
أستاذ تركي يلقي نظرة شاملة لمركز “كارنيجي” على مستقبل “الطموحات التركية” في المنطقة
أجرى مركز “كارنيجي للشرق الاوسط” حوارًا مع “سولي أوزيل” المحاضر أول في جامعة قادر هاس في إسطنبول التركية وقد حل محاضراً ضيفاً على العديد من الجامعات الدولية المبرى، لمناقشة الطموحات التركية في المنطقة، ومستقبل العلاقات التركية مع الدول النافذة عند أطراف المنطقة العربية مثل إيران وإسرائيل، وآفاق العلاقات التركية مع حلف شمال الأطلسي (ناتو).
إحياء الدور التركي في المنطقة وتحول القوى الناعمة للصلبة
أوضح اوزيل ان حكومة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان تهدف إلى تحويل البلاد لقوة إقليمية مهيمنة وإعادة إحياء الدور التركي في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، ودلل على ذلك بتصريحات أحمد داوود أوغلو الذي كان يشغل منصب وزير الخارجية في عام ٢٠٠٩ وأصبح رئيسا للوزراء عام ٢٠١٤، عن وصف تركيا بأنها “قوة إقليمية ذات امتداد عالمي”.
وأضاف أن السياسة الخارجية التركية لفرض نفوذها من القوة الناعمة سابقًا تحولت إلى استخدام القوة الصلبة والتى تعد الأداة المفضلة لتركيا عقب الانتفاضات العربية، وبصورة خاصة إثر المحاولة الانقلابية في تركيا في 15 يوليو 2016.
وتناول سولي كيف دفعت المدارس الفكرية النظرة التوسعية لحكومات حزب العدالة والتنمية وذلك منذ انتهاء الحرب الباردة، وأن الرؤية الاستراتيجية الأكثر توجّهًا نحو الإسلام التي يعتمدها حزب العدالة والتنمية والرؤى الاستراتيجية الأكثر قومية والمناهِضة حكمًا للغرب التي تتبناها النخب المدنية والعسكرية التي ينتمي بعضها إلى مدرسة الفكر الأوراسية تقاطعت في دعمها للسياسات التي تحبّذ ممارسة القوة، وإنشاء القواعد العسكرية، وتعزيز الحقوق البحرية، وامتلاك حرية تحرّك واسعة ومستقلة لتحقيق المصالح التركية. تقوم سياسات أردوغان في شرق المتوسط وليبيا، والتي كان قد طوّرها ضباط قوميون علمانيون، على عقيدة تُعرَف بـ “الوطن الأزرق”.
التنافس التركي لقيادة العالم الإسلامي السني
أشار “سولي أوزيل” إلى تداخل سياسات أردوغان مع التنافس الأيديولوجي الجيوسياسي مع مصر ودول الخليج في محاولة تركية لقيادة العالم المسلم السني، وتقوم بحملة متواصلة لتشييد المساجد وتأمين جماعة الإخوان المسلمين حول العالم، ورسم صورة مفادها مناصرة قضية المسلمين إلا ما يتعارض مع مصالحها الاقتصادية والجيوسياسية، كما ظهر في موقفها الصامت من قضية الإيجور.
وأوضح أن قرار تحويل آيا صوفيا إلى مسجد بالرغم من انطلاقه لاعتبارات داخلية، إلا أنه صب في صالح حلم أردوغان لقيادة العالم السني، وكيف صوّره بيان الرئاسة التركية في نسخته العربية بأنه لبّى أحد أهم التطلعات السياسية للإسلام السياسي التركي، والتأكيد على أنه قرار سيادي لتركيا، وذلك نظرًا لردود الأفعال الغربية “الخافتة”، وهي عكس ما كان متوقعًا لدى أردوغان، مما أكد السيادة التركية ووصايتها على التراث الإسلامي، وعزز تلك الصورة.
ليبيا بين قيادة العالم الإسلامي والدعم الأمريكي الخفي
عن الدعم الأمريكي الخفي للوجود التركي في ليبيا، أشار أوزيل إلى أن أردوغان هو الشخصية الأكثر اتصالًا بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب وفقًا لما ورد في تقارير إخبارية عدة وفي مذكرات مستشار الأمن القومي الأميركي السابق جون بولتون، موضحًا أن تركيا تعتمد على دعم أمريكي ضمني على الأقل في ليبيا.
وعن ديناميكية وصف أردوغان نفسه القائد السني لمجتمعات العالم العربي، أوضح أن تركيا عمدت على بناء تحالف وثيق مع قطر، سبقه تحالف قوى مع المملكة العربية السعودية قبل صعود جماعة الإخوان المسلمين للحكم، وأثار عزل محمد مرسي عقب ثورة يونيو ٢٠١٣ تدهور العلاقات بين مصر وتركيا. وحاول أردوغان تكوين تحالف مع الملك سلمان في القضية السورية، ولكن أدى التدخل الروسي بكامل قوته في الحرب ساهم في إنقاذ النظام السوري وبالتالي منيت هذه المجهودات بالفشل.
ومنذ ذلك الوقت، تدهورت إلى حد كبير العلاقات التركية مع السعودية والإمارات العربية المتحدة اللتين تقفان إلى جانب مصر. وقد اصطفت تركيا إلى جانب قطر التي بنت فيها قاعدة عسكرية، عقب مقاطعة الدوحة. كما نشرت فرقة عسكرية صغيرة لتقديم المساعدة إلى الإمارة.
مستقبل العلاقات التركية مع إيران وإسرائيل
تناول أوزيل كيف اختلف الموقف التركي من الملف النووي الإيراني ومعارضة نظام العقوبات على إيران، عكس السعودية أو إسرائيل، فيما أوضح ان تركيا لديها تحفظات بشأن البرنامج، وأطماع طهران الإقليمية او مايعرف بالهلال الشيعي والتباين الشديد بين أهداف القوتين في سوريا والعراق، لكن طالما ساهمت أنقرة في تقويض العقوبات. لكنها توقفت مؤخرًا عن شراء النفط من إيران المجاورة، وتحالفت تركيا وإيران حول الملف السوري مع روسيا في عملية أستانة.
وأضاف انه بينما تدعي الدولتان مناصرة الفلسطينيين، إلا أن تركيا تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، وأن هناك مؤشرات توحي بتواصل التعاون الاستخباري بين إسرائيل وتركيا على الرغم من النفور والعداوة الشخصية بين أردوغان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو،
وأوضح أن الكثيرين يرون تعذر تصويب العلاقات الإسرائيلية التركية، كما لا يتوقع حدوث تحسّن كبير في العلاقات في المدى المنظور، نظرًا للعلاقة الوثيقة التي تربط إسرائيل بمصر واليونان والإدارة اليونانية في قبرص، والتعاون الإسرائيلي مع هذه الأطراف في شؤون الطاقة في شرق المتوسط، لكن الموجب الاستراتيجي الذي يربط بين إسرائيل وتركيا لايزال قائمًا.
ودلل على ذلك اختيار إسرائيل ألا تكون جزءًا من البيان المشترك الذي أصدره شركاء إسرائيل في مشروع خط الأنابيب “إيست ميد” والإمارات في 11 مايو، والذي وجّهوا فيه انتقادات لاذعة لتركيا وتحركاتها، كما لم يُبدِ نتنياهو تجاوبًا مع رسائل القلق التي وجّهها نظيره اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس بشأن تركيا خلال زيارته إلى إسرائيل في يونيو.
وأخيراً، إن الرد التركي تجاه إسرائيل إذا شرعت في ضم جزء من الضفة الغربية، سيكون لفظيا في غالب الظن.
السياسة الخارجية التركية بين الإجهاض الاقتصادي والعلاقات مع حلف الناتو
وعن الوضع الاقتصادي التركي نتيجة التدخلات الخارجية، يرى أوزيل أنه من المستبعد أن تغادر تركيا المناطق التي دخلتها منذ أغسطس ٢٠١٨، وبالرغم من إجهاض التطلعات التركية لتغيير النظام في سوريا، إلا أن هذا التواجد ضمن لها نسخة جزئية من منطقتها الأمنية المنشودة، مما أتاح لها أن تحجز لنفسها مكانًا في موقع الفريق الفاعل في مرحلة مابعد النزاع.
في ليبيا، قلبت تركيا المعادلة عسكريًا ضد المشير خليفة حفتر الذي يحظى بالدعم من السعودية والإمارات ومصر وفرنسا وروسيا، وثبّتت نفسها لاعبًا لا يُستهان به في الساحة الليبية. وينبغي عليها الآن أن تُحوّل المكسب العسكري الذي حققته إلى عملية دبلوماسية، نظرًا إلى أن الاقتصاد التركي في وضعه الراهن لن يتمكّن على الأرجح من دعم هذه المغامرات الطموحة في السياسة الخارجية إلى ما لانهاية.
وعن العلاقة التركية في حلف الناتو، استشهد أوزيل عن التواجد التركي القوي بحلف الناتو على الرغم من شرائها منظومة إس ٤٠٠ الروسية، بتصريحات وزير الدفاع التركي خلوصي أكار في منتدى الدوحة التاسع عشر في ديسمبر الماضي “نحن في صلب الناتو. لن نذهب إلى أي مكان، نحن داخل الناتو”.
وتلجأ تركيا للحلف لضمان أمنها بالرغم من محاولاتها لتحقيق الاستقلال الجزئي من خلال المشاركة في مناورات الناتو حتى في مناطق لاتقع تقليديًا ضمن دائرة اهتمامها. وقد ظهرت حدود المودّة التركية حيال روسيا في أيار الماضي عندما قامت طائرتان أميركيتان من طراز “بي-1 لانسر” بإعادة التزوّد بالوقود في المجال الجوي التركي فوق البحر الأسود. فقد حملت هذه الحادثة دلالات بالغة الأهمية على ضوء المحاولات التي بذلتها تركيا، بالاشتراك مع روسيا، منذ نهاية الحرب الباردة من أجل منع الولايات المتحدة والناتو من الوصول إلى البحر الأسود.
وهو مايشير لعلاقتها الاستراتيجية الوطيدة مع موسكو، واستيائها العميق من حلفائها في الناتو بسبب عدم تضامنهم مع الحكومة التركية المنتخَبة خلال المحاولة الانقلابية الفاشلة.