تركيا

أبعاد الجدل حول تعديلات قانون نقابات المحامين في تركيا

كتبت: منى سليمان

شهد البرلمان التركي تلاسنًا لفظيًا حادًا يوم أمس 9 يوليو 2020 بين نوابه، خلال مناقشة مشروع قانون طرحه الحزب الحاكم “العدالة والتنمية” وحليفه حزب “الحركة القومية” باسم “قانون النقابات المتعددة الخاص بنقابات المحامين”، وينص علي السماح بإنشاء أكثر من نقابة للمحامين في الولايات الكبرى التي يتجاوز عدد المحامين فيها 5 آلاف محام مثل إسطنبول وأنقرة، وهو ما اعترضت عليه نقابة المحامين الحالية نظرًا لأنه سيسمح بإنشاء نقابات للمحامين الموالين للحكومة، وسيؤدي لازدواجية في الحياة النقابية تنعكس سلبًا علي إجراءات التقاضي التركي، كما أن القانون الجديد يهدف لإضعاف النقابات الحالية التي كانت ضمن أبرز منتقدي سجل حكومة “أردوغان” في ملفات حقوق الإنسان وسيادة القانون، لاسيما منذ الانقلاب العسكري الفاشل في 15 يوليو 2016. 

تباين حول مشروع القانون

بدأ البرلمان التركي بمناقشة القانون بعد موافقة لجنة العدل البرلمانية عليه يوم 6 يوليو 2020، ومن المتوقع تمرير القانون لأن الحزب الحاكم وحليفه “الحركة القومية” يملكان الأغلبية البسيطة أكثر من 52% لتمرير القانون. والقانون يهدف لتغيير النظام الانتخابي لمسؤولي نقابة المحامين إلى نظام التمثيل النسبي وقد تسمح بتشكيل النقابات المتنافسة في المدن، وذلك قد يقلل من سلطة النقابات القائمة لأنها تتنافس مع المنظمات الموالية للحكومة التي ظهرت في نفس المدن.  بينما بدأ المحامون الأتراك ورؤساء نقابات المحامين الفرعية في تركيا اعتصام مفتوح في حديقة «توغلو»، في نفس اليوم أمام مقر البرلمان التركي للاحتجاج على مناقشة تعديلات القانون، ويشهد كل يوم مصادمات بين الشرطة وبينهم. ورغم عدم إقرار قانون النقابات المتعددة في البرلمان تلقت السلطات طلب إنشاء نقابة جديدة للمحاماة في العاصمة تحت اسم “نقابة محاماة الحق والعدالة في أنقرة”.

تأييد “أردوغان” للقانون

عقد الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” اجتماعًا للحكومة يوم 29 يونيو 2020، وخلاله وصف هيئات مثل نقابات المحامين بأن لديها “أنظمة سقيمة” وتستخدم “أساليب فاشية” بحق أعضائها. ودافع عن التعديل التشريعي المقترح، واعتبره وسيلة لإنشاء نظام نقابات “أكثر ديمقراطية وأكثر تنوعًا”، وتعهد بإصدار القانون في أسرع وقت ممكن. ويرى حزب العدالة والتنمية أن هذا التعديل ضروري لـ “إضفاء مزيد من الديمقراطية” على منظمات المحامين وتحسين قدرتها التمثيلية. لاسيما بعد زيادة عدد المحامين في البلاد بواقع 13 ضعفا منذ بدء تطبيق القانون الحالي.

ومنذ محاولة الانقلاب العسكري الفاشل في 15 يوليو 2020، كثف “أردوغان” من اضطهاده للمحامين ونقاباتهم، إذ إن هيئة الدفاع هي الضلع الثاني في السلطة القضائية التي فرض “أردوغان” سيطرته عليها بشتى الطرق لمنع استقلالها. ومن بين صور ذلك الاضطهاد اعتقال وفصل وتهديد بالفصل لكافة محامي الدفاع عن المتهمين في محاولة الانقلاب، إذ تم اعتقال أكثر من 1000 محامٍ من أصل 26000 محامٍ هم العاملين بتركيا، كما تم اعتقال 114 آخرين، ووُجهت إليهم مجموعة من الاتهامات من أمثال ارتباطهم بحركات اجتماعية معينة، أو الزعم بأنهم متواطئون في الجرائم الموجهة ضد المتهمين الذين يمثّلونهم، وأحيانا أخرى يكون الاتهام الموجه إليهم أنهم دافعوا بشدة عن موكليهم. وتم إثبات تلك الوقائع في عدة تقارير دولية منها تقرير “اللجنة البرلمانية لمجلس أوروبا” (PACE). 

وفي أبريل2020 أثارت نقابة المحامين بأنقرة استياء “أردوغان” حين اتهمت رئيس المديرية الدينية (المعروفة باسم “ديانت”) “علي أرباش” والمقرب من “أردوغان” بمناهضة “المثلية” بعدما قارن بينها وبين “الأمراض”. واتهم “أردوغان” يومها النقابة “بمهاجمة الإسلام”. كما احتجت نقابات المحامين ضد الحكومة لرفضها الإفراج عن السجناء السياسيين خلال تفشي وباء “كورونا”. وفي مطلع مايو2020 تم تعديل التغييرات التي أدخلت على لوائح نقابات المحامين، وتم شجب 50 نقابة كمحاولة غير ديمقراطية لإجبارهم على الخضوع للدولة. 

رفض المحامين للقانون الجديد

انتقد رئيس نقابة المحامين بإسطنبول “محمد دوراك أوغلو” القانون الجديد وأكد أن هناك “خطرًا جديًا يتجلى في إخضاع القانون للحكومة التي تستغل قدرتها على التشريع كسلاح”. ووصف رئيس نقابة المحامين عن مدينة أضنة “والي كوتشوك” الدولة التركية، بدولة الشرطة والاضطهاد، مؤكدًا أنها لم تعد دولة الأتراك”. بدوره انتقد رئيس نقابة المحامين في محافظة ديار بكر في جنوب شرق البلاد “سيهان أيدين” إن “أردوغان” يحاول تعطيل فاعلية نقابات المحامين في البلاد من خلال فرض إصلاحات على اللوائح المنظمة لها؛ لأن الحكومة لم تشارك أو تعرض القانون الجديد على النقابة أو المحامين لمناقشته قبل إقراره والقانون يعد “تدخل في العمليات الديمقراطية لنقابات المحامين”. وتمرير التعديل سيكون نهاية لنقابات المحامين كمؤسسات مستقلة ومدافعين عن حقوق الإنسان ويتركهم بلا حماية ضد الحكومة. وهذا سيؤدي إلى إزالة الرقابة الحاسمة ضد سلطة الحكومة من القضاء.

انتقاد المعارضة

هدد رئيس حزب الشعب الجمهوري “كمال كيليتشدار أوغلو” بتقديم طلب إلى المحكمة الدستورية حال إقرار مشروع القانون لإبطاله. كما استخدم النائب المستقل “أحمد شيك” كلمة “استبداد” في تعليقه على مشروع القانون خلال جلسة يوم 9 يوليو 2020، ما دفع نائب رئيس الكتلة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية “بولنت توران” وعدد من نواب الحزب لشتمه، ثم وصفه بأنه أهان “أردوغان”، وطالبه بالاعتذار وإلا على الجمعية العامة إبعاده عن قاعة البرلمان أو منعه من حضور الجلسة. وجدير بالذكر أن تهمة “إهانة أردوغان” هي جريمة جنائية بحكم القانون التركي وعليه يمكن محاكمة “شيك” حال رفعت عنه الحصانة البرلمانية، وهو ما حدث لثلاث نواب تابعين لحزب الشعب الجمهوري المعارض منذ شهرين.

انتقاد دولي

في أول رد فعل دولي على مشروع القانون حذرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية الدولية التي تتخذ من نيويورك مقرًا لها، يوم 8 يوليو 2020 الحكومة التركية من إقرار التعديل الجديد على قانون “نقابة المحامين”، ووصفته بأنه يهدف “لكبح قوة نقابات المحامين البارزة التي تنتقد الحكومة في تركيا، من شأنه أن يقوض استقلال القضاء”. وأكدت المنظمة أن هذا التحرك من قبل الحكومة عبارة عن “أسلوب فرق تسد واضح لتقليص سلطة نقابات المحامين ودورها الرقابي”؛ لأن التغييرات المقترحة “ستتسبب في انقسام سياسي” وإنها تهدف إلى “حماية الحكومة من النقد المبرر”، داعية أنقرة إلى سحب التعديل المقترح. لاسيما وأن 78 % من المحامين وقعوا على بيان يرفض التعديلات. كما أعرب مجلس النقابات الأوروبية عن “قلقه البالغ” من القانون الجديد ودعا أنقرة إلى “الامتناع عن اتخاذ أي إجراء من شأنه عرقلة استقلال التعبير وحريته”.

خلاصة القول، إن الدورة الحالية من البرلمان التركي شهدت طرح أكثر من قانون مثير للجدل ومنها “قانون الأخلاقيات في السياسة” وقانون “حراس الأحياء” وتعديلات قانون نقابات المحامين، والتي من شأنها أن تحكم قبضة “أردوغان” على مختلف مفاصل الحياة في تركيا، وتعزز تحكمه فيها، وتقضي على أي آمال في المعارضة المستقبلية ضده، كما أن هذه القوانين تمثل تهديد لأسس الحياة الديمقراطية التي يدعى “أردوغان” الدفاع عنها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى