
ميناء “بربرة”… مجال للتنافس بأرض الصومال
أصبحت منطقة القرن الأفريقي معملًا بحريًا حيث تمتلك كل قوة كبرى الآن قاعدة عسكرية أو تبحث عن واحدة، حيث تتنافس القوى الإقليمية والدولية على هذه المنطقة لدوافع مختلفة من خلال اللجوء إلى العديد من الأدوات مثل القوة الناعمة والدعم الاقتصادي والمساعدات الإنسانية، والوجود العسكري بأشكال وأحجام مختلفة.
لطالما اجتذبت بربرة وزيلة، وهما من المدن التجارية القديمة في القرن الأفريقي، اهتمام القوى العالمية بسبب موقعهما الاستراتيجي بالقرب من مضيق باب المندب الذي يربط خليج عدن والبحر الأحمر، ولذا تُعد الموانئ الساحلية في أرض الصومال من بين الأكثر قيمة في المنطقة، وبديلًا لجيبوتي كلاعب رئيسي من حيث التجارة والتنمية والطاقة والأمن المائي للبحر الأحمر والقرن الأفريقي.
تقع أرض الصومال ذات الحكم الذاتي في الجزء الشمالي من الصومال، يحدها من الجنوب والغرب دولة إثيوبيا، ومن الشمال الغربي دولة جيبوتي، وخليج عدن في الشمال، وفي الشرق يحدها إقليم بونتلاند التابع للحكومة الفيدرالية الصومالية. ولها موقع استراتيجي في القرن الأفريقي له أهمية بالغة لشركات النفط العالمية بسبب قربه من منابع بترول الخليج، ومن المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، كما أنها تُعد ممرًا مهمًا لأي تحركات عسكرية قادمة من أوروبا أو الولايات المتحدة تجاه منطقة الخليج العربي، إضافة إلى تعدد الموارد الطبيعية خاصًة النفط والأراضي الزراعية الخصبة والثروة الحيوانية الهائلة التي تتمتع بها أرض الصومال.
ميناء بربرة… موقع مهم
أدرك المستكشف البريطاني “ريتشارد بيرتون” أهمية ميناء بربرة عام 1896، قال “بربرة المفتاح الحقيقي للبحر الأحمر، ومركز حركة المرور في شرق أفريقيا، والمكان الآمن الوحيد للشحن على الساحل الإريتري الغربي”. ويُعدُّ ميناء بربرة من بين الممرات القليلة التي تخدم الأغراض العسكرية والتجارية على حدٍ سواء في منطقة القرن الأفريقي.
يمر حوالي 30 بالمائة من النفط الخام العالمي المنقول على متن السفن على بعد أميال قليلة من ميناء بربرة، ويحتوي الميناء على محطة غاز النفط المسال تبلغ قدرتها 1200 ميجا طن مقارنةً بـ 600 ميجا طن لمحطة جيبوتي لغاز النفط المسال، مما يجعل محطة بربرة لغاز النفط المسال الأكبر في منطقة القرن الأفريقي، ونتيجة لذلك أصبحت أرض الصومال مثل جارتها جيبوتي التي ظهرت كمركز للمنشآت العسكرية الأجنبية، ولذا تهتم العديد من الدول وفى مقدمتها؛ إثيوبيا، والإمارات العربية المتحدة والصين وتايوان، وتركيا وغيرها بميناء بربرة.
وعليه، وقعت الحكومة الإثيوبية على اتفاقية ثلاثية مع الإمارات وأرض الصومال تمنح أديس أبابا امتيازًا لمدة 30 عامًا لتطوير وإدارة الميناء، ويصبح لدى إثيوبيا حصة كبيرة في صفقة ميناء بربرة وتتطلع إلى الفرص الاقتصادية التي يوفرها الميناء والممر التجاري لربطها بالساحل، كما أن كينيا عازمة على تعزيز علاقاتها مع أرض الصومال، وهي خطوة تتخذها على خلفية التصعيد الأخير في نزاعها الحدودي البحري مع الصومال.
إمكانات وآفاق واعدة
وقعت سلطات أرض الصومال مع دولة الإمارات العربية المتحدة على اتفاق لتطوير ميناء بربرة بقيمة 442 مليون دولار، حيث تمتلك إثيوبيا 19% من حصة ميناء بربرة، وتديره شركة موانئ دبي العالمية الإماراتية بنسبة 51%، بينما تمتلك أرض الصومال حصة30% في الميناء. كما سيشمل المشروع إنشاء منطقة تجارة حرة تهدف إلى تحقيق مكاسب اقتصادية ضخمة لأرض الصومال والقرن الأفريقي على نطاق أوسع.
تبلغ السعة الإضافية الجديدة لميناء بربرة 400.000 وحدة دولية لتصل إلى 550.000 وحدة دولية و4 ملايين طن من البضائع العامة، كما سيضيف 17 هكتارًا من ساحة الحاويات لزيادة سعة الحاوية إلى 450.000 حاوية مكافئة، بالإضافة إلى 400 متر إضافية من الرصيف بعمق 16 مترًا، وسيتم تضمين ثلاث سفن من أحدث طراز Super Post Panamax وShore Cranes القادرة على تشغيل سفن الحاويات التي تزيد عن 300 متر، ومن المقرر تسليم المشروع وتشغيله في الربع الأول من عام 2021.
ومع جميع شبكات الطرق في أرض الصومال التي يبلغ طولها 15000 كيلومتر تقريبًا، فإن صيانتها مُكلفة ولا يمكنها التعامل إلا مع المركبات ذات الحمولة المنخفضة، وعلاوة على ذلك هي من أكثر الطرق ازدحاما بالحركة التجارية. ولذا مشروع الطريق السريع بين بربرة وإثيوبيا، ومن المتوقع أن يكون ثاني أغلي مشروع بنية تحتية في تاريخ أرض الصومال.
يبلغ طول الطريق بين بربرة وإثيوبيا 240 كيلومترًا بين ميناء بربرة ونقطة الحدود الإثيوبية (واجالي)، وسيعمل الطريق على حل مشكلة اختناقات المرور. بالإضافة إلى ذلك، فإن الطريق عالي الجودة، ولن يسهل النقل السلس لكل من السلع والأشخاص بين أرض الصومال وإثيوبيا فقط، بل سيقصر أيضًا فترة السفر، وهو عامل حاسم كبير وميزة تنافسية حيال دولة جيبوتي، وسيحول أرض الصومال إلى مركز تجاري إقليمي رئيسي.
مخاطر التدافع على أرض الصومال
على الرغم من أن أرض الصومال هادئة نسبيًا مقارنةً بالصومال، إلا أن افتقارها للاعتراف الدولي يجعلها هشة وعرضة للانجرار إلى النزاعات الإقليمية لأنها تسعى إلى تكوين حلفاء وعلاقات ثنائية واعتراف في نهاية المطاف، كان هذا هو الحال مع دول الخليج، حيث انحازت أرض الصومال إلى الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية رغبةً في تأمين المزيد من الحلفاء وتحسين العلاقات الثنائية، ولكن تجد أرض الصومال نفسها وسط نزاعات متعددة بين دول أخرى.
يعتبر عدم الاستقرار الداخلي الحالي في إثيوبيا إلى جانب المنافسة العالمية للقوى العظمى في القرن الأفريقي والبحر الأحمر مقدمةً للصراع يمكن أن تؤدي إلى أكبر تدفق للاجئين في التاريخ الأفريقي. وهذا يمكن أن يزعزع استقرار أرض الصومال ومعها طرق التجارة البحرية الدولية الرئيسية مما يجعلها عرضة لانعدام الأمن والإرهاب الذي يؤثر بشكل مباشر على كل من إثيوبيا وجيبوتي التي تشترك معها في حدودها الغربية.
وعليه، تهتم إثيوبيا بميناء بربرة لقربه منها وخاصةً المنطقة الصومالية بشرق إثيوبيا، كما يدعم تطوير وتوسيع ميناء بربرة ركيزتين أساسيتين للسياسة الإقليمية لإثيوبيا؛ الحفاظ على عزلة إريتريا، وإضعافها إلى درجة أنها تُوجد رسميًا في إثيوبيا، والحفاظ على الوضع الراهن في الصومال ما بعد الحرب الأهلية، فالصومال الضعيف والمقسوم يمكّن إثيوبيا من التركيز على قمع الصعوبات الأمنية الداخلية المستمرة، كما أنها تواصل الضغط على إريتريا.
وختامًا، تعمل أرض الصومال لاستغلال موقعها الاستراتيجي لجذب مزيد من الاستثمارات والأموال الأجنبية، ومن ناحية أخرى كخطوة نحو الاعتراف الدولي، ورحلة البحث عن الاعتراف تبدو كحقيقة مع تزايد التنافس على ميناء بربرة مؤخرًا، وتطلعها لاستضافة قواعد عسكرية بتعزيز علاقاتها مع الدول الكبرى.