
تداعيات قانون “قيصر” الأمريكي على مصالح مصر
يطرح قانون “قيصر” الذي أصدرته الولايات المتحدة لحماية المدنيين في سوريا، ويشمل عقوبات على نظام “الأسد” وحلفائه خاصة روسيا وإيران، تداعيات غير مباشرة على البيئة الإقليمية المحيطة بالأمن القومي المصري في الشرق الأوسط، فهل تتأثر مصالح القاهرة بهذا القانون؟
الأطراف المستهدفة: دخل قانون “قيصر لحماية المدنيين في سوريا” حيز التنفيذ منتصف يونيو الماضي، بعد ستة أشهر من إقراره بالكونجرس وتوقيع الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” عليه، ويتضمن “قيصر” عدة حزم عقابية ستفرض على النظام السوري ومؤسساته ورجال الأعمال السوريين المتعاونين معه، إلى جانب الأفراد والشركات والمؤسسات الروسية والإيرانية المنخرطين بأنشطة ترمي إلى دعم دمشق والرئيس “بشار الأسد”. لكن تداعيات القانون لا تقتصر على هذه الأطراف فحسب، وإنما قد تمتد إلى منطقة الشرق الأوسط التي تشهد اضطرابات وصراعات.
تعطيل إعادة الإعمار
منذ إعلان القضاء على تنظيم “داعش” في سوريا، ديسمبر2017، بدأت العديد من الدول البحث في فرصة الانخراط بأنشطة إعادة الإعمار، والمتراوحة قيمتها بين 300-900 مليار دولار. وسعت مصر لدراسة فرص مشاركتها مستهدفةً استحواذ نسبة (20-25%) من إجمالي المشروعات، وجرى تبادل الوفود بين المؤسسات المصرية والسورية -الرسمية والخاصة- للتباحث حول دور واسع للشركات المصرية في إعادة إعمار سوريا. ومع اشتمال قانون “قيصر” على عقوبات تتعلق بمجالات إعادة الإعمار بشكل عام، وقطاع التشييد بشكل خاص، فإن كافة البرامج التي جرى التنسيق والعمل عليها خلال الفترة الماضية مُعرّضة للتعطيل أو الإلغاء التام، وهي تمثل فرصة استثمارية واعدة لمصر، إلى جانب كونها فرصة لدعم استقرار الدولة السورية.
تهديدات أمنية
مع توقف مشروعات إعادة الإعمار، وتفاقم أزمات السيولة وانهيار قيمة العملة، تتصاعد احتمالات تراجع قدرة الدولة السورية الاقتصادية، لاسيما مع إعلان الولايات المتحدة نيتها البحث في فرض عقوبات على التعامل مع المصرف المركزي السوري، واعتباره مؤسسة تعمل بأنشطة غير قانونية “غسيل الأموال”. كما ستقود حالة التراجع الاقتصادي وفعالية المؤسسات الرسمية إلى ضعف تماسكها في وجه التهديدات الأمنية، التي تضافرت الجهود الدولية لمواجهتها في أوقات سابقة، وعلى رأسها خطر عودة تنظيم “داعش” للتمركز والظهور من جديد. وهو ما يمثل تهديدًا للأمن القومي المصري؛ حيث تتبنى مصر مقاربة شاملة لمكافحة الإرهاب، تتصل في بعض جوانبها بالتعاون الأمني وأنشطة تبادل معلومات حول تلك التنظيمات والعناصر الهاربة منها والتي قد تمثل خطورةً على أمن الإقليم.
تحويل الضغط لليمن
تظهر تحركات جماعة “الحوثي” باليمن الموالية لإيران اتجاهًا للتصعيد، وقد تتحرك لتهديد سلامة الملاحة بالبحر الأحمر ومضيق باب المندب، عبر استخدام الزوارق المفخخة أو نشر الألغام بالمجرى الملاحي؛ لإظهار أنها مستمرة في أنشطتها رغم الضغوط القصوى المفروضة على طهران وحزب الله، وتخفيض حدة التركيز الأمريكي على تحركات طهران، وهو تهديد مباشر للمصالح المصرية التي ترتبط بأمن الملاحة في تلك المنطقة. ولكن أنشطة القوات البحرية المصرية، وإنشاء الأسطول الجنوبي سيمكنها من فرض السيطرة وتأمين البحر الأحمر من كافة التهديدات المُحتملة.
تهديدات المرتزقة
قد تتزايد وتيرة عمليات انتقال المرتزقة السوريين من مناطق الشمال الغربي “إدلب” إلى الغرب الليبي، التي تديرها أنقرة لدعم حكومة الوفاق، وهو ما سيؤدي إلى تقويض جهود الحوار والتسوية السياسية للأزمة، ويهدد بتجدد دورات الصراع بشكل أكثر دموية، وهو ما يمثل تهديدًا لسلامة ووحدة الدولة الوطنية الليبية ومقدراتها، والتي تمثل ثوابت الرؤية المصرية لأمنها القومي تجاه الصراع الليبي. وفي ظل نجاح التنسيق المصري مع الأطراف الدولية حول الشأن الليبي، والخطوات المعتدلة نحو تدعيم الحوار السياسي، تحظى القاهرة بدعم كبير لجهودها الرامية للحل وتحييد اتجاهات الأطراف الأخرى لاستثمار الصراع.
الاتجاه نحو ليبيا
حيث إن تقليص الفواعل الداعمين لدمشق لانخراطهم بالصراع السوري قد يقودهم البحث عن أدوار موازية في صراعات أخرى، وأبدت إيران مؤخرًا اهتمامها بمجريات الصراع الليبي ودعم حكومة السراج، كما كشفت عدة تقارير عن وجود عمليات استطلاع إسرائيلية للسواحل الليبية رغبةً في متابعة الأنشطة الإيرانية. وبذلك الطرح، فان الصراع الليبي قد يتأزم بفعل محاولات إيجاد أدوار للدول التي كانت فاعلة بالصراع السوري، وهو أمر بالغ التعقيد سيعزز من حالة الصراع القائم، وهو تهديد داهم على الأمن القومي المصري.
السعي للتغلغل بالعراق
برزت عدة تحركات تركية-إيرانية في هذا الإطار، حيث تزامن خطوات طهران لاستهداف الأكراد بمناطق شمال شرق العراق مع عملية تركية بمناطق الشمال والشمال الغربي، وهو ما ينذر بأن بوابة الأمن القومي العربي والمصري الشرقية “العراق” ستجر من جديد لموجات من التدخلات ومحاولات جرها لتصبح ساحة للمواجهة والتصعيد بما يهدد استقرار وأمن الإقليم. وقد نجحت مصر في صياغة تفاهم داخل أروقة الجامعة العربية لدعم سيادة العراق ورفض الانتهاكات الخارجية لسيادته، وهو مسار قادر على تحقيق الاستقرار، ووقف محاولات جره ليكون ميدان للمواجهة الإقليمية.
تصاعد المواجهات الإقليمية
شهدت الفترة الماضية تركيزًا لدور التنظيمات والجماعات المسلحة على التماهي مع مشروعات بعض الدول الإقليمية العابرة للحدود، ما يهدد باتجاه بتصاعد الصراعات المحلية التي تتفاعل بها تلك الفواعل لجذب الأنظار عن مجريات الوضع السوري. ولعل أبرز هذه النماذج الهجمات الحوثية على الأراضي السعودية، كذلك الاحتجاجات اللبنانية على أنشطة حزب الله، والتي قد تقود إلى إشعال مواجهة مع إسرائيل لكبح الاحتجاجات ضده، وتصاعد المواجهات الإقليمية هو تهديد لدائرة الأمن القومي المصري الأكثر اتصالًا بأمن واهتمام القاهرة.
ومُجمل القول، إن قانون “قيصر” قد يؤدي إلى عدة نتائج يمكن أن تقود إلى تأثيرات متعددة على الأمن القومي المصري، ولدى الدولة المصرية العديد من المسارات والأدوات لمواجهة تلك التداعيات، ولكن سرعة التحرك والتعاطي بفاعلية سيكون له دور كبير في خفض تلك التأثيرات إلى أدنى مستوياتها. لذا تتصاعد أهمية تفعيل دور الجامعة العربية لمواجهة أنشطة الدول الهادفة لتقويض استقرار المنطقة، والتنسيق مع الأمم المتحدة لضبط بوصلة الحوار السياسي بالدول التي تشهد صراعات وتداخلات خارجية تهدد وحدتها وسلامتها، بالتزامن مع جولات الدبلوماسية المصرية للتنسيق مع الدول التي تتشارك معها الرؤى.