آسيا

مستقبل أزمة كشمير بين الهند وباكستان في ظل التصعيدات المتتالية

يتجدد الصراع الهندي الباكستاني بين الحين والآخر إلى حد التهديد باستخدام القوة المسلحة، فقد شهد عام 2020 منذ بدايته وحتى الآن عددًا من الأحداث بين البلدين. كانت الشرارة في 5 أغسطس 2019 حين أعلنت الهند إلغاء الحكم الذاتي لإقليم كشمير، الذي يكفله الدستور الهندي في المادة 370، إذ تم ذلك بموجب مرسوم رئاسي فوري التنفيذ، وإخضاع الإقليم لحكومة نيودلهي بعد أن تعرض لبعض الإجراءات الأمنية المشددة مثل وضع زعماء بالولاية قيد الإقامة الجبرية، وتعليق خدمات الهاتف والإنترنت، وفرض قيود على التنقل والتجمع.

نبع قرار الهند من الرغبة في تنفيذ الوعود الانتخابية التي قطعها رئيس الوزراء ناريندرا مودي بعودة الهندوس الذين تم طردهم من كشمير في بداية التسعينيات، إرضاءً للنزعة الهندوسية التي ترفض وجود ولاية ذات أغلبية مسلمة. وبرّر خطوته بأن الوضع الدستوري الخاص لكشمير شجع على الفساد والمحسوبية، وأنه يهدف لتحويل الهند إلى اقتصاد بقيمة 5 تريليون دولار في غضون خمس سنوات كما أشار في خطاب الاستقلال، من خلال تشجيع الصادرات والسياحة، وتطوير البنية التحتية.

مناوشات متلاحقة

في 30 يناير 2020، أعلن رئيس وزراء الهندي ناريندرا مودي في كلمته التي ألقاها في أكاديمية عسكرية في نيودلهي، أن الهند لديها من الإمكانيات العسكرية التي تؤهلها لهزيمة باكستان في غضون 10 أيام في حال اندلاع نزاع مسلح بينهما، مستشهدًا بخسارة باكستان ثلاثة حروب، ومشيرًا إلى الغارات الجوية الهندية في الأراضي الباكستانية في 2016 و2019.يستند مودي أيضًا في كلماته دومًا إلى ما يعتبره دعمًا سريًا من باكستان لجماعات متمردة في كشمير. 

كان الرد الباكستاني دبلوماسيًا ليس على مستوى التهديد الهندي، إذ تم اعتبارها تصريحات “غير مسؤولة” تهدف في الأساس إلى صرف الانتباه عن الانتقادات المتزايدة تجاه السياسات الهندية التمييزية، بالإضافة لتباطؤ الاقتصاد. لكن سبق أن أشار المتحدث باسم الجيش الباكستاني لاستعداد بلاده للذهاب إلى أقصى مدى للدفاع عن حقوق الشعب الكشميري وقضاياه.

وفي مايو، أصدرت المحكمة الباكستانية العليا قرارًا يسمح للحكومة بإجراء انتخابات في إقليم جيلجيت بالتستان في سبتمبر القادم، وإقامة إدارة مؤقتة تشرف على العملية، وهو ما اعتبرته الهند تدخلًا غير قانوني بالأراضي المحتلة. 

وفي يونيو، تعرضت البورصة الباكستانية لهجوم مسلح أدى لمقتل شخصين، ثم مقتل المسلحين على يد الشرطة، على الرغم من إعلان مجموعة انفصالية في إقليم بلوشستان بباكستان تبنيها الحادث، وجه رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان اتهامًا للهند بمسؤوليتها عن الهجوم.

