
السياسة الخارجية الأمريكية وتناقص الهيمنة العالمية
تتناقص الهيمنة الأمريكية من وجهة نظر الخبراء الأمريكيون؛ مما دفع أربعة خبراء للتدخل في محاولة لانقاذ مايسمونه “الاستراتيجية الكبرى للولايات المتحدة” تحت عنوان”ماذا يوجد في الداخل؟” للكاتب “جيدون روز” في دورية “فورين أفيرز”.
يرى هؤلاء الخبراء أن الصورة الأمريكية لم تعد كما كانت بالنسبة لهؤلاء الذين عاشوها في الماضي، وذلك لأن القوة الصلبة للولايات المتحدة قد عانت من انخفاض نسبي، في حين أن القوة الناعمة الأمريكية قد حققت ضربة هائلة، ورأت “ميرا راب هوبر وريبيكا فريدمان” ليسنر أنه يتعين على واشنطن أن تتخلى عن تخيلاتها للليبرالية بعد الحرب الباردة، والتي تسعى نحو تحقيق انتصار عالمي معين، وعليه ينبغي أن تخفف السياسة الأمريكية من طموحاتها، والتركيز على تعزيز مبدأ الانفتاح والاندماج داخل النظام الدولي.
ووجه “ستيفن والت” على أن التوازن الخارجي دائمًا أكثر منطقية من الهيمنة العالمية، وذلك لصعوبة تحقيق الهيمنة العالمية في الوقت الحالي، في حين دعمت “كوري شيك” الموقف الحالي ووصفته بأنه ليس قاسياً بالشكل الذي لايمكن الرجعة فيه، كما لا تزال هناك فرصة للولايات المتحدة لاستعادة مكانتها ، ودعم النظام الدولي الليبرالي ، وإعادة العالم إلى المسار الصحيح. لكن هذه مجرد فرصة ، والذي يجب أن يبدأ بشفافية التقييم والاعتراف بالمشكلة.
“هذا الوقت مختلف”
السياسة الخارجية للولايات المتحدة لن تتعافى أبدًا يرى الكاتب “دانيال دبليو دريزنر” تحت هذا العنوان أنه مع استمرار غياب أي إستراتيجية كبرى متماسكة للولايات المتحدة ستبقى قوة عظمى بالطبع، لكنها ستصبح قوة عادية وأقل ثراء، وخاصةً في ظل وجود قوى أخرى تسعى للتنافس.
وأوضح أن هذه ليست المرة الأولى التي يشكك فيها المراقبون في جدوى النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة، والتي يمكن حصرها في التهديدات النفطية في السبعينيات من القرن الماضي والتي مثلت تهديدًا خطيرًا للنظام الدولي الليبرالي ، وكذا العجز التجاري في ميزانية الولايات المتحدة في الثمانينيات، وتهديدات هجمات 11 سبتمبر، والأزمة المالية في عام 2008.
وأضاف أنه لا يمكن إلقاء اللوم على عاتق ترامب في تدهور السياسة الخارجية للولايات المتحدة، فعلى الرغم من احتمالية قيام رؤساء المستقبل استعادة الشكل الكلاسيكي للسياسة الخارجية للولايات المتحدة ، إلا أنه لا يمكن إحياؤها على الأرجح.
وعلى الرغم من النظرة المتشائمة بشأن تدهور النظام الليبرالي الذي أصبح خطراً على المؤسسات الأمريكية التي ترتكز على النظام الدولي الليبرالي، إلا أن النظام لم يسقط بعد، وعليه أوصى بضرورة بذل كل جهد ممكن للحفاظ على النظام الدولي الليبرالي، ويجدر أيضًا البدء في التفكير فيما قد يحدث بعد نهايته.
ويرى أنه بعد انقضاء المدة الرئاسية للرئيس ترامب ، سيحاول رئيس جديد بلا شك استعادة التعقل في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، حيث سيقوم/تقوم بإلغاء حظر السفر ، وتوقف الخطاب العدائي تجاه الحلفاء القدامى، وانهاء الهجمات على النظام التجاري العالمي، ولكن ستظل آثار إدارة ترامب باقية طوال الوقت على الاستراتيجية الكبرى للولايات المتحدة.
وأشار كذلك أن تأثير قرار ترامب نحو فرض العقوبات الاقتصادية على إيران ووصفه بأنه قرار “أحادي” قد حفز الصين وفرنسا وألمانيا وروسيا والمملكة المتحدة على إنشاء نظام دفع بديل في الوقت الحالي، وأنه على المدى الطويل سيتعلم كل من حلفاء الأمريكيين وخصوم الولايات المتحدة تجنب الاعتماد على الدولار.
كما أن خطابات ترامب الساخرة من تعزيز حقوق الإنسان والديمقراطية وسيادة القانون في جميع أنحاء العالم قد زعزعت من صورة الهيمنة الأمريكية في العالم، وهو ما يتطلب الترويج لهذه القيم في الخارج ومحاولة تثبيتها في الداخل، كما يرى بقاء تأثير هذه المرحلة على سياسة أي رئيس قادم بعد ترامب بشكل لا يمكن محو أثره.
وهو ما أكدت عليه كل من ميرا راب هوبر وريبيكا فريدمان ليسنر في مقالهما بعنوان” العالم المفتوح .. ما يمكن أن تحققه أمريكا بعد ترامب”، وأشارت إلى أن تغير العالم الذي نعيشه الآن وظهور منافسين جديين مثل الصين وروسيا – واللذان يشاركان بقوة في النظام الليبرالي على الرغم من تصريحاتهم بتحدي الأولوية الليبرالية- وكذا الجمهور الموحد نسبياً في الداخل، قد خلق الحاجة لضرورة إدراك القادة الأميركيين هذه الحقيقة وتعديل استراتيجيتهم وفقًا لذلك.
و يلقي العديد من الخبراء باللوم على ترامب في عكس استراتيجية الولايات المتحدة الكبرى، وأملهم في استئناف الولايات المتحدة الدور الذي احتلته منذ سقوط الاتحاد السوفيتي بمجرد رحيله، ووصفتا الهيمنة الأمريكية بأنها استندت إلى مزيج نادر من الظروف المواتية لم يعد من الممكن الحصول عليها الآن؛ فعلى الرغم من أن نظام ما بعد الحرب الباردة لم يكن مترابطًا أبدًا، فقد كان يتطلع إلى شكل من أشكال الليبرالية العالمية. وأوصتا أن الليبرالية العالمية لم تعد مطروحة فيجب على الولايات المتحدة أن تجعل التوجه إلى الانفتاح هو الهدف الشامل.
نهاية الغطرسة .. والعصر الجديد من ضبط النفس الأمريكي يقدم “ستيفن م. والت” التحديات التي تواجه الولايات المتحدة حيث أصبحت الصين أكثر قوة وحزم ، ونشوء تهديدات جديدة من الفضاء الإلكتروني، والموجة المتزايدة من اللاجئين ، وتجدد خطابات كره الأجانب ، والتطرف، وتغير المناخ ، وغيرها الكثير، ومع تزايد تعقيد البيئة العالمية ، زادت حاجة واشنطن إلى التفكير الواضح حول مصالحها الحيوية وووضع أولويات جديدة للسياسة الخارجية، حيث يجب أن تحدد الاستراتيجية الأمريكية الكبرى الناجحة المكان الذي يجب أن تكون فيه الولايات المتحدة ومدى استعدادها لخوض الحرب ولأي غرض، مشيراً إلى أن النهج الثابت في السياسة الخارجية التي وجهت البلاد طوال معظم القرن العشرين ودفعت صعودها إلى قوة عظمى لا تزال هي الخيار الأفضل، حيث تخلت نخب السياسة الخارجية عن الواقعية لصالح استراتيجية كبرى غير واقعية ـ الهيمنة الليبرالية ـ التي أضعفت البلاد وألحقت أضرارًا كبيرة في الداخل والخارج، وللعودة إلى المسار الصحيح ، ينبغي على واشنطن أن تعود إلى الواقعية وضبط النفس الذي خدمها جيدًا في الماضي، حيث ستتبنى الولايات المتحدة استراتيجية “الموازنة الخارجية” والامتناع عن الحملات العسكرية مع التركيز على الحفاظ على توازن القوى.
Foreign Affairs, May/June 2019, Volume 98, Number 3.