كتب عربية ودولية

مايكل فلين.. جولة داخل عقل الرئيس ترامب

عرض – إيهاب عمر

في كل إدارة أمريكية هنالك سياسي يُطلَق عليه إعلاميًا لقب “أمير الظلام”، ويُقصَد بذلك أنه المفكر أو المنظّر الذي يُلهم البيت الأبيض ويساهم في الحصة الكبرى في رسم السياسات. في عهد دونالد ترامب، لم يمكث “أمير الظلام” في الإدارة الأمريكية إلا 24 يومًا، ليكون خروجه الأول في سلسلة إقالات واستقالات ميّزت ولاية الرئيس الحالي عن الولايات السابقة.

ولكن أفكار “أمير الظلام” هذا ظلت تطلّ برأسها في السياسات الخارجية لترامب، من مراجعة الاتفاق النووي مع إيران والخطاب المتشدد ضد نظام طهران، والتحسن النوعي في العلاقات مع مصر، وتجميد الانفتاح الأمريكي على كوبا، وحتى استخدام مصطلح الإسلام الراديكالي، وصولًا إلى فكرة تأسيس ناتو عربي. إنه الجنرال مايكل فلين الذي قضى 33 عامًا في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) أغلبها ضمن الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط، من أفغانستان إلى العراق، والذي ترأس المخابرات الحربية بين عامي 2012 و2014، وارتبط بعلاقة وثيقة مع ترامب إبان حملته الانتخابية التي عُيّن خلالها مستشارًا للشؤون الخارجية والمستشار العسكري الأول.

بل وكان فلين مرشحًا لشغل منصب نائب الرئيس مع ترامب، ولكن الأخير حرص على إرضاء القواعد الانتخابية المحافظة باختيار مايك بنس ذي الشعبية الكبيرة بين المحافظين الجدد وكتلتهم حزب الشاي. بعد فوزه، اختار ترامب فلين لمنصب مستشار الأمن القومي، وهو منصب شغله منظرو وراسمو سياسات بثقل زبيجنيو بريجينسكي وهنري كسينجر، إلا أن إقالته السريعة أضاعت فرصته في التمتع بالنجومية.

ولكن مع تزايد الحديث عن سياسات ترامب في الشرق الاوسط، تزداد أهمية العودة إلى كتاب فلين الصادر في يوليو 2016 بعنوان “ميدان القتال: كيف ننتصر في الحرب العالمية ضد الإسلام الراديكالي وحلفائه”The Field of Fight: How We Can Win the Global War Against Radical Islam and Its Allies. الذي شارك في كتابته المؤرخ مايكل ليدين، أحد مستشاري الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان، ويتضمّن تأصيلًا إيديولوجيًا لسياسات ترامب الخارجية.

C:\Users\user\Downloads\s5d45sd4s.png

التنظير لإيران كخطر عالمي

يخصص فلين أغلب صفحات كتابه الـ208 للحديث عن إيران بشكل مباشر. ففي الجزء الخاص بالقوى النووية، يتحدث كثيرًا عن إيران، وفي أغلب ما ذكره عن الإسلام الراديكالي وحركات الإسلام السياسي، يتحدث أيضًا عن إيران. يشير فلين إلى أن هنالك تحالفًا دوليًا معاديًا لأمريكا، يضم روسيا والصين وكوبا وفنزويلا وإيران وسوريا، ويقول إنه رغم أن تلك الدول ليست كلها إسلامية إلا أنها تدعم التمرد الإسلامي العالمي لأنها تشترك معه في كراهية الغرب، وتستخدمه كمخلب قط لضرب القيم الغربية.

ويلفت إلى أن هنالك حقيقة لا يعرفها أغلب الأمريكيين وهي أن واشنطن تخوض حربًا عالمية ضد الأصولية الإسلامية. يصنّف الكتاب إيران باعتبارها مثل الاتحاد السوفيتي في النصف الثاني من القرن العشرين، أصل كل الشرور التي تهدد أمريكا، ويعتبر أنه “كان خطأ استراتيجيًا ضخمًا أن تغزو الولايات المتحدة العراق عسكريًا”، مضيفًا: “كانت مهمتنا الأساسية، كما زعمنا، بعد 11 سبتمبر، هي هزيمة الإرهابيين، وكان هدفنا الأساسي طهران، وليس بغداد، وكان ينبغي أن تكون الطريقة سياسية، أي دعم المعارضة الإيرانية الداخلية”. يوصي فلين بدعم المعارضة الإيرانية، زاعمًا أن مئات آلاف الإيرانيين مستعدون للموت مقابل إزاحة النظام الإيراني الذي وصفه بالهش والضعيف، ولكنه يؤكد أنه لا يجب الذهاب إلى غزو أمريكي منفرد، كما جرى في أفغانستان والعراق، ولكن يجب دعم ثورة ملوّنة مخملية يقودها “الثوار الديموقراطيون”.

يتهم فلين إيران بتدبير حادث المسجد الحرام عام 1979، حينما استولى عدد من السعوديين بقيادة جهيمان العتيبي عليه، ويتهمها بتحريك تنظيم القاعدة وجماعة الجهاد المصرية التي ضربت السفارة الأمريكية في كينيا وتنزانيا عام 1998، كما يتهمها بالمساهمة في صناعة شبكة أبو مصعب الزرقاوي التي تحوّلت لاحقًا إلى داعش، مؤكدًا أن البنتاجون لديه معلومات حول وجود أبو مصعب الزرقاوي في إيران عام 1999 ثم بين عامي 2002 و2003. ويرى فلين أن البلاشفة والنازيين استخدموا الإسلام الراديكالي ضد مصالح القوى الديمقراطية حول العالم، مشيرًا إلى بغض الإسلاميين للحضارة الغربية، ممثلةً في أمريكا وإسرائيل، وإلى أن إنقاذ كلا الدولتين يتطلب تفهّم الشعب الأمريكي لحتمية شن حرب حقيقية على الإسلام الراديكالي.

ويكمل أن الإسلاميين ليسوا مجرد همج أو برابرة ولكن لديهم إيديولوجيا ورؤية منهجية للسيطرة على العالم، وهم النسخة الإسلامية من كتاب “كفاحي” الذي كتبه أدولف هتلر ويُعتبر مانيفستو النازية.

وأشار فلين إلى أن أمريكا أسقطت الاتحاد السوفيتي من الداخل، وهو ما يجب أن يحدث مع طهران، عبر الحرب الفكرية (الإيديولوجية) والإعلامية. وبرأيه، كما قامت أمريكا بتفكيك الإيديولوجيا الشيوعية، فإن الإيديولوجيا الأصولية للإسلام الراديكالي يجب تفكيكها وإثبات إفلاسها لأنها تمثل “حضارة فاشلة”. ويتهم المسلمين الأمريكيين بالسعي إلى إقامة دولة إسلامية في أمريكا قائلًا: “ليس من قبيل المصادفة أن الإسلاميين الراديكاليين في أمريكا يدفعون بقوة وبصورة منهجية للحصول على مكانة قانونية للشريعة، ومنع أي انتقاد للإسلام، هذه كلها خطوات نحو إقامة دولة إسلامية هنا في بلادنا”.

ويكمل فلين أن إيران مسؤولة عن مقتل مئات الأمريكيين في أفغانستان والعراق ولبنان وباكستان وشرق إفريقيا، بالإضافة إلى تعاونها مع تنظيم القاعدة، كاشفًا أن المخابرات الحربية الأمريكية وجدت أدلة تفيد بذلك في مخبأ زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في باكستان، مشيرًا إلى أنه جرى حجب المعلومات عن علاقة إيران بتنظيم القاعدة عن الشعب الأمريكي عبر إدارتين متتاليتين في سنوات جورج بوش الابن ثم باراك أوباما. ويرى فلين أن إيران هي حلقة الوصل بين كوريا الشمالية وروسيا في تحالف ضخم وإذا ما جرى استهدافها، سينكسر هذا التحالف.

فكرة الناتو العربي

بعد عرض كل ما يعرضه عن إيران وخطرها، يشير فلين إلى أن أمريكا وحدها، بدون تحالف مع دول الشرق الأوسط، لن تستطيع إتمام المهمة المطلوبة منها، ومن هنا يقترح تأسيس حلف الخليج العربي والبحر الأحمر GRSTO. يقترح فلين أن يضم الحلف الجديد كلًا من السعودية والكويت والإمارات وقطر والبحرين وسلطنة عمان ومصر والأردن بالإضافة إلى الولايات المتحدة، ويضيف أنه يمكن للأعضاء الموقعين على المعاهدة دعوة أية دولة أخرى للمشاركة فيه.

أساس الحلف هو توفير الأمن لأعضائه، عبر توقيعهم اتفاقية دفاع مشترك يتحرك بموجبها أعضاء التحالف جميعًا بحال تعرّض أي عضو فيه لعدوان عسكري. ولكنه يرى أيضًا أن هذا التحالف لا يجب أن يكون عسكريًا فحسب، بل دبلوماسيًا واقتصاديًا، عبر تأسيس مجلس لوزراء الخارجية ينسق لموقف دبلوماسي موحد في كافة قضايا الشرق الأوسط وتلك المتعلقة بالعلاقات بين هذه الدول وبين الغرب، بالإضافة إلى تنسيق تكامل اقتصادي بين أعضائه، وإطلاق مشاريع مشتركة في مجال الطاقة. وعن مساهمة أمريكا في الحلف، فهي تتمثل في العمل الاستخباراتي وتقديم المعلومات وأنظمة الإنذار المبكر والعمليات الخاصة والدفاع الصاروخي واستخدام القوة الجوية.

ويرى فلين أن هنالك ثلاثة تهديدات تواجه هذا التحالف: أولًا، الإسلام الراديكالي المسلح؛ وثانيًا القوى الإقليمية ذات مشاريع الهيمنة وخاصةً إيران التي تدعم حركات عسكرية في سوريا ولبنان والعراق واليمن؛ وثالثًا، تهديد حيازة الأسلحة النووية مع إشارة صريحة إلى الاتفاق الإيراني مع المجتمع الدولي حول برنامج طهران النووي يهدد الأمن القومي الأمريكي.

وحول التنظيمات الإسلامية السنّية الخطرة، قال فلين بوضوح إنها تنظيم داعش وأنصار الشريعة والقاعدة في المغرب العربي والقاعدة في شبه الجزيرة العربية، ودعا إلى دعم الدولة الوطنية في الشرق الأوسط في مواجهة تنظيم الإخوان.

ورغم ذكر تنظيمات تنشط في دول المغرب العربي، إلا أن فلين لم يطالب بضم أي دولة مغاربية إلى الحلف المزمع. ويشدد فلين على أنه يجب ألا يؤدي الحلف إلى حرب سنية-شيعية في الشرق الأوسط، ويجب أن يدعم الحفاظ على الحكم المدني بما لا يسمح بصعود الإسلام الراديكالي، وأن يحمي حقوق الأقليات وعودة اللاجئين، ويساهم في وضع خطة مارشال اقتصادية لدعم الدول الوطنية، واحتواء الطموحات الصينية والروسية في الشرق الأوسط والمحيط الهندي.

توازن عسكري مع إيران

أما أهم بند في مشروع فلين فهو خلق توازن عسكري بين إيران والتحالف الجديد، عبر قيام واشنطن بتطوير هيكل أمني واستخباراتي وعسكري بينها وبين دول التحالف، ما يعني المزيد من التعاون معها والمزيد من الامتيازات الممنوحة لها. ويقترح فلين إلغاء تعاون واشنطن مع ما يسمّى بالإسلاميين المعتدلين ووضع مخطط لاحتواء القلاقل الشيعية في نطاق دول التحالف، مع العمل على دمج الشيعة في المجتمع عبر تحسين الفرص الاقتصادية والتعليمية أمامهم، وذلك لفصلهم عن الولاء لإيران والإسلام الراديكالي. ويرى فلين أن إسرائيل يجب أن تأخذ وضع مراقب في التحالف في فترة أقل من عشر سنوات على تأسيسه.

ثورة ثقافية بدعم أمريكي

يقول فلين إن الغرب مرّ بعصر الإصلاح بداية من القرن الخامس عشر، إضافة إلى عصر النهضة ثم عصر التنوير، بينما لم يمر الإسلام بعد بعصر الإصلاح الديني أو النهضة الثقافية والتنوير الحضاري. ويشير إلى أن أوروبا، حينما مرّت بعصر الإصلاح، اندلعت داخلها حروب داخلية سُفكت فيها دماء كثيرة، وإلى أن الهاربين من القمع الديني في أوروبا استقروا في القارة الأمريكية وأصبحوا الآباء المؤسسين للولايات المتحدة الأمريكية ورعيلها الأول. ويضيف: “من أجل أن نهزم الراديكالية الإسلامية وحلفاءها، فإن الإصلاح بات أمرًا مطلوبًا” داعيًا إلى ثورة ثقافية برعاية التحالف الذي ينظّر له وبدعم من أمريكا، من أجل إصلاح المسار الديني والتخلص من “النسخة المتطرفة” من الإسلام.


+ posts

باحث سياسي

إيهاب عمر

باحث سياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى