تركيا

حرية الصحافة في تركيا: سياسات قمعية وانتقادات داخلية

يُصر رجب طيب أردوغان على سياساته القمعية التي وصلت الى إغلاق النافذة الخاصة بحرية الصحافة مرة واحدة وإلى الأبد، وذلك من خلال اعتقال عشرات الصحفيين بشكل غير قانوني والحكم عليهم بالسجن لفترات طويلة في محاكمات جائرة في جميع أنحاء تركيا، خاصة منذ محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو 2016. علاوة على تدمير التعددية الإعلامية. وزيادة الرقابة على منصات وسائل التواصل الاجتماعي والتي كانت تمثل الملاذ الآمن الأخير للصحفيين الأتراك الناقدين.

مؤشر حرية الصحافة 2020

بحسب تقارير منظمة صحافيين بلا حدود الدولية “أر سي في” الخاصة بحقوق الصحفيين، احتلت تركيا المرتبة 154 من بين 180 دولة في تقرير مؤشر حرية الصحافة العالمي لعام 2020 وتصف “مراسلون بلا حدود، تركيا بأنها “أكبر سجّان للصحفيين المحترفين في العالم”.

وجديرًا بالذكر ان المؤشر هو ترتيب سنوي للبلدان تعده منظمة مراسلون بلا حدود وتنشره بناء على تقييم المنظمة لسجل حرية الصحافة في كل دولة. ويُبني التقرير على استبيان يُرسل إلى منظمات تتشارك مع منظمة مراسلون بلا حدود منها 14 مجموعة لحرية التعبير في خمس قارات و130 مراسل حول العالم، بالإضافة إلى صحفيين، وباحثين، وقانونيين، ونشطاء في حقوق الإنسان. ويقوم الاستبيان بقياس “التعددية واستقلال وسائل الإعلام وبيئة الإعلام والرقابة الذاتية والإطار التشريعي والشفافية وجودة البنية التحتية التي تدعم إنتاج الأخبار والمعلومات.”

مؤشر حرية الصحافة في تركيا لم يكن الأول

لم يكن مؤشر صحافيين بلا حدود الوحيد الذي يكشف حقيقة حرية الصحافة وتراجعها في تركيا، فقد سبق المؤشر العديد من التقارير فبحسب تقرير نشرته “جمعية حرية التعبير ” في تركيا، فقد جرى حظر أكثر من 408 آلاف موقع في البلاد حتى نهاية العام الماضي. ونقل موقع “أحوال” عن التقرير، إنه “تحت ذريعة القانون رقم 5651، الذي تم تمريره عام 2007 لتنظيم الاتصالات عبر الإنترنت والبث عبر الإنترنت، فقد جرى حظر الوصول إلى 130 ألف عنوان موقع إلكتروني، و7 آلاف حساب على تويتر، و40 ألف تغريده فردية، وألف مقطع فيديو على يوتيوب، و6200 مشاركة على فيسبوك. كما تم حظر ما لا يقل عن 5599 مقالة إخبارية في عام 2019فقط، واضطرت شبكات الأخبار إلى إزالة 3.528 منها، لتجنب حظر أوسع على خدماتها، وفق ما أكدته الجمعية. وحذفت صحيفة “حرييت” 336 مقالا من موقعها على الإنترنت، في حين أزال موقع “ميليت 187 مقالة بينما أزال موقع “تي24 ” 171 مادة إخبارية.

وفي المنحى نفسه، يستمر منع السلطات التركية لموسوعة “ويكيبيديا” الشهيرة عالميا منذ سنة 2017 حتى اليوم.  وزادت حدة القمع في تركيا بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو 2016، ودخول البلاد في حالة طوارئ بسبب ما تقول السلطات إنه خطر أمني محدق. ففي سنة 2017 التي تلت محاولة الانقلاب، تم إصدار 6 أوامر بحظر البث ونزع بطاقة صحفية واحدة، فضلا عن إغلاق 3 منابر إعلام بموجب مراسيم حكومية.

غير ان تورط تركيا العسكري في ليبيا وسوريا وقضية المهاجرين وسعت نطاق المواضيع التي تخضع للرقابة واستحواذ التكتلات المؤيدة للحكومة على المنافذ الاعلامية لتعزيز موقف أردوغان واسكات ما تبقي من الاصوات المعارضة في المجتمع التركي.

سياسة سجن الصحفيين المعارضين في تركيا

وفقًا لمركز ستوكهولم للحرية (وهو مركز حقوقي غير حكومي مقره السويد)، الذي يراقب حرية الصحافة في تركيا، يقبع حوالي 175 صحفيًا حاليًا وراء القضبان في السجون التركية، وتظهر بيانات المركز أيضا أن ما لا يقل عن 168 صحفيا اضطروا للعيش في المنفى. إضافة الى حظر الوصول إلى حوالي نصف مليون موقع، حتى نهاية عام 2019.

وأكد المعهد الدولي للصحافة في فيينا أن تركيا تُعد حاليًا الأكثر سجنا للصحفيين في العالم بعدد قياسي تجاوز 120 شخصًا، كما أن وضع الإعلام لم يتحسن رغم إنهاء حالة الطوارئ.

وأوضح في تقرير له أنه منذ محاولة الانقلاب واجه مئات الصحفيين محاكمات لتهم معظمها مرتبط بـالإرهاب. وأضاف أن وراء هذه الأرقام تكمن قصة الانتهاكات الجسيمة للحقوق الأساسية ويُحتجز عشرات الصحفيين شهورا وأحيانا سنوات قيد المحاكمة في أخطر التهم ذات الصلة بالإرهاب، وفي كثير من القضايا دون اتهام رسمي.

قانون التواصل الاجتماعي في تركيا.. مزيدًا من التقييد

في عام 2020 وافق البرلمان التركي على قانون جديد للتحكم في منصات التواصل الاجتماعي، في خطوة تصفها جماعات ناشطة في مجال حقوق الإنسان بأنها تمثل تهديدا لحرية التعبير. 

ما الذي يعنيه القانون الجديد بالنسبة إلى وسائل التواصل الاجتماعي؟

يقضي القانون بأن يكون لشركات مواقع التواصل الاجتماعي، التي يستخدمها أكثر من مليون شخص، مسؤولون محليون في تركيا، وأن تلتزم تلك الشركات بمطالب الحكومة إن رغبت في شطب محتوى ما. وإذا رفضت الشركات هذا، فإنها ستدفع غرامة، وقد تُخفض سرعات نقل بياناتها. ووفقًا لـ BBC تنطبق تلك التغييرات على شركات ومنصات كثيرة، منها شركات التكنولوجيا العملاقة: فيسبوك، وغوغل، وتيك توك، وتويتر.

وقد تواجه منصات التواصل الاجتماعي، في ظل القانون الجديد، قطع نطاق ترددات نقل الإشارات، بحد يصل إلى 95 %، بما يعرقل استخدام المتابعين لتلك المنصات. ويتطلب التشريع الجديد أيضا من شبكات وسائل التواصل الاجتماعي حفظ بيانات المستخدمين في تركيا.

انتقادات داخلية

صرحت نقابة الصحافيين في تركيا (TGC) بمناسبة يوم الصحافيين، في 6 إبريل بان “الصحافة في بلادهم تمر باختبار أكثر صعوبة من أي وقت مضى”. فيما صدرت انتقادات من سياسيين ونواب في تركيا لحزمة الإصلاح القضائي الجديدة بسبب استثنائها من “العفو العام” السجناء السياسيين والصحفيين سجناء الرأي ممن توجه لهم في العادة تهمة “الإرهاب”.

كما صرح حزب الشعب الجمهوري وهو أكبر حزب معارض في البرلمان التركي، في دراسة اصدرها بعنوان “تركيا السلطوية وتخريب وسائل الإعلام” أفاد فيه ان حزب العدالة والتنمية كحزب حكومي يراقب 95 % من وسائل الإعلام، ويحجب الحقائق عن المجتمع التركي في ظل ازدياد التعتيم الاعلامي. 

هذا بجانب ادانة منظمة “هيومن رايتس وواتش” وتصريحها بأن الحكومة التركية تقوم بإسكات وسائل الاعلام المستقلة في محاولة لمنع التدقيق أو النقد لحملتها القمعية القاسية على المعارضين. مما حرم المجتمع التركي من الوصول إلى التدفق المنتظم للمعلومات المستقلة من الصحف المحلية والإذاعات ومحطات التلفزيون حول التطورات في البلاد.

انعدام الثقة

أفادت دراسة لمركز التقدم الأمريكي (Center for American Progress-CAP)، تحت عنوان “الشكل المتغير للإعلام في تركيا”، بان 72% من الشعب التركي لا يثق في الإعلام بالرغم من زيادة متابعاتهم لوسائل الإعلام عبر الإنترنت في الفترة الأخيرة.

كما كشفت الدراسة بأن نحو 50% من أنصار ومؤيدي حزب العدالة والتنمية الحاكم يرون أن الإعلام في البلاد منحاز وغير محايد ولا يمكن الوثوق فيه، مشيرة إلى أن النسبة ترتفع بين أنصار حزب الحركة القومية المتحالف مع حزب العدالة والتنمية لتصل إلى63%. وأكدت الدراسة أن 56% من المشاركين يرون أن الإعلام في البلاد غير حر وأنه يخضع لسيطرة الحكومة.

تراجع مبيعات الصحف

تراجع مبيعات الصحف في تركيا 50% والعقوبات عليها أصبحت روتينًا

كشف تقرير رسمي أن أعداد الصحف والمجلات في تركيا تراجع خلال عام 2019 بنحو 8%، بالإضافة إلى حدوث تراجع كبير في مبيعاتها وصل إلى 50% خلال السنوات العشر الأخيرة، في ظل ضغوط تمارسها الحكومة.

من جانب آخر، كشفت النائبة البرلمانية عن حزب الشعب الجمهوري أمينة كوليزار أمجان أن الحكومة تضغط على الصحف المعارضة بسلاح حجب الإعلانات الحكومية عنها. ونقلت البرلمانية ملف قطع الإعلانات الحكومية عن الصحف إلى أجندة البرلمان، حيث تقدمت بطلب إحاطة موجه لنائب الرئيس فؤاد أوكتاي.
كما تساءلت النائبة المعارضة عما إذا كانت عقوبات قطع الإعلانات عن الصحف تحولت إلى سيف مسلّط على الصحف ووسائل الإعلام المعارضة من أجل تكميم أفواهها، مؤكدة أن السلطة السياسية الحاكمة تسعى إلى إخضاع جميع وسائل الإعلام لنفسها من خلال سياسة الجزرة أو العصا.

وختامًا يزداد المشهد التركي قتامة وسط إصرار أردوغان على إحكام قبضته الحديدة على مفاصل الدولة وأجهزتها، وتمرير سياساته القمعية على كل من تُخول له نفسه معارضة سياساته التي أدخلت تركيا في نفق مظلم خاصة منذ محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى