تركيا

حقوق اللاجئين: دعم مصري واستغلال تركي

في اليوم العالمي للاجئين، مازال المجتمع الدولي غير قادر على الوفاء باحتياجاتهم وضمان العيش الكريم لهم إما لنقص الموارد أو استغلال حكومات بعض الدول للذين اضطرتهم ظروف الحرب أو الصراعات أو الكوارث الطبيعية لترك أوطانهم كورقة ضغط لتحقيق مصالح سياسية. 

وبالرغم من تمسك بعض الدول، ومنها مصر، بإظهار الوجه الإنساني في التعامل مع قضية اللاجئين، وتقديم الدعم اللازم لهم في قطاعات التعليم والحماية والصحة والأمن الغذائي وسبل كسب الرزق، إلا أن هناك حكومات – أبرزها الحكومة التركية – تصر على توظيف قضية اللاجئين سياسياً لتحقيق عدد من المكاسب داخلياً وخارجياً.

حقوق اللاجئين في المواثيق الدولية

تمثل الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في يوليو 1951 وبروتوكولها عام 1967، إضافة إلى اتفاقية منظمة الوحدة الإفريقية التي تحكم الجوانب الخاصة بمشكلات اللاجئين في إفريقيا عام 1969، الأساس الحاكم للعلاقة بين حكومات الدول وبين اللاجئين أو طالبي اللجوء، حيث قدمت الاتفاقية تعريفاً للفظة “لاجئ” بأنه “كل شخص يوجد خارج بلد جنسيته، بسبب خوف من التعرض للاضطهاد بسبب الدين أو العرق أو الانتماء إلى فئة اجتماعية معينة أو الرأي السياسي، ولا يستطيع أو يريد أن يعود إلى ذلك البلد، أو كل شخص لا يملك جنسية ويوجد خارج بلد إقامته المعتادة السابق ولا يستطيع أو يريد العودة إلى ذلك البلد بسبب ذلك الخوف”. 

وأكدت الاتفاقية على الواجبات المفروضة على اللاجئين تجاه البلد الذي يقيمون فيه من انصياع إلى قوانينه والتقيد بتدابيره، وحقوقهم التي يجب أن يتمتعوا بها من رعاية لا تقل عن الرعاية التي تقدمها الدول لمواطنيها فيما يخص “حرية ممارسة الشعائر الدينية”، ولا تقل عن الرعاية الممنوحة للأجانب على أرض هذه الدول فيما يخص حرية التصرف في الأموال. أما الحق في العمل، فقد أكدت الاتفاقية على حق اللاجئين في ممارسة عمل مأجور، وممارسة العمل لحسابهم الخاص وإنشاء شركات تجارية وصناعية.

وفيما يتعلق بالحق في التعليم، فقد أكدت الاتفاقية على أن تمنح الدول اللاجئين نفس المعاملة الممنوحة لمواطنيها، خاصة في التعليم الأساسي، وأن تعترف الدول بالشهادات المدرسية والدرجات العلمية الممنوحة في الخارج، والإعفاء من الرسوم والتكاليف وتقديم منح دراسية.

أما إعلان نيويورك الذي تم اعتماده في سبتمبر 2016، فقد ركز على جانبين رئيسيين هما

أولاً: إطار الاستجابة الشاملة للاجئين، والذي يحدد مجموعة واسعة من التدابير يتعين على المجتمع الدولي اتخاذها للاستجابة لحالات اللجوء الضخمة واسعة النطاق، حيث التزمت 47 دولة بالقيام بتغييرات قانونية أو سياسية من أجل تعزيز حصول اللاجئين على التعليم والعمل القانوني والخدمات الاجتماعية، وتحقيق زيادة كبيرة بالمساعدات الإنسانية؛ وتوسيع نطاق الوصول إلى حلول البلدان الثالثة من خلال إعادة التوطين أو المسارات التكميلية.

 ثانياً: موافقة الدول الأعضاء على مواصلة تطوير الاستجابات الدولية، بالعمل نحو اعتماد “اتفاق عالمي بشأن اللاجئين”.

بذلك، يتضح تركيز المواثيق الدولية على حقوق اللاجئين، وحرص المنظمات الدولية على تحديث تلك المواثيق من أجل ضمان التزام الدول بما جاء فيها، وتقديم المساعدات اللازمة لتطوير استجابات هذه الدول تجاه احتياجات اللاجئين.

لاجئ بدرجة مواطن – مصر نموذجاً

وفقاً للإحصاءات الرسمية للمفوضية السامية لشئون اللاجئين، تستضيف مصر حوالي 256 ألف لاجئاً وطالباً للجوء، يمثل السوريون نسبة 51% منهم، في حين تمثل الجنسيات من 58 دولة من أبرزها السودان وأثيوبيا وإريتريا وجنوب السودان والعراق واليمن نسبة 49%. ولكن هذا الرقم لا يمثل الأعداد الحقيقية للاجئين في مصر، حيث يوجد بمصر آلاف اللاجئين ممن فروا إلى مصر نتيجة النزاعات المسلحة أو الاضطرابات السياسية بدولهم، وقد يصل الرقم الحقيقي إلى خمسة ملايين لاجئ كما صرح الرئيس السيسي في العام الماضي. 

وعلى الرغم من أن مصر تعد من البلدان المتلقية لأدنى مستويات من التمويل في إطار خطة الاستجابة، حيث تم تلبية 22% من احتياجات اللاجئين في إطار خطة الاستجابة المصرية، إلا أن مفوضية شئون اللاجئين تؤكد مصر تمثل نموذجاً في التعامل مع اللاجئين، حيث يعيش هؤلاء الأشخاص في المجتمعات المحلية جنباً إلى جنب مع المواطنين المصريين، ما يمكنهم من التمتع بالحق في الحياة والحرية والأمان، والحق في العمل، والحق في التعليم، والحق في حرية التنقل، بالإضافة إلى التمتع بالكرامة والمساواة مع الآخرين. وتتبنى الحكومة المصرية سياسة تقوم على عدم إنشاء معسكرات أو مراكز إيواء للاجئين كما يحدث في دول أخرى.

كما تقدم الدولة المصرية خدمات الصحة والتعليم للاجئين وطالبي اللجوء على قدم المساواة مع المصريين بدون تفرقة، وقد نصت اللائحة التنفيذية للقانون رقم 2 لسنة 2018 الخاص بالتأمين الصحي الشامل على شمول الأجانب المقيمين في مصر واللاجئين في منظومة التأمين الصحي الشامل. كما وسعت أيضا نطاق العديد من الحملات الصحية التي بدأها الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية، لتشمل اللاجئين وطالبي اللجوء. 

ومن الأمثلة على هذه الحملات حملة “100 مليون صحة” لاكتشاف وعلاج “فيروس سي” التهاب الكبد الوبائي، وحملة مكافحة شلل الأطفال، وحملة الكشف عن السمنة وفقر الدم ومرض التقزم بين طلاب المدارس الابتدائية.

إلى جانب ما سبق، يستفيد اللاجئون من الدعم الذي تقدمه الحكومة لمواطنيها في السلع والخدمات الأساسية، فضلاً عن استفادة الأطفال من الدول العربية – ويتجاوز عددهم 65 ألف طالب- من حق الالتحاق بالمدارس الحكومية دون تفرقة بينهم وبين المواطنين المصريين. جديرُ بالذكر أن الدولة المصرية تتحمل العديد من الأعباء الاقتصادية والمالية، حيث تُقدر المنظمات الدولية العاملة مع اللاجئين في مصر احتياجاتهم بحوالي 300 مليون دولار سنوياً، ولا تتلقى سوى 15% من المانحين الدوليين.

وفي ظل أزمة كورونا، قامت الحكومة المصرية بتعليق إجراءات ترحيل غير المصريين المتواجدين على أراضيها أو إعادتهم قسرياً في الوقت الحالي لما قد ينتج عن ذلك من تعرضهم للمخاطر المرتبطة بالتنقل والسفر في ظل الأوضاع الراهنة.

اللاجئون في تركيا.. ورقة ضغط على أوروبا

C:\Users\M.Salma\OneDrive\Desktop\لاجئين تركيا.jpg

على النقيض من مصر، استغلت تركيا أزمة اللاجئين أسوأ استغلال في الضغط على الدول الأوروبية من أجل تحقيق مكاسب سياسية لنظام إردوغان، والحصول على دعم لعملياته العسكرية في سوريا. وبالرغم من التوقيع على اتفاقية مع الاتحاد الأوروبي بشأن اللاجئين منذ مارس 2016، إلا أن إردوغان هدد في فبراير الماضي بفتح حدوده للاجئين السوريين للعبور إلى أوروبا رداً على مقتل 33 من جنوده في عملية عسكرية في الشمال السوري. وقد فسر عدد من الخبراء تهديداته بأنها عملية “ابتزاز” لدول أوروبا للحصول على مزيد من الأموال الأوروبية من ناحية، والتأييد لعملياتها العسكرية في سوريا من ناحية أخرى.

واستغل الرئيس التركي أزمة اللاجئين لمواجهة تفاقم الأوضاع الاقتصادية وحالة الركود التي تعاني منها تركيا، حيث لجأ لهذا التكتيك منذ 2015 عندما سمح بمرور نحو مليون لاجئ لدول أوروبا، وقد نجحت مساعيه في الحصول على نحو 5,6 مليار يورو من أصل 6 مليارات كانت قد تعهدت بها دول الاتحاد الأوروبي بهدف تحسين أوضاع اللاجئين التي تستضيفهم أنقرة بعد التوقيع على اتفاق مارس 2016.

وفي ظل تراجع شعبية حزب “العدالة والتنمية” الذي ينتمي إليه الرئيس التركي، اضطر إردوغان لفرض سياسات أكثر صرامة تجاه اللاجئين إرضاء للداخل التركي بعدما تزايدت حدة انتقادات المواطنين الأتراك لوجود اللاجئين بينهم، حيث اتجهت الآراء إلى أن الاقتصاد التركي لا يستطيع تحمل هذا العبء الكبير، كما أن تواجد عدد كبير من اللاجئين قد يسهم مستقبلاً في تغيير التركيبة الديموغرافية للبلاد، الأمر الذي أثر بشكل كبير على الأوضاع الحياتية للاجئين هناك.

وفيما يخص الأوضاع الحياتية للاجئين في تركيا، تجدر الإشارة إلى أن عدداً كبيراً من اللاجئين هناك يعيشون في معسكرات تسمي “مراكز الإقامة المؤقتة”، ويشترط القانون التركي حصول اللاجئ على تصريح عمل كي يسمح له بالعمل في تركيا، كما تفرض وزارة العمل والشؤون الاجتماعية على صاحب العمل التقدم بطلب للحصول على مثل هذا التصريح منها لأي لاجئ يريد تشغيله لديه، على أن يدفع رسوماً مالية محددة مقابل الحصول على هذا التصريح، وبعد الحصول عليه يمنح اللاجئ الحد الأدنى في سلم الأجور الممنوح للعاملين.

ترتيباً على ما سبق، لا يمكن مقارنة الدور الذي تلعبه مصر في ضمان حقوق اللاجئين على قدم المساواة مع حقوق مواطنيها في الحياة والعمل والتعليم بغيره الذي يتاجر بالقضية من أجل تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية، وعلى مفوضية شئون اللاجئين أن تعيد النظر في توجيه مساعداتها على أساس احتياجات اللاجئين.

+ posts

باحث ببرنامج السياسات العامة

محمود سلامة

باحث ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى