تركيا

نورديك مونيتور يكشف بالوثائق دور دبلوماسيي أنقرة في دعم استخبارات أردوغان لخطف معارضين بالخارج

عرض – داليا يسري

تحت عنوان “رسالة رد من دبلوماسيي أنقرة الذين تجسسوا على منتقديهم وقاموا بتنظيم عمليات الاختطاف إلى الأمم المتحدة، حول عمليات الاختطاف التي تتم برعاية الدولة“، نشر مركز نورديك مونيتور تقريرًا مفصلًا تناول من خلاله رد الحكومة التركية على الخطاب المشترك للأمم المتحدة بشأن عمليات الاختطاف المنظمة، التي تتم برعاية الدولة التركية، والمؤرخ في 11 يونيو 2020. وأشارت إلى أن هذه العمليات تهدف إلى استعادة المواطنين الأتراك في الخارج بشكل قسري. وأوضح الموقع أن دبلوماسيي الحكومة التركية – من الذين عملوا على تنظيم عمليات الخطف والتجسس برعاية الدولة بحق كل المعارضين- قد اتهموا حركة فتح الله جولن بالتلاعب بالأمم المتحدة من خلال تزويدها بمعلومات وادعاءات زائفة حول العمليات غير القانونية. 

وسرد الموقع أسماء بعض من مقرري الأمم المتحدة الذين عكفوا على الخطاب، وهم لوسيانو هازان رئيس الفريق المعنى بحالات الاختفاء القسري. وفيليب جونزاليس موراليس، المُقرر الخاص بحقوق إنسان المهاجرين. وفايونيلا أولان المقرر المعني بتعزيز وحماية حقوق الانسان والحريات الأساسية في سياق مجال مكافحة الإرهاب. ونليز ميليز المقرر الخاص بالتعذيب وغيره من أشكال المعاملة القسرية أو العقوبة المشددة واللاإنسانية والمهينة. ولقد أورد مقررو الأمم المتحدة الذين سبق ذكرهم، رسالة مشتركة إلى الحكومة التركية، أعربوا فيها عن قلقهم إزاء الممارسات الممنهجة لعمليات الاختطاف خارج أراضي الدولة، والتي تجري برعاية تركية، وتقوم من خلالها بتنفيذ عمليات عودة قسرية لمواطنين أتراك من عدة دول. 

وأوضح نورديك مونيتور أن فريق عمل الأمم المتحدة المعني بالاحتجاز التعسفي قد أشار خلال جلسته الـ 87 والمنعقدة في الفترة بين 27 إبريل و1مايو 2020، قد توصل إلى أنه وفقًا للمعلومات الواردة من حركة جولن، فإنه قد تم بشكل تعسفي حرمان ثلاثة أفراد من حقوقهم في التحرك، ويفتقر إلى أي أساس قانوني وبما ينتهك القوانين الدولية. ووفقًا لما أورده مركز ستوكهولم للحريات فإنه قد تم استهداف الأشخاص ذوي الصلات المزعومة بالحركة، وأنه تم انتقاؤهم على أساس آرائهم السياسية، مما يشكل أرضية خصبة لنوع محظور من التمييز ضد الأشخاص.



الخطاب المشترك للأمم المتحدة حول عمليات الاختطاف الممنهجة، التي تجري خارج الحدود برعاية الحكومة التركية، وعمليات العودة القسرية للمواطنين الأتراك المقيمون في دول متعددة بالخارج.

ووفقًا لما أفاد به المركز فإن مقرري الأمم المتحدة قد شددوا في خطابهم على أن الحكومة التركية قد وقعت عددًا من الاتفاقيات الثنائية في مجال التعاون الأمني مع دول متعددة بهدف إما طرد مواطنين أتراك أو تنفيذ عمليات اختطافهم. كما قام مقررو الأمم المتحدة في خطابهم بمساءلة النظام التركي عن مدى توافق تلك الاتفاقيات والتزامها مع التعاليم الدولية في مجال حقوق الإنسان. 

كما طالب المقررون بإتاحة معلومات حول دور المخابرات الوطنية التركية، والمؤسسات الأخرى المماثلة في عمليات الاختطاف. بحيث وردت معلومات تفيد بأن حكومة تركيا قامت بالتنسيق مع دولاً أخرى، بنقل ما يزيد على مائة مواطن تركي بشكل قسري إلى تركيا، من بينهم 40 شخصًا تعرضوا للاختفاء القسري، وتم اختطاف معظمهم من الشوارع أو من منازلهم في جميع أنحاء العالم. وذكرت الرسالة أنه كان يوجد هناك حالات متعددة تمت فيها عمليات اختطاف هؤلاء الأشخاص برفقة أطفالهم. 

ولفت الموقع، إلى أن مذكرة وزارة الخارجية التركية التي تم ارفاقها بالبيان الدبلوماسي، قد أغفل عن ذكر توضيحات عن هذه الادعاءات. وركز بدلاً عن ذلك، على مطالبة هيئات الأمم المتحدة بعدم السماح لحركة جولن بإساءة استخدام هذه الآليات ورفض هذه المزاعم. 



مذكرة شفهية وإعلامية نقلها الممثل التركي الدائم لدى مكتب الأمم المتحدة في جنيف.

واستعرض نورديك مونيتور تفاصيل ما كشفته الحالات المشار إليها في الرسالة عن استخدام المنشآت الدبلوماسية التركية بطريقة احتيالية من قِبَل مبعوثي إردوغان، الذين يستخدمون خبراتهم في عمليات الترحيل، لأجل تنفيذ ترحيلات الأشخاص المرتبطون بحركة جولن، الشهيرة بانتقاداتها للحكومة التركية والتي يبدو أنها أصبحت أحدث ضحايا النظام التركي برئاسة أردوغان. حيث قام بعض السفراء الأتراك بالتنسيق مع بعض عناصر جهاز المخابرات التركية الموجودة على الأراضي الأجنبية، لاختطاف مواطنين أتراك.

وعلى سبيل المثال، أورد الموقع أن مصدر محلي في كوسوفو قد أوضح أن السفارة التركية في العاصمة الكوسوفية بريشتينا كانت تُعد مفتاحًا للوجستيات والتخطيط لعمليات الاختطاف الممنهجة. كما أنها كانت تعد مركز احتجاز لعمليات الاختطاف التي تجري في كوسوفو بالكامل. وهناك، حيث تم احتجاز المواطنين الأتراك “جيهان أوزكان- كهرمان ديميريز- حسن حسين جونكان- مصطفى إردم- يوسف كاربينا- عثمان كاراكيا”، لبعض الوقت إما في قاعة السفارة أو في منزل السفيرة التركية آنذاك، والتي كانت كيفيلسيم كيليك في 29 مارس 2018. 

كما تداول الخطاب ما يفيد بأن وزارة الدفاع أمرت باختطاف خمسة أتراك، ولكن تم إضافة أوزكان إلى القائمة في بريشتينا من قِبَل السفيرة كيليك بنفسها. كما نشرت صحيفة جمهوريت اليومية صورًا تم التقاطها على مواقع السفارة التركية في بريشتينا من قَبل وكالة أنباء الأناضول الحكومية عقب اعتقالهم. ونظير جهودها، تمت مكافأة السفيرة التركية السابقة في بريشتينا، على خدماتها في كوسوفو من قِبَل الرئيس أردوغان، الذي قام بتعيينها في منصب مدير عام مجلس أوروبا وحقوق الإنسان لدى وزارة الخارجية. 


الرئيس أردوغان يُكرم السفيرة كيفيلسيم كيليك

استعرض الموقع كذلك ما كشفته رسالة الأمم المتحدة حول الطريقة التي قامت بها السفارة التركية في كمبوديا بخداع السلطات المحلية، أثناء مطالباتها بتسليم المواطن المكسيكي من أصل تركي عثمان كاراكا. ووفقًا لوثيقة الأمم المتحدة فإن البعثة الدبلوماسية قد أبلغت شركة كمبودية أن كاراكا كان يحمل جواز سفر مكسيكي مزور، وبعد ذلك اعتقلت السلطات كاراكا. وأكدت الرسالة أن السفارة التركية طلبت بعد ذلك بترحيله إلى تركيا بسبب عدم وجود وثيقة سفر دولية. وقامت السلطات التركية برشوة المسؤولين المحليين لتأمين تعاونهم في الإجراءات غير القانونية لاعتقاله التعسفي. 

ولقد تم اعتقال كاراكا بناءً على حجة مُلفقة من السفارة. ثم اتبعت السفارة التركية بعد ذلك، تكتيك تشويه ضد كاراكا وطالبت بضرورة ترحيله، وكان كل ذلك يجري تحت إشراف مباشر من السفيرة التركية أيدان أنلو، والتي كانت على دراية تامة بوضع كاراكا والطبيعة السياسية للطلب. لهذا السبب لم تتردد في انتهاك كل من الاتفاقيات الدولية والأنظمة المستقلة للدولة من خلال تقديم حجج مزورة للشرطة الكمبودية من أجل كسب رضاء إردوغان. 


أيدان أنلو السفيرة التركية في كمبوديا تتلقى تكريمها من وزير الخارجية التركي.

كما أشار الموقع إلى أن وزارة الخارجية التركية لم ترد على مقرري الأمم المتحدة بشأن الإعادة القسرية للمواطنين والمدرسين الأتراك المقيمين في الجابون. إذ إنه قد تم في أبريل 2018 اعتقال عثمان أوزبينار وإبراهيم أكباش وعدنان ديميرونال، وزوجاتهم الثلاثة وسبعة أطفال واحتجازهم بمعزل عن العالم الخارجي لمدة 23 يومًا قبل إعادتهم قسرًا إلى تركيا. ووفقًا لمصادر محلية فإن السفير التركي آنذاك فيفزي سوفان إركولا قد قام بعمل العديد من المساعي في ليبرفيل لترحيل المعلمين الأتراك وعائلاتهم. 

ومن جانبها، لفتت رسالة الأمم المتحدة على أن مصطفى جيهان، والذي تم اختطافه على يد مجموعة تتألف من ثمانية أشخاص يرتدون ملابس مدنية، منسوبين إلى المخابرات الأذربيجانية والتركية في ابريل 2018، على الرغم من صدور قرار من المحكمة بعدم تسليمه.  قد تعرض للصعق الكهربائي لعدة مرات حتى فقد وعيه، وبعد ذلك عُرضت عليه لقطات تُظهر أفراد عائلته. وتم تهديده باختطافهم في حالة عدم موافقته على السفر إلى تركيا.

وبالإضافة إلى ذلك، كشفت وثيقة الأمم المتحدة أن المخابرات الحكومية الباكستانية اختطفت مسعود كاكماز، المدير السابق لـ “باكتوك”، رفقة أفراد من عائلته، وتم احتجازهم سرًا في معزل عن العالم الخارجي لمدة 17 يومًا، ثم تمت بعد ذلك إعادتهم إلى تركيا بشكل إجباري بتاريخ 14 أكتوبر 2017. ووفقًا لما ورد بوثيقة الأمم المتحدة، “أن العائلة برمتها قد تعرضت لإساءات جسدية ولفظية تهدف إلى إكراههم على العودة إلى تركيا أثناء احتجازهم في معزل عن العالم الخارجي، كما تم نقلهم بعد ذلك إلى تركيا على الرغم من صدور أمر قضائي يمنع ترحيلهم بتاريخ 28 سبتمبر 2017. 

ومن جانبه، أوضح السفير التركي لدى باكستان –ساديك باربور جرجين- أن السبب وراء اعتقالهم يتعلق بالمدارس التركية الباكستانية التي ترتبط بحركة جولن.

وتناول نورديك مونيتور ما يفيد بأنه علاوة على أدوارها التنسيقية في عمليات الاختطاف، فإن السفارات والقنصليات التركية قد أصبحت أدوات للتجسس في أيدي الحكام المتأسلمين الأتراك. بحيث قامت البعثات الدبلوماسية والقنصلية التركية في جميع انحاء العالم بتنظيم عمليات التجسس المنهجي بحق منتقدي الرئيس أردوغان، كما عملت على توصيف منظماتهم وإدراج أسمائهم كما لو كأنهم أجزاء من منظمات إرهابية. 

وفي فبراير الماضي، أكد وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو، وقوع عمليات التجسس السرية التي قام بها دبلوماسيون أتراك على الأراضي الأجنبية. مضيفًا، أن الحكومة أرسلت تعليمات رسمية للدبلوماسيين الأتراك المعينين في سفاراتها وقنصلياتها للقيام بهذه الأنشطة في الخارج. ولقد برر “أوغلو”، هذا الأمر بأن صرح أمام صحفيين أتراك في أعقاب مؤتمر ميونيخ بـ 16 فبراير 2020، إن “مهام جمع المعلومات الاستخباراتية هي أحد واجبات الدبلوماسيين”، مضيفًا أن جمعها هو واجب وطني. ويُذكر في نفس السياق، أن كريم أوراس السفير التركي لدى كندا، قد اعترف بالتجسس على عدد 15 كنديًا من أصل تركي. بحجة أن أي سفارة سوف تركز دائمًا على التهديدات التي تواجه بلادها، وأن هذا عادة ما تفعله السفارات.

وذكر الموقع كذلك، أن المراسلات الرسمية التي نقلتها وزارة الخارجية إلى مكتب المدعى العام في أنقرة قد اشتملت على قرصين مدمجين يحتويان على تفاصيل هيكل حركة جولن في كل بلد، بالإضافة إلى قائمة مفصلة بأسماء الأشخاص الذين يعتقد أنهم منخرطون في الحركة. ولفت إلى أن هذه القوائم قد تم توزيعها على وزارة العدل والإدارات ذات الصلة لدى المديرية العامة للأمن، من أجل اتخاذ المزيد من الإجراءات الإدارية أو القانونية ضد الأشخاص الذين تم تحديدهم، ومعاقبة أقاربهم في تركيا والاستيلاء على ممتلكاتهم. 

وأشار الموقع، إلى أن إيسنر قد وقع على وثيقة وزارة الخارجية بصفته نائب وكيل الوزارة السابق، بينما يشغل حاليًا منصب السفير التركي لدى مجلس أوروبا في ستراسبورج. وذكر الموقع، أنه من المفاوضات كذلك، أن الشخص المسؤول عن المكتب الذي أرسلت إليه هذه الوثيقة والذي احتفظ بقوائم تحتوي على مئات الآلاف من الأبرياء، يمثل الآن بلاده لدى أكبر هيئة حكومية دولية في أوروبا، والتي تناصر الديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان الأساسية. 


وثائق مسربة من وزارة الخارجية التركية

كما تؤكد وثيقة سرية لوزارة الخارجية التركية، موقعة من قبل نائب وكيل الوزارة آنذاك –إيسنر- أن السفارات والقنصليات التركية تدير شبكة تجسس في جميع أنحاء العالم، تستهدف المعارضين في الخارج. وتقوم بتكثيف الضغط على الصحفيين وتنظم عمليات ضد منتقدي أردوغان في جميع أنحاء البلاد، في أعقاب فضيحة الفساد في ديسمبر 2013 التي أدانت أردوغان وأفراد عائلته وشركائه السياسيين. 

وذكر المركز أن أردوغان قام مباشرة بعد الانتهاء من التحقيقات في الفساد بتوجيه الاتهامات نحو مجموعة من ضباط الشرطة والقضاة والمدعين العامين المتورطون في مسألة الانقلاب الفاشل ضد حكومته، وادعى أنهم على صلة بحركة جولن التي وصفها بأنها دولة موازية. وجرى بعد ذلك تسريع حملة القمع بحق منتقدي الحكومة، وتنفيذ عملية تطهير بحق المسؤولين الحكوميين، والتي بدأت في أعقاب تحقيقات الفساد في ديسمبر 2013 وامتدت حتى ما بعد الانقلاب الفاشل في يوليو 2016. مما منح أردوغان ذريعة مناسبة من أجل متابعة عمليات التطهير الجماعي دون تحقيقات إدارية أو قضائية. 

ومنذ عام 2016، اعتقلت الحكومة ما يزيد عن نصف مليون شخص من حركة جولن، على خلفية اتهامات تتعلق بالانقلاب أو الإرهاب. وتهدف الحملة إلى قمع المجتمع المدني، وإسكات وخنق الأصوات المعارضة. في نفس الوقت الذي يواصل فيه أردوغان تحويل الديمقراطية التركية إلى ديكتاتورية. 

ولفت نورديك مونيتور إلى أن تركيا قامت في مايو 2016، بتصنيف الحركة التي يقودها التركي المسلم المقيم في الولايات المتحدة فتح الله جولن باعتبارها كيانًا إرهابيًا دون أي دليل دامغ على أن جولن أو شخص مرتبط بالحركة قد ارتكبوا أي أعمال إرهابية. ثم وقعت بعد ذلك في يوليو 2016 محاولة انقلاب بتوجيه من أردوغان الذي أراد أن يتخذها بمثابة ذريعة لشن حملة القمع التي تلت الانقلاب. إذ إن هذا الانقلاب الفاشل الذي وصفه إردوغان بأنه –هدية من الله- اضطر الآلاف من المواطنين الأتراك إلى الفرار من ديارهم بسبب نظامه المعادي للديمقراطية وإقدامه على تطهير معارضي الحكومة. 

وأشار الموقع، إلى أن أردوغان قد عمد بعد ذلك إلى إبعاد تركيا عن القيم الأساسية للاتحاد الأوروبي باستخدام الانقلاب، بغرض تقييد الحقوق الديموقراطية، وتقويض سيادة القانون. ولفت إلى أن الحكومة التركية قد انتهكت في أعقاب الانقلاب الفاشل القانون الدولي من خلال إقدامها على اعتقال عشرات الآلاف، بما في ذلك صحفيين ومدافعين عن حقوق الإنسان، وأكاديميين ونواب أكراد وصحفيين أجانب، وموظفي خدمة مدنية، ورجال أعمال. 

كما تم استهداف 152000 موظف مدني على الأقل، وطردهم من وظائفهم دون أي تحقيقات قضائية أو إدارية فعالة. ولم يتم كذلك التحقيق مع أكثر من نصف مليون شخص فيما يتعلق بمزاعم حول ميول إرهابية مشكوك فيها. وبالإضافة إلى ذلك، تم اغلاق المنافذ الإعلامية والاستيلاء على أصولها. كما أعلن العديد من المدافعين عن حقوق الإنسان غضبهم إزاء ادعاءات التعذيب منذ الانقلاب الفاشل.

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

داليا يسري

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى