أفريقيا

رمز جماعة” الأورومو” .. هل سيكون مقتل المطرب الإثيوبي هونديسا سببا في التغيير كما كانت أغانيه؟

في احتجاجات جديدة يشهدها الشارع الإثيوبي وخاصة إقليم “الأورومو” الأكبر في إثيوبيا، أدت لمقتل 7 على الأقل بحسب تقرير “أديس ستاندرد”، وذلك على خلفية المظاهرات التي تم تنظيمها “عبر دعوات الانترنت” احتجاجاً على مقتل مغني الأورومو الشهير “هاشالو هونديسا”، الذي لقي حتفه رمياً بالرصاص بالقرب من مجمع في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وهو مشهور بكلمات أغانيه التي تركز دائماً على حقوق الأورومو، وكان له دور كبير في موجة الاحتجاجات التي أدت لسقوط رئيس الوزراء السابق هايلي ميريام ديسالين ووصول آبي أحمد إلى سدة الحكم في 2018. وهنا يبرز السؤال الخاص هل سيؤثر مقتل المطرب المناضل الأورومي الذي أوصل آبي إلى الحكم على الانقلاب عليه من قوميته الأبرز تأثيراً؟

لم تكن هذه الاحتجاجت الأولى التي يشهدها الإقليم والتي لم تهدأ بوصول آبي للحكم والذي ينحدر من قومية الأورومو وبدلاً من أن يبقى طوق نجاه لبني قوميته، بل على العكس شهدت فترة حكمه عدة احتجاجات أدت لمقتل العديد من المتظاهرين، ولعل أبرزها الاحتجاجات في 2019، عقب التهديدات الأمنية التي تلقاها “جوهر محمد” الحليف الأبرز  السابق لآبي أحمد، والمعارض الحالي، الذي يقود الأورومو ضد الحزب الموحد بقيادة آبي “الازدهار”، رافعاً شعار “أورومو أولاً”، ودفع ما اصطلح تسميته بـ “عسكرة النزاع” قوات الأمن بمواجهة المعارضة الإثيوبية، فاتهم تقرير منظمة العفو الدولية في مايو 2020 قوات الأمن الإثيوبية باعدام 39 شخصاً من أنصار المعارضة واعتقال آلاف آخرين بتهمة الإنتماء لمجموعة مسلحة في منطقة أوروميا. 

وذكرت السفارة الألمانية في بيانها التحذيري لرعاياها في إثيوبيا، أن جمهور هونديسا حملوا قوات الأمن مسئوليه قتله، موضحين أن هناك “دافعاً سياسياً” للجريمة. 

وأشارت منظمة العفو الدولية إلى “انتهاك قوات الأمن لحقوق الإنسان مازال قائماً، وأرجعت السبب في ذلك إلى الحصانة من العقاب وانعدام المساءلة عن هذه الانتهاكات”، وهو ما رفضته الحكومة الفيدرالية آنذاك؛ فيما اعتبرته المعارضة تضييقاً جديد تمارسه الإدارة الجديدة بقيادة آبي أحمد على المعارضة باستخدام القوة وانتهاك حقوق الإنسان وتنفيذ عمليات الإعدام خارج نظاق القضاء والمحاكمات. 

خلفية الاحتجاجات ومقتل رمز الثورة الأورومية

شهد إقليم أوروميا وخاصة، مدينة  أداما ، على بعد حوالي 100 كيلومتر شرق أديس أبابا ، وواحدة من أكبر مدن منطقة أوروميا في بلدة شيرو ، في شرق إثيوبيا في أوروميا، اندلاع الاحتجاجات وخروج الآلاف من الشباب إثر وفاة المطرب والمؤلف الغنائي “هاشالو هونديسا” البالغ من العمر 34 عاماً، يوم الأثنين الموافق 29 يونيو، والمشهور بدفاعه عن قومية الأورومو إثر معاناتها من أعوام من التهميش السياسي والاقتصادي من خلال أغاني المقاومة السياسية؛ فهو بمثابة رمزًا لنضال شعب أورومو خلال السنوات الأربع للاحتجاجات المناهضة للحكومة. التي جلبت في نهاية المطاف رئيس الوزراء أبي أحمد إلى السلطة.

غالبًا ما تركز كلمات هاشالو هونديسا على حقوق مجموعة  الأورومو الإثنية، وغالبًا ما تثير غضب القوميين.

أسفرت الاحتجاجات عن قتل ما لا يقل عن 7 أشخاص بالرصاص، وذلك بحسب تصريحات الاطباء لشبكة “بي بي سي” باللغة الأمهرية، وأصيب 75 شخصًا من المدينة أيضًا وتم نقل 19 جريحًا آخرين من مدينة على بُعد 25 كم تقريبًا جنوب أداما، وجاءت بعض الاصابات بالحروق.

أعلن مفوض الشرطة الإثيوبية أن مقتل هونديسا “جاء على يد مسلحين مجهولين”، والذي توفي متأثراً باصابته لعد نقله إلى المستشفى في إحدى الضواحى الجنوبية لأديس أبابا؛ فيما نشرت الصحف الإثيوبية أن هاشالو هونديسا كان يتلقى عدة تهديدات بالقتل، ولكن لم يعلن أحد مسؤوليته عن إطلاق النار. 

وقام الآلاف من معجبيه بالتوجه إلى المستشفى، مما أدى لاندلاع المواجهات بين قوات الأمن والمعجبين، لمنعهم من مرافقة الجثمان لمثواه الأخير ةفي مدينة أمبو ، حيث منزل والديه.

وعقب اندلاع دعوات الاحتجاج على الإنترنت وخروج الألاف وقاموا بحرق الاطارات واندلاع النيران، تم قطع خدمة الانترنت على العديد من أنحاء البلاد، وشبكات الهاتف والرسائل النصية.

ردود الأفعال والتوقعات على مقتل رمز الأورومو المناضل

عقب إعلان الشرطة الإثيوبية أنها عملية مجهولة ولم يتم التعرف على مرتكبيها، نشر رئيس الوزراء أبي أحمد  رسالة على موقع تويتر أعرب فيها عن تعازيه، مضيفاً أنهم ينتظرون نتائج تحقيق الشرطة، كما دعا المعزين إلى توخي الحذر لمنع المزيد من العنف.

وهو ما آثار استهجاناً من قومية الأورومو الذي ثار أكثر، وزادت الاحتجاجات، ونشر المقاطع الثورية التي توضح غضبهم، وخاصة عقب حملات الاعتقالات التي شنتها الحكومة الإثيوبية ضد المعارضة. 

وقال الكاتب الصحفي ومؤسسس موقع “OPride” في تغريده له على موقع “تويتر” أن الكلمات تخونه ودعا لقراءة تقرير عن هونديسا والذي يبرز تحديه وكلماته الجريئة وجهوده الشجاعة للتعبير عن الرغبة الجماعية في التغيير، وأنهى كلامه بأنه أسطورة لن تنسى!. 

تصعيد وتواتر العنف الشرطي

وفي عملية تصعيد ارتكبتها قوات الأمن، قامت باقتحام مقر شبكة أوروميا الإعلامية الحكومة، كما أعلنت العديد من الأخبار عن القبض على المعارض الإثيوبي البارز جوهر محمد، والناشط السياسي والإعلامي بشبكة أوروميا، واعتقال العديد من المشاركين في التظاهرات، عقب اغتيال “هاشالو هونديسا” الأورومي بعد دقائق من ظهوره على قناة أورومو ميديا، وذلك في محاولة قمعية جديدة في باطنها محاولة للحد من التظاهرات والاشتباكات وأعمال الشغب ولكن في الباطن قد تقلب الأمر على حكومة آبي أحمد. 

كما تم اعتقال “بيكيلا جيبرا” قائد الحزب المعارض السياسي الأورومي أيضاً، وذلك حسبما تم نشره بوسائل الإعلام، وهو ما نفته الحكومة الإثيوبية. 

وبرز ظهور جوهر محمد عقب إعلانه عن محاولة قوات الأمن اغتياله، وأصبح بطلاً للمعارضة في إثيوبيا، ويصف المراقبون جوهر بأنه هل هو ناشط إصلاحي أم يدعو لتفجير الاحتجاجات والرفض منذ ظهوره وخرجت على إثر ذلك عدة احتجاجات تأييداً لجوهر، والوقوف ضد حملة القمع التي شنها آبي ضد الحريات وتصريحاته بعرقلة حرية الرأي والإعلام، أودت المظاهرات بحياة العديد من قومية الأورومو، وذلك إل الحد الذي قام المتظاهرون بحرق كتاب أبي أحمد “ميدمير” الذي ألفه عقب حصوله على جائوة نوبل. 

احتجاج قادة الأورومو وتسيس الحادثة ودعوى للتظاهر

وتناول “جوهر محمد” المعارض الأبرز عدة تصريحات على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك أنه “هاشالو هونديسا مات من أجل الأورومو والأوروميين، وذلك لأنه كان يتكلم بلسان الحق فقتلوه! وذلك في إشارة واضحة لتسييس عملية القتل، ودعا كذلك إلى استمرار النزاع والاحتجاجات والصراع في الإقليم. 

وهذا وقد نشر أيضاً جوهر محمد، قائلاً انها ليست المرة الأولى التي تم قتل أحد رموز النضال الأورومي، بل سبق هاشالو هونديسا، العديد ومنهم وأبرزهم “تاديسي بيرو”  واستكمل أن عمليات الاغتيال لن تستطيع إيقافهم. 

وكان “إليمو كيلكسو زعيماً قومياً للأورومو تم تخليد ذكراه في الشعر والأغاني الأورومية، وكان عضواًبارزاً في حركة أورومو الوطنية وزعيم أول جيش تحرير. 

ويعد الجنرال “تاديسو بيرو” هو الأبرز بين الأسماء المطروحة في منشور جوهر محمد، وذلك لأنه في عام 1967 حظر نظام الامبراطور هيلا سيلاسي حركة “ميكا وتولاما” الاجتماعية الأورومية للمساعدات الإنسانية ، وقام بشن حملة اعتقالات جماعية وإعدام لأعضاء الحركة، وكان زعميها الجنرال “تاديسي بيرو”، الضابط السابق بالجيش الإثيوبي، وجاء على رأس المعتقلين، وانتهى الأمر بإعدامه وحاول مراراً الإطاحة بحكم سيلاسي؛ وأثارت عملية اعتقاله غضباً واسعاً بين قومية الأورومو، وتكونت على ‘ثرها جبهتي التحرير الوطني الإثيوبية وتحرير الأورومو.  

ويعد هيلا سيلاسي آخر الأباطرة الإثيوبين والذي أنهى حكمه عقب الانقلاب العسكري وإنشاء حكومة مؤقتة 1974. 

وهو ما يفسر تصاعد عمليات العنف لقومية الأورومو في العواصم المختلفة، ومهاجمة كل ما يمثل ذكرى للامبراطور هيلا سيلاسي، والذي ظهر في مشهدين مثل الصور على مواقع التواصل الاجتماعي التي تظهر المتظاهرين بعد أن أطاحوا بتمثال راس ماكونين (1852 – 1906) ، والد الإمبراطور هيلا سيلاسي الأول ، وكان أول حاكم لمدينة هرار. 

ونشرت الصحفية الأورومية المستقلة شاكيرا أدم على صفحتها خبر اقتحام السفارة الإثيوبية في لندن واسقاط العلم الغثيوبي ورفع راية جبهة تحرير الأورومو وتحيط تمثال هيلاسيلاسي، في صورة تعطي مغزى أعمق من مجرد احتجاجت أو اعتراضات بل هي صورة مفاداها إعادة مشهد الانقلاب على الحكم الذي أنهى حكم سيلاسي عقب حملة الاعتقالات التي شنها ضد الأوروميا. 

وطالبت آبي أحمد بعدم تصعيد العنف، واستعادة الانترنت في عموم البلاد، واطلاق سراح المعتقلين وسحب قوات الأمن المركزي، وتحقيق العدالة، مشيرة إلى ضرورة وجود حلول جذرية.

الاحتجاجات ومصير الحكومة الإثيوبية

نقل موقع “ذي أفريكا ريبورت”  تصريحات راشد عبدي، الباحث المتخصص في القرن الأفريقي أننا “نتحدث عن وفاة ربما أكثر الموسيقيين تأثيراً والمحبوب من قبل الملايين”، محذراً من أن “موت رمز الأورومو” سيكون عاملاً مساعداً عل تزايد العنف بالإقليم، وأضاف أنه “من المؤكد أن رد فعل عنيفًا واسع النطاق سيطيح بالتأكيد برئيس الوزراء أبي الذي يعاني بالفعل من قلب أورومو”، وكتب أحد الصحفيين الإثيوبين أن “العواطف ، ووجع القلب ، والضجة ستهز البلاد”.

جدير بالذكر أن الأقاليم الإثيوبية تعانى من فوضى الاحتجاج إما للمطالبة بالانفصال كما هو الحال في شعوب الجنوب الإثيوبية وخاصة إقليم “وولايتا” أو الدعوة إلى الاحتجاجات من أجل الوصول لسدة الحكم خاصة بعد إعلان تأجيل الانتخابات ودعوة أقلية التيجراي إلى استمرار اجراء الانتخابات، كما دعت المعارضة إلى التظاهر في أكتوبر المقبل عقب انتهاء الولاية الحالية للحزب الحاكم، والمطالبة بحكومة انتقالية، فقد تؤدي التظاهرات التي أوقدها مقتل المطرب المناضل الأورومي هانديسا، إلى مزيد من اشعال الفتن والنزاعات ضد الحكومة التي أصبحت هشة تعاني من فوضى المعارضة على كافة الأقاليم، وطبقاً لطبية إثيوبية الانقلابية فإنه من المتوقع أن يؤثر الأمر على أبي أحمد‘ إذا لم يخضع للأمر الواقع ويعلن الجلوس مع كافة الأطراف المعارضة، وهنا يكمن التساؤل عن تسيس مقتل المطرب الأورومي هل يكون بيد أصدقاؤه لإشعال الفتنة أم على يد قوات الأمن الحكومية في إطار من سلسلة التقييد، وعلى كل فإن الأمران سيعمقان من النزاعات الطائفية التي قد تنهي فترة حكم بين دعوى السياسات الاصلاحية والإجراءات القمعية، والوصول لخارطة طريق جديدة، ستحسم في أكتوبر المقبل.

+ posts

باحثة بالمرصد المصري

رحمة حسن

باحثة بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى