مقالات رأي

د.حمدي عبدالرحمن يكتب : صراع الأفيال على “صوماليلاند”

فجأة تذكر الجميع “صوماليلاند” التي أعلنت استقلالها من جانب واحد عام 1991. على مدى ثلاثة عقود استطاع أبناء الإقليم الشمالي الذي حصل على استقلاله قبل الجنوب بخمسة أيام بالتمام والكمال أن يتجاوزوا مرحلة الحرب الأهلية ويبنوا مؤسسات فاعلة للحكم. اليوم تعد هرجيسا واحدة من أكثر مدن شرق أفريقيا من حيث الأمن والاستقرار. بل إنها بفضل حكمة كبار العشائر والمشايخ استطاعت أن تتجنب خطر التطرف والأرهاب.
بعثة الاتحاد الأفريقي إلي هرجيسا بدت متعاطفة مع مطلب الاعتراف كما أن دولا مهمة داخل الإقليم وخارجه ترسل الوفود بل وفتحت ثلاثة منها مكاتب تمثيل ذات طبيعة قنصلية .ومع ذلك يتردد الجميع في إعلان الاعتراف الرسمي وكأنهم ينتظرون ورقة الطلاق من مقديشيو. وعلى الرغم من أن فرماجو التقي بموسى بيهي في جيبوتي لتخفيف حدة التوتر بين الطرفين إلا أن صوماليلاند لا تزال تصر على فك الارتباط والذهاب إلى خيار إريتريا وجنوب السودان وان اختلف السياق هنا عن الحالتين المذكورتين.
لم تكن صوماليلاند بعيدة عن أعين رئيس الوزراء الأثيوبي أبي أحمد فور توليه السلطة عام 2018 حيث كانت جزءا من رؤيته الخاصة بصفر مشاكل في القرن الأفريقي. كانت عينه على الموانىء والخروج من لعنة الهضبة الحبيسة. بل إنه فكر في استعادة أسطول الحبشة البحرى . ولعل ذلك يفسر لنا سر إصراره على أن يكون شريكا في الاستثمارات الخاصة بميناء بربرة والوصول إلى عصب بعد إذابة الجليد مع إريتريا. لم يقف الأمر عند إثيوبيا حيث جاءت الوفود الكينية إلى هرجيسا . وفي نفس السياق تم تأسيس علاقات سياسية وتجارية وتنموية مع تايوان الأمر الذي أغضب بكين.
بيد أن المثير للتأمل هو أن تصبح صوماليلاند طرفا في النزاع على سد النهضة بل وتعرض الوساطة على الأطراف المتنازعة . في الأسبوع الماضي زار وفد مصري رفيع المستوى العاصمة هرجيسا للتباحث في دعم العلاقات الثنائية بما في ذلك افتتاح قنصلية جديدة .لم تكن هذه الزيارة الأولي حيث سبقتها زيارة لمساعد وزير الخارجية المصري السفير حمدي لوزة . ورغم تأخر هذا النشاط المصري إلا أنه مهم بالنظر لحجم مصر ومكانتها في العالمين العربي والأفريقي . ويعول أبناء صوماليلاند كثيرا على الموقف المصري.
وكما هو متوقع انزعجت أثيوبيا من التحرك المصري في محيطها الاستراتيجى وأرسلت بالأمس وزير خزانتها أحمد شيدا وهو من أصول صومالية على رأس وفد رفيع المستوى إلى العاصمة هرجيسا . تلك مؤشرات مهمة على عملية إعادة الصياغة الجيوستراتيجية لمحيطنا الجغرافي. فهل تحدد دول الموانئ مثل ارتيريا وصوماليلاند مستقبل توازن القوى الإقليمي في المرحلة القادمة. هذا هو السؤال الجدير بالتفكير.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى