دول المغرب العربي

النهضة تلوح بالفوضى والرئيس يلوح بفصول الدستور.. كيف تتجاوز تونس محنتها السياسية؟

بعد أن استقال رئيس وزراء تونس إلياس الفخفاخ في 15 يوليو، تبقى الدولة أمام تحدي تشكيل حكومة باختيار شخصية قادرة على مواجهة تحديات الدولة ومتوافق عليها بين الكتل السياسية المختلفة، إلا أن الأمر يشهد تعقيدًا نظرًا للخلافات والتوتر داخل البرلمان، وتعنت حركة النهضة وتمسكها بالحكم، وتلويحها بعدم الاستقرار فى حال استبعادها من تشكيل الحكومة.

توتر داخل البرلمان

يستمر الصراع بين الكتل البرلمانية، واستمرارًا للتصعيد بينها قام الحزب الدستوري الحر بتنظيم اعتصاما داخل البرلمان منذ 10 يوليو اعتراضًا على تأخر موعد جلسة عامة للتصويت على سحب الثقة من راشد الغنوشي، وكان قد سبق إيداع لائحة سحب الثقة في 16 يوليو لدى مكتب المجلس بعد إمضاء أكثر من 73 نائبًا،  واعتراضاً على السماح للإرهابيين أو من توجه إليهم تهم إرهابية بدخول المجلس، وتصاعدت التوترات بين الدستورى الحر ورئيس حركة النهضة الغنوشى وقاطع نواب الدستوري الحر الكلمة الافتتاحية لراشد الغنوشي، رافعين شعار لا للإرهاب داخل البرلمان، إضافة إلى امتعاض من الحزب الدستوري الحر واتهام النهضة بإرسالها مليشيات تابعة لها واعتدائها على نواب الدستور الحر المعتصمين داخل البرلمان، ورأى الحزب الدستوري الحر أن بقاء الغنوشى على رأس البرلمان هو خطر على الأمن القومى.

فوضى في البرلمان التونسي تزيد من عزلة حركة النهضة | الجمعي قاسمي ...

تعنت النهضة

فى اتجاه تشكيل الحكومة القادمة بعد استقالة الفخفاخ، تتوافق بعض الكتل البرلمانية حول استبعاد حركة النهضة من تشكيل الحكومة القادمة إضافة إلى سحب الثقة من الغنوشى، وهو ما توضحه بعض التصريحات منها ما عبر عنه أمين عام حركة الشعب زهير المغزاوى قائلا “لا يمكن لأي حكومة قادمة أن تنجح إن كانت حركة النهضة طرفًا فيها، لأنها تتعامل مع من يحكمون معها كتابعين لا شركاء”. كما يرى التيار الديمقراطي أن المشروع المشترك للحكم يجب أن يبنى على أساس رئاسة جديدة لمجلس النواب والحكومة.

إلا أن النهضة تعتزم أخذ الدولة التونسية نحو الفوضى في حال استبعادها من تشكيل الحكومة فى تونس، إضافة إلى قدرتها على عرقلة منح الثقة فى حال التوافق على شخصية ترأس الحكومة واستكمال تشكيلها باعتبارها الكتلة صاحبة أكبر عدد من المقاعد داخل البرلمان التونسي.

وقد عبر المتحدث باسم الحركة عماد الخميرى عن موقفها الرافض لما يثار من احتمالية تشكيل الحكومة القادمة دون النهضة قائلا “حفاظًا على الاستقرار في البلاد، لا يمكن تشكيل حكومة من دون النهضة”، وفى تصريح آخر “لا استقرار في تونس إذا استثنت تشكيلة الحكومة المقبلة النهضة”.

الغنوشي: الشاهد قد يكون مرشح النهضة للانتخابات الرئاسية - المركز ...

إضافة إلى إصرار من جانب النهضة على استمرار جهودها لسحب الثقة من الفخفاخ الذى استقال فى 15 يوليو وهو إجراء غير قانونى وغير دستورى إلا أنها تناور فى ظل رغبة الكتل السياسية فى سحب الثقة من الغنوشى رئيس البرلمان، وترغب النهضة فى اقتراح شخصية ترأس الحكومة وتخضع لسيطرتها، وفى حال لجوئها إلى هذا السيناريو فإنها تدخل الدولة فى أزمة دستورية وسياسية مع رئيس الجمهورية والكتل السياسية ومن ثم تكون الدولة بصدد حكومتين حكومة تشكلها النهضة وحلفائها إن استطاعت، وحكومة تشكلها الكتل السياسية الأخرى ويدعمها الرئيس وفقًا للدستور.

موقف الرئيس قيس سعيد

يظهر موقف الرئيس قيس سعيد من خلال تصريحاته التى تؤكد على هوية الدولة الوطنية وعدم قبول أي طرف يتآمر ضدها، إضافة إلى تمسكه بالإطار الدستورى والقانونى للحفاظ على مؤسسات الدولة، والتى جاءت خلال الاجتماع الذي جمع رئيس الجمهورية قيس سعيد برئيس البرلمان راشد الغنوشى ونائبيه سميرة الشواشى وطارق الفتيتى في قصر قرطاج 20 يوليو 2020، وقد عبر قيس سعيد عن رفضه لحالة الفوضى التي يعيشها مجلس النواب موضحًا أنه لن يظلّ مكتوف الأيدي أمام ما تشهده مؤسسات الدولة من تهاو، مضيفًا أن الدولة ستبقى فوق كل الاعتبارات، وأن تعطيل عمل المؤسسات الدستورية غير مقبول بكل المقاييس. وأوضح أن الإمكانيات القانونية والوسائل المتاحة في الدستور للحفاظ على مؤسسات الدولة موجودة، لكنه لا يريد اللجوء إليها اليوم، مضيفًا أنه لن يترك الدولة في مثل هذا الوضع الراهن. إضافة إلى تحميل رئيس البرلمان سلطة الضبط الإداري داخل مجلس نواب الشعب طبقا للفصل 48 من نظامه الداخلي.

زيارة تفقدية ليلية لمقر قيادة فيلق القوات الخاصة العسكرية بمنزل ...

أيضا هناك رسائل من قبل الرئيس قيس سعيد غير مباشرة لكنها تمثل رادعًا لكل من يحاول إدخال تونس مؤمرات قائلاً إنه لن يقبل أن تكون تونس مرتعا للإرهابيين، ولا أن يكون فيها عملاء يتآمرون مع الخارج ويهيئون الظروف للخروج عن الشرعية قائلا “من يتآمر على الدولة ليس له مكان في تونس” وذلك فى إطار زيارته لمقر قيادة فيلق القوات الخاصة للجيش الوطنى مساء الثلاثاء 21 يوليو 2020.

مسارات تشكيل الحكومة القادمة

فى ظل التعقيد الداخلى حول تشكيل الحكومة القادمة، يظل الإطار الدستورى هو الحاكم للأزمة وعليه يقوم رئيس الجمهورية بترشيح شخصية أقدر لترؤس الحكومة القادمة ومن بين الشخصيات المرشحة لتولى منصب رئيس الحكومة حكيم بن حمودة وهو رجل اقتصادي وحاصل على الدكتوراه من جامعة غرونوبل الفرنسية، ومنجى مرزوق وهو سياسي وقد شغل منصب وزاري في السابق، والأمين العام لحزب الاتحاد الشعبي الجمهوري لطفي المرايحي.

إلا أن هناك عدة سناريوهات لمسار الحكومة القادمة:

  • سيناريو عرقلة منح الثقة للحكومة: فى حال التوافق على شخصية وقيامها بتشكيل الحكومة دون تمثيل النهضة بها، فإن النهضة سوف تتجه إلى عرقلة منح الثقة لهذه الحكومة. وهو الأمر الذي سيقود إلى السيناريو التالى.
  • سيناريو حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة: إذا ما قام رئيس الجمهورية بتكليف الشخصية الأقدر من أجل تكوين الحكومة ولم يمنحها البرلمان الثقة خلال 4 أشهر من التكليف الأول فإن للرئيس الحق فى حل مجلس نواب الشعب والدعوة إلى انتخابات جديدة فى أجل أدناه خمسة وأربعين يومًا وأقصاه تسعين يوما وفقا للفصل 89  

لكن وفقا لمؤشرات أولية ولاستطلاع رأى أجرته مؤسسة سيغما كونساى في الثامن والعاشر من يوليو حول إمكانية إجراء انتخابات تشريعية ونصيب كل كتلة في البرلمان من التصويت حصل الدستور الحر على 29% ثم حركة النهضة 24.1% وقلب تونس 11% والتيار الديمقراطي 7% ثم ائتلاف الكرامة 6.7%، وبمقارنة بإستطلاع شهر يونيو فإن هناك تقدم للحزب الدستوري الحر وهذا بالطبع يرجع إلى نشاط الحزب داخل البرلمان وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتراجع للرصيد الانتخابي للنهضة في الشارع التونسي، إضافة إلى تصاعد الاتهامات الموجهة إلى النهضة وآخرها ما صرح بها رئيس الحكومة المستقيل إلياس الفخفاخ فى لقائه مع إذاعة إكسبريس إف إم التونسية قائلاً إن “حركة النهضة عرضت عليّ قبل أسبوعين من استقالتي صفقة لإدخال أطراف للحكم مقابل استمراري في منصبه، لكنني رفضت”، وأن “النهضة تتعامل مع الحكم كما لو كان غنيمة وولاءات وامتيازات، بينما لا تهتم بمصلحة البلاد”.

  • سيناريو احتمالية استبعاد النهضة: فى إطار الصراع داخل البرلمان هناك اتجاهين كلًا منهما قد يشكل الأغلبية لتشكيل الحكومة الأول ويضم كل من الكتلة الديمقراطية 38 مقعدًا والحزب الدستورى 16 مقعدًا وكتلة الإصلاح 16 مقعدًا وتحيا تونس 11 مقعدًا والوطنية 11 مقعدًا والمستقبل 9 مقاعد ويحتاج هذا الاتجاه 8 نواب من المستقلين لتحقيق الأغلبية وتشكيل الحكومة، وفى حال نجاحه في الوصول إلى الأغلبية 109 نائب فإنه قادر على تشكيل حكومة واستبعاد النهضة.

بينما الاتجاه الثانى وهو ما يشار لهم بالإسلام السياسى يضم كل من حركة النهضة 54 مقعدًا وقلب تونس 27 مقعدًا وائتلاف الكرامة 19 مقعدًا ويبقى لهذا الاتجاه فى حال استقطاب 9 نواب من المستقلين لتحقيق الأغلبية التى يجب أن تمثل 109 نائب، فإذا نجح هذا الاتجاه فى تحقيق الأغلبية فإنه يسيطر على تشكيل الحكومة ولن يتم استبعاد النهضة.

+ posts

باحث ببرنامج العلاقات الدولية

رحاب الزيادي

باحث ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى