
المرأة السودانية ورحلة البحث عن الحقوق الغائبة
مر العام الأول على الحراك الشعبي السوداني الذي أنهى عهد عمر البشير بعد حكم دام ما لا يقل عن 30 عاما، ليكون أمام الحكومة الحالية تحديات سياسية واقتصادية وأمنية واجتماعية عديدة.
ومن بين التحديات الأساسية التي تواجه الحكومة هي قدرتها على الاستجابة لتوقعات القوى الأساسية التي قادت التغيير، وفي مقدمتها المرأة السودانية، فكان لزاما على الحكومة الانتقالية الاستجابة لمطالبهن العاجلة باحترام حقوقهن وتعزيز فرصهن في الحصول عليها، والسعي لمشروع حقيقي يعمل على تحسين أوضاعهن التي تأزمت في ظل حكم الجماعة الإسلامية طوال سنين مضت، وتأسيس نظام جاد لتحقيق عدالة النوع الاجتماعي. ولكن اليوم، تشكو الناشطات السودانيات من بطء السلطات الجديدة في إحراز تقدم لتحسين وضعهن بالشكل المأمول.
تمثيل سياسي ضعيف
تواجه المرأة السودانية جملة من التحديات، في الأحزاب والمنظومة السياسية، ومنظومات المجتمع المدني، وفي الأوساط الاكاديمية، وتخشى النساء بشكل جدي من استمرار الخلل في تمثيلهن في الفترة المقبلة. حيث برزت قضية تمثيل المرأة في مقدمة المشهد السياسي، بعد غياب تمثيل قوي للنساء في مرحلة تفاوض “قوى إعلان الحرية والتغيير” مع المجلس العسكري الانتقالي، على تسليم السلطة الانتقالية للمدنيين، ما كان مخيباً لآمال المرأة السودانية، التي عبّرت عن ذلك، في وسائل التواصل الاجتماعي. وعلى الرغم من تعيين امرأة في منصب وزير الخارجية في الحكومة السودانية وهي أسماء عبد الرحمن التي تُعد من أوائل السودانيات اللاتي عملن في السلك الدبلوماسي، الا ان النساء في السودان يطمحن الى دور أكبر في العمل السياسي بعد حكم البشير.
بداية الانفراج في الحقوق الاجتماعية
لا طالما عانت المرأة السودانية من أوضاع اجتماعية معقدة خاصة بعد استيلاء الإسلاميين على السلطة في السودان عام 1989 حيث تزايدت بشكل واضح القيود الرسمية والمجتمعية المفروضة على المرأة تحت شعارات “التأصيل الإسلامي” وتطبيق “المشروع الحضاري” لإعادة تشكيل وصياغة الإنسان السوداني.
وشهدت الحروب المحلية المتتالية في عهد “الإنقاذ،” وعلى الأخص منها حرب دارفور، سلسلة متصلة من جرائم الاغتصاب الجماعي والعنف الجسدي واللفظي للنساء. أما في المدن، فإن أكثر ما واجهته النساء هو حملات التوقيف وعقوبات الحبس والجلد والغرامة التي ظلت تتعرض لها الكثير من الفتيات بعدة تهم تتعلق بالسلوك الشخصي أو بالزي الذي يرتدونه، وأحياناً بسبب وجودهن في أماكن عامة مع رجال ليس لديهن صلة شرعية معهم.
وأدت الحروب والنزاعات المحلية بالسودان إلى تشريد الآلاف من النساء وخروجهن من شبكة الأمان الاجتماعي. وخاصةً النساء النازحات في معسكرات دارفور اللاتي عانين من انعدام الأمن والعنف الجسدي والجنسي بواسطة المليشيات المسلحة وتفشي أمراض سوء التغذية وسط الحوامل والأمهات وعدم توفر خدمات الصحة والتعليم.
وعلى الرغم من التقدم الملحوظ على مستوى تقليل الفجوة بين الجنسين، الا انه يمكن القول إن الفجوة ما زالت عميقةً. وكانت أُولى خطوات الانفراج الاجتماعي بعد انتهاء عهد عمر البشير، هي إلغاء بعض القوانين الاجتماعية المطبقة على النساء دون الرجال، وفي مقدمة تلك القوانين ما يعرف بقانون النظام العام، الذي كان يحد كثيرا من حرية المرأة ضمن مجموعة قوانين تنظم أمور اجتماعية أخرى، ووصفت منظمة العفو الدولية القرار على لسان نائب مدير برنامج شرق إفريقيا والقرن الإفريقي والبحيرات العظمى، سيف ماغانغو، بأنه يمثل “خطوة إيجابية كبرى بالنسبة لحقوق المرأة في السودان، حيث بموجب هذا القانون التمييزي تم إلقاء القبض على العديد من النساء بصورة تعسفية وضربهن وحرمانهن من حقوقهن في حرية تكوين الجمعيات أو الانضمام إليها وحرية التعبير.
ولكن العديد من الناشطات والناشطين الحقوقيين السودانيين أكدوا ان هذا الإجراء جزئيا ولن يحقق منافعه الحقيقية للمرأة ما لم يشمل تعديل القانون الجنائي السوداني الذي كانت تستند إليه سلطات فرض القانون في مراقبة سلوك النساء والزي الذي يلبسنه.
أيضا تم سن قانون يُجرم عملية ختان الاناث يوليو 2020، بعد إعلان الأمم المتحدة، خضوع أكثر من 87٪ من النساء والفتيات في السودان لعمليات ختان. ووفقا لما تداولته بعض وسائل الإعلام فمن المتوقع أن يحمل القانون عقوبات تصل إلى الحبس ثلاث سنوات وغرامات مالية لمن يقوم بهذا الفعل، وفقا لما جاء في تعديلات مجلس الوزراء على قانون الجنايات.
معاناة المرأة في إقليم دارفور
تعتبر المرأة الدارفورية (نسبة لإقليم دارفور) من أكثر نساء السودان إنتاجاً وعملًا في المجالات الاقتصادية والاجتماعية المختلفة وأرجع الباحثين ذلك لفترات الحروب المتلاحقة التي مرت على المنطقة طوال الحقب التاريخية الماضية وبالتالي اعتياد النساء في دارفور على تحمل الأعباء الإضافية كنتيجة حتمية لظروف الحرب.
وتعاظم دور المرأة الدارفورية في العمل الزراعي حيث تقوم بالفلاحة منذ بدايتها من نظافة الأرض وانتهاء بالحصاد، ولم يتوقف دورها عند هذا الحد بل يمتد عملها لمجالات أخرى فرضتها الظروف الاجتماعية والاقتصادية والمناخية خلال فترات الجفاف الطويلة التي ضربت الإقليم خلال العقود الماضية والتي حملت الجميع على العمل وغيرت من أنماط الحياة العامة وديمغرافية السكان، خاصة بعدما بدأت الهجرات الجماعية والنزوح من مناطق الجفاف إلى أخرى تتمتع بمقومات الحياة الأساسية للإنسان.
واضطرت غالبية النساء في إقليم دارفور الى الاعتياد على العمل في مهن شاقة وعلى سبيل المثال بعضهن لجأن للعمل في نقل الحجر ومواد البناء وعجن الطين إلى جانب امتهان تجارة البيع بالتجزئة، فضلا عن الصناعات اليدوية مثل صناعة البروش والحبال والسلال بالإضافة إلى صناعة الأطعمة الجافة.
وأفادت المبادرة الاستراتيجية لنساء القرن الأفريقي، انه في ظل ضعف الدعم الانساني من المجتمع المدني والحكومة الفدرالية، تضطر النساء للخروج بحثاً عن لقمة العيش، مما يٌعرضهن إلى العنف اللفظي والجنسي من قُطاع الطرق الذين تصفهم الحكومة السودانية “بالمتفلتين” -وهي مجموعات تجوب انحاء البلاد وتنشط في ترويع المواطنين ونهب ممتلكاتهم تحت التهديد بالأسلحة البيضاء والنارية- فيما تقول الحركات المسلحة أنهم مليشيات تجد الحماية من السُلطة، ونتج عن ذلك ارتفاع حالات اغتصاب النازحات في الفاشر بنسبة 50%، كما ازادت حالات مرض الناسور البولي بين الأطفال جراء العنف الجنسي.
وأضافت المبادرة “ان النساء بمعسكرات ابو شوك ومعسكر السلام ومعسكر رواندا، معظمهن يعملن في القطاع غير الرسمي (الأعمال الهشة) كبائعات أطعمة، أو مشروبات، أو منتجات زراعية، أو كعمالة بناء يصنعن الطوب البلدي، أو يمتهن الزراعة”. إلى أن الحظر الصحي المفروض من السُلطات الحكومية لمنع تفشي فيروس كورونا المستجد على نطاق واسع، أثر على عملهن بتوقفهن الكامل عن العمل، أو بالارتفاع الكبير لأسعار المواد الخام لصناعة الطوب بالإضافة الى الصناعات اليدوية الأخرى، وضعف الموسم الزراعي نسبة لغلاء التقاوي، إضافة الى ارتفاع حالات العنف الموجه للنساء والأطفال داخل المخيمات.
وأفادت الشبكة المعنية بقضايا النساء، أن استهداف الناشطين في مجالات حقوق الإنسان والمرأة بحملة من الاعتقالات التعسفية في إقليم دارفور، أثر على امتثال قضايا النساء للعدالة وفي تحصلهن على الخدمات الصحية اللازمة والدعم النفسي. وبالتالي فإن آلام النساء في مناطق النزاع بصفة خاصة والنساء في السودان بصفة عامة لا تزال أمراً واقعا وعاجلاً يستحق الاهتمام والاستجابة من قبل الحكومة الانتقالية.
باحثة ببرنامج السياسات العامة