السد الإثيوبي

باحث بمعهد الدراسات الأمنية: ملف سد النهضة مثالاً لأزمة دولية تصطدم فيها قوة إقليمية كبيرة مع أطراف عنيدة أقل منها في القوة

عرض – محمد منصور

نشر موقع (أوراسيا ريفيو)، تحليلاً لبيتر فابريسيوس، الباحث بمعهد الدراسات الأمنية (ISS)، تناول فيه الموقف الحالي لأزمة سد النهضة، بعد تسع سنوات من المفاوضات، وفي ظل تضاؤل الوقت المتاح للتوصل إلى حل وسط لهذه الأزمة.

يرى فابريسيوس في مستهل تحليله، أن الخلاف الحالي بين كل من إثيوبيا ومصر والسودان، حول ملف سد النهضة، يعد مثالاً للأزمات الدولية المعتادة، التي فيها تصطدم قوة إقليمية كبيرة مع أطراف عنيدة أقل منها في القوة. فقد ظلت الدول الثلاث تتفاوض في ما بينها حول هذا الملف، منذ تسع سنوات مضت، ووصلت أخر جولات هذه المفاوضات إلى طريق مسدود الأسبوع الماضي، علما بأن هذه الجولة بدأت في نوفمبر 2019، بوساطة من الولايات المتحدة والبنك الدولي.

في الوقت الحالي، من المقرر أن تبدأ إثيوبيا في غضون أسابيع قليلة، في ملء بحيرة السد، المكتمل بنسبة 76٪، وذلك في خطوة أحادية منها، قد تزيد من التوترات الحالية حول هذا الملف، وتجعله يقترب أكثر من نقطة اللاعودة. مصر من جانبها أحالت هذا النزاع إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وقد تعهدت بإستخدام “كافة الوسائل المتاحة” لتأمين إمداداتها من مياه النيل، وحذرت من أن تفاقم هذا النزاع، سيعرض السلام والأمن الدوليين لمخاطر جدية.

لهذا يرى الباحث أن النزاع الحالي يتسم بالصعوبة البالغة، لأن مصر تعتمد بشكل شبه كلي على مياه النيل الأزرق، الذي يوفر نحو 82 بالمائة من احتياجات مصر المائية، وبالتالي تخشى القاهرة من أن يؤثر سد النهضة، الذي يتم تشييده على النيل الأزرق، على معدل تدفق الإمدادات المائية إلى مصر.

على النقيض من ذلك، تصر إثيوبيا على أن لها حقوقًا طبيعية في استخدام النيل، لرفع مستوى معيشة مواطنيها، وتحفيز النمو الاقتصادي. في هذا الصدد، صرح وزير الخارجية الإثيوبي جيدو أندارجاشيو، خلال احاطة له أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الشهر الماضي، إنه بلاده تحتاج إلى تشغيل 16 توربينًا في سد النهضة، من أجل توليد نحو 6 جيجا وات من الطاقة الكهرومائية، لتوفير إمدادات الطاقة الكهربائية لأكثر من 65 مليون إثيوبي، يعانون حالياً من نقص حاد في هذه الامدادات.

السودان يعد هو الطرف الثالث في هذه الأزمة، وقد تأرجحت مواقفه، ما بين وجهة نظر ترى في بناء السد، فائدة كبرى للسودان، خاصة بعد وعود إثيوبية ببيع الكهرباء إلى الخرطوم بأسعار تفضيلية، وبين وجهة نظر تتخوف من معايير السلامة الخاصة بالسد ومنشآته، نظراً لقربه من الحدود السودانية.

على الرغم من حدة المفاوضات وتأزمها، إلا أنه تم الاتفاق خلالها على العديد من النقاط. فقد اتفقت الأطراف الثلاث على آلية ملء إثيوبيا لبحيرة السد، وكمية المياه التي ستسمح بمرورها عندما يكون معدل هطول الأمطار جيداً. وافقت إثيوبيا أيضًا على السماح بمرور كميات محددة مسبقًا من المياه، اعتمادًا على مستوى المياه الموجودة في بحيرة السد، ومعدل تدفق مياه النيل الأزرق إلى خزان السد، حتى في سنوات الجفاف.

لكن مصر، بدعم من الولايات المتحدة، تريد ألتزاماً أضافياً من أديس أبابا، يضمن للقاهرة الحصول على كميات إضافية من المياه خلال فترات الجفاف متعددة السنوات، التي تمتد إلى أربع أو خمس سنوات، كما تريد بعد ذلك من إثيوبيا، تعويضها وتعويض السودان، بعد مرور سنوات الجفاف، بإطلاق المزيد من كميات المياه، لتعويض انخفاض التدفقات المائية خلال فترات الجفاف. هذا كله جعل الهوة بين مصر وإثيوبيا تتسع حسب رأي الباحث.

في هذه النقطة، ترى إثيوبيا أن السماح بمرور كميات كبيرة من المياه، من فتحات السد، سيؤدى بالضرورة إلى إنخفاض مستوى المياه المارة به، وبالتالي ستصل المياه إلى مستوى لن يمكن توربينات التوليد من توليد طاقة كافية.وقد رد على هذه النقطة، السفير المصري في جنوب أفريقيا، شريف عيسى، وذلك خلال حديث أجراه الأسبوع الماضي، مع معهد الدراسات الأمنية (ISS)، حيث قال أن تقديرات البنك الدولي، تشير إلى أنه حتى في أسوأ مواسم الجفاف، لا يزال بإمكان إثيوبيا توليد 70٪ على الأقل من الطاقة الكهربائية، من خلال سد النهضة. وأضاف السفير عيسى “نحتاج إلى معرفة كمية المياه التي سنحصل عليها في المستقبل، حتى نتمكن من التخطيط المستقبلي لمواسمنا الزراعية”، مشيراً إلى أن مصر تستخدم حوالي 86٪ من مياه النيل في الزراعة. لكن إثيوبيا رفضت اقتراح مصر، بأن تعوض أديس أبابا كل من مصر والسودان، عن انخفاض تدفقات المياه خلال مواسم الجفاف، متعللة بأنها لو قامت بهذا، ستجد نفسها (مدينة) بهذه المياه إلى دولتي المصب.

نظرًا لضيق الوقت ، لم يتمكن سفير إثيوبيا في جنوب إفريقيا، الدكتور شيفايرو مينباتشو، من الاستجابة لطلب معهد الدراسات الأمنية، للإجابة على الأسئلة المتعلقة بهذا الملف، لكن تناول وزير الخارجية الإثيوبي الأسبق، جيدو أندارجاشيو، في رسالته لمجلس الأمن الدولي، هذه النقطة، وقال “أن إصرار مصر على معدل استخدامها الحالي لمياه النيل، كخط أساس لحساب آثار بناء سد النهضة على هذه المعدلات، هو مبني على المعاهدات التي تم توقيعها في عهد الإستعمار (1929 و1959)، وهي معاهدات ليست إثيوبيا طرفاً فيها”. وأضاف أندارجاشيو “من خلال السعي لتكريس الوضع الراهن وغير العادل في حوض النيل، فإن مصر تمنع بشكل أساسي، أي استغلال للمياه من جانب الدول المتشاطئة الأخرى. وقد أثبت السد العالي، أنه قادر على توفير ما يكفي من المياه، لتلبية الاحتياجات الزراعية والصناعية لمصر، حتى في مواسم الجفاف”.

يضيف الباحث أن النقطة الخلافية الأساسية أخرى في هذا الملف، تتمثل في رغبة مصر في تحديد آلية تسوية المنازعات التي تنشأ مستقبلاً حول سد النهضة، بحيث تكون عن طريق التحكيم الدولي الملزم. في حين تصر إثيوبيا على ترتيب أكثر مرونة، يتم فيه  تسوية النزاعات عند نشوئها من خلال المفاوضات المباشرة بين الدول الثلاث فقط، وذلك على النحو المنصوص عليه في إعلان المبادئ لعام 2015، والذي وقع عليه رؤساء حكومات الدول الثلاث.

السفير المصري في جنوب أفريقيا، شريف عيسى، يقول في هذا الصدد، إن إثيوبيا تبني موقفها على ما تراه (حقاً مطلقاً) في تحديد كيفية إدارة السد ومياهه، لكن السيادة ليست مطلقة عندما تتحدث عن شريان نهري عابر الحدود“. ويضيف السفير عيسى، إن إصرار إثيوبيا على حقها في البدء في ملء السد، في غضون أسابيع أو أيام، مع أو بدون اتفاق شامل مع دول المصب حول كيفية ملء بحيرة السد، هو انتهاك واضح لبنود إعلان المبادئ. من جانبه رفض وزير الخارجية الإثيوبي الأسبق، جيدو أندارجاشيو، هذا التفسير لبنود إعلان المبادئ، وقال إنه ينص على أن أول ملء لبحيرة السد، سيتم بالتوازي مع عمليات البناء، وبالتالي يصبح ملء بحيرة السد هي جزء أساسي من عمليات البناء.

يتساءل كاتب التحليل، هل من الممكن التوصل إلى حل وسط بين هذه المواقف المتضاربة؟، لدى ويل دافيسون، محلل الشأن الإثيوبي في مجموعة الأزمات الدولية، اقتراح في هذا الصدد، يتضمن تخفيض القاهرة مطالبها بشأن كمية المياه التي ستقوم إثيوبيا، بالسماح بتمريرها من سد النهضة خلال مواسم الجفاف الممتد. في المقابل، قد تصبح إثيوبيا سخية إلى أقصى حد، في مقترحاتها للسماح بمرور كميات محددة من المياه من بحيرة السد أثناء مواسم الجفاف، كما يمكن أن تقترح أيضًا، آلية لتقاسم مصر والسودان، أعباء تخفيف تأثيرات المواسم ذات التدفقات المائية الأقل من متوسطة، وذلك من خلال احتياطياتهما المائية، وفي الوقت نفسه، يجب أن تقر مصر بحق إثيوبيا، في إنشاء وتطوير مشروعات على النيل الأزرق، في اتجاه أعلى النهر، وهي مشروعات من شأنها تقليل التدفقات المائية التي ستصل إلى السد.

ويذكر الباحث في نهاية تحليله، أن معهد الدراسات الأمنية، سبق واقترح انخراطًا أكبر من جانب الأتحاد الأفريقي في هذه الأزمة، خاصة من خلال مؤسساته مثل مجلس السلم والأمن، وهيئة الحكماء الإفريقية، وذلك بهدف إشراك كافة الأطراف، بشكل استباقي في تهدئة التوترات الحالية، وبناء الثقة بين مصر وإثيوبيا. حتى الآن، اقتصرت مشاركة الاتحاد الأفريقي في هذه الأزمة، على مراقبة جنوب إفريقيا بصفته الدولة التي تترأس الاتحاد الأفريقي، لهذه المفاوضات، لكن الدور الجوهري للهيئة القارية، يفضل أن يكون حاسم، ويضع نهاية لأزمة السد، ويحولها إلى خطة تنموية إقليمية أوسع للنيل، وهذا يمكن أن يساعد في نزع فتيل أية أزمات حالية على المدى الطويل.

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

محمد منصور

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى