
حلقة جديدة من التوترات الصينية الأمريكية
شهدت الأيام القليلة الماضية حلقة جديدة من مسلسل التوتر الصيني الأمريكي الذي تشهده علاقات البلدين منذ وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لسدة الحكم، كان آخرها الخطاب الذي ألقاه وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو واعتبر فيه أن الصين دولة عدوانية مستبدة، بالإضافة إلى إغلاق القنصلية الأمريكية في مدينة شنغدو بعد إغلاق القنصلية الصينية في مدينة هيوستن الأمريكية.
رسائل خطاب بومبيو
ألقى بومبيو خطابًا يوم 23 يوليو في مكتبة ريتشارد نيكسون الرئاسية بولاية كاليفورنيا، دعا فيه لاتحاد العالم الحر للانتصار على الطغيان الذي تمارسه الصين الشيوعية، محاولًا إرسال رسالة تخويف مفادها أنه لو لم يتم تغيير الصين، فهي التي “ستغيرنا”، في إشارة للعالم الحر لأنه على حد وصفه، يعمل الحزب الشيوعي على تقويض نظم القانون التي بنتها المجتمعات الديمقراطية. انطلاقًا من تعبيره أنه “لم يعد هناك مجال لتجاهل الاختلافات السياسية والأيديولوجية بين البلدين”، وأن الحزب الشيوعي لم يتجاهلها أيضًا، قال إن الصين استغلت الغرب والولايات المتحدة بطريقة أنانية وعملت على الانضمام للاقتصاد العالمي خلال العقود الماضية.
وصف بومبيو الصين أيضًا بأنها أكثر استبدادية في الشأن الداخلي، وأكثر عدوانية للحرية في الأماكن الأخرى. أردف بومبيو أن الرئيس الصيني شي جين بينغ تابع مخلص لأيديولوجية شمولية مفلسة. كذلك، رأى بومبيو أن الصين خالفت التزاماتها تجاه الحكم الذاتي في إقليم هونج كونج وبحر الصين الجنوبي. وضمن قائمة الاتهامات، اعتبر بومبيو أن سفارة الصين في هيوستن مركزًا للتجسس الصيني وسرقة الملكية الفكرية، مما أدى لخسارة ملايين الوظائف في البلاد.
وجهة بومبيو انتقادًا أيضًا لإدارة أوباما التي كانت راضية عن تصرفات بكين، ورضوخ الشركات الأمريكية لطلبات بكين.
وصفت بكين الخطاب أنه يتجاهل الواقع وملء بالتحيزات الأيديولوجية، وحثت واشنطن على “التخلي عن عقلية الحرب الباردة”.
تصعيد دبلوماسي
في 24 يوليو، أعطت واشنطن مهلة للقنصلية الصينية في هيوستن مدتها 72 ساعة لإغلاقها ومغادرة البلاد بعد توجيه اتهامات لها بالتجسس وسرقة ملكيات فكرية. وقد أعلنت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية أن تلك الخطوة جاءت “لحماية الملكية الفكرية الأمريكية ومعلومات الأمريكيين الشخصية”، وأن اتفاقية فيينا تنص على احترام الدبلوماسيين لقوانين ونظم البلد المضيف، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد. أضافت أن الصين الشيوعية أقامت عملية تجسس كبيرة في الماضي ومارست ضغوط على مسؤولين اقتصاديين، وهددت عائلات صينية أمريكية مقيمة في الصين.
وردًا على ذلك، نددت بكين بالقرار واعتبرته استفزازًا سياسيًا، مشددة أنها سترد بالشكل المناسب على اقتحام مسؤولي إنفاذ قانون أمريكيين للقنصلية التي تعد ممتلكات صينية بما يخالف الاتفاقيات القنصلية وانتهاكًا خطيرًا للقانون الدولي، والمعايير التي تحكم العلاقات بين الدول. واعتبرت المتحدثة باسم الخارجية الصينية أن ما يحدث ليس هو ما ترغب الصين في رؤيته، وتتحمل الولايات المتحدة مسؤولية ذلك. يُذكر أن مسؤولي إنفاذ القانون قد أعدّوا وثيقة من 7 صفحات تكشف تفاصيل حالات نشاط جيش التحرير الشعبي السري في الولايات المتحدة، بما في ذلك التفاصيل المتعلقة بقنصلية هيوستن على وجه التحديد.
وعليه، أمرت بكين بإغلاق القنصلية الأمريكية بمدينة تشنغدو في غرب البلاد، وتنبع أهميتها من قربها من هضبة التبت التي تدار بالحكم الذاتي، بالإضافة إلى أن تلك المنطقة بها العديد من الشركات الأمريكية.
أشار القنصل الصيني في هيوستن إلى أنه من الطبيعي اتخاذ البعثات الدبلوماسية إجراءات طارئة في بعض الحالات، كان ذلك في إطار رده على سؤال بخصوص قيام الموظفين بالقنصلية بحرق وثائق في فناء القنصلية رافضًا الاتهامات الأمريكية الموجهة للقنصلية بالتجسس. في نفس السياق، ردت شرطة هيوستن ورجال الإطفاء على تقارير عن دخان يتصاعد من الفناء وعبوات القمامة المشتعلة، لكن لم يُسمح لهم بدخول المبنى بسبب الحماية القنصلية.
نوهت تقارير بأن ما قامت به واشنطن بخصوص البعثات الدبلوماسية جاء كرد فعل على الموقف الصيني الخاص بضرورة إخضاع الدبلوماسيين الأمريكيين العائدين للبلاد بفحص الحمض النووي للكشف عن فيروس كوفيد-19، وهو ما رفضته الولايات المتحدة خوفًا من حصول بكين على الحمض النووي لدبلوماسييها.
القبض على باحثين بخلفية عسكرية
في 24 يوليو، أعلنت وزارة العدل الأمريكية اعتقال أربعة باحثين صينيين لهم علاقات بالجيش الصيني، وقد دخلوا البلاد بتأشيرات مزورة، ولجأت إحداهم –خوان تانغ- للقنصلية الصينية في سان فرانسيسكو ولم تكن لها صفة دبلوماسية. في وقت سابق، أجرى مكتب التحقيقات الفيدرالي مقابلات مع إحدى الباحثين التي لجأت للقنصلية، ونُشرت صورًا لها وهي بالزي العسكري، لكنها نفت خدمتها في الجيش رغم العثور على أدلة في منزلها لانتمائها العسكري.
أضافت وزارة العدل أن ذلك يأتي ضمن إجراءات بكين لاختراق المؤسسات الأمريكية والحصول على معلومات علمية وتكنولوجية من الجامعات الأمريكية لتحقيق مكاسب اقتصادية والاستفادة من المجتمع المفتوح على حد تصريح كبير مسؤولي الأمن القومي بالوزارة. قد يتعرض هؤلاء الباحثون لعقوبة السجن لمدة 10 سنوات وغرامة بقيمة ربع مليون دولار للتزوير.
مجمل القول، ليس من المرجح أن تخرج تلك التوترات عن نطاق المشاحنات المتبادلة لتحقيق بعض المكاسب السياسية، إذ أن التصعيد الأمريكي تجاه الصين مؤخرًا واتهامها بانتشار فيروس كورونا المستجد عالميًا، بالإضافة إلى المبارزات التجارية الدائرة السنوات القليلة الماضية، قد يكون نابعًا من أن ترامب يريد استخدام الصين كورقة رابحة في السباق الانتخابي على الرئاسة الأمريكية. بمعنى أنه بنهاية الانتخابات قد تهدأ وتيرة المشاحنات قليلًا، لأنه من غير المرجح أن أي طرف منهما يريد مواجهة عسكرية.
باحثة ببرنامج العلاقات الدولية