إيران

الاحتجاجات في إيران.. الأسباب والسياق

شهدت الساحة الداخلية الإيرانية احتجاجات جديدة، فقد بدأت الاحتجاجات في ساعة متأخرة من ليل الخميس الماضي، الموافق 16 يوليو2020، بمدينة بهبهان التابعة لمحافظة الأحواز، ولم تلبث الاحتجاجات أن انتشرت إلى عدد من المدن، فسرعان ما انتقلت لمدن أخرى كتبريز وشيراز ومشهد وغيرها.

وعلى الرغم من العدد القليل نسبيًا للمشاركين فيها، فإنها تكشف أن الساحة الداخلية في إيران تعاني من عدم استقرار، وأن ما يحدث في الفترة الحالية من تظاهرات قد تتطور إلى مستويات تفرض ضغوطًا أكبر، وهو ما أثار تساؤلات عن إمكانية تصاعدها وقدرتها على تهديد النظام الإيراني الذي يواجه في الوقت نفسه ضغوطًا من الخارج وخاصة إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

أسباب الاحتجاجات

لا تُعد الاحتجاجات الشعبية في إيران ظاهرة جديدة؛ حيث شهدت إيران في السابق تظاهرات خرجت في أعوام 2005، 2009، 2018 ،2019، وغالبًا ما تكون لهذه الاحتجاجات علاقة بخلفيات اقتصادية ودوافع مطلبية تتعلق بغلاء الأسعار، أو فرض ضرائب جديدة، وتواجه القيادة الإيرانية التظاهرات بالعنف لقمعها، فقد تم التعامل معها جميعاَ باستخدام القوة.

أحكام الإعدام: قد جاءت الاحتجاجات التي شهدتها الخميس الماضي بعد أيام على تأييد محكمة إيرانية عقوبة الإعدام بحق ثلاثة أشخاص على صلة باحتجاجات نوفمبر الماضي الدامية التي انطلقت بسبب رفع أسعار الوقود، وقد أثار الحكم ردود فعل صادمة في المجتمع الإيراني الذي عبَّر عن غضبه واستيائه بملايين التغريدات والمشاركات على الشبكات الاجتماعية. لا شك أن خروج الاحتجاجات يوم الخميس كان مفاجئًا، لأن الدعوات التي أطلقها ناشطون كانت تحث الناس على الخروج الجمعة، للتنديد بحكم الإعدام الصادر بحق الشبان الثلاثة.

مظاهرات إيران: الشرطة في بهبهان تتوعد المتظاهرين - BBC News Arabic

المأزق الاقتصادي: إن تدهور الأوضاع الاقتصادية يمثل دافعًا قويًا للخروج في الاحتجاجات الأخيرة، وهذا العامل مرتبط بخروج الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي في 18مايو لعام 2018، فضلًا عن سلسلة العقوبات التي فرضتها واشنطن على مسؤولين سياسيين وعسكريين إيرانيين، الأمر الذي تسبب في خروج عشرات الشركات الكبرى متعددة الجنسية من السوق الإيرانية، مما تسبب في القضاء علي عدد كبير من المشروعات الاستثمارية، لا سيما في القطاع النفطي الذي يعد بمثابة مصدر أساسي من مصادر الدخل القومي الإيراني، وانعكس ذلك على مستوى معيشة المواطن الإيراني، وارتفاع نسبه البطالة.

رفض سياسات إيران في الشرق الأوسط: مع تدهور الأوضاع الاقتصادية في إيران والانتقادات الموجهة إلى سياسات الحكومة في هذا المجال، أيضًا انتقد المتظاهرون السياسة الخارجية للنظام، نظرًا لارتباط الأوضاع الاقتصادية في إيران وأنشطة النظام الإيراني في الخارج، حيث استمرار السياسة الإيرانية التوسعية في الإقليم، ودعم للميليشيات استهداف دول الجوار، يأتي هذا على حساب المواطن الإيراني ومستوى معيشته، ولذلك رفع المحتجون شعار “لا غزة ولا لبنان حياتي فداء لإيران”. هذا الشعار يؤكد أن الرأي العام الإيراني يرفض ما تقوم به إيران في منطقة الشرق الأوسط.

تعامل النظام الإيراني مع الظاهرة الاحتجاجية

تعاملت السلطات الإيرانية مع خروج الاحتجاجات باستخدام القوة لفضها، حيث أعلنت الشرطة الإيرانية الجمعة الماضية إنها فرقت بالقوة مظاهرة في جنوب غرب البلاد نظمها أشخاص؛ احتجاجًا على الأوضاع الاقتصادية، وهتف الحشد خلاله بشعارات “مخالفة للأعراف” وهو مصطلح عادة ما تلجأ إليه السلطات الإيرانية للإشارة إلى الشعارات المناهضة لنظام الحكم.

كما كان هناك حضور مكثف لقوات الأمن ووحدات مكافحة الشغب، في عدة مدن رئيسية، كما تم خفض سرعة الإنترنت في عدد من المحافظات، تحسباً لتجدد الاحتجاجات، وقد أعلنت منظمات حقوقية أنه تم اعتقال 30 شخصًا بتهمة المشاركة في مظاهرات مدينة بهبهان، مساء الخميس الماضي .

ويتبنى النظام الإيراني خطابًا مفاده أن الولايات المتحدة الأمريكية أو كما تطلق عليها إيران “الشيطان الأكبر” هي المحرك الرئيسي للاحتجاجات على خلفية فرضها للعقوبات الاقتصادية ومعارضتها للبرنامج النووي الإيراني. 

وفيما يتعلق بالموقف الأمريكي من احتجاجات إيران، نجد أن إدارة الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، قد دعمت هذه الاحتجاجات التي حدثت في إيران في الآونة الأخيرة، فقد انتقد “ترامب” حكم الإعدام الذي صدر بحق ثلاثة أشخاص في إيران بالإعدام بسبب مشاركتهم في مظاهرات نوفمبر الماضي، كما كتب الرئيس الأمريكي على حسابه الشخصي على موقع “تويتر” باللغة الفارسية “حكم على ثلاثة أشخاص في إيران بالإعدام بسبب مشاركتهم في التظاهرات. من المحتمل تنفيذ الإعدام في أي لحظة. إعدام هؤلاء الثلاثة يحمل رسالة مؤلمة للعالم ويجب ألا يتم. لا تعدموهم”.

من جهتها، علقت الخارجية الأميركية عبر حسابها الفارسي على تويتر بشأن مظاهرات بهبهان، وقالت إنها تراقب الاحتجاجات، وأعلنت تخصيص حساب عبر تطبيق “تليجرام” لاستلام الصور والفيديوهات والأخبار عن الاحتجاجات والانتهاكات.

كما كان هناك حضور بارز للمعارضة الإيرانية في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد شارك إيرانيون بالتجمع أمام الكونجرس الأمريكي، الجمعة الماضية، الموافق 17 يوليو 2020 للمطالبة بأن تكون إيران حرة وديمقراطية ولا تتدخل في شؤون جيرانها.

يذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية في ظل إدارة “دونالد ترامب” تنتهج استراتيجية “الضغط الأقصى” ضد إيران، فقد انسحبت الولايات المتحدة بشكل أحادي من الاتفاق النووي مع إيران في 2018، كما فرضت مجموعة من العقوبات الشاملة على البلاد لإجبار إيران على إبرام اتفاق جديد وشامل يشمل سياسة إيران الإقليمية وبرنامجها الصاروخي، وتستغل إيران ذلك التوجه الأمريكي من خلال حشد الداخل الإيراني للوقوف في صف النظام الإيراني والصمود أمام العقوبات الأمريكية.

دلالات اندلاع الاحتجاجات 

لا شك أن النظام الإيراني لم ينجح في احتواء تداعيات العقوبات الأمريكية، نظرًا لحجم الخسائر الاقتصادية الكبيرة التي تعرضت لها إيران بسبب السياسات التي يتبناها النظام، فيما يتعلق بالبرنامج النووي والصاروخي والدور الإقليمي لإيران.

وقد فاقم تفشي فيروس كورونا المستجد الصعوبات الاقتصادية إذ تسبب بإغلاق جزئي للاقتصاد وخفض الصادرات، ما أدى إلى تراجع قيمة العملة المحلية بشكل كبير وارتفاع معدلات التضخم. 

ونجد أن حالة التردي المعيشية عامل محرك لاندلاع الاحتجاجات في إيران، ونجد أن تعامل النظام الإيراني مع الاحتجاجات التي تندلع بين الحين والآخر باستخدام القوة من أجل إخمادها، وبالتالي احتواء المشهد في الداخل مع عدم التراجع عن مواصلة النظام الإيراني لتقديم الدعم إلى حلفائه الإقليميين.

وفيما يتعلق بالضغوط الخارجية التي تواجهها إيران من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، فنجد أن إيران تنتظر نتيجة الانتخابات الأمريكية القادمة، وتأمل في أن يفوز المرشح الرئاسي “جو بايدن” ليكون رئيسًا للولايات المتحدة بدلًا عن “دونالد ترمب”، بما يمكّن إيران من فتح قنوات اتصال مع الولايات المتحدة الأمريكية، ورفع العقوبات الاقتصادية، وتخفيف وطاه التدهور الاقتصادي والدخول في اتفاق نووي جديد أكثر مرونة لصالحها.

وفى الختام، وعلى الرغم من أن الاحتجاجات لا تشكل حتى الآن تهديدًا جديًا للنظام الإيراني، فإنها تؤكد على أن هناك تباينًا بين أولويات الحكومة الإيرانية والمواطن الإيراني، حيث تتجه أنظار الحكومة الإيرانية نحو الاستمرار في البرنامج النووي الإيراني، والتوسع الإقليمي حتى لو كانت هذه الأولويات على حساب المواطن الإيراني وأوضاعه الاقتصادية، ولا شك أن ما يحدث في الفترة الحالية من مظاهرات قد يتطور إلى مستويات تفرض ضغوطًا أكبر.

+ posts

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

أسماء عادل

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى