على خطى إثيوبيا.. “رويترز” : الصين تحرم دول مصب نهر “ميكونج” من 47 مليار متر مكعب من المياه
يعد نهر “ميكونج” المثار الجديد للخلافات بين واشنطن وبكين، النهر الواقع في جنوب شرق آسيا ، ينبع من هضبة التبت مرورًا بالصين ثم بورما ولاحقًا لاوس وكمبوديا صابًا في النهاية في بحر الصين الجنوبي، ويقول علماء البيئة والمسئولون أن بكين تجاوزت واشنطن في الاتفاق وعمدت إلى التأثير على دول المصب لمجرد أن النهر ينبع من أراضيها!
وحسب التقرير المنشور على موقع وكالة رويترز للأنباء فإن المحبط في الأمر أن المواجهة مستمرة بين الصين وأمريكا على الرغم من أن إدارة ترامب عملت بحرص على استمرار ضخ الدعم المادي للمشاريع الإنمائية التي بدأتها إدارة أوباما في تلك المنطقة.
وتعتمد كل من الدولتين في دفاعها على التقارير العلمية التي تثبت وجهة نظرها ، ولذلك تقول واشنطن أن السدود الصينية الأحد عشر المقامة على النهر تمثل ضرارًا بالغًا على الدول المتشاطئة عليه.
وبالتحديد دول مثل لاوس ، تايلاند ،كمبوديا وفيتنام التي تعتمد في الأغلب على مياه النهر للزراعة وإقامة مصائد للأسماك كما يتم الاعتماد على مياه النهر الذي تفرض بكين سيطرتها عليه لتوليد الطاقة في “لاوس”.
الاحتكار الذي تمارسه الصين يخولها كذلك لمنع غيرها من الدول من إقامة مشاريع للتنمية على النهر إلا من خلالها، كما قامت بإقصاء الولايات المتحدة من المشاركة أو الاستثمار في تلك المشاريع بعد عقود من الترويج لنفسها لبسط السيطرة وكسب المزيد من النفوذ .
وهو ما أثار تعليقات من بعض الخبراء في مجموعة ميكونج للطاقة ليؤكدوا أن النهر أصبح يمثل قضية جيوسياسية جديدة بين واشنطن وبكين توزاي تمامًا قضية بحر الصين الجنوبي والتنازع على النفوذ هناك.
وحسب التقرير فإن أكثر المتضررين من السيطرة الصينية على النهر هي ولاية الميكونج التي يبلغ عدد سكانها 60 مليون نسمة يعتمدون في معيشتهم على الزراعة وصيد الأسماك عبر مياه النهر التي تتدفق إليهم من الصين.
وشهد العام الماضي مستويات غير مسبوقة من الجفاف ، حيث كانت مستويات نهر الميكونج الأدنى هي الأدنى منذ عقود. كما تم الإبلاغ عن أقل كميات من الصيد السمكي على مدى سنوات. وهو ما دعا السفير الأمريكي في الصين ليؤكد أن الصين تسعى لتكديس المياه عن طريق سدودها الأحد عشر المقامة على النهر في جزئه العلوي على نهر بطول 4350 كيلومترًا لتضر بحياة الملايين في دول المصب.
ولم تكتف بكين بهذا القدر من التحكم بل قامت بتكثيف أنشطة مجموعة ” لانكانج ميكونج للتعاون” والتي تصنف هيئة حكومية ذات طابع دولي في محاولة لتهميش عمل لجنة نهر الميكونج التي مارست عملها لمدة 25 عامًا وذلك في انتقادات لاذعة وجهها السفير الأمريكي للصين.
ووفقًا للتقرير المنشور على رويترز فقد اندلع الخلاف بين الولايات المتحدة والصين في حرب كلامية بعد أن خلصت دراسة ممولة من واشنطن في أبريل الماضي إلى أن السدود الصينية تسببت في نقص تدفق المياه الذي أدى لحدوث حالة من الجفاف خلال العام الماضي.
وقد اعتمدت الدراسة التي أجرتها شركة ” Eyes on Earth” وهي شركة أبحاث واستشارات أمريكية متخصصة في المياه ، نموذجًا للتنبؤ استند إلى التصوير عبر الأقمار الصناعية وبيانات MRC” ” التي قالت إنها أظهرت المياه “المحجوبة” في اتجاه مجرى النهر ، بدءًا من عام 2010. وهي النتائج التي وصفت بالصارخة.
ولم يخرج الرد الصيني عن النطاق المتوقع حيث نددت سفارتها في تايلاند بالدراسة ووصفتها بأنها “ذات دوافع سياسية ، وتهدف إلى استهداف الصين ” ، وسخرت آلتها الإعلامية ، فنشرت صحيفة “Global Times” الصينية مقالة حول دراسة صينية وصفتها بأنها دحض للتقرير الأمريكي.
التقرير الصيني المنشور في الصحيفة الرسمية للحزب الشيوعي الحاكم في الصين ، أشار إلى أن “سدود الأنهار في الصين ساعدت في التخفيف من حدة الجفاف على طول لانكانغ ميكونغ”.
لكن الدراسة التي أجرتها جامعة “تسينغهوا” و”المعهد الصيني للموارد المائية” قالت في الواقع إن سدود الصين يمكن أن تساعد في المستقبل على التخفيف من الجفاف ، وليس أنها فعلت ذلك بالفعل في عام 2019 .وحول ذلك قالت وزارة الخارجية الصينية لرويترز إن أي طرح أمريكي يدور حول أن بكين تحاول السيطرة على النهر لا أساس له. وأضافت الخارجية الصينية بأنه “يجب على الدول خارج المنطقة أن تمتنع عن إثارة المشاكل من لا شيء”.
ويقول سيباستيان سترانجيو ، مؤلف كتاب عن علاقات جنوب شرق آسيا مع الصين ، إن جيران الصين في المصب يثقون بشكل شبه أكيد بسرد الصين – أو أنهم يصطنعون ذلك لانهم يعتمدون على بكين في الحصول على مورد الحياة لديهم ، ومن الصعب عليهم تحدي الحكومة الصينية علنا فيما يتعلق ببناء السدود”.
وعلى الرغم من أن واشنطن أنفقت 120 مليون دولار على مبادرة نهر الميكونغ السفلى منذ تأسيسها قبل 11 عامًا. إلا أن بكين تنفق المزيد ففي عام 2016 ، أنشأت LMC” ” باستثمار مباشر بقيمة 300 مليون دولار للإنفاق على البحوث الفنية التي سيتم منحها لدول المصب.وتتمتع المجموعة التي تقودها الصين بمكانة أعلى مع اجتماع سنوي لوزراء الخارجية وخطط لعقد قمة للقادة ، ربما تشمل الرئيس الصيني شي جين بينغ .
وقد انتقد السفير الأمريكي لدى تايلاند المجموعة الصينية مؤكدًا أنها كيان موازي وأضاف : “إننا نشجع جمهورية الصين الشعبية على العمل مع لجنة نهر الميكونج ، بدلاً من محاولة تهميشها من خلال إنشاء منظمتها الخاصة التي تسيطر عليها”.
و يقول المسؤولون في لجنة نهر الميكونج إنها ترحب بالتعاون مع “”LMC والصين.وأحد الأسباب يرجع إلى أن اللجنة والحكومات الأعضاء تريد المزيد من البيانات حول السدود الصينية ، التي تحجز 47 مليار متر مكعب من المياه.
وكان كل ما فعلته الصين لدول المصب أنها بدأت في إخطارها في عام 2002 بموعد إطلاق المياه التي يمكن أن تسبب الفيضانات.لكنها لم تكشف عن أي شيء آخر لتمكين دول المصب من وضع الخطط .