
“ماذا لو فاز بايدن”.. كيف ستكون سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران؟
مع اقتراب موعد انتخابات الرئاسية الأمريكية المُقرر انعقادها في 3 نوفمبر المُقبل، ليس من المؤكد أن يفوز الرئيس دونالد ترامب بولاية ثانية. لذلك، فإن أي نقاش حول مستقبل السياسة الخارجية الأمريكية تجاه إيران يتطلب النظر في إمكانية فوز “جو بايدن”، خاصة بعد أن أصبحت إيران قضية حزبية وانتخابية تؤثر بشكل كبير على مستقبل العلاقات بين البلدين.
تشير معظم استطلاعات الرأي الأخيرة إلى تقدم بايدن على ترامب بمعدل عشر نقاط تقريباً. وهو ما يزيد التساؤلات المصحوبة بالقلق حول رؤية الإدارة المستقبلية للملف النووي الإيراني، في ظل تباين التقييمات لطريقة الإدارة الحالية في اتباعها سياسة “الضغوط القصوى” عبر فرض مزيد من العقوبات الاقتصادية، والانسحاب من الاتفاق النووي، والتهديد دومًا بمواجهة عسكرية مفتوحة. ولكن هل ستقوم إدارة بايدن “المحتملة” بإعادة التفاوض على الاتفاق النووي مرة أخرى؟ وهل ستؤيد استمرار حظر الأسلحة المفروض على إيران، والذي سينتهي في أكتوبر المقبل؟ وهل سيستمر نظام فرض العقوبات؟ أم أنها ستعود إلى ممارسة إدارة أوباما بتقديم الدعم المالي لطهران؟.
استراتيجية ترامب تجاه إيران
بعد أن تم التوصل إلى الاتفاق النووي، المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، بين إيران ومجموعة (5+1)، التي تضم الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، في يونيو 2015. تغيرت الأوضاع وأصبح الاتفاق على المحك بعد مجيء الرئيس دونالد ترامب إلى الحكم، حيث أبدى رأيا مناقضا تماما لرؤية إدارة الرئيس السابق باراك أوباما حول تسوية الملف النووي من خلال وصف الاتفاق بالفظيع والكارثي. وأن نقاط الاتفاق غير صارمة، ولا يشمل تقليص قدرات إيران الصاروخية، بالإضافة إلى أن الموقع عليه هو الرئيس السابق الذي لا يتفق ترامب مع سياساته.
وانسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق في 8 مايو 2018، ومنذ ذلك الحين، انخرط ترامب في سياسة ممارسة “الضغوط القصوى“. وفرض حوالي 130 عقوبة على مختلف القطاعات الاقتصادية والشخصيات السياسية في طهران. وتصاعدت حدة العقوبات حينما وضعت إدارة ترامب الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس على لائحة التنظيمات الإرهابية. ما دفع إيران الرد بالمثل من خلال إعلانها الجيش الأمريكي منظمة إرهابية.
واتجهت الولايات المتحدة لفرض المزيد من العقوبات كرد فعل نتيجة توالي الهجمات على ناقلات النفط في الخليج، وتصاعد التوتر الأمريكي الإيراني عقب إسقاط إيران طائرة أمريكية من دون طيار، وإعلان استئناف تخصيب اليورانيوم وتجاوز الحد المتفق عليه في الاتفاق والمحدد بـ3.67%. ورداً على هذه القرارات قامت الإدارة الأمريكية باستهداف قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.
في خضم تلك التطورات، فشلت واشنطن في تحقيق الأهداف التي تسعى إليها، على الرغم من المشاكل الاقتصادية التي سببتها لطهران نتيجة العقوبات المفروضة عليها. لذلك، تتبع إدارة ترامب في الوقت الحالي سياسة “الأرض المحروقة” لتحويل خطة العمل الشاملة المشتركة إلى اتفاقية غير مجدية، يتم التشكيك في شروطها، حتى تجعل عودة الرئيس الأمريكي المستقبلي إليها غير مجدية. كما لن تكون الدول الأوروبية الأعضاء في خطة العمل المشتركة مستعدة على الإطلاق لتحمل المزيد من سياسات التفاوض بعدما تكبدت تكاليف العقوبات الأمريكية على إيران طوال فترة إدارة ترامب.
استراتيجية بايدن “المحتملة” تجاه إيران
من الصعب في الوقت الحالي التنبؤ بشكل السياسة الخارجية لبايدن إذا تم انتخابه، إلا أن سجله كنائب للرئيس السابق وكسيناتور أمريكي منذ السبعينيات يمكن أن يساعد في توقع أسلوب إدارته المحتمل أن يكون أكثر براجماتية تجاه طهران، وتخفيف حدة التوترات معها عن طريق تحريك العلاقات الثنائية في اتجاه أكثر استقرارًا بتخفيض حملة “الضغوط القصوى” وإن لم يكن القضاء التام عليها.
مثل أوباما، يفضل بايدن اتباع أجندة “دولية ليبرالية” على المسرح العالمي. والمشاركة في المؤسسات الدولية المتعددة الأطراف، وهو تناقض مع سياسة ترامب الخارجية التي حددتها التحركات الأحادية مثل انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، ومنظمة الصحة العالمية واتفاقية باريس للمناخ. وفي سياسته حيال إيران، قد يكون بايدن أكثر حرصاً على مصالح الدول الاعضاء في حلف الناتو مثل فرنسا وألمانيا، التي دعمت الاتفاق واستاءت من قرار انسحاب الولايات المتحدة.
لذلك، قد ترسم مؤشرات عدة تغييرات محتملة في تعامل إدارة بايدن تجاه إيران، تتمثل أبرزها في:
تبني استراتيجية العودة للاتفاق النووي: في أغسطس 2019، أخبر بايدن مجلس العلاقات الخارجية أنه إذا عادت إيران للامتثال بالتزاماتها النووية، فإنني سأعود مجددًا لخطة العمل الشاملة المشتركة، وسأستخدمها كنقطة للانطلاق في مواجهة تصرفات طهران الخبيثة الأخرى في المنطقة. ليكون بوابة للحد من نفوذها المناوئ لواشنطن أو لحلفائها في منطقة الخليج.
ويرى بايدن ومساعديه أن إيران طرف مزعزع للاستقرار في الشرق الأوسط. يجب ألا يسمح لها بتطوير سلاح نووي، وأن العودة للاتفاق النووي سيتيح لواشنطن تقييد أنشطة طهران العسكرية والجماعات المدعومة منها ماليًا، سواء في سوريا، اليمن، ولبنان، وأن الحل الأمثل لوقف أي أنشطة “خبيثة” لها هو التفاوض المتبوع بضغط دبلوماسي واقتصادي.
وعلى أساس هذه الخطة يرى بايدن أن خطة ترامب للضغط على طهران بالانسحاب من الاتفاق النووي وقطع كافة العلاقات أتاحت لها الاقتراب من الصين وروسيا، وعزلت الولايات المتحدة، وليست إيران، كما أعادت طهران تشغيل برنامجها النووي، وأصبحت أكثر عدوانية، مما جعل المنطقة أقرب إلى حرب كارثية أخرى.
وعلى هذا، فإن بايدن مستعد للموافقة على الاعتراف بحق إيران في تخصيب اليورانيوم، وتحت أي شروط، وهو الأمر الذي يعتبره العديد من المراقبين بمثابة تنازل أمريكي كبير يجعل التفاوض مرة أخرى على الاتفاق النووي ممكنًا.
تخفيف العقوبات المفروضة: يرى بايدن أن العقوبات حققت آثار اقتصادية مؤلمة على طهران، لكنها لم تجعل طهران تكف عن سياستها، ولم تستطع تقويض أنشطتها، حتى أنه بعد تخفيف العقوبات بالكامل، ستنمو إيران اقتصاديًا وسياسيًا. ومع تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد في إيران، جعل بايدن مسألة توفير الإغاثة الإنسانية للشعب الإيراني اختبارًا للقيادة الأمريكية. وانتقد سياسة الضغط القصوى لإدارة ترامب وقال: “من غير المنطقي، في أزمة صحية عالمية، مضاعفة ذلك الفشل بقسوة من خلال منع إيران من الحصول على المساعدة الإنسانية المطلوبة. مهما كانت خلافاتنا العميقة مع الحكومة الإيرانية ، يجب أن ندعم الشعب الإيراني.
تصرفات طهران الخبيثة في المنطقة: لا يوجد حتى الآن مؤشر على الكيفية التي سوف تسعى بها إدارة بايدن مواجهة تصرفات إيران الخبيثة في المنطقة، ولا سيما دعمها للميليشيات الطائفية المسلحة في الدول المجاورة مثل العراق ولبنان وسوريا، على الرغم من أن هذه القضية أصبحت أكثر إلحاحًا ودموية في الوقت الحالي لتعدد بؤر الصراع في المنطقة وتشابكها. وبينما أدان بايدن رعاية إيران للإرهاب وانتهاكات حقوق الإنسان وسجن مواطنين أمريكيين، دعا أيضًا إلى “طريقة أكثر ذكاءً لمواجهة إيران”، والتي من المحتمل أن تتكون من تخفيض العقوبات من جانب واحد ومحاولة الانخراط الدبلوماسي.
تحديات محتملة
قد يمثل جو بايدن تحدياً محتملاً لطهران. فهو صديق مقرب ومؤيد قوي لإسرائيل. ومن المرجح ألا تفرض إدارة بايدن ضغطًا أمريكيًا كبيرًا على إسرائيل فيما يتعلق بقضايا مثل الأعمال السرية الإسرائيلية ضد إيران (الحروب بالوكالة، والحرب السيبرانية وما إلى ذلك). وقد يكون أيضًا أكثر استعدادًا لاستخدام القوة العسكرية الأمريكية لإبقاء محافظة إدلب شمال غرب سوريا في أيدي المقاتلين المناهضين للأسد، مما يمثل تحديًا مباشرًا لخطط طهران وموسكو وحزب الله لمساعدة الحكومة السورية على تحقيق انتصار عسكري شامل في الحرب. وبالتالي، يجب لفت الانتباه إلى عدد من التحديات عند تقييم موقف بايدن من إيران بشكل عام.
- على المستوى الداخلي، ستواجه الإدارة التي ستدخل البيت الأبيض في نوفمبر المقبل، سواء كانت جمهورية أو ديمقراطية، تحديات ملحة هائلة. بداية بالوضع الاقتصادي الكارثي للبلاد، والمصحوب بمعدلات بطالة غير مسبوقة ناتجة عن تداعيات فيروس كورونا المستجد وانعكاساته على الاقتصاد الذي أصيب بالشلل التام تقريبًا. تمتد لتشمل الانقسامات العرقية والطبقية المتزايدة بين البيض والسود والأغنياء والفقراء وجميع الهويات الاجتماعية والاقتصادية الأخرى. فضلاً عن تضاءل اهتمام الناخبين بالسياسة الخارجية بشكل كبير، حيث يرجح البعض ضرورة العودة إلى “الانعزالية“، وهو الاتجاه الذي كان سائدا في الولايات المتحدة قبل الحرب العالمية الثانية. وبالتالي فإن القضايا الداخلية ستكون لها الأولوية، على حساب السياسة الخارجية.
- عدم رغبة طهران في إحياء الاتفاق النووي، عندما تم التفاوض على خطة العمل الشاملة المشتركة لأول مرة، وعدت الحكومة الشعب الإيراني بأنه سيشعر بالتحسن الاقتصادي الناتج عن تخفيف العقوبات. ولكن مع انسحاب واشنطن ارتفع سقف العقوبات أكثر، وأصبح الإيرانيين الآن يشككون في فوائد تخفيف العقوبات، وبالتالي سيكون من الصعب تجديد الصفقة مرة أخرى. كما ترى طهران أنه لا فرق بين ترامب وبايدن وبغض النظر عن من سيكون الفائز في الانتخابات الأمريكية المقبلة، فلن تتفاوض مع أمريكا، لأنها خلقت فجوة بينها وبين الشعب عبر الضغوط الاقتصادية والحرب النفسية.
- التقارب الإيراني الصيني، مع تعثر الاقتصاد الإيراني، سعت طهران إلى تعزيز العلاقات أكثر مع بكين. ويبدو أن المسؤولين الصينيين، بالنظر إلى صراعهم مع واشنطن، على استعداد لتحمل مخاطر التقارب. حيث أعلنت إيران أنها تسير في مفاوضات مع الصين بشأن شراكة استراتيجية مدتها 25 عاماً يمكن أن تنطوي على حوالي 400 مليار دولار من الاستثمارات الصينية في قطاعات مختلفة من الاقتصاد الإيراني. سيكون الاتفاق بين البلدين بعيد المدى، وسيزيد من تبادل المعلومات الاستخباراتية والتعاون الأمني، بما في ذلك البعثات المحتملة في سوريا والعراق. كما ستشهد الشركات الصينية توسيع تواجدها في خطوط السكك الحديدية والموانئ والاتصالات الإيرانية، بينما تضمن لبكين إمدادات نفط إيرانية ثابتة وبأسعار مخفضة على مدى 25 عاماً. وستقوم الصين بتطوير مناطق للتجارة الحرة في مواقع استراتيجية في إيرا ن، مما سيزيد من إلزام البلاد بمبادرة بكين العالمية لتطوير حزامها المترامي الأطرف.
- الإضرار بسوق النفط العالمي، إن اتباع بايدن سياسة أكثر ليونة مع طهران تفضي إلى رفع العقوبات، قد تمهد الطريق لعودة ملايين البراميل من الخام الإيراني، مما يمثل ضربة قاضية لسوق النفط العالمي، حيث تمتلك إيران 13٪ من احتياطيات النفط العالمية ولديها قدرة إنتاجية تزيد عن 3 ملايين برميل يوميًا، أي ما يعادل تقريبًا 4٪ من إجمالي الإنتاج العالمي، وفقًا لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية (EIA).
ختاماً، على الرغم من أن معظم استطلاعات الرأي الحالية تؤكد تقدم بايدن، إلا إن استطلاعات الرأي الوطنية لا تهم، فقد تصدرتها هيلاري كلينتون من قبل في انتخابات عام 2016. وبالتالي هناك احتمال كبير أن يتم إعادة انتخاب ترامب رئيساً لفترة ثانية. ما يعني فرض المزيد من العقوبات على طهران، وانتهاج حملة مستدامة لزيادة عزلة إيران دولياً. علاوة على ذلك، ستحدد نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقرر أن تجري في مايو أو يونيو من عام 2021، إلى أي مدى يمكن أن تتطلع الإدارة الأمريكية المستقبلية لتسوية مصادر التوتر المتبقية مع إيران.