
دوافع إعلان تجمع المهنيين السودانيين الانسحاب من تشكيل قوى الحرية والتغيير
تجمع المهنيين السودانيين أبرز مكون في قوى الحرية والتغيير يعلن عن انسحابه من تحالف القوى والتغيير السوداني، كما سحب اعترافه بكافة الهياكل القائمة للتحالف، وذلك في ضوء سلسلة انتقادات شنها التجمع ضد قوى الحرية والتغيير والسلطات الحاكمة، وتصريحات الحكومة السودانية والمتمثلة في الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة الانتقالية ممثلة في رئيس الوزراء الذي رشحته القوى الحرية والتغيير عبد الله حمدوك، كما تمثل الانقسامات الداخلية بتجمع المهنيين دافع آخر، مما يضعنا أمام واقع أن المعارضة التي أودت بنظام حكم البشير في ظل احتجاجات قوى وجدها الشباب ملاذًا للتغيير من الأحزاب الكرتونية في السودان، ترى أن عليها إعادة تعديل المسار فاستمرار معارضة الأمس بمعارضة الواقع الحالي باعتبارهم لم يحققوا أهداف الحراك السوداني في ظل واقع متغير وأجندة سودانية مضغوطة بالعقوبات الأمريكية وانتشار فيروس كورونا.
من هم تجمع المهنيين السودانيين؟
قام ثلاثة من أكبر المجموعات المهنية في السودان وهم “اللجنة المركزية للأطباء السودانيين وشبكة الصحفيين السودانيين وجمعية المحامين الديمقراطيين” بصياغة ميثاق التحالف والموافقة عليه في أكتوبر 2016، وتم الإعلان عنه في يونيو 2018، وجاءت فكرة تدشينه ضمن المحاولات المستمرة للمهنيين لتكوين نقابات مستقلة للدفاع عن حقوقهم؛ إلا أنها غالبًا ما كانت تبوء بالفشل في ظل نظام الرئيس المعزول عمر البشير.
وكان يعمل بشكل سري وأطلق على نفسه “تجمع المهنيين السودانيين” منذ عام 2013 بعد الاحتجاجات التي عمت البلاد في سبتمبر من ذلك العام، إلا أن الإعلان الرسمي عنه كان في أغسطس 2018 في ظل تعتيم على أعضائه وهيئاته لأسباب أمنية. كما أن للتجمع أهدافاً واضحة.
كان تجمع المهنيين السودانيين على رأس المشاركين في الاحتجاجات ضد البشير، التي بدأت في نهاية عام 2019، وتشكلت قوى الحرية والتغيير في يناير 2019، وتتشكل من تجمع المهنيين، والجبهة الثورية وتحالف قوى الإجماع الوطني وكذا التجمع الاتحادي المُعارض، وتمت صياغة ميثاق قوى الحرية والتغيير للإعلان عن الاستمرار في الاحتجاجات السلمية حتى يتم إزاحة النظام الشمولي لحكم البشير، وتنحيه عن الحكم وتكوين حكومة انتقالية.
ونتيجة لالتفاف الشعب السوداني حولهم شككت الحكومة السودانية في تجمع المهنيين واتهمته بالعمالة للخارج، لكن ذلك لم يمنع عددًا كبيرًا من السودانيين من الالتفاف حوله، وتأييد مطالبه بالتغيير.
وكانت بدايات احتجاجات التجمع لتحسين الأجور للعاملين والتي لم تحظ باهتمام حتى ارتفعت المطالب بضرورة تنحي البشير والقضاء على الفساد فالتف الشعب السوداني حول التجمع، وكان بمثابة واجهة للشباب المحبط من أداء الأحزاب في الداخل السوداني.
ومع عزل البشير والإعلان على الموافقة على الوثيقة الدستورية وتقاسم السلطة وتدشين الحكومة الانتقالية أعلنت المعارضة السودانية، التي وقعت على اتفاق تقاسم السلطة مع المجلس العسكري الحاكم في السودان أغسطس 2019، أسماء الأعضاء المديين الخمسة الذين من المقرر أن يمثلوا القطاع المدني في مجلس انتقالي حاكم من المدنيين والعسكريين في البلاد، واختارت قوى الحرية والتغيير الخبير الاقتصادي عبد الله حمدوك رئيسًا للوزراء.
ماذا جاء في بيان تجمع المهنيين؟
أعلن تجمع المهنيين السودانيين فى بيان له يوم السبت الموافق 25 يوليو انسحابه من تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير، إضافة إلى سحب اعترافه بكافة الهياكل القائمة للتحالف، ووصف الأمر أنه عقب الإطاحة بنظام الرئيس السوداني المعزول عمر البشير ظهرت تباينات واضحة في تقديرات الموقف، وصفها البيان بأنها “تعبر عن اختلاف المصالح الذي فرضه الانتصار الجزئي”.
ورأى التجمع أنه منذ أبريل ٢٠١٩، اتسم المشهد بالارتباك وتغليب المصالح الضيقة وتقديم الاعتبارات التكتيكية على المصالح الاستراتيجية الكبرى، منذ التوقيع على الوثيقةالدستورية
ووصفت المرحلة الانتقالية بأنها لم تؤدِ إلى حكم مدني ديمقراطي كما ينبغي، وتحمل مسؤولية تجمع المهنيين في الوصول لهذه المرحلة التي لم تقدر على تفكيك النظام البائد، وهو ما دفعها للانسحاب وعلى رأسها المجلس المركزى للحرية والتغيير باعتباره أسهم في تكوين هذا المشهد من تعيينات لا تعكس غير المصالح الذاتية، والإعلان عن مؤتمر لإعادة بناء وهيكلة القوى لتعبر عن مكتسبات ثورة ديسمبر.
وأكد تجمع المهنيين السودانيين، أن ذلك خصم كثيرًا من رصيد قوى التغيير وأنتج أداءً حكوميا عاجزًا أمام تردي الأوضاع الاقتصادية وقضايا السلام، ووصف القيادات بالمترددة.
ما دوافع تجمع المهنيين لإصدار البيان؟
يتضح من البيان أن تجمع المهنين الساعي لمدنية الدولة يرى في الوثيقة الدستورية انتهاكًا لهذا المبدأ، ووصفت الإصلاح بأنه جزئي، فلم يقم تجمع المهنيين منذ ذلك الحين غير بإصدار البيانات المنددة بالإجراءات الحكومية وقرارات التعيين في ظل عدم الحفاظ على توازن القوى، فجاء الانتقاد على مستويين، المستوى الأول الانقسام والمجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، والمستوى الثاني انقسام داخلي.
أولا انتقاد القرارات الحكومية:
فعلى الرغم من اعتبار تجمع المهنيين السودانيين المكون الأبرز لقوى الحرية والتغيير، إلا أن مواقفه اتسمت بأنها “غير مؤيدة” لقرارات الحكومة الانتقالية المكونة إثر التوقيع على الوثيقة الدستورية وتكوين المجلس السيادي.
فأعرب تجمع المهنيين في بيان له عن تحفظه حول إعلان رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك بتعيين 18 حاكمًا (واليًا) مدنيًا لولايات السودان، نتيجة الطريقة التي اتُبعت في تعيين الولاة والتي تقوم على منهج المحاصصة الحزبية وتخطي المعايير والاعتبارات المتصلة بمؤهلات المرشحين، وتجاوز رؤى من قوى الحرية والتغيير ببعض الولايات بتجاهل مرشحيهم أو فرض آخرين يحظون بتزكية المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير”، وانتقاد أن القائمة ضمت إمرأتان فقط واصفًا الأمر بأنه استمرارًا لتهميش دور المرأة.
كما أعلن قادة تجمع المهنيين السودانيين معارضة خطة الحكومة في الإصلاح الاقتصادي لخفض دعم الوقود وتعويم العملة السودانية، وذلك عقب الإعلان عن الرفع التدريجي لإعانات الطاقة التي تستهلك 36٪ من ميزانية الحكومة ضمن إجراءات صندوق النقد الدولي الإصلاحية في السودان، مما له بالغ الأثر على الحياة اليومية السودانية، مما قد ينذر بالاحتجاجات مرة أخرى بحسب خبراء في أعقاب الاحتقان الداخلي الذي يعيشه المواطن السوداني خاصة مع انتشار جائحة كورونا.
كما انتقد التجمع انتهاج الحكومة في سياساتها الإصلاحية الاقتراض والمنح والتمويل من الخارج وبالتالي فقد قدرة الاقتصاد الوطني السوداني على النمو في ظل الاعتماد على الخارج، دون جذب الاستثمارات وتشجيع المنتج المحلي.
كما انتقد تجمع المهنيين السودانيين مشاركة ممثلي قوى الحرية والتغيير في مجلس السيادة بحملة لقوات “الدعم السريع” هدفت لمكافحة الأمراض بعدد من الولايات، ووصف الخطوة بأنها ” لم تكن موفقة”، ويرى أنها اختصاص أصيل لوزارة الصحة.
ولم يقتصر الأمر على هذا بل وصل إلى انتقاد البيانات الرسمية التي تصدرها الحكومة خاصة فيما يتعلق بالقضايا الداخلية وإقليم دارفور ووصف تصريحات رئيس الوزراء عبد الله حمدوك الذي اختارته قوى التغيير، حول تفريق اعتصام في دارفور بأنه يفتقر للحساسية واعتبروها رسالة سلبية وباهتة.
وذلك يؤكد الموقف المعارض لخطة الحكومة التي عادة ما تصف وصول قوى الحريةوالتغيير لسلطة البلادبأنهاانتصارجزئيوأن لم يقدموا لميثاق الثورة بقدر تحقيق الصالح الشخصي، ولكن المتتبع لبيانات تجمع المهنيين سيجد فيها أنها دائماً ما تحاول مخاطبة الداخل السوداني لمحاولة إحداث ضغط داخلي على الحكومة الحالية لتحقيق مصالح المهنين التي وصفها “موسى فكي رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي بأنه ليس من المتوقع أن ترضي الإجراءات كافة القوى السياسية، ولكن القوى السياسية ذاتها منقسمة بداخلها.
ثانيًا الانقسامات الداخلية:
شهدت المجموعة انقسامًا داخليًا نتيجة اتجاه مجموعة من تجمع المهنيين، لتمثيل واجهة حزبية محددة، من خلال التكتل على أساس حزبي وسياسي ظهر للعلن منذ فبراير ٢٠١٩ باجتماع عدد من الأعضاء من منسوبي تيارٍ سياسي محدد للتنسيق على أساس حزبي بغرض ترشيح أحد منسوبيهم لتنسيقية قوى إعلان الحرية والتغيير باسم التجمع، وتوالت بعد ذلك عملية توجيه التجمع لصالح خطاب سياسي بعينه، مما فتح الباب أمام المبادرات الداخلية من أجل التوافق على وضع خارطة طريق لاستعادة التجمع من التحزب الداخلي وتوفيق أوضاع الواجهات الحزبية لكن دون جدوى.
هذا وقد اتهمت قيادات بارزة في تجمع المهنيين مجموعة محسوبة على الحزب الشيوعي باختطاف “التجمع”، وتسخيره لمصالح حزبية ضيقة، وأهداف مناهضة لثورة ديسمبر وتفتيت وحدة قوى الثورة، من خلال عقد اجتماع لتلك المجموعة واختيار قيادة جديدة للتجمع بالشكل الذي رفضه أعضاء التجمع باعتبار أنها محاولة لتحزيبهم لصالح أجندة الحزب الضيقة وتمرير أفكارهم عبر التجمع.
وأرجع بعض المنتسبين للتجمع أن أسباب تفجر الأزمة يرجع إلى غياب رؤية التجمع خلال الفترة الانتقالية التي تمكن تجمع المهنيين من قيادة الدفة، والتأثير الإيجابي داخل قوى إعلان الحرية والتغيير، الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية.
جدير بالذكر، أنكان هناك اتهاماً لتجمع المهنيين بأنه غطاء سياسي للحزب الشيوعي الذي لم يجد مكاناً له في الشارع السوداني، فجاء تجمع المهنيين لإحداث تأثير أكبر، ولكن يتضح من الانقسام المعلن بأنه أهداف الحزب مازالت تؤثرعلى قرار تجمع المهنيين الرافض لإجراءاتهم لتحزب المجموعة.
وهو ما يضعنا أمام تهديد أول بالانسحاب من قوى الحرية والتغيير، في محاولة لجس نبض الشارع السوداني بإثارة قضايا ربما تثير المعارضة ذاتها قبل حال الشارع، وهل سيؤيد هذا التعديل وخلق جانب معارض أقوى بعيدًا عن القوى الحاكمة أم ستكون هناك ترضيات من الحكومة الانتقالية لامتصاص معارض كان الأبرز في الحراك السوداني، لتقوية قوى الحرية والتغيير مقابل تقاسم السلطة بين المجلس العسكري الذي يتولى منه شخصية عسكرية رئاسة مجلس السيادة لمدة 21 شهرًا والمعارضة المدنية التي ستصبح مفتته داخل المجلس الانتقالي السيادي، فهل تستطيع المعارضة تنحية الخلافات جانبًا وإحداث تأثير قائم على الحوار بدلًا عن تهديدات الانسحاب تهدد تولي رئاسة الحكومة الانتقالية لمدة 18 شهرًا الباقية من الفترة الانتقالية عقب انتهاء المدة المتبقية للقائد العسكري.
باحثة بالمرصد المصري