ليبيا

الجيش الوطني الليبي يستعد شرقاً … وتركيا تجنس المرتزقة غرباً

تفاصيل جديدة ومهمة بدأت في التكشف، حول طبيعة الاستعدادات التركية للهجوم على المنطقة الشرقية الليبية، والتي شملت بعض الإجراءات التي اتخذتها سابقاً في الشمال السوري، وعلى رأسها تكريس الوضع الميليشياوي، وتشكيل مجموعات مسلحة تضلع بدور (الشرطة)، في المناطق التي تحتلها تركيا.

فقد أشارت المعلومات المتوفرة خلال الأسابيع الماضية، إلى حدوث اتفاق بين حكومة الوفاق والولايات المتحدة، على تفعيل الأولى لقوة (الحرس الوطني)، حيث تم بالفعل إرسال مشروع القانون الخاص بهذه القوة، من رئاسة الأركان التابعة لحكومة الوفاق، إلى رئيس المجلس الرئاسي للحكومة فايز السراج، وقد تم إرفاق هذه الخطوة بخطوات أخرى، منها بعض الخطوات الشكلية التي قام بها وزير الداخلية فتحي باشاغا، مثل طلبه من وزير المواصلات، عدم إعطاء أية تصاريح لهبوط أو أقلاع الطائرات الخاصة أو الرحلات الجوية الاعتيادية، إلا بعد الرجوع إلى وزارة الداخلية. كذلك بدأت وزارة الداخلية في حكومة الوفاق، في حصر مجموعات المرتزقة المتواجدة غرب البلاد، من أجل أختيار أعداد منهم، لتجنيسهم ومنحهم الجنسية الليبية، تمهيداً لضمهم إلى قوة (الحرس الوطني)، لتفادي ترحيلهم، في حالة ما اذا دعت الظروف او التفاهمات، إلى إعادة المرتزقة السوريين إلى بلادهم. 

بهذا يتضح أن تشكيل القوة الجديدة، هو غطاء لتغلغل الميليشيات والمرتزقة السوريين في نسيج القوات التابعة للوفاق، وتجنيبهم أي إلغاء أو إقصاء، وكذا أستخدامهم في المعارك المقبلة، بشكل يظهروا فيه بمظهر شرعي وقانوني، يختلف عن وضعهم الحالي كميليشيات ووحدات غير نظامية وغير قانونية، وهذا أتضح أكثر مؤخراً، بعد ظهور تشكيلات عسكرية جديدة في العاصمة طرابلس، منها (الكتيبة 166)، التي تبين أنها في الحقيقة ميليشيا (ثوار طرابلس)، لكن تم إعادة تشكيلها تحت أسم جديد، وضمها مجدداً إلى رئاسة الأركان التابعة لحكومة الوفاق، ويضاف إلى ذلك نقطة أخرى بالغة الأهمية، وهي الأشراف التركي المباشر على تشكيل بعض غرف العمليات التابعة لحكومة الوفاق، مثل (غرفة العمليات المشتركة بالمنطقة الغربية)، وهي غرفة مشكلة حديثاً، تحظى برعاية ودعم تركي مباشر، ويظهر بوضوح في شعارها، الدرون التركي الصنع (بيرقدار)، وهي إشارة تحمل ملامح واضحة، تؤشر إلى تجربة جديدة، تماثل تجربة الفصائل المسلحة التي أشرفت تركيا على تأسيسها شمال وشمال شرق سوريا.

في جديد المعلومات، قاربت عمليات تدريب مجموعة أولى من أفراد الميليشيات، على الإنتهاء في معسكرات تدريب تقع في محافظة إسبرطة، جنوبي غرب تركيا، وذلك في إطار الاتفاقيات الأمنية والعسكرية التي وقعتها حكومة الوفاق مع الحكومة التركية، وهذه المجموعة تم تدريبها على مهام الشرطة المدنية، بحيث يتم إلحاقهم بتشكيلات الشرطة التابعة لحكومة الوفاق، مما يسمح بإدماجهم بصورة مُقنعة في صفوف القوات العسكرية والأمنية، وبالتالي تفادي تعرض أفراد هذه الميليشيات إلى المحاسبة القانونية على جرائمهم، أو تفادي الاستغناء عن خدماتهم بسبب احتمالية حل الميليشيات التي ينتمون إليها.

هذا التوجه تأكد بصورة أكبر، بعد حفل تخريج دفعات من المقاتلين، تمت أقامته الأثنين الماضي في معسكر اليرموك جنوبي العاصمة الليبية طرابلس، وفي هذا الحفل، تم تخريج نحو 1000 مرتزق، معظمهم من الذين قدموا إلى ليبيا خلال الأشهر الماضية. خلال هذا الحفل تم تسديد الرواتب التي كانت العناصر المرتزقة قد اشتكت مراراً من تأخرها خلال الأشهر الستة الماضية، وهو ما ترافق مع معاملة سيئة تعرض لها هؤلاء من جانب قوات حكومة الوفاق، التي حجمت من تحركات المرتزقة خارج معسكراتهم، وكانت تعتقل كل من يخرج خارجها، مثل ما حدث مع بعض منتسبي ميليشيا (فرقة الحمزة)، الذين اعتقلتهم ميليشيات (الردع) التابعة لحكومة الوفاق، بعد خروجهم من مناطق تمركزهم في منطقة عين زارة جنوبي العاصمة.

اللافت في هذا الصدد، أن هذه الرواتب التي تقدر بنحو 2000 دولار لكل مرتزق، تم تسديدها بصورة مباشرة من خزينة حكومة الوفاق، وهو ما يؤكد الاتهامات التي وجهتها القبائل الليبية إلى المؤسسة الوطنية للنفط والمصرف المركزي، بشأن سوء إدارة الموارد المالية للدولة الليبية، وأستخدام العوائد النفطية في تمويل عمليات استقدام وإعاشة مجموعات المرتزقة، التي وصلت أعدادها حالياً إلى 16 ألف مرتزق.

بالتزامن مع هذا الحفل، أظهرت تسجيلات مصورة، عناصر من المرتزقة السوريين، أثناء تدريبهم في كلية الشرطة في العاصمة الليبية، وهذا يؤكد أيضاً أستمرار توجه حكومة الوفاق، نحو ملف إدماج المرتزقة في صفوف القوات العسكرية والأمنية التابعة للحكومة، وبالتالي التحايل حول مطالب حل الميليشيات وإعادة المرتزقة إلى سوريا.

وضع المرتزقة والميليشيات غرب ليبيا يثير قلق الداخل والخارج

خلال الأسابيع الماضية، أصبح واضحاً أمام الداخل الليبي والأطراف الإقليمية والدولية، المخاطر الكبيرة التي تمثلها الميليشيات والمرتزقة، التي تنتشر غربي ليبيا، خاصة في ظل حالة الإنفلات الأمني الذي يشهدها الغرب الليبي، ففي خلال الشهر الجاري، شهدت منطقة جنزور غربي العاصمة، مجزرة دارت فصولها بين ميليشيا (آل فكار) وميليشيا (فرسان جنزور)، بسبب نزاع حول سيطرتها على أحدى محطات الوقود. المفارقة هنا تكمن في أن هذه الأشتباكات دارت رحاها على بعد أقل من 2 كيلو متر، من مقر البعثة الأممية في ليبيا. الأشتباكات المناطقية أصبحت ظاهرة ملموسة، ففي مدينة مصراتة، أشتبكت عدد كبير من المسلحين، الذين ينتمون إلى عائلتين من أهم عائلات المدينة، بسبب خلاف على سيطرتهم على أحدى المنتجعات السياحية، مما أسفر عن مقتل نحو ثلاثة أشخاص.

يضاف إلى ذلك، تصاعدت عمليات الإغتيال والتصفية الجسدية بين الميليشيات خلال الشهر الجاري، فتم في منطقة السيدة زينب بمدينة الزاوية، اغتيال أحد أفراد ميليشيا (الفرقة الأولى)، وتم اغتيال أحد أفراد ميليشيا (مجلس شورى ثوار بنغازي)، أمام منزله في منطقة الدافنية بمدينة مصراتة شرقي العاصمة، وفي أواخر الشهر الماضي، تم قتل أحد أفراد ميليشيات طرابلس، بعد أن أطلق مجهولون عليه النار أثناء تواجده في منطقة (قصر خيار) بالعاصمة. هذا الوضع تكرس بتواجد عدد من المشبوهين في صفوف وزارة الداخلية التابعة لحكومة الوفاق، من بينهم ، النقيب محمد سالم بحرون، الذي تم تعيينه مؤخراً كرئيس لإدارة التحقيقات الجنائية، بمديرية أمن مدينة الزاوية، علماً أن مذكرة توقيف بحقه، كانت قد صدرت عام 2017، لاتهامه بالضلوع في أنشطة تنظيم داعش، في مدينة صبراتة.

تركيا تحشد قواتها لمعركة سرت

التصميم التركي على بدء معركة سرت، والذي كان من أهم أسبابه، هو مخاوف أنقرة من إحتمالية إيجاد حل سياسي للأزمة الليبية، يفقدها هي وحكومة الوفاق كل الأوراق والمكاسب السياسية والعسكرية، بدا واضحاً بشكل كبير خلال الأيام القليلة الماضية، فطائرات نقل المرتزقة أصبحت تقلع مباشرة من مدينة غازي عنتاب جنوبي تركيا، في اتجاه مدينتي مصراتة وطرابلس، عوضاً عن أنتقال المرتزقة أولا إلى أسطنبول، ثم إلى مصراتة وطرابلس. كذلك لوحظ أن حركة طائرات الشحن العسكرية التركية، أصبحت حصراً في اتجاه العاصمة طرابلس، بعد أن كانت رحلاتها موجهه في الأساس إلى مدينة مصراتة.

 وهذا يعود إلى رغبة تركيا في تعويض خسائرها في قاعدة الوطية، وبالفعل قامت باستبدال المعدات التي تم تدميرها، خاصة منظومات الدفاع الجوي (هوك)، بأخرى من نفس النوع. ميليشيات الوفاق من جانبها، أكملت استعداداتها لمعركة سرت، بتحشيد كل ما تستطيع من قوات، في النطاق الموجود غربي مدن تمنهنت وسرت والجفرة، خاصة مدينة سرت، حيث تتحشد قوات الوفاق على بعد نحو 80 كيلو متر من غربي المدينة. 

حتى الآن لم تقم القوات التركية وما يتبعها من ميليشيات ومرتزقة، بأية محاولات هجومية في اتجاه مدينة سرت، لكن كان لافتاً تنفيذ الدرونز القتالية التركية، التي تتمركز بصفة دائمة في مطار معيتيقة بالعاصمة الليبية، غارة على محطة ضخ تابعة لمنظومة الحساونة – سهل الجفارة الخاصة بالنهر الصناعي، والتي تقع في منطقة الشويرف، التي تبعد نحو 260 كيلو متر جنوب غرب مدينة سرت، وذلك بهدف قطع المياه عن الساحل الليبي، ومدينة سرت بصفة خاصة.

الجيش الوطني الليبي .. أستعدادات على كافة المستويات

الجيش الوطني من جانبه، أتم استعداداته بشكل كامل لهذه المعركة، وعلى رأس هذه الاستعدادات، هو تفعيل شبكة قوية للدفاع الجوي، يحمي بها المنطقة الشرقية، وفي ذلك استفادة من أحد دروس معركة طرابلس، التي لم يمتلك خلالها الجيش الوطني، ما يكفي من دفاعات جوية، لصد السيل المنهمر من الدرونز التركية، التي وأن دمر الجيش منها العشرات، إلا أن القرار التركي كان متخذاً بإرسال العشرات منها مهما كانت التكلفة، وهو ما أثر بشكل واضح على مجريات الميدان خلال الأشهر الماضية. كذلك فقد وضع الجيش الوطني، كافة قواعده الجوية، وهي قواعد بنينا وتمنهنت والجفرة والخروبة وطبرق والأبرق وسرت، في حالة إنذار مستمرة، تمهيداً لتفعيل دور سلاح الجو الليبي، في مواجهة الهجوم التركي المتوقع.

الجيش الوطني وهو يستعد لهذه المعركة، يضع نصب عينيه جهود القبائل الليبية ومجلس النواب، فالمستشار عقيلة صالح، الذي بدأ جولة خارجية، من أجل استجلاء المواقف الدولية، والترويج لخطته من أجل تفعيل حل سلمي سياسي للأزمة الليبية، حط رحاله في العاصمة الإيطالية روما، من أجل تحقيق هذا الغرض، هذا بالتزامن مع وصول وفد كبير من المجلس الأعلى لشيوخ وأعيان القبائل الليبية، يمثل كافة الأقاليم الليبية، للقاء مع القيادة المصرية، وتأكيد التفويض القبلي والشعبي لمصر، من أجل مواجهة العدوان التركي المتوقع على سرت والجفرة. تقسيم الأدوار الحالي بين القبائل الليبية (التي تعد رمانة ميزان السياسة والأقتصاد في ليبيا)، وبين مجلس النواب (الجسم المنتخب ذو الشرعية السياسية)، والجيش الوطني الليبي (المؤسسة العسكرية المنضبطة)، ساهم بشكل كبير في محاصرة آثار التدخل التركي في ليبيا، ونبذ أية اختلافات في وجهات النظر بين مكونات المنطقة الشرقية.

مصر في هذه المرحلة، تنتظر بصبر ما ستفسر عنه، محاولات اللحظات الأخيرة من جانب بعض الأطراف الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة وفرنسا، من أجل إثناء أنقرة عن حماقة الهجوم على سرت، والقاهرة هنا تتسلح بتفويض رسمي من البرلمان الليبي المنتخب، ومن القبائل الليبية، والجيش الوطني، مما يسمح لها بتفعيل ما تشاء من إجراءات ميدانية، في حالة خرق الخط الذي فرضته مصر ما بين مدينتي سرت والجفرة.

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

محمد منصور

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى