أفريقيا

مأزق ” أبي أحمد”.. مغامرات سياسية تهز العرش الإثيوبي

في دولة يصل عدد سكانها إلى   109 ملايين نسمة وتضم أكثر من 80 مجموعة عرقية ، يتوجب على أبي أحمد رئيس الوزراء الإثيوبي التعامل بحذر مع خصومه السياسيين حيث  يمكن أن يؤدي  أي فعل غير محسوب إلى تمرد وفي نفس الوقت فإن التساهل مع أي نوع من أنواع التمرد يؤدي إلى فقدان السيطرة.

 وما حدث في الأيام الأخيرة من انتشار قوات الجيش في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا يشير بقوة إلى أن رئيس الوزراء  قد فشل في معادلة إدارة بلاده من الداخل، خصوصًا بعد مقتل المطرب الإثيوبي ” هاشالو هونديسا” والذي كان ينظر له كبطل عرقية الأورومو ، وهو المطرب الذي كانت  أغانيه النشيد الرسمي  الذي  أنشده المتظاهرون  في الاحتجاجات التي أسقطت رئيس الوزراء السابق في 2018.

وتم تشييع جنازته وسط توارد العديد من الأخبار حول مقتل 81 مدنيًا على خلفية الاحتجاجات التي نددت بمقتله ،  وقالت مصادر إن جماعة من أنصار أبي أحمد   هم من نفذوا عملية القتل. كما شهدت جنازة المطرب الشاب  محاولات لتعطيلها حتى الإفراج عن القيادي البارز ” جوهر محمد” وهو  الذي  ظهر قبل أيام على شاشات التلفزة الإثيوبية وقاد دعوات لمزيد من الحقوق للأورومو الذين يشعرون بأنهم مهمشين سياسيا من قبل الحكومات السابقة .

كما تصطف النخبة الإثيوبية آخذة مواقف مضادة لرئيس الوزراء الأربعيني وفي هذا الإطار  أكد  يوهانيس جيدامو ، المحاضر الإثيوبي في العلوم السياسية  إن التحالف الحاكم فقد سيطرته على الهياكل التي استخدمها نفسها ذات مرة لإحكام قبضته. وأضاف أنه نتيجة لذلك ، في الوقت الذي يفترض أن تتحرك فيه البلاد نحو الديمقراطية التعددية ، اشتبكت الفصائل العرقية والسياسية  متنافسة حول الموارد والسلطة في البلاد.

مآزق متعددة

مع وصول أبي أحمد للسلطة في إبريل 2018 أصبح ينتقد العرقية التي ينتمي إليها بشدة وهي عرقية الأورومو وقد تم إجراء المزيد من الاعتقالات ، بما في ذلك اعتقال الصحفي والناشط البارز إسكندر نيجا وذلك أملًا بأن لا يتهم بالانحياز للقبيلة التي ينحدر منها.

وليست التوترات الإثنية هي المأزق الوحيد الذي يؤرق أبي أحمد اليوم، فهو واحد وسط العديد من المآزق التي كان من أبرزها في الفترة الأخيرة  قرار تأجيل الانتخابات العامة على خلفية آثار  كوفيد 19 السلبية على سير العملية الديمقراطية في البلاد وهي الانتخابات التي قيل أنه سيتم تأجيلها لمدة تسعة أشهر. وقد وافق على القرار البرلمان الإثيوبي وهو ما سيمدد تفويض أبي أحمد لمدة قد تصل إلى عام اعتمادًا على قدرة البلاد على احتواء المرض. ورداً على ذلك ، انتقدت أحزاب المعارضة القرار الذي اعتبرته استغلالًا لظروف  الوباء لضمان بقاء الحكومة وانقلابًا على ما أتى أبي أحمد إلى كرسيه لينفذه بالأساس. 

C:\Users\owner\Desktop\9 يناير\GettyImages-1174869015.jpg

وطالب سياسيون معارضون آخرون بدور أكثر بروزًا في حل المأزق ، بحجة أن استشارة البرلمان غير كافية لأن معظم المشرعين يدعمون الحزب الحاكم.

وعلى تلك الخلفية أيضًا استقالت رئيسة مجلس النواب كيريا إبراهيم ، وهي مسؤولة كبيرة في جبهة تحرير التيجراي، من منصبها ، قائلة إنها “ليست مستعدة للعمل مع مجموعة تنتهك الدستور وتمارس الديكتاتورية”.  

وجه آخر بعد الوصول للكرسي

عند وصول أبي أحمد إلى السلطة تمت الإشادة  بمبادراته  الرائدة للدخول في مرحلة الإصلاح السياسي في بلد له تاريخ طويل من الحكم الاستبدادي. حيث ساهم في إطلاق سراح عشرات الآلاف من السجناء السياسيين إضافة إلى السماح لأحزاب المعارضة بممارسة العمل السياسي. إلا أنه وفي نوفمبر 2019 تم دمج الحزب الحاكم مع العديد من الأحزاب التي تقودها مجموعات عرقية لإنشاء حزب الازدهار كوريث للجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي

C:\Users\owner\Desktop\9 يناير\Abiy-Ahmed-suit-R-780.jpg

كما أصبح اعتقال الصحفيين وسياسيي المعارضة في تصاعد مستمر. فاتهمت منظمة العفو الدولية قوات أمن الدولة، التي تم تعبئتها لمحاربة المتمردين المسلحين في أجزاء من البلاد، بالقتل خارج نطاق القانون وذلك في انقلاب على كل المبادئ التي سهلت حصول أبي أحمد على نوبل للسلام.

والأكثر من ذلك أن أصرت الحكومة على استخدام القوة العسكرية للتعامل مع متمردي جيش تحرير أورومو الانفصاليين.  حيث أسفر الصراع الدائر بين جيش تحرير السودان وقوات الأمن الإثيوبية في منطقتي ويليجا وغوجي عن مقتل وتشريد عشرات المدنيين في العام ونصف العام الماضيين  وهو النزاع الذي حاولت الحكومة الإثيوبية إخفائه، ولذلك فإنه يعد من قبيل الغرابة ان يحصل أبي أحمد على نوبل للسلام في الوقت الذي تموج فيه بلاده بالتوترات الإثنية وحتى السلام مع إريتريا عملية يوصفها الكثيرون بالهشة. 

 حتى أن جبهة تحرير أوجادين المتشددة والتي وقع معها أبي أحمد  اتفاقية لإلقاء السلاح ومواصلة النضال  عبر الوسائل السياسية  أعربت  بالاشتراك مع جبهة التحرير الوطنية عن استيائها مما وصفته بأنه “توقف عميق في عملية التحول الديمقراطي”.

وظهرت دعوات صاخبة بشكل متزايد للسماح للحكومة الائتلافية المكونة من مختلف الكيانات السياسية بالحكم  بعد انتهاء ولاية الحكومة الحالية في أكتوبر وذلك وفقًا  للمادة 60 من الدستور الإثيوبي .

وفي محاربة الاضطراب ، لجأت السلطات إلى تكتيكات الحكومات السابقة والقمعية ، ليس فقط  في حجب الإنترنت ، ولكن الاعتقالات العشوائية  وسن قوانين يقول عنها المدافعون عن حقوق الإنسان أنها تحد من حرية التعبير .  

وبدلاً من أن يبحث أبي أحمد عن مخرج حقيقي ، روج  رئيس الوزراء الإثيوبي    لخطة البلاد لزراعة 20 مليار شتلة بحلول عام 2024 – وهو مشروع طموح يصفه البعض بالحيلة الكبيرة  التي تسوق لأديس بابا بشكل جيد في المجتمع الدولي  إلا أن هذه الحيلة  لم تكن كافية للعديد من  الإثيوبيين الذين تساءلوا  بسخرية ما إذا لم يكن لدى أبي مشاكل أخرى أكثر إلحاحًا تتطلب رد فعل أكثر من زراعة الأشجار؟!

وفي هذه الأجواء المضطربة يتعهد خصوم أبي أحمد السياسيين بالانتقام وتسوق عرقية التجراي،التي كانت تقليديا من بين النخبة الحاكمة قبل تولي أبي السلطة  نفسها كضحية ،حتى أنهم  قالوا إنهم سيمضون قدما ويجرون الانتخابات في أغسطس القادم على أي حال، وما يثير المخاوف في الداخل الإثيوبي بشكل أكبر أنه إذا تعمقت الخلافات بين الجماعات الإثنية أكثر فأكثر ، فإن مقاطعة انتخابات 2021   أمر مطروح وينذر بانخراط البلاد في دائرة من العنف. 

هل لا يزال سد النهضة..الورقة الرابحة لأبي أحمد ؟

 استخدم أبي أحمد العديد من الأوراق منذ أن تولى منصب رئيس الوزراء في محاولة للتغطية على التصدعات الداخلية والممارسات الخاطئة، وكانت أبرز الأوراق التي استخدمها لحمل الإثيوبيين للتغاضي عن إخفاقات عدة ورقة سد النهضة

وعن طريق الإعلام الإثيوبي استطاع أبي أحمد ليس فقط أن يوجه الرأي العام لتأييد مشروعه الأهم وإنما استطاع وللمرة الأولى توحيد رأي المعارضة السياسية والتي تتفق جميعًا فيما بينها على ضرورة المضي قدمًا في ملء السد حتى قبل التوصل لاتفاق مسبق مع القاهرة والخرطوم.

وحسب ما اتضح مؤخرًا فإن حتى هذه الورقة التي راهن عليها رئيس الوزراء الإثيوبي طويلًا واعتقد أنه في مأمن، لم تعد مضمونة.

خصوصًا بعد أن لجأت مصر إلى مجلس الأمن الدولي وتخوفات الداخل الإثيوبي من أن يصل الأمر إلى التحكيم الدولي، كما يخشى تيار داخل أديس أبابا دور الجامعة العربية بعد أدعا وزراء الخارجية العرب إثيوبيا مؤخراً إلى الامتناع عن ملء سد النهضة الإثيوبي الكبير الشهر المقبل دون موافقة مصر والسودان المسبقة. وجاء البيان في الوقت الذي اجتمع فيه مجلس الأمن الدولي لمناقشة القضية يوم 29 يونيو الماضي   حيث دعا  الوزراء العرب في ختام الاجتماع الطارئ للجامعة العربية الذي عقد في 23   يونيو  إلى “ضرورة امتناع جميع الأطراف عن اتخاذ أي إجراءات من جانب واحد. كما نص القرار على أن “الأمن المائي لمصر والسودان جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي”، وشدد على رفض أي عمل أو إجراء من شأنه التأثير على حقوق دول النيل.

 مع الوضع بالاعتبار أن هناك الكثير من الإجراءات التي يمكن للدول العربية اتخاذها لدعم موقف مصر. حيث أن هناك استثمارات عربية ، بما في ذلك استثمارات سعودية وإماراتية ، في أديس أبابا. وأحد بطاقات الضغط التي يمكن استخدامها ضد إثيوبيا هي التهديد بوقف هذه الاستثمارات أو تعليقها.  

 إلا أنه وعلى الجانب الآخر قلل وزير الموارد المائية والري السابق محمد نصر الدين علام من تأثير قرار جامعة الدول العربية   وقال   “قرار الجامعة العربية ليس له تأثير ملموس. ولن يكون هناك تأثير حقيقي إلا عندما تمضي الدول العربية المؤثرة في دعم مصر في مجلس الأمن أو تبدأ بالضغط على إثيوبيا للعودة إلى مسار المفاوضات.

توترات داخلية وخارجية!

يعد التصعيد والتوتر العسكري على الشريط الحدودي بين السودان وإثيوبيا  أمرًا ليس  وليد  الأشهر أو السنوات الأخيرة فقط بل تمتد جذوره إلى 1958 حين ظهر نشاط ما يسمى بالشفتة الاثيوبية  التي تستخدم أسلحة تقليدية بدائية الصنع. وتقود الخروقات والتوغل الحالي عناصر مسلحة من قومية الامهرا ، أما الجديد هذه المرة فهو أصوات سودانية ” شبه رسمية” تتعالى مؤكدة أن الاعتداء على الحدود السودانية هذه المرة لم يكن بعيدًا عن أعين الحكومة المركزية في أديس أبابا إن لم يكن بمعرفتها ودعمها.

هذا الطرح أثار زوبعة في فنجان، فالعلاقات الإثيوبية – السودانية ليست في أفضل أحوالها هذه الفترة وتحديدًا بعد أن أخذ السودان موقفًا ” طبيعيًا” من مفاوضات سد النهضة باعتباره الأكثر تضررًا من السد، ولكن أديس أبابا فسرت الأمر كما يحلو لها بل واتهمت كما جرت العادة أطرافًا أخرى بمحاولة التأثير في قرار السودان إضافة إلى إشعال التوتر الحدودي بين البلدين في سيناريو يبدو شديد الافتعال خصوصًا مع تأكيد الجانب السوداني على أن التوترات الحدودية في تلك المنطقة مستمرة منذ  خمسينيات القرن الماضي.

الاتهامات سابقة التجهيز التي يطلقها أبي أحمد كلما ضاقت عليه الدائرة تندرج تحت محاولاته المستمرة في الهروب للأمام وقد توجت هذه المحاولات مع الخرطوم على وجه التحديد بالدعوة التي وجهها أبي أحمد إلى نائب رئيس مجلس السيادة السوداني ” حميدتي” قبيل الجلسة المفتوحة في مجلس الأمن حول سد النهضة، وهي الزيارة التي قالت الخارجية السودانية أنها لا تعرف عنها شيئًا لتعود وتنفي ما قالته، دعوة رئيس الوزراء الإثيوبي لحميدتي جاءت مفتعلة وفي توقيت يلمح إلى أن الزيارة التي أعلن عنها الجانب الإثيوبي إنما كان الهدف منها إثارة حفيظة طرف ثالث وإرسال رسالة مبطنة مفادها ” العلاقات بين أديس أبابا والخرطوم على خير ما يرام”، وهي جهود يبذلها رئيس الوزراء الإثيوبي في الاتجاه الخاطئ عوضًا عن البحث عن حلول واقعية وحقيقية لأزمات بلاده الداخلية.

أريتريا.. والسلام الهش

يأتي كذلك السلام مع إريتريا ليضع علامات استفهام حول استمراريته، خصوصًا أن بعض المراقبين يصفونه بأنه في العناية المركزة على الرغم من الجهود التي بذلتها دول الخليج لرعاية هذا السلام عاقدة عليه الكثير من الآمال لاستقرار منطقة القرن الإفريقي.

C:\Users\owner\Desktop\9 يناير\arton3103.jpg

الغريب، أن تلك الطموحات والآمال المعقودة حالت دون أن يلتفت أحد إلى أنه في الوقت الذي مرت فيه اتفاقية السلام في إثيوبيا ضمن القنوات الشرعية لم تلق نفس المعاملة في أسمرة. فالطرف الوحيد الذي وقع على الاتفاق من الجانب الإريتري هو رئيس الدولة ولذلك يصف المراقبون الإريتريون السلام مع إثيوبيا بالهش لأنه ليست لديه قاعدة شعبية داخل إريتريا.

كما أن هذا ليس العامل الوحيد في هشاشة عملية السلام بين البلدين، فعلى أرض الواقع  انقطعت الزيارات المتبادلة لزعيمي البلدين منذ فترة وأكد مستشار رئيس دولة إريتريا وساعده الأيمن “يماني قبرآب” بأن اثيوبيا تحكمها ثلاث حكومات وأن أبي أحمد لا يسيطر على زمام الأمور فيها. هذا التصريح  جاء في اجتماع جماهيري مع الجالية الاريترية  في الرياض و كان بمثابة مسمار في نعش السلام بين البلدين. ليست الأمور مستقرة بالنسبة لإثيوبيا داخليًا أو خارجيًا وتحديدًا بعد أن فتح أبي أحمد جبهة جديدة مع مصر والسودان على خلفية إصراره بالمضي قدمًا في الملء الأحادي لسد النهضة، ومع ذلك يصر أبي أحمد على أسلوب المقامرة السياسية برهانه على أوراق لن تكون رابحة لوقت طويل.

نيرمين سعيد

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى