت الاتهامات تلاحقها بأنها حكومة حزب الله، بإعتباره الطرف المنبوذ من قبل قوى إقليمية ودولية، الأمر الذى رتب دخول لبنان في بؤرة التجاذبات والصراعات الإقليمية التي تهدف إلى تحجيم دور حزب الله بها، من هذا المنطلق سيتم التركيز هنا على أزمة انفجار بيروت وتداعياته وكذلك ردود الفعل اللبنانية وموقف الحكومة اللبنانية من الأزمة ومستقبل حكومة حسان دياب.

أزمة انفجار مرفأ لبنان وتداعياتها

 أدت سيطرة الإهمال الإداري على المشهد في لبنان إلى انفجار ميناء بيروت في 4 أغسطس الجاري نتيجة تخزين مواد تساعد على الاشتعال بما يقرب من 2750 طن من مادة نترات الأمونيوم التي تدخل في صناعة الأسمدة والقنابل والتي تم تخزينها في الميناء منذ 6 سنوات دون تحقيق إجراءات السلامة.

حيث بدأ الأمر بحريق في مرفأ بيروت ثم خروج سحابة دخان أبيض من العنبر رقم 12 في مستودع يقع مقابل صوامع تحزين حبوب في المرفأ، وفي السادسة مساءً اشتعلت النيران في المستوع وبدأ انفجار كبير أعقبه سلسلة انفجارات صغيرة ثم انفجار ضخم امتد تأثيره إلى تدمير المبانى المحيطة بالمرفأ، وتسبب في مقتل ما يقرب 154 شخص و إصابة نحو 5000 آخرين،  كما تشير التقديرات بأن قوة الانفجار تعادل هزة أرضية بدرجة 3.3 على مقياس ريختر وفقًا لمركز المسح الجيولوجي في الولايات المتحدة الأمريكية.

فيديو أثار ضجة... هل فعلا حلقت هذه الطائرة فوق موقع انفجار بيروت ...

ولا شك أن الأزمة تضيف إلى لبنان عبء جديد فهناك تداعيات وخيمة على مستوى البنية التحتية ووفقا لما صرح به محافظ بيروت مروان عبود فإن ما يقرب من 300 ألف نسمة أصبحوا بلا مأوى وخسائر تقدر مابين 10 إلى 15 مليار دولار. 

وعلى المستوى الصحي وفقا للاختصاصيين في اللجنة الوطنية العلمية للأمراض الجرثومية فإن الحادث تسبب في ثلاثة مشكلات أضرت بالقطاع الصحي في لبنان، أولا التلوث الكيمائي من حيث خطر ذوبان المواد البلاستكية التي تشكل حويصلات صغيرة مجهرية تتطاير في الهواء والتي يمكن استنشاقها مما يسبب مشاكل رئوية، ثانيا زيادة العبء على المستشفيات في لبنان إضافة إلى تفشى وباء كورونا ونقص المواد الطبية والأطقم الصحية، وهذا ما دفع بعض الجرحى إلى البحث عن أماكن لعلاجهم في ظل كثافة الأعداد المصابة، ثالثاً تدمير مخزون أدوية كبير في مبنى في الكرنتينا .

وحتى كتابة هذه السطور لم يتم التوصل إلى السبب الفعلى الذى أدى إلى وقوع الانفجار فهناك عدد من التفسيرات حوله بأن طائرات إسرائيلية كانت تحلق في الأجواء اللبنانية قبل الانفجار وأنها استهدفت مخازن سلاح حزب الله مما أدى إلى وقوع الأنفجار، وآخر يقول بأن أعمال لحام كانت تجرى في عنبر رقم 12 من المستودع تسببت في اندلاع الحريق حسب تصريحات لمدير مرفأ بيروت حسن قريطم .

ردود الفعل الللبنانية

تتسم ردود الفعل اللبنانية سواء على المستوى الشعبي أو السياسي بالغضب من حكومة حسان دياب وفقدان الثقة بها، فهناك اتجاه تزعمه رؤساء الحكومات السابقة وعبر عنه سعد الحريرى في تغريده له في ضوء ما توصل إليه إجتماع رؤساء الحكومات السابقة في 5 أغسطس وقد طالبوا الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية بتشكيل لجنة تحقيق دولية أو عربية من قضاة ومحققين للكشف عن ملابسات وأسباب الحادث في مدينة بيروت، وهو ما يوضح فقدان الثقة في مسؤولى الدولة الحاليين وأجهزتها برئاسة ميشال عون وحسان دياب.

أيضًا طالب وليد جنبلاط رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي في مؤتمر صحفي بضرورة السيطرة الفعلية على المرافئ والمعابر، ووجود حكومة حيادية لا معادية لتخرج لبنان من سياسة المحاور” مؤكدًا لا ثقة لدينا بالمطلق بهذه العصابة الحاكمة” .

ووجه النائب عن كتلة اللقاء الديمقراطى هادي أبو الحسن اللوم والمسؤولية للحكومة اللبنانية قائلا ” لا تهاون معكم يا سلطة الجحود والإنكار، سنستجوبكم لنزع الثقة منكم وبعدها حكومة حيادية ولتكن بداية التغيير بإرادة الشعب صاحب كلمة الفصل عبر إنتخابات مبكرة”.

إضافة إلى تظاهرات اندلعت بالأمس بالقرب من البرلمان تطالب باستقالة الحكومة وأستفرت عن سقوط عدد من الجرحي في مواجهات مع قوات الأمن ، ومن المؤسف أن يوقع أكثر من 36 ألف شخص على عريضة تطالب بعودة الاحتلال الفرنسي للبنان، مما يؤكد عدم رغبة اللبنانين في إدارة شؤونهم من قبل مسؤوليهم اللبنانيين وفقدان الثقة بهم.

موقف الحكومة اللبنانية من الأزمة

برغم كارثية الحدث في لبنان إلا أنه كشف عن عجز الأداء الحكومي والاقتصار فقط بوصف رئيس الوزراء حسان دياب بأنها محنة عصيبة لا تنفع في مواجهتها إلا الوحدة الوطنية، وأن ما حدث لن يمر دون حساب وسيدفع المسؤولون عن هذه الكارثة الثمن، إلا أنها كلمات لم تنعكس على مواجهة الأزمة ولم تعكس حجمها، وأتخذت الحكومة عددًا من القرارات في اليوم التالي لوقوع الانفجار كنتيجة طبيعية حفظاً لماء وجها ومنها:

تخصيص اعتمادات للمستشفيات لتغطية النفقات الاستشفائية للجرحى، ودفع التعويضات اللازمة لعائلات الشهداء على أن تحدد قيمتها لاحقا، وتوفير كميات من القمح بعد تلف الكميات التي كانت المخزّنة، والطلب من وزارة الأشغال العامة والنقل اتخاذ ما يلزم في سبيل تأمين عمليات الاستيراد والتصدير عبر المرافئ الاخرى غير مرفأ بيروت لا سيما طرابلس وصيدا.

ديرة نيوز | رئيس الحكومة حسان دياب: 2750 طناً من نيترات الأمونيوم ...

إضافة إلى تشكيل خلية أزمة لمتابعة تداعيات هذه الكارثة على كافة الأصعدة مؤلفة من دولة رئيس مجلس الوزراء، نائبة رئيس مجلس الوزراء ووزيرة الدفاع الوطني، ووزراء الاقتصاد الوطني، والصحة العامة، والاشغال والنقل، والداخلية والبلديات، والخارجية والمغتربين، والشؤون الاجتماعية وقائد الجيش.

أيضا حصر بيع الطحين للأفران، والتواصل مع جميع الدول وسفاراتها لتأمين المساعدات والهبات اللازمة وإنشاء صندوق خاص لهذه الغاية، وتكليف الهيئة العليا للإغاثة بتأمين إيواء العائلات التي لم تعد منازلها صالحة للسكن، والتواصل مع وزارة التربية لفتح المدارس لاستقبال هذه العائلات ومع وزير السياحة لاستخدام الفنادق لهذه الغاية أو لأي غاية مرتبطة بعمليات الإغاثة.

 إضافة إلى تشكيل لجنة تحقيق إدارية برئاسة دولة الرئيس، وعضوية نائبة الرئيس وزيرة الدفاع، وزيرة العدل، وزير الداخلية، قائد الجيش، مدير عام قوى الامن الداخلي، مدير عام الامن العام، مدير عام أمن الدولة، تكون مهمتها إدارة التحقيق في الأسباب التي أدت إلى وقوع الكارثة ورفع تقرير بالنتيجة إلى مجلس الوزراء خلال مهلة أقصاها خمسة أيام من تاريخه، وإحالة هذا التقرير إلى الجهات القضائية المختصة لاتخاذ أقصى درجات العقوبات بحق من تثبت مسؤوليته على أن لا يحول ذلك دون أن يتخذ مجلس الوزراء بحقهم ما يراه مناسبًا من تدابير أو اجراءات.

إضافة إلى إعلان بيروت مدينة منكوبة وحالة الطوارئ لمدة أسبوعين قابلة للتجديد وفقا لما صدر عن المجلس الأعلى للدفاع، والطلب من السلطة العسكرية العليا فرض الإقامة الجبرية على كل من أدار شؤون تخزين نترات الأمونيوم وحراستها وفحص ملفها منذ يونيو2014 وحتى تاريخ الانفجار .

مستقبل حكومة حسان دياب

يمكن الإشارة إلى عدد من السيناريوهات في ضوء هذه الأزمة:

الأول: في إطار فشل الحكومة في النجاة بلبنان من العديد من أزماتها، إضافة إلى بدايات الخلل بداخلها من حيث استقالة وزير خارجيتها ثم حدوث انفجار بيروت، وانتظار قرار المحكمة الدولية في قضية اغتيال رفيق الحريرى المتهم بها شخصيات تنتمى لحزب الله ورغبة اللبنانيين في استبعاد حزب الله من دائرة القرار في لبنان، فإن ذلك قد يفضي إلى احتجاجات تقود إلى إسقاط حكومة حسان دياب التى يهيمن عليها تيار 8 آذار الواجهة السياسية لحزب الله ، وهو ما بدأت مؤشراته بالتحقق في ضوء مظاهرات الأمس أمام البرلمان للمطالبة بإستقالة الحكومة.

الثانى: إستقالة عدد من الوزراء في الفترة القادمة في محاولة للنأي بالنفس عن حكومة دياب المتهمة بالفشل، والفاقدة للثقة من قبل معظم اللبنانيين، ومن ثم استمرار الخلل في الإدارة الحالية.

الثالث: اتجاه البرلمان إلى سحب الثقة من الحكومة في ضوء الموقف السياسي والشعبي الغاضب من إدارتها، ومن إجراءات انتخابات مبكرة.

الرابع: صمود الحكومة وقدرتها على معالجة الأزمات التى تواجه لبنان وتحميل مسؤولية الحادث إلى موظفين إداريين في المرفأ إلا أن ذلك لا ينفي مسؤولية الحكومة عن مواجهة الأزمات الأخرى، وهو سيناريو صعب تحقيقه في ضوء المعطيات السابقة.

+ posts

باحث ببرنامج العلاقات الدولية

رحاب الزيادي

باحث ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى