
لماذا لم يكن العالم مستعدًا لـ “كوفيد-19”.. عدد جديد لمجلة “فورين أفيرز” الأمريكية
تناولت مجلة “فورين أفيرز” الأمريكية في عددها الجديد الصادر في مايو 2020، أزمة تفشي جائحة كورونا التي ظهرت لأول مرة في مدينة “ووهان” الصينية، في أواخر عام 2019. وبحلول 25 يناير 2020، كان هناك أكثر من 1000 حالة تم الإبلاغ عنها في حوالي 12 دولة. وفي 11 مارس، أعلنت منظمة الصحة العالمية تفشي الوباء في تلك المرحلة؛ إذ أثرت العدوى على أكثر من 100 دولة.
وبحلول أوائل أبريل، بلغ عدد الحالات في جميع أنحاء العالم بالملايين. بالتزامن مع محاولة الحكومات تعزيز قدراتها الصحية، واتخاذ التدابير اللازمة للمسافة الاجتماعية، مع الاستعداد للصدمة الاقتصادية. وفي هذا السياق لم يكن التهديد الوبائي بجديد على النظام العالمي؛ إذ حذر خبراء الصحة العامة لعقود من اندلاع مثل هذه الأزمة أن لم تكن الحكومات لديها خطة كافية للمواجهة.
وعليه، من خلال مجموعة من المقالات المختارة من أعداد سابقة وأخرى منشورة حديثًا- تسعى المجلة إلى عرض تاريخ الأوبئة المُعدية، وكيفية الاستجابة لها في ظل التحولات الدولية والإقليمية، مع تسليط الضوء على تغافل بعض الحكومات عن التحذيرات المبكرة التي تنبأت بحدوث جائحة محتملة، مما أدى إلى تكرار أخطاء الماضي في التعامل معها. بجانب دراسة إمكانية التعرض لوباء آخر بعد كورونا، لابد من الاستعداد له عبر إعلان حالة الطوارئ الصحية الآن وقد يكون الوباء الجديد أكثر فتكًا وأكثر عدوى من فيروس التاجي “كوفيد-19″، وقد يظهر دون سابق إنذار. ربما هذه المرة سيستجيب العالم للتحذيرات المبكرة استنادًا لأزمة “كوفيد-19”.
جاء الجزء الأول تحت عنوان “تصعيد الإنذار”، إذ أفادت المقالة المُعنونة بـ “تاريخ جائحة تنبأ بها.. التعلم من فشل إدارة “كوفيد-19” قبل ظهور الوباء التالي”؛ أن الفشل الناجم عن عدم الاستعداد المُسبق لجائحة كورونا نتيج عنه خسائر كبيرة على المستوى الوطني والعالمي. فبمجرد أن بدأت التقارير عن مرض معدي غير معروف ينتقل من الصين إلى باقي دول العالم، كان لابد على الحكومات والمؤسسات سرعة الاستجابة عبر انتهاج سياسات استباقية تساعد في احتواء الفيروس، بناءًا على الخبرات السابقة في التعاطي مع مثل هذه الأزمات، بالرغم من حالة عدم اليقين التي يعيشها العالم إلا إن السياسات المتوافقة يمكن أن تساهم في الحد من تداعيات الجائحة، مع القدرة على الاستعداد لوباء آخر عبر تعزيز الأنظمة الصحية، وتشجيع التعاون للبحث عن لقاح للتصدي لانتشار الوباء. فمن المرجح أن يكون الوباء التالي فيروسًا جديدًا للإنفلونزا له نفس التأثير المدمر مثل وباء عام 1918، الذي دار حول الكرة الأرضية مرتين ونصف على مدار أكثر من عام، في موجات متكررة، مما أسفر عن مقتل العديد من الأشخاص أكثر من الحرب العالمية التي سبقتها.
ووفقًا للمقالة كان يجب أن تأتي الاستعدادات منذ عام 2003 مع تفشي فيروس السارس، الذي خرج من الصين إلى دول العالم. في الوقت الذي تم فيه إيقاف تفشي المرض، تم التخلص من المصادر الحيوانية من الأسواق التي كانت سببًا في انتشاره، وعزل المصابين، وتم الإبلاغ عن 8098 حالة وفاة وتوفي 774 شخصًا. بعد تسع سنوات، في عام 2012، ظهر فيروس كورونا آخر مهدد للحياة يعرف باسم “ميرس” منتشر عبر شبه الجزيرة العربية. في هذه الحالة، كان مصدر الفيروس الجمال، وقبله ظهر وباء إنفلونزا H1N1 لعام 2009 الذي بدأ في المكسيك، وبعده وباء الإيبولا خلال الفترة من 2014 إلى 2016 في غرب أفريقيا، بجانب انتشار فيروس زيكا 2015 -16 من جزر المحيط الهادئ إلى أمريكا الشمالية والجنوبية – اختلف كل منهما عن الآخر من حيث مصدر الانتشار وطرق العدوى والأعراض وفترة حضانة المرض ودرجة خطورته. لكن جميعهم يشتركون في شيء واحد وهو عنصر المفاجأة.
بالرغم من ذلك تنامي ظهور الأوبئة كانت الاستجابات منخفضة؛ إذ تُكمن المشكلة في تدهور البنية التحتية لأنظمة الصحة العامة، علاوة على التغييرات في التجارة والإنتاج العالمي. فخلال تفشي السارس في عام 2003، كان عدد قليل من الناس قلقين بشأن سلاسل التوريد. الآن، عقدت سلاسل التوريد العالمية بشكل كبير استجابة الولايات المتحدة وأصبحت أكثر اعتماداً على الصين والدول الأخرى في الأدوية الحيوية والإمدادات الطبية.
وعليه كان يجب واشنطن أن تجري مراجعة سريعة ولكن شاملة لمتطلبات معدات الحماية الشخصية الوطنية، الأمر الذي كان سيؤدي إلى تكثيف الإنتاج الفوري لأقنعة N95 والأثواب الواقية والقفازات وخطط لإنتاج المزيد من الآليات الميكانيكية مراوح. وكان ينبغي عليها أن تكون مستعدة لإجراء الاختبارات وتتبع الاتصال بينما كان عدد الحالات لا يزال منخفضًا. علاوة على إصدار تشريعات خاصة لتمويل الطوارئ للمستشفيات.
فيما كشفت مقالة آخرى مُعنونة بـ”عودة الأمراض المعدية” أن استراتيجية الصحة العامة منذ الحرب العالمية الثانية قد ركزت على القضاء على الفيروسات باستخدام الأسلحة الطبية القوية التي تم تطويرها خلال فترة ما بعد الحرب -المضادات الحيوية ومضادات الملاريا واللقاحات- تابع القادة السياسيون والعلماء في الولايات المتحدة وحول العالم حملة على الطراز العسكري للقضاء على الأوبئة الفيروسية والبكتيرية والطفيلية. كان الهدف هو دفع الإنسانية للتحول الصحي بعيدًا عن عصر الأمراض المُعدية. وبحلول مطلع القرن، كان يعتقد أن معظم سكان العالم سيعيشون حياة طويلة تنتهي فقط بـ السرطان، وأمراض القلب، والزهايمر. وبلغ التفاؤل ذروته في عام 1978 عندما وقعت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على اتفاقية “الصحة للجميع، 2000”.
ولكن ليس هناك ثوابت في عالم الأوبئة فقد تمحورت السلالات وتطورت بشكل لا يمكن التعامل معه بشكل تقليدي، حيث لاحظ “داروين” أن بعض الطفرات الجينية تسمح للنباتات والحيوانات بالتكيف بشكل أفضل مع الظروف البيئية وبالتالي إنتاج المزيد من النسل؛ وقال إن عملية الانتقاء الطبيعي كانت آلية التطور. بعد أقل من عقد من تقديم الجيش الأمريكي لأول مرة البنسلين لأطبائه الميدانيين في مسرح المحيط الهادئ، أظهر عالم الوراثة “جوشوا ليدربيرغ” أن الانتقاء الطبيعي كان يعمل في العالم البكتيري. نشأت سلالات من المكورات العنقودية والمكورات العقدية التي تصادف أنها تحمل جينات لمقاومة الأدوية وازدهرت حيث تم طرد السلالات الحساسة للأدوية.
وقد تجلى التطور الخاص بالأوبئة مع ظهور موجة من وباء الطاعون في سبتمبر 1994؛ إذ كشفت دراسات مستقلة في الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا أن السلالة البكتيرية التي تسببت في تفشي المرض كانت ضعيفة بشكل غير عادي، وعلى الرغم من أن الأرقام الدقيقة لحالات الطاعون والوفيات لا تزال موضع جدل، إلا أن الأعداد تقل بالتأكيد عن 200 حالة. لكن الوباء أوضح ثلاث قضايا حاسمة تتعلق بالأمن القومي في ظهور الأمراض وهم التنقل البشري، والشفافية، والتوترات بين الدول التي قد تصل إلى التهديد بالحرب البيولوجية.
ارتباطًا بذلك، ذكرت المقالة المُعنونة بـ “الاستعداد للوباء القادم”، عودة لتاريخ بعض الأوبئة وبالأخص الأنفلونزا، إذ شهد العالم عشر أوبئة على مدار ثلاثة قرون، ورغم ما سببته من إصابات ووفيات مرتفعة تم اعتبراها ضمن معدل إصابات معتدلة، ولم تكن جائحة في 1918-1919. وفي تحليل حديث، بمعدل سكان عالمي يبلغ ثلاثة أضعاف الأعوام المذكورة، كنت هناك توقعات بأن يكون هناك وباء وشيك يمكنه قتل الملايين من البشر. رغم التكهنات بوباء قادم، ما يمكن فعله هو تقليل تأثيره فقط، وإجراء بع الجهود التحضيرية الهامة التي يجب أن يقوم بها مؤسسات عديدة في المجتمع.
أشارت المقالة إلى تحليل للأكاديمية الوطنية للعلوم إلى أن عدم اليقين العام بشأن القدرة على التحكم في انتشاره قد ساهم في تنبيه الجمهور، ومن ثم تفاقم الضربات الاقتصادية لمؤسسات السفر والسياحة في البلدان التي لديها أكبر عدد من الحالات. قدم سارس مثالًا على كيفية تأثير الانفلونزا على الاقتصاد العالمي، إذ استمر تأثيره السلبي على منطقة آسيا والمحيط الهادئ لمدة ستة أشهر بنحو 40 مليار دولار، وقدرت لجنة السياحة الكندية أن الوباء كلف اقتصاد البلاد 419 مليون دولار.
اعتبرت المقالة أنه يجب على العالم القيام بأكثر مما يمكن فعله للاستعداد للوباء القادم، فقد قدمت منظمة الصحة العالمية والعديد من البلدان خططًا مفيدة، لكنها كانت عامة، لذا مطلوب مخطط تفصيلي تشغيلي لكيفية نقل السكان خلال عام إلى ثلاث سنوات من الوباء، على أن تشمل التنسيق بين جميع المكونات الرئيسية للمجتمع، والتأكيد على أن المرونة هي المفتاح الحقيقي لإدارة الأزمات.
نوهت المقالة بأن انهيار التجارة العالمية في ظل الوباء الحالي يعد أول اختبار حقيقي لمرونة النظام العالمي الحديث، إذ أن إغلاق الاقتصاد العالمي سيضر قدرة العالم على تلبية الطلب المتزايد على السلع الأساسية مثل الغذاء والدواء خلال أزمة، ولم تعد المجتمعات التجارية قادرة على لعب دور ثانوي في تخطيط الاستجابة للوباء.
قدمت المقالة توصيات لمواجهة عدم وجود نموذج حول كيفية إنعاش الاقتصاد العالمي إذا تم تدميره، بأنه يجب تخزين المواد الخام للإنتاج والتخطيط المسبق والاستعداد للاستجابة السريعة للتغيرات الطارئة، وأن يتم ذلك التخطيط على المستويات الدولية والإقليمية والوطنية والمحلية النظر في ثلاثة سيناريوهات مختلفة: ماذا لو بدأ الوباء الليلة؟ ماذا لو بدأ بعد عام واحد من الآن؟ ماذا لو كان العالم محظوظًا لدرجة أنه كان لديه عقد كامل للتحضير؟.
وفي المقالة المُعنونة بـ”عدم الاستعداد لمواجهة وباء”، تمت الإشارة إلى المقالات التي نشرتها المجلة قبل عام ونصف كنداء للاستعداد للوباء القادم، محذرة من حدوث جائحة في أي وقت ستكون تكلفتها باهظة على الصحة العامة والاقتصاد العالمي. اعتبرت المقالة أن أوبئة الأنفلونزا ترتبط بالكوارث الطبيعية مثل الزلازل والأعاصير، وتعد الطيور البرمائية مصدرًا للفيروس، وأن الفيروس يتطور باستمرار بما لا يجعل الإنسان يمتلك مناعة مسبقة بسبب التغيرات الجينية تسمح بانتقاله بسهولة من شخص لآخر، عفلى مدر عقود، اعتقد العلماء أن الطريقة الوحيدة كي يصبح فيروس إنفلونزا الطيور قابلاً للانتقال بين البشر كانت من خلال عملية تعرف باسم إعادة التركيب التي تعني أنه عندما يصيب فيروس حيوني أو بشري نفس خلايا الحيوان أو البشر، يُخلق فيروس جديد يمكنه التكيف مع الجسم البشري.
نوهت المقالة لدراسات على مدار العامين الماضيين رجحت أن فيروس الأنفلونزا يمكن أن يصبح أيضًا سلالة وبائية بعد حدوث طفرات جينية خاصة بها، وذلك بعد بحث المادة الوراثية للفيروس في 1918-1919.
من الناحية المثالية، رأت المقالة أنه يمكن القضاء على خطر جائحة الأنفلونزا اليوم عن طريق لقاح وقائي متاح للجميع يمكن إعطاؤه قبل الوباء، لكن هذا الاحتمال قد يحدث بعد سنوات، لكن لسوء الحظ لم تقدم الولايات المتحدة والحكومات الأخرى التزامًا ماليًا كبيرًا للبحث والتطوير لأنواع جديدة من لقاحات الإنفلونزا وبناء قدرة إنتاجية واسعة النطاق، فعلى مدى العامين الماضيين، استثمرت جميع الحكومات في العالم بشكل جماعي أقل من 2.5 مليار دولار في تطوير تقنيات لقاحات الإنفلونزا الجديدة، لكنه قليل جدًا. حتى إن تم التوصل للقاح المطلوب، سيصعب وصول معظم سكان العالم له في ظل الجائحة، إذ يعتبر ترابط الاقتصاد العالمي وسيلة لجعل الجائحة أكثر تدميرًا للعالم عما سبق، فقد ساهم غلق الحدود وتعليق السفر في تعطيل نقل السلع الأساسية.
أضافت المقالة أن الافتقار إلى التخطيط لاستمرارية الأعمال في حالة تفشي جائحة يعد مشكلة جوهرية، حتى في ظل مشاركة محدودة للقطاع الخاصة في التخطيط للتأهب للجائحة عن طريق تحديد حالات الطوارئ التي يمكن أن تؤثر على موظفيه، وسلاسل التوريد الخاصة به. لذا رأت المقالة أنه يجب أن يكون هناك هدف طويل المدى في تطوير لقاحات الأنفلونزا كي تساعد على الأقل في تحجيم انتشار الوباء القادم.
وفيما يتعلق بالجزء الخاص باستجابة الدول مع الأمراض المُعدية، فقد أفادت المقالة المُعنونة بـ”تحدي الصحة العالمية”؛ أن أزمة الصحة العامة على مستوى العالم تجسدت منذ أقل من عقد في نقص الموارد المتاحة لمكافحة الآفات المتعددة. علاوة على أن الجهود الدولية الداعمة لمواجهة هذا النفص من الموارد لاحتواء الأوبئة غير منسق إلى الحد الكبير للتغلب على التحديات المُتنامية. كما أن استمرار الجهات المانحة لا يمكن توقعه الآن نتيجة اختلاف تصوراتهم تجاه هذه الأوبئة فبعضهم يرى أن وقف انتشار فيروس نقص المناعة البشرية والسل والملاريا وأنفلونزا الطيور وغيرها يعد واجب أخلاقي. فيما يرى البعض أنها شكل من أشكال الدبلوماسية العامة. ويرى البعض ذلك استثمارًا في الحماية الذاتية، نظرًا لأن الفيروسات لا تعرف حدودًا.
وعليه فان الجهود المطلوبة للمواجهة تحديات الصحة العالمية أكثر من مجرد تبرع بأموال، ولكنه يتطلب تحسين أنظمة الرعاية الصحية، والبنية التحتية المحلية التي يمكن تمريرها على الأقل لتحسين الصحة العامة في العالم النامي. ولأن عقود من الإهمال هناك جعلت المستشفيات والعيادات والمختبرات والمدارس الطبية المحلية أثر عليها بشكل سلبي.
في المقالة المُعنونة بـ “دروس الإيبولا: كيف أساءت منظمة الصحة العالمية التعامل مع الأزمة”، تم اعتبار أن أثر فيروس الإيبولا لم يكن مفاجئًا بسبب طريقة الاستجابة المتعثرة والتعامل المحبط معه. أي أن الأخطاء التي تحدث حاليًا سبق أن شهدها العالم من قبل. أشارت المقالة إلى أن العالم شهد أول موجة من المرض في 1976 والثانية في 1995، ولم يكن هناك استعداد كافي للتعامل معه من حيث التكنولوجيا أو اكتشاف العلاجات المضادة.
منذ إنشاء منظمة الصحة العالمية، عملت كمركز لتبادل المشورة التقنية، وزودت الدول الأعضاء بالإرشاد والخبرة في كل شيء من مخاطر التدخين وسلامة لقاحات الحصبة إلى الرعاية الصحية، وآليات التمويل والمحددات الاجتماعية والسياسية لأمراض القلب على اعتبار أن هذا سيكون كافيًا لأي كيان للتعامل معه، ولكن على مر السنين، دخلت قضايا سياسية في مواقف المنظمة، إذ تريد البلدان التي تعاني من مشاكل أن تحشد المنظمة أفضل الخبرات التقنية في العالم لتلقيح اللاجئين السوريين، ووقف الكوليرا في هايتي بعد الزلزال، وإقامة مراكز الصدمات الطارئة في جميع أنحاء جزر الفلبين، في حين حاولت جميعة الصحة العالمية WHA تقديم قرارات لا حصر لها بشأن قضايا مثل الاعتراف الدولي بفلسطين وتايوان، وحظر التبغ، والتربية الجنسية، وحقوق المثليين، وتنظيم الأسرة.
على سبيل المثال، أدانت الجمعية براءة اختراع لعينة من قبل عالم هولندي لفيروس جديد “MERS”، ورفض مندوبو الجمعية زيادة الإيرادات من أجل معالجة أزمة الميزانية مما أدى لتراجع دور منظمة الصحة العالمية مقارنة بالمؤسسات الممولة بشكل أفضل وأكثر فعالية والأقل تسييسًا، بالإضافة إلى أنهم أعادوا ترتيب أولويات المنظمة وحولوا الموارد بعيدًا عن مكافحة الأمراض المعدية.
رأت المقالة أن أداء المنظمة مع فيروس إيبولا كان ضعيفًا للغاية، وثار تساؤل حول ما إذا كان العالم بحاجة لها بالفعل أم لا، فالعالم بحاجة لها بشكل منقح وتمويل أفضل وموظفين أكثر كفاءة وقليل من التسييس، ويجب أن تكون على قمة الموكلين بالصحة العالمية، وألا تكون على تنافس مع منظمات أخرى على التعامل مع الأوبئة. يجب على الوكالة أن تركز بشكل أكبر على كفاءاتها الأساسية، وتعود لتقديم الخبرة والمشورة الفنية في مجالات مثل السل والملاريا وفيروس الإيدز. وإذا كانت الوكالة لا تستطيع أن تقود الأزمة بشك موثوق، فهي لا تستحق دعم المانحين.
وعلى جانب آخر، ألقت المقالة المُعنونة بـ “كيف تغلبت الكونغو على التفشي الأخير لإيبولا.. الدور الحاسم للتعاون الدولي” الضوء على عودة تفشي مرض الإيبولا في جمهورية الكونغو الديمقراطية في يوليو 2018 بعد أيام من إعلان منظمة الصحة العالمية نهايته، لكن بمجرد تلقي الخبر، قامت منظمة الصحة العالمية بتفعيل خطة الطوارئ، وبدأت الأمم المتحدة في نقل العاملين في مجال الرعاية الصحية والإمدادات إلى مركز تفشي المرض، وأطلقت الدول المانحة أموال الطوارئ. وبعد أقل من أسبوعين تم التوصل للقاح.
الأهم من ذلك ظهور قيمة الاستثمار في أنظمة الرعاية الصحية المحلية، بالإضافة إلى أن تلك الاستجابة تطلبت تعاونًا دوليًأ ومؤسسات دولية واستثمارات بعيدة المدى في العلوم والصحة والحكم، بما يمكن الدول من معالجة مشاكلها الخاصة قبل وصولها للجميع. من الدروس المستفادة أيضًا، أنه حتى لو يصعب الدفاع عن النظام الدولي، لكن بدون هذا النظام والدول الراغبة في الدفاع عنه، سيموت الكثير من الناس بسبب الأمراض المعدية مثل الإيبولا.
طالبت المقالة الدول بالتعاون في مجال الصحة العالمية، لأن الحكومات لا تستطيع بناء جدران طويلة بما يكفي أو إغلاق حدودها بإحكام بما يكفي لإبعاد الأمراض، فقد عززت أجندة الأمن الصحي العالمي، التي لا تزال موجودة في ظل إدارة ترامب، قدرة البلدان على منع التهديدات الصحية العامة واكتشافها والاستجابة لها.
وبالانتقال إلى الجانب الآخر للمجلة الذي يتناول الدورس المفقودة من التجارب السابقة في التعامل مع الأزمات الوبائية تشير المقالة المعنونة بـ”هل أنت مستعد لوباء عالمي؟ قد تكون إدارة ترامب غير مستعدة على الإطلاق”؛ إنه بالرغم من محاولة السيطرة على مصدر انتشار الفيروس التاجي “كوفيد-19″، إلا إن هناك قلق من تمكنه من التكيف على البيئات الأخرى مما يؤدي إلى سرعة انتشاره بشكل فعال؛ حيث أن الأوبئة الأخيرة مثل السارس والإيبولا ليست سوى لمحات صغيرة عن مدى سرعة انتشار الفيروس القاتل. كما أن هناك تخوف من احتمال أن يقوم الإرهابيون أو الدول المارقة بإطلاق مثل هذه الفيروسات كأدوات يتم توظيفها لاستهداف الدول والحكومات والشعوب. ويمكن التلاعب بها لتكون أكثر قابلية للانتقال بين البشر أو أكثر مقاومة للقاحات، علاوة على تعديل الفيروسات الحيوانات لإصابة البشر. وتصميم الفيروسات الحميدة لتكون مميتة أو لنقل السرطانات.
إذن ما الذي فعلته الحكومة الأمريكية للتحضير لمثل هذه السيناريوهات؟ منذ 2003-2004، وفقًا للمقالة عندما انتشر إنفلونزا الطيور H5N1 في جميع أنحاء العالم، كانت الاستجابة الأمريكية لهذه التهديدات الصحية تتمثل في إنشاء مجموعة من برامج التأهب التي تهدف إلى منع الأوبئة والأخطار البيولوجية الأخرى والاستجابة لها. على سبيل المثال، مولت الحكومة الأمريكية الأبحاث التي أجرتها المعاهد الوطنية للصحة في مسببات الأمراض المهددة، وهو أمر حاسم لتطوير أدوية ولقاحات جديدة. للمساعدة في هذا الجهد، أنشأت الحكومة هيئة البحث والتطوير الطبي المتقدم للتركيز على إيجاد العلاجات.
قامت الحكومة الفيدرالية بتحصين مخزونها الاستراتيجي الوطني، وهو مخزن للقاحات والترياق والمضادات الحيوية والأدوية الحيوية الأخرى، وطورت إجراءات لتوزيع هذه الإمدادات على المدن في حالة حدوث أزمة. أطلقت مبادرة في إدارة الغذاء والدواء للمساعدة في حل المشاكل التنظيمية التي تعقد تسليم هذه الأدوية واللقاحات للجمهور.
أما الإدارة الحالية للرئيس “دونالد ترامب” لم تأخذ هذه القضية على محمل الجد، ولكن خلال الأشهر المقبلة، هناك أربعة عناصر يجب البحث عنها في تقييم مدى جدية إدارة ترامب في متابعة هذه القضايا التي ستتمثل في أولويات ميزانيتها للسنة المالية الجديدة، واستراتيجية الدفاع البيولوجي الوشيكة، ونهجها في الإشراف على الأبحاث حول مسببات الأمراض الجديدة والخطيرة للغاية ومستوى مشاركتها في عملية اتفاقية الأسلحة البيولوجية.
وفي هذا الإطار ذكرت المقالة المُعنونة بـ” تفشي الأوبئة وتأثيرها على الأمن القومي”؛ أن الأمراض المُعدية الناشئة من المحتمل أن تشكل أحد المخاطر للإدارة الجديدة، لذا ينبغي على الولايات المتحدة أن تنظم حكومتها لتعكس هذا الفهم وتبني قدرتها على التعامل مع حالات التفشي الجديدة – ليس إذا حدثت، ولكن عندما تحدث، باعتبارها قضية أمنية وطنية هناك سبب كاف لمعالجة مرض الجائحة كأولوية للأمن القومي. ولقد شعرت الولايات المتحدة بالفعل بتأثير واسع النطاق من خلال خفض الوظائف، وتعطيل النقل العالمي وسلاسل التوريد، وانخفاض أرباح الشركات، وهبوط قياسي في سوق الأسهم.
يجب أن تكون الاستراتيجية مصممة خصيصًا لطبيعة متعددة