
“واشنطن إكزامينر”: تركيا تبدأ حملات التأثير على المرشح الديمقراطي “جو بايدن”
عرض – محمد حسن
مع اقتراب استحقاق الانتخابات الرئاسية الأمريكية عادة ما تتناول الصحافة العالمية محصلة التنافس بين المرشحين الرئيسين، وما تؤول إليه حملاتهما الانتخابية والخطوط العريضة لسياساتهما الخارجية والداخلية، لكن صحيفة “واشنطن إكزامينر” الأمريكية، تناولت جانبًا يرتبط بهذه الانتخابات ويختمر في هدوء. ففي مقال لكاتبها “مايكل روبين” وهو مسؤول ومحلل سابق بوزارة الدفاع الأمريكية، تناولت الصحيفة تأثير تركيا على حملة المرشح الديمقراطي “جو بايدن”.
وبدأ “روبين” مقاله بإبراز موضع الرئيس التركي الحالي من “الغرب”، حيث بدأ بالقول إنه ليس هناك من شك اليوم في أن رجب طيب أردوغان ديكتاتور مناهض للغرب. ففي خلال فترة ولايته التي دامت 17 عامًا، سهّل صعود تنظيم داعش، وتهريب الأسلحة إلى بوكو حرام في نيجيريا، وكشف الجواسيس الإسرائيليين في إيران، ودعم روسيا والصين، وهتف لحماس، ونفى الإبادة الجماعية في دارفور، وتورط في حملات تطهير عرقية بشمال سوريا.
وأشار الكاتب إلى أن أردوغان نادرًا ما يدفع ثمن أفعاله. فعلى سبيل المثال، وصف الرئيس السابق باراك أوباما الزعيم التركي بأنه أحد أصدقائه الأكثر ثقة، بل إنه قال إنه أخذ النصيحة منه حول كيفية تربية البنات – ناهيك عن أن معدل قتل النساء في ظل حكم أردوغان ارتفع بنسبة 1400٪ وأعلن أردوغان أن من واجب المرأة تربية الأطفال، وليس أكثر. وعلى الرغم من استمرار المناوشات بين أردوغان والرئيس ترامب، نتيجة رغبة الأول في تسليم رجل الدين المنشق فتح الله جولن، ومحاولة تجنب عقوبة بمليارات الدولارات لمخطط التهرب من العقوبات في قلب قضية بنك Halkban”، أو إنهاء الشراكة الأمريكية مع المقاتلين الأكراد السوريين الحاسمة لهزيمة داعش، يسعى أردوغان إلى القفز فوق السلطة القضائية وتجاوز العمليات والإجراءات الدبلوماسية، ففتح قنوات اتصال سرية مباشرة مع الدائرة الخاصة بالرئيس ترامب.
فمثلًا، ألقى وكيل حملة ترامب ومستشاره السابق “مايكل فلين” الضوء على كيفية قيام عملاء الضغط والنفوذ الأتراك بالتواصل معه، عندما كتب افتتاحية يوم الانتخابات في صحيفة The Hill حول موضوع مفصل متعلق بتركيا لم يسبق أن أظهر فيه خبرة ويتعارض مع تصريحاته السابقة. ويشير الكاتب إلى أن رجل الأعمال التركي المعروف “إيكيم ألبتكين”، لم يكن ليقدم عرضًا بنصف مليون دولار لمايكل فلين لو لم يكن ضمن الدائرة الخاصة للرئيس ترامب.
وفي وصفه للرئيس التركي، ذكر “مايكل روبين”، أن أردوغان أقرب للمقامر في طبيعة عمله وسياساته العامة، إذ قام بصياغة شبكة من المنظمات – منظمة التراث التركي، ومؤسسة سيتا، ومركز ديانت الأمريكي، من بين منظمات أخرى – والتي تعمل بشكل فعال كوكلاء أجانب غير مسجلين نيابة عن الحكومة التركية، ليس فقط لتضخيم نفوذ الحكومة التركية ولكن يُقال أيضًا أنها تقوم بحملات تجسس وترهيب ضد خصوم أردوغان السياسيين.
في الوقت نفسه، كان رجل الأعمال التركي “ألبتكين” يحاول تجنيد “فلين” للتأثير على ترامب. كما تظهر رسائل البريد الإلكتروني المسربة أن عملاء أتراك آخرين كانوا يدعمون هيلاري كلينتون. في عام 2016، أجرى مكتب التحقيقات الفيدرالي مقابلات مع أعضاء اللجنة التوجيهية الوطنية الأمريكية التركية ومقرها الولايات المتحدة حول أنشطتهم السياسية وعلاقاتهم مع الحكومة التركية.
ويذهب “مايكل روبين” لمحطة هامة في خطط تركيا لإنشاء شبكات الضغط تلك في الولايات المتحدة، حينما أظهرت رسائل البريد الإلكتروني المخترقة التي أبلغ عنها “تشاك روس” عضو مجلس إدارة Daily Caller خليل دانيسماز (الذي سيصبح فيما بعد رئيسًا لمنظمة التراث التركي)، حيث تفاخر في رسائل البريد الإلكتروني لمسؤولي الحكومة التركية حول إنشاء شبكة من المجموعات الأمامية والنشطاء متنكرين في زي الصحفيين للتأثير في سياسات واشنطن.
ويضيف المقال أن “مراد غوزول” أمين خزانة اللجنة التوجيهية الوطنية الأمريكية التركية، تفاخر في رسائل البريد الالكتروني المسربة، لصهر أردوغان، بتقديم مبلغ 300 ألف دولار، لحملة “كلينتون” في العام 2016. وهو ما شكل اعترافًا دفع بعناصر الـ”إف بي آي” لطرق بابه في التحقيقات التي جرت عشية الانتخابات. وبحسب ما ورد حذر “مايكل ويرز”، وهو زميل في مركز التقدم الأمريكي، رئيس حملة كلينتون “جون بوديستا” من جهود الأموال التركية للتأثير على كلينتون.
ويشير كاتب المقال إلى أن نفس النمط من التدخل التركي عبر الأموال وشبكات الضغط والنفوذ يحدث الآن مع حملة المرشح الديمقراطي “جو بايدن”. حيث تبرع “غوزول” أمين خزانة اللجنة التوجيهية الامريكية التركية، بمبالغ كبيرة للعديد من المرشحين الديمقراطيين في المراحل الأولية من الانتخابات. وكذلك “إلفير كليمبك”، الذي عمل حتى وقت قريب كمدير تنفيذي لمنظمة التراث التركي. فسيرته الذاتية توضح مدي صلاته بالدوائر الحكومية التركية، فالرجل روج لسياسات أردوغان في الكثير من المناسبات والمحافل. “كليمبك” الآن بات يعمل علنًا في حملة “بايدن”.
ويؤكد الكاتب في نهاية مقاله أن أردوغان يعلم أنه فقد الكونجرس والبنتاجون ومجتمع المخابرات الأمريكية ومعظم وزارة الخارجية. وبالتالي يعتمد أردوغان على مجموعة من المنظمات وشبكات الضغط التي صاغها مساعدوه، للتأثير على بايدن وحملته. حتى الآن، بينما تتخلى حملة بايدن عن حذرها وتقيم صلات مع هذه المجموعات. متوقعًا أن تنجح الاستراتيجية التركية في الضغط مرة أخرى. ومع ذلك، من الممكن أن يتسبب ذلك في مأساة، لأن أجندة أردوغان فاسدة بشكل أساسي، وأهدافه في القفز فوق الإطار القانوني للولايات المتحدة تتسبب في تآكل المصالح الوطنية الأمريكية بغض النظر عمن يشغل البيت الأبيض.