
رئيسة بعثة صندوق النقد في مصر: الحكومة تولي أولوية قصوى لأرزاق الموطنين وحسن أحوالهم
قالت رئيسة بعثة صندوق النقد الدولي في مصر أوما راماكريشنان إن هناك تأثيرًا على الاقتصاد المصري في ظل جائحة كورونا المستجد، سواء من خلال إجراءات احتواء الفيروس أو التوقف المفاجئ في حركة السياحة، وهبوط الصادرات، وانخفاض تحويلات العاملين في الخارج، وانخفاض إيرادات قناة السويس. كذلك تعرضت مصر لخروج تدفقات رأسمالية قدرها حوالي 16 مليار دولار، في ذروة التوجه العالمي لتجنب المخاطر خلال شهري مارس وإبريل. وقد فرض اقتران هذين العاملين ضغوطا كبيرة على ميزان المدفوعات – رغم تعويض جزء من هذا التأثير من خلال هبوط الواردات المترتب على انخفاض الطلب المحلي.
وأضافت في حوار أجراه معها الموقع الإلكتروني للصندوق أنه مع ركود الاقتصاد العالمي وتقلص النشاط المحلي، من المتوقع أن يسجل النمو انخفاضًا ملحوظًا. وبالإضافة إلى ذلك، هناك تراجع في الإيرادات بينما تحتاج الحكومة إلى زيادة عاجلة في الإنفاق على الصحة والحماية الاجتماعية، مشيرًا إلى أن السلطات المصرية اتخذت منهجًا استباقيًا للتعامل مع تداعيات الجائحة بطلب الدعم من الصندوق على مرحلتين. كانت الأولى حين طلبت تمويلا بقيمة 2,8 مليار دولار أمريكي من خلال أداة التمويل السريع، وهو ما تمت الموافقة عليه في مايو، حتى تتمكن من مواجهة الإنفاق الصحي والاجتماعي اللازم للفئات الأكثر عرضة للتأثر.
أما الثانية فتمثلت في طلب اتفاق للاستعداد الائتماني (SBA) يتيح تمويلًا بقيمة 5,2 مليار دولار أمريكي لمساعدة الحكومة على الاحتفاظ بالمكتسبات الاقتصادية التي تحققت في الأربع سنوات الماضية – مع الاستمرار في ضمان الإنفاق الصحي والاجتماعي الملائم – وإعطاء دفعة إضافية للإصلاحات الهيكلية بما يضع مصر على مسار التعافي المستمر.
وأكدت راماكريشنان أن الحكومة تولي أولوية قصوى لأرزاق الموطنين وحسن أحوالهم كما يتبين من منهجها الذي يركز على ثلاثة أبعاد:
أولا، أُجريت زيادة كبيرة في مخصصات الإنفاق الصحي منذ بداية الجائحة، وتم توسيع تغطية برنامجي تكافل وكرامة اللذين يقدمان تحويلات نقدية مشروطة. وبالإضافة إلى ذلك، استحدثت الحكومة برامج جديدة لتقديم التحويلات النقدية للعمالة غير المنتظمة التي وقع عليها ضرر بالغ من الأزمة، وتوزيع المستلزمات الطبية والصحية على القرى الفقيرة. كذلك تعمل الحكومة مع منظمات المجتمع المدني لتقديم دعم إضافي للمحتاجين.
ثانيا، لضمان استمرار توفير الحماية الاجتماعية الضرورية، تعهدت الحكومة بحد أدنى من الإنفاق على البرامج الصحية والاجتماعية حتى تتوافر الموارد المطلوبة لهذه الخدمات الأساسية.
ثالثا، ستجري الحكومة مراجعة للإنفاق الاجتماعي – مع التركيز في البداية على الحماية الاجتماعية، ثم الصحة والتعليم – لتقييم مدى كفاية الإنفاق ودرجة كفاءته وتحديد المجالات التي تتطلب التحسين. وستكون هذه المراجعة بدعم من البنك الدولي.
وأوضحت رئيسة بعثة صندوق النقد الدولي في مصر أن هدف الحكومة هو وضع مصر على مسار قوي نحو التعافي. ويجري اتخاذ إجراءات تيسيرية من خلال سياسة المالية العامة لدعم الاقتصاد وتلبية الاحتياجات المترتبة على الأزمة، بما في ذلك الإنفاق الصحي (26%) والحماية الاجتماعية (10%). وتعمل الحكومة أيضًا على تطبيق إجراءات لتعويض جانب من النقص في الإيرادات، بما في ذلك تشجيع التعافي الأخضر من خلال رسم على استهلاك منتجات الوقود.
ولكن يتعين الموازنة بين الإنفاق المطلوب لمواجهة الأزمة من ناحية وضرورة تجنب الزيادة المفرطة في الدين العام من ناحية أخرى. وبمجرد بدء التعافي، تهدف الحكومة إلى استئناف تخفيض الدين والحفاظ على استدامة المالية العامة على المدى المتوسط، وأفادت أنه لتحقيق هذا الهدف، تقوم السلطات بتحديث استراتيجية الدين للحد من مواطن التعرض لمخاطر الدين كما تعمل على تعبئة الإيرادات الإضافية اللازمة لمواجهة زيادة الإنفاق الاجتماعي.
وشددت على أن السلطات ملتزمة بالحفاظ على معدل تضخم منخفض ومستقر، وعلى مرونة سعر الصرف، والسماح بتعديلات في سعر الصرف على نحو منظم. ولا تزال الأولويات تتضمن الحفاظ على استقرار القطاع المالي مع استمرار الرقابة القوية والرصد الحثيث لما قد ينشأ من مخاطر مالية، لافتة إلى أن السلطات تعهدت أيضًا بمواصلة الإصلاحات الهيكلية التي بدأت في ظل “تسهيل الصندوق الممدد”. وعلى وجه التحديد، سيتم تحسين عملية الميزانية، وتسليط مزيد من الضوء على العمليات المالية للمؤسسات المملوكة للدولة والسلطات الاقتصادية، وتعزيز المنافسة بالعمل على تهيئة ظروف تتيح التنافس على قدم المساواة، وتعديل قانون الجمارك لتحسين مناخ الاستثمار في مصر.
وذكرت راماكريشنان أن برنامج الإصلاح الاقتصادي الجريء الذي اعتمدته مصر منذ عام 2016 ساهم مساهمة كبيرة في تعزيز صلابة الاقتصاد. فكان النمو الاقتصادي قبل الجائحة أكثر من 5%، والاحتياطيات الدولية في مستوى مريح، والدين في مسار هبوطي. وكانت الحكومة قد شرعت في إصلاحات إضافية لتعزيز بيئة الأعمال واعتماد نموذج للنمو بقيادة القطاع الخاص من أجل زيادة خلق الوظائف. وقد سمحت هذه الخطوات للحكومة بإطلاق استجابة سريعة وشاملة للجائحة. ولكن هناك تحديات باقية رغم التقدم الملموس في تخفيض الفقر وعدم المساواة.
وأشارت إلى أن الحكومة ملتزمة بنشر التفاصيل الكاملة للإنفاق المتعلق بالأزمة، وذلك على نحو مجمَّع في موقع وزارة المالية على شبكة الإنترنت. وستنشر بالمثل خطط المشتريات الحكومية والعقود المرساة في سياق الاستجابة السريعة لجائحة كوفيد-19، بما في ذلك أسماء الشركات المعنية ومعلومات عن ملاكها المستفيدين. وسيقوم الجهاز المركزي للمحاسبات بتدقيق التدفقات الداخلة والإنفاق الموَجَّهَين لتخفيف الأزمة، ونشر النتائج بعد نهاية السنة المالية.



