
“بلومبرج”: تراجع معدلات المواليد في الولايات المتحدة سيشكل خطورة على النشاط الاقتصادي
نشرت وكالة (Bloomberg) مقالًا بتاريخ التاسع والعشرين من يوليو للكاتب “peter coy” حول مدى خطورة انخفاض معدل المواليد في الولايات المتحدة على النشاط الاقتصادي. وفيما يلي عرض لهذا المقال.
يؤثر تراجع معدل المواليد بشكل مباشر وواسع النطاق على الاداء الاقتصادي، لأن عدد أقل من السكان يعني انخفاض معدلات الإنتاج والتوظيف، وتراجع مستويات الانفاق الاستهلاكي فضلًا عن انخفاض الضرائب في المستقبل، ولهذا يترك انخفاض معدل المواليد الحالي بصمته على كلٍ من جانبي الطلب والعرض.
وكان من المتوقع أن يتزايد أعداد المواليد خلال فترة الحجر الصحي والإغلاق الاقتصادي المترتبة على تفشي وباء كورونا في أكبر اقتصاد بالعالم، إلا أن ما حدث كان العكس تمامًا، حيث زاد الإقبال على وسائل منع الحمل وعقاقير الإجهاض خلال الفترة الماضية، كما قام معهد ” Guttmache” بإجراء مسح على ألفي أمرأة أمريكية خلال الفترة بين أواخر أبريل وأوائل مايو؛ ليجد أن 34% من النساء –اللاتي شملهن المسح- يرغبن في تأخير الحمل أو أنجاب عدد أقل من الأطفال نتيجة لانتشار الوباء.
وفي يونيو الماضي، أصدر معهد “بروكينغز” دراسة توقعت انخفاض عدد الأطفال المولودين في الولايات المتحدة بما يتراوح بين 300 ألف طفل إلى 500 ألف طفل بحلول عام 2021 مقارنة بالمستوى الذي كان من المفترض تحقيقه في ظل غياب أزمة كورونا، وهو ما يمثل انخفاضًا بنحو 10% مقابل عام 2019. وهذا يعني أن مقدار الانخفاض في معدل المواليد سوف يتجاوز عدد وفيات الأمريكيين بفعل فيروس كورونا والذي يتجاوز الآن مستوى الـ 150 ألف شخص.
وأرجع بعض الباحثين –كما سبق القول- سبب هذا الانخفاض في المواليد إلى انتشار الوباء وما ترتب عليه من سوء الأحوال الاقتصادية وتسريح العمالة من المصانع والشركات مما أدى إلى إعادة تفكير الأسرة بشكل معمق في عواقب ولادة طفل جديد في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة، كما أشار الباحث الديموغرافي “سيرجيو ديلا بيرجولا” إلى وجود علاقة إحصائية وثيقة بين معنويات المستهلكين ومعدل الخصوبة وهو ما يعطي مبررًا لسلوك المجتمع الأمريكي تجاه إنجاب المزيد من الأطفال، وفيما يلي عرض لمؤشر ثقة المستهلكين “ economic sentiment indicator” خلال الشهور السبع الماضية:
الشكل (1): مؤشر ثقة المستهلكين – شهريًا
Source: Trading Economics.
يتضح من الرسم السابق أن مؤشر ثقة المستهلكين يتراجع منذ بداية العام وحتى يوليو الماضي إلى 72.5 نقطة مقارنة مع 78.1 نقطة في شهر يوليو. وبناء على ذلك، توقع الاقتصاديون أن يستمر التراجع في معدلات الإنجاب حتى تتحسن معنويات المستهلكين.
فيما رأي البعض الآخر أن الوباء ليس السبب الوحيد في تأخير اتخاذ قرارات الحمل والأنجاب داخل الأسرة الأمريكية لاسيما في ظل التكلفة المرتفعة لرعاية الأطفال والتعليم والتأمين الصحي، وهي أسباب ستظل قائمة حتى مع انتهاء الوباء وتجاوز تداعياته الاقتصادية، مستدلين بذلك ببعض المؤشرات التي أظهرت تراجعًا ملحوظًا على مدار السنوات الماضية وحتى قبل انتشار كورونا.
1. معدل المواليد:
يتسم الاتجاه العام لمعدل المواليد السنوي في الولايات المتحدة بالانخفاض بشكل مستمر.فمنذ عام 2010 لم يتجاوز معدل المواليد مستوى الأربعة آلاف مولود. وهو ما يتضح على النحو الآتي.
الشكل (2): معدل المواليد سنويًا
Source: National Center for Health Statistics.
ومع وصول عدد المواليد في الولايات المتحدة إلى 3.7 مليون مولود خلال 2019، يكون عدد الولادات قد سجل أدنى مستوياته منذ 1985.وباستثناء الزيادة في العام 2014، يستمر عدد الولادات بالتراجع منذ العام 2007.
2. معدل الخصوبة:
سجل معدل الخصوبة في العام 2019 المستوى الأدنى على الإطلاق مع 1.68 طفل لكل امرأة، وهذا المعدل أقل بكثير من المعدل الضروري لتجدد الأجيال (2.1 طفل لكل امرأة)، وهو ما يتبين من الرسم السابق.
الشكل (3): معدل الخصوبة السنوي (عدد الأطفال لكل أمرأة)
Source: World Bank.
يتضح من الرسم السابق تراجع عدد الأطفال المواليد لكل أمرأة في الولايات المتحدة على مدار التسع سنوات الماضية، وقد تراجع معدل الخصوبة في كل الفئات العمرية باستثناء النساء بين سن 40 و44 عاما. واستمر التراجع في الفئة العمرية 15-19 سنة ليصل إلى أدنى مستوى له ببلوغه 16.6 ولادة لكل ألف مراهقة أي أقل بنسبة 5 % عن 2018.
وأخيرًا، يُمكن القول أن وباء كورونا ليس السبب الوحيد أو الرئيسي لانخفاض معدلات الخصوبة في الولايات المتحدة كما يشير البعض؛ إذ ترجع هذه الظاهرة إلى العديد من السنوات الماضية، وربما كان الفيروس سببًا إضافيًا فقط لا غير.