وفي منتصف ذات الشهر، اتهمت باكستان الهند بخرق وقف إطلاق النار في إقليم كشمير مما أودى بحياة أربعة مدنيين في قطاعي نيكيال وباكسار، وفي أواخر نفس الشهر، عبرت الهند عن رفضها لتعليقات منظمة التعاون الإسلامي بانتقاد انتهاكات حقوق الإنسان في إقليم كشمير وضرورة وقف تلك الانتهاكات، والسماح لبعثات تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي، والسماح للكشميريين بممارسة حقوقهم في تقرير المصير، واعتبرت الهند أن ذلك تدخلًا في شؤونها الداخلية.

سيناريوهات أزمة كشمير

واجهت إسلام آباد صدمة جرّاء القرار الهندي بضم كشمير، ودعت مجلس الأمن لمناقشته وطالبت بانعقاد قمة طارئة بمقر منظمة التعاون الإسلامي في جدة لبحث قضية الإقليم. يضاف إلى ذلك أن عقدت الحكومة الباكستانية جلسة مشتركة مع البرلمان بحضور كامل أعضاء نواب الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ، وذكر وزير الخارجية أن البلاد ستعيد النظر في كل الاتفاقيات والمعاهدات مع الهند، بما فيها اتفاقية شملا واتفاقية لاهور حول كشمير.

كما عملت إسلام آباد لجذب مؤيدين لها داخل الإقليم، إذ أنه بعد خروج الكشميريين للشوارع احتجاجًا على القرار الهندي رغم حظر التجول، واعتقال الرموز والقيادات الإسلامية، أفرجت باكستان عن حافظ سعيد، القيادي الكشميري ذو الشعبية الكبيرة، والذي تم اعتقاله على خلفية اتهامات بتمويل الإرهاب، مما يثير سيناريو حول انتفاضة شعبية في كشمير، والتي تظهر بوادرها منذ 2016.  

وعليه، تطرح تلك التطورات بين البلدين عددًا من السيناريوهات التي لا يتطرق إحداها لاستخدام القوة العسكرية المباشرة، فهي تتراوح بين بقاء الوضع على ما هو عليه، ودخول أطراف دولية مثل الولايات المتحدة أو الصين لإجراء وساطة بين الطرفين، أو التراوح بين الردع، والسيناريو الثالث يدور حول اللجوء للتسوية القضائية للأزمة، وهي كالآتي:

أولًا- وساطة أمريكية أو صينية  

نشطت الدبلوماسية الباكستانية عبر جولات سفرائها في الخارج لشرح أبعاد قضية الإقليم، وأكد وزير الخارجية الباكستاني شاه مسعود قرشي في خطابه لمجلس الأمن في 9 أغسطس 2019 أن بلاده لن تفعل ما يثير الصراع، لكن يجب على الهند ألا تعتقد خطئًا أن ضبط النفس يعتبر ضعفًا، وأشار خلال مؤتمر صحفي في إسلام آباد إلى أنه لن يتم اللجوء للخيار العسكري في الخلاف مع الهند حول كشمير، وأنه تتم دراسة الخيارات السياسية والدبلوماسية والقانونية الخاصة بالقضية. قد يبرر هذا لجوؤها لمجلس الأمن والاحتفاء بزيارة رئيس وزرائها عمران خان للولايات المتحدة التي تمت في 20 يوليو 2019 قبل أيام من قرار مودي، خاصة بعد عرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التوسط لحل القضية بين البلدين لأنها كانت ضمن جدول أعمال خان في الزيارة. 

على جانب آخر، يتضح انحياز بكين للجانب الباكستاني في الأزمة، وأيدت المطلب الخاص بعقد اجتماع لمجلس الأمن. ترجع أسباب هذا التأييد إلى محورية باكستان في مبادرة طريق الحرير الجديد، إذ بدأ العمل على ربط إقليم سنجان بميناء غوادار الباكستاني، فيما يسمى بمشروع الممر الاقتصادي الصيني- الباكستاني، بتكلفة حوالي 46 مليار دولار، ليمر عبر كشمير الباكستانية ويتصل بشبكة الطرق الصينية البرية والبحرية والسكك الحديدية وخطوط الأنابيب، بما سيتيح الفرصة للصين للوصول للمحيط الهندي، ويمثل في نفس الوقت تحديًا للهند التي سيضيق عليها الخناق وستجد نفسها أمام جبهتين في حالة نشوب نزاع بين نيودلهي وإسلام آباد.

من ضمن مصالح الصين التي تجعلها ذات اهتمام بالقضية، الحدود المتنازع عليها بين الهند والصين منذ 1962، والتي خاضا حربا بسببها، بالإضافة إلى أن الصين تسيطر على حوالي 10% من إقليم كشمير.  

ثانيًا- بقاء الوضع على ما هو عليه

تثق الهند في تفوقها العسكري الذي يعطيها أفضليه لاستمرار الوضع على ما هو عليه، ويدفعها للتأكيد على عدم القبول بالوساطة سواء كانت من الأمم المتحدة أو أي دولة، وأنه من الأفضل حل القضية بشكل ثنائي بين الدولتين.

كما أن نيودلهي تسعى من خلال قرارها الخاص بكشمير استغلال التغيرات التي طرأت على السياسة الأمريكية تجاه آسيا عموما، والصين خصوصا، واحتمالية عدم وجود معارضة أمريكية كبيرة على خطوتها التي تشبه خطوة ترامب بتغيير الوضع القانوني للقدس، واحتمالية سعي الولايات المتحدة لتحسين علاقتها بالهند كي تكون حائط صد أمام الصين في القارة.

ثالثًا- مواجهات عسكرية غير مباشرة   

خاض البلدان حربين من أصل ثلاثة بسبب كشمير، لذا يثار التساؤل حول ما إذا كان هناك احتمال لنشوب حرب ثالثة حول الإقليم. يرى خبراء أن المعركة قضائية ودبلوماسية بالأساس، ولن تصبح عسكرية رغم اتخاذ قرار بطرد السفير الهندي، وإيقاف التجارة المشتركة وإغلاق الحدود بين البلدين. 

كما أنه استنادًا لفرضية بأن امتلاك السلاح النووي يخلق حالة من الردع المتبادل، بما يحول دون وقوع حرب تقليدية، ولن يحدث هذا إلا إذا قامت الهند باستفزاز عسكري، قد يظهر ذلك في استحداث الهند لمنصب رئيس أركان الدفاع، لضمان التنسيق الأفضل بين الجيش الهندي والبحرية والقوات الجوية، وهو منصب طالب به خبراء الدفاع منذ عام 1999.

أشار رئيس وزراء باكستان عمران خان أثناء زيارته إلى مظفر آباد الخاضعة لإدارة بلاده في كشمير إلى أن الهند تخطط لعمل شامل في منطقة أزاد كشمير منذ فبراير العام الماضي عندما تم قصف الطائرات المقاتلة داخل الأراضي الباكستانية، لكن الجيش الباكستاني يدرك ذلك تماما. يرى محللون أنه من شأن ذلك وضع المنطقة التي يقطنها العديد من القوى النووية على شفا حرب ستأتي على الشعوب الفقيرة في نهاية الأمر.

لكن يمكن القول أيضًا إنه في حالة عدم وجود مواجهة مباشرة بين الطرفين، قد يأخذ الصراع منحى “منخفض الحدة”، قائم على عمليات استباقية من الهند ضد جماعات داخل خط السيطرة في الجانب الباكستاني، والتي -في نفس الوقت- لم تتطور إلى حد اعتبارها عدوان يمهد لحرب كبرى. من جانب آخر أسقطت باكستان طائرتين هنديتين في مجالها الجوي. 

من ناحية أخرى، قد يكون الصراع بين الطرفين غير مباشر عبر الوكالة، ويمكن لأفغانستان أن تصبح ساحته بعد انسحاب الولايات المتحدة. يضاف إلى ذلك احتمالية قيام الجالية الكشميرية في بريطانيا بتسريب التوتر في المنطقة إلى مختلف المدن البريطانية، والذي ربما يتطور إلى حد المواجهات بعد أن نظّمت الجالية الإسلامية الكشميرية احتجاجًا أمام مكتب المندوب السامي الهندي في لندن أثناء اليوم الوطني لاستقلال الهند، وخروج مظاهرة تأييدية نظّمتها الجالية الهندوسية الكشميرية لمناصرة موقف الحكومة الهندية.

رابعًا- التسوية القضائية  

تمنح المادة 370 في الدستور الهندي إقليم كشمير وضعًا خاصًا وقدرًا من الاستقلال في كافة الأمور ما عدا الشؤون الخارجية والدفاع والاتصالات. تشير المادة أيضًا إلى أنه لا يمكن للرئيس إجراء تغييرات على المادة أو إلغاؤها إلا بموافقة الجمعية التأسيسية لجامو وكشمير، والتي حلت نفسها عام 1957 بعد أن صاغت دستور الولاية. 

استبدلت الحكومة الهندية عبارة “الجمعية التأسيسية” بعبارة “الجمعية التشريعية” في المادة المذكورة، وعلى مدار العام الماضي، تم حكم جامو وكشمير من قبل حاكم عينته نيودلهي، وحل المجلس التشريعي في يونيو 2018، لذا ساهم عدم وجود حكومة ولاية أو جمعية تشريعية في استيلاء الحكومة المركزية والبرلمان على السلطة وإلغاء المادة.

من المفترض أنه في ظل غياب الجمعية التأسيسية، لا يمكن للأمر الرئاسي تغيير صياغة المادة أو إلغاؤها، ويمكن تقديم طعن للمحكمة العليا التي من المحتمل أن ترفض الأمر الرئاسي.

وعليه، من المتوقع أن تكون هناك معركة قضائية ذات مستويين، الأول في الداخل الهندي عن طريق دعم الحقوقيين المعارضين في الهند وكشمير ليتم الطعن في قرار الحكومة لدى المحكمة الدستورية العليا في الهند، لأنه مخالف للدستور. هناك أيضا احتمالية عدم نجاح الحكومة الهندية في تمرير القرار في البرلمان الهندي نظرا لكثرة المعارضين له.

وبالنسبة للمستوى الثاني، هو توجه باكستان لتدويل القضية ونقلها لمحكمة العدل الدولية، وهو ما تحاول الهند تفاديه لأن النتيجة لن تكون في صالحها لو تم إعطاء شعب كشمير حق تقرير المصير الذي تريد باكستان تحقيقه.  

يُطرح أيضا أمر تحويل خط السيطرة في كشمير إلى خط حدود بين البلدين، ما يعني ضم الهند للنسبة الأكبر من مساحة الإقليم، لكن ذلك يتنافى مع مسؤولية باكستان تجاه توحيد واستقلال الإقليم ودعم خيار المسلمين في الحصول على استقلالهم. كذلك، إذا تم الاعتراف بسيادة الهند على هذه المنطقة سيكون لها السيطرة على منبع ثلاثة أنهار رئيسية تغذي باكستان، مما يشكل تهديدا استراتيجيا عليها. 

بالنظر لما سبق ذكره، يتوقف الحل السلمي لأزمة كشمير وما شهدته علاقات البلدين من مواجهات فيما بعد على التحولات التي تشهدها المؤسسة العسكرية في البلدين، بالإضافة لتحييد القوى الدينية المتشددة الرافضة للتسوية سواء الإسلامية أو الهندوسية.

وعليه، من غير المرجح أن تكون هناك وساطة لحل الأزمة، وقد يكون ما فعلته الهند يهدف لتحقيق مصالح سياسية في الداخل، ومن ثم تظهر احتمالية التخلي عن هذا السيناريو وترجيح سيناريو إسقاط القرار الرئاسي لعدم دستوريته، ليكون الوضع عبارة عن مواجهات غير مباشرة أو حرب بالوكالة.

فردوس عبد الباقي

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى