
تعليق مفاوضات السد الإثيوبي.. التداعيات والخيارات المتاحة
لم تحرز المفاوضات الأخيرة بين مصر وإثيوبيا والسودان برعاية الاتحاد الأفريقي بشأن السد الإثيوبي أي تقدم؛ إذ لم يتم التوصل حتى الآن إلى صيغ توافقية حقيقية بين أطرافها بشأن حجم التخزين، وعدد سنواته، بل طالبت مصر والسودان، الثلاثاء الماضي، بتعليق المفاوضات مع إثيوبيا لإجراء مشاورات داخلية؛ بسبب التعنت من أديس أبابا.
فقد أرسلت إثيوبيا خطابًا يقترح أن يكون الاتفاق على الملء الأول فقط للسد؛ بينما يربط اتفاق تشغيل السد على المدى البعيد بالتوصل لمعاهدة شاملة بشأن مياه النيل الأزرق، وهو ما اعتبرته مصر والسودان مخالفًا لما تم الاتفاق عليه سابقًا بشأن ضرورة التوافق على قواعد ملء وتشغيل السد
وفي خضم انسداد مسار التفاوض يُثار التساؤل حول أسباب تعليق المفاوضات، وما هي أبرز نقاط الخلاف بشأن مدى التوصل لاتفاقية قانونية ملزمة حول تشغيل وإدارة السد، وهل سيشكل التوافق المصري السوداني بشأن المفاوضات ضغطًا على إثيوبيا، وماذا سيحدث لو تم تجميد المفاوضات؟
ما الذي دار في الجولة الأخيرة من المفاوضات
استهدفت الجولة الأخيرة للمفاوضات بين مصر وإثيوبيا والسودان برعاية الاتحاد الأفريقي وبحضور المراقبين من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وخبراء مفوضية الاتحاد الأفريقي، تقريب وجهات النظر والتركيز على القضايا المعلقة بغرض الوصول لاتفاق ملزم بشأن ملء وتشغيل السد الإثيوبي. وقد تم عقد الاجتماع الثالث للجولة الثانية للتفاوض بين الدول الثلاث الثلاثاء الماضي بناء على مخرجات القمة الرئاسية الأفريقية المصغرة التي عُقدت في 21 يوليو الماضي، من أجل إنقاذ المفاوضات الوزارية المتعثرة بعد فشل اجتماعاتها الفنية والقانونية المنعقدة.
كان الاجتماع مخصصًا في إطار ما تم التوافق عليه خلال اجتماع وزراء المياه من الدول الثلاث الذي عقد الاثنين الماضي، بأن تقوم اللجان الفنية والقانونية بمناقشة النقاط الخلافية الخاصة باتفاقية ملء وتشغيل سد النهضة خلال يومي 4-5 أغسطس الجاري. إلا أنه قبل موعد عقد الاجتماع مباشرة، قام وزير المياه الإثيوبي بتوجيه خطاب لنظرائه في كل من مصر والسودان مرفقًا به مسودة خطوط إرشادية وقواعد ملء السد، لا تتضمن أي قواعد للتشغيل، ولا أي عناصر تعكس الإلزامية القانونية للاتفاق، فضلا عن عدم وجود آلية قانونية لفض النزاعات.
وقد اعتبرت مصر والسودان أن الخطاب الإثيوبي جاء خلافًا لما تم التوافق عليه في اجتماع الاثنين الماضي برئاسة وزراء المياه للدول الثلاث والذي خلص إلى ضرورة التركيز على حل النقاط الخلافية، لعرضها في اجتماع لاحق لوزراء المياه، لذلك طلبت مصر وكذلك السودان تعليق الاجتماعات لإجراء مشاورات داخلية بشأن الطرح الإثيوبي الذي يخالف ما تم الاتفاق عليه خلال قمة هيئة مكتب الاتحاد الإفريقي، وكذلك نتائج اجتماع وزراء المياه.
وفى ضوء ذلك، قامت مصر بإرسال خطاب إلى دولة جنوب أفريقيا بصفتها الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي للتأكيد على رفض الملء الأحادي لسد النهضة الذي قامت به إثيوبيا في 22 يوليو الماضي، كما تضمن الخطاب أيضًا رفض ما ورد في الخطاب الأخير الموجه من وزير المياه الإثيوبي إلى نظرائه في مصر والسودان، كما وجه وزير الري والموارد المائية السوداني خطاباً إلى وزيرة العلاقات الخارجية والتعاون الدولي في جنوب أفريقيا، وقد أوضح أن الخطاب الأخير الموجه من وزير المياه الإثيوبي يمثل تغييرًا في الموقف الإثيوبي، وخروجًا على إعلان المبادئ الموقع بين مصر وإثيوبيا والسودان في مارس 2015، وهو من شأنه يهدد استمرارية مسيرة المفاوضات التي يقودها الاتحاد الأفريقي.
تداعيات تعليق المفاوضات
لا شك أن سياسة الأمر الواقع التي تنتهجها إثيوبيا دفعت مصر والسودان للتنسيق المشترك، ورفض ما قامت به أديس أبابا منفردة بالبدء في ملء السد وإعلان انتهائها من الملء المقرر للعام الأول من دون التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم ومتكامل بشأن قواعد تشغيل السد وحجم التخزين وعدد سنواته، وهو ما سيؤثر سلبًا على الحقوق المائية للبلدين.
فقد تأثرت السودان سلبًا بما قامت به إثيوبيا من خطوة الملء الأولي للسد، فقد خرجت عدة محطات لمياه الشرب عن الخدمة في السودان، وتأثرت خزانات السدود السودانية بشكل مباشر من خلال تراجع منسوب النيل. إضافة إلى ذلك، يحذر بعض خبراء السدود من انهيار السد في السنوات القادمة، وسيؤدي انهياره إلى حدوث كارثة إنسانية كبيرة، أهمها انهيار سد الروصيرص في السودان.
وينطلق التوجه المصري حيال أزمة السد الإثيوبي من أن مياه النيل قضية وجودية لشعب مصر، والحرص على العمل التفاوضي لحل مشكلة سد النهضة، ومن ثم ضرورة التوصل لاتفاق قانوني شامل بين كل الأطراف المعنية حول قواعد ملء وتشغيل السد. وقد عملت على تقليل التداعيات السلبية لبدء ملء الخزان، من خلال وضع استراتيجية لتحلية مياه البحر وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي، إضافة إلى التوجه حول محاصيل زراعية تستخدم نسب أقل من المياه.
الخيارات المتاحة أمام مصر والسودان
كان متوقعًا حدوث انفراجة والتوصل لاتفاق ملزم بين الدول الثلاث عند إشراك الاتحاد الأفريقي في مفاوضات سد النهضة، واعتبار ذلك بمثابة فرصة للقيام بدوره في حل المشاكل الإفريقية. كما رحبت إثيوبيا بوساطة الاتحاد الأفريقي وإشراكه في المفاوضات، إلا أن إثيوبيا ترى أن دوره يقتصر على كونه مراقب فقط للمفاوضات دون الإدلاء بآراء أو محاولة تقريب وجهات النظر.
وهو ما يعنى أن إثيوبيا ترغب في أن يبقى الأمر على ما هو عليه، واتخاذ ما ترغب من خطوات أحادية، وهو ما سيزيد من تضرر مصر والسودان.
وترتيبًا على ما سبق، يمكن القول إن الخيارات المتاحة أمام مصر والسودان في حالة فشل الأطراف في التوصل إلى اتفاق ملزم إمكانية العودة لمجلس الأمن، والعمل على الخروج بقرار ملزم يمنع مواصلة ملء السدّ باعتباره تهديدًا للأمن والسلم الدوليين، خاصة في ظل التعنّت الإثيوبي والقيام بالملء المنفرد لخزان سد النهضة.
ولا شك أن التنسيق المصري السوداني حيال أزمة سد النهضة، قد يشكل ضغطًا على إثيوبيا بما يدفع المفاوضات للأمام بصورة أكبر ويتم التوصل إلى اتفاق ملزم بشأن قواعد ملء السد والتشغيل السنوي، وأحكام الجفاف والجفاف الممتد.
وختامًا، فإن تأزم المسار التفاوضي لا يعنى استحالة التوصل لاتفاق، فإذا قامت الولايات المتحدة الأمريكية في ظل إدارة الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” بالضغط على إثيوبيا من خلال حجب المساعدات لتعديل سلوكها التفاوضي، خاصة في ضوء تقارير تتحدث عن تفكير إدارة الرئيس الأمريكي حجب المساعدات عن إثيوبيا، وإذا استمر التنسيق المصري السوداني بالضغط على إثيوبيا من خلال إعادة ملف السد إلى مجلس الأمن، فإنه من الممكن أن يتم التوصل لاتفاق ملزم بين إثيوبيا ومصر والسودان.
باحثة ببرنامج العلاقات الدولية