المراكز الأسيوية

هل يؤدي “كوفيد-19” لتحويل العلاقات الدفاعية بين الصين وإندونيسيا؟

عرض – فردوس عبد الباقي

عملت وزارة الدفاع الإندونيسية على تقديم مساعدات طبية كبيرة للصين مؤخرًا لتعزيز قدرتها على الاستجابة لتفشي فيروس كورونا المستجد كوفيد-19، استطاع من خلالها وزير الدفاع الإندونيسي فرابوو سوبيانتو أن يوطد علاقة عمل شخصية مع نطيره الصيني، بهدف تعميق العلاقات الدفاعية الثنائية، لكنها يجب أن تتم في سياقها التاريخي والسياسي الأوسع، خاصة فيما يتعلق بالالتزامات الدبلوماسية الدفاعية لإندونيسيا.

في هذا الإطار، صدر تقرير من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في إندونيسيا بعنوان “هل سيؤدي كوفيد-19 لتحويل العلاقات الدفاعية بين إندونيسيا والصين؟”.

بين البرجماتية والقيود

أشار التقرير إلى توسع الارتباط الدبلوماسي الإندونيسي الدفاعي مع الصين تدريجيًا خلال العقدين الماضيين، رغم استعادة العلاقات الدبلوماسية في 1990. اكتسبت العلاقة مزيدًا من الزخم عندما أجرت وحدات القوات الخاصة في البلدين تمرينًا مشتركًا “سكين حاد” (SK) عام 2011. تنظر القوات الإندونيسية لنظيرتها الصينية على أنها شريك بديل للقوات الأمريكية الخاصة بعد حظر التدريب لوحدة (KOPASSUS)، بما يسلط الضوء على الطبيعة البرجماتية التي يقوم عليها التقارب العسكري بين إندونيسيا والصين.

رغم ذلك، تم تعليق التمارين السنوية في عام 2015 ردًا على التوغل الصيني المتزايد في المنطقة الاقتصادية الخالصة لإندونيسيا المحيطة بجزر ناتونا، وأجريت التدريبات العسكرية المشتركة بين البلدين بشكل غير مباشر من خلال التدريبات المتعددة الأطراف. على سبيل المثال في مايو 2018، استضافت البحرية الإندونيسية التمرين البحري المتعدد الأطراف كومودو الذي شاركت فيه البحرية الصينية مع بحرية 32 دولة أخرى.

رغم أن تعليق التدريب العسكري المشترك SK يشير لوجود قيود كبيرة على البرجماتية الإندونيسية، خشيت جاكرتا من أن تلغي تدريبات ناتونا شراكتها مع الصين تمامًا، فهي لا تزال بحاجة للحفاظ على شراكتها الاستراتيجية مع أكبر قوة في المنطقة، وتم تعيين ملحق دفاع في السفارة الإندونيسية ببكين لأول مرة. وبعد تعيين فرابوو وزيرًا للدفاع في 2019، عملت البلاد على الإشارة لبكين بأنها تسعى للحفاظ على العلاقات الدفاعية الثنائية، مما جعلها أول وجهاته الخارجية بعد توليه مهام منصبه.

سوبيانتو والصين

حاول محللون التنبؤ بكيفية تأثير سوبيانتو على العلاقات بين البلدين، إذ كانت هناك انتقادات للعلاقات الاقتصادية في عهد الرئيس جوكو ويدودو الذي أشاد في مناظرة رئاسية عام 2019 بتجربة الصين الإيجابية بالقضاء على الفقر، وأهمية التعلم من تلك التجربة.

يعتقد البعض أن فرابوو كوزير للدفاع سيكون أكثر حزمًا في التعامل مع المناورات الصينية الاستفزازية في بحر شمال ناتونا، لكنه قلل من أهمية حوادث الصيد في المنطقة من أواخر ديسمبر 2019 إلى أوائل يناير 2020، وأكد أنه يمكن حل الأمر وديًا، وأن الصين دولة صديقة.

يشير هذا إلى أن سوبيانتو ابتعد عن السياسة الانتخابية وتوجه بقوة للصين، فيقول نائب رئيس الهيئة التشريعية الوطنية والمقرب من فرابوو أنه يعتبر أن قوة إندونيسيا العسكرية في ناتونا ضعيفة وإذا دخلت في مواجهة مع الصين تتزايد احتمالات الهزيمة.

كوفيد-19 والعلاقات الدفاعية

أشرك سوبيانتو نظيره الصيني في ظروف الوباء، وتم التنسيق لنقل شحنتين من الإمدادات الطبية من الصين، فقد وصلت في 23 مارس حوالي 8 أطنان من المعدات الطبية التي تبرعت بها مصادر غير حكومية في الصين، وأكد السفير الإندونيسي لدى الصين أن هذه كانت “مبادرة وزارة الدفاع الإندونيسية”. كانت هذه العلاقة إحدى ثمار رحلة فرابوو لبكين في أوائل ديسمبر 2019.

أشار التقرير إلى أنه في حدث تم تغطيته على نطاق واسع، شكر فرابوو القوات الإندونيسية على نجاحهم في تنفيذ “عملية المساعدة الإنسانية”، واعتبرها مساهمة بطولية في مكافحة الوباء. أجريت اتصالات مباشرة بين وزير دفاع البلدين حول احتمال إرسال المزيد من الإمدادات الطبية من الصين.

في 12 مايو، هبطت طائرة عسكرية صينية تحمل إمدادات طبية في جاكرتا، واعتبرها فرابوو رمزًا للتضامن بين البلدين، وشارك 30 خبيرًا طبيًا عسكريًا من كلا البلدين في مؤتمر بالفيديو في نفس اليوم حول الاستجابات للفيروس. ساهم المؤتمر في تبادل الخبرات وخلق الفرص لتعزيز التبادلات العسكرية.

الحفاظ على تواصل أوثق

أراد الكاتب أن يستكشف ما إذا كانت المشاركة في مواجهة الوباء ستساهم في تغيير العلاقات الدفاعية الثنائية أم لا، فاعتبر أن الشراكة ستساهم في المستقبل بمزيد من الفرص وبناء الثقة، ومن ثم تعزيز الصناعات الدفاعية خارج نطاقها التقليدي، وهو ما يتماشى وجهة النظر القائلة بأنه على إندونيسيا “توسيع مجموعة أدواتها الاستراتيجية” في التعامل مع بحر الصين الجنوبي. هذا لا يعني أن توثيق هذه التفاعلات سيمنع الصين تمامًا من القيام بغارات شمال ناتونا، وهذا قد يثير الجمهور المحلي الذي غالبًا ما يطالب الحكومات بالرد بحزم، حينها سيكون من المفيد التواصل المباشر بين الجيوش لتجنب سوء الفهم من كلا الجانبين، وهو ما يزيد أهمية العلاقات العسكرية في الجهود الثنائية لإلزلة التوتر.

اختتم الكاتب بأنه في المستقبل القريب، يجب على المؤسسات الدفاعية في البلدين بذل المزيد من الجهود للحفاظ على آليات الاتصال المكثفة، مع الحفاظ على آلية الدعم السياسي القوي وإجراءات المتابعة كي لا يتم فقد الاتصال الوثيق الذي حققه الوباء في تعزيز الشراكة الدفاعية.

+ posts

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

فردوس عبد الباقي

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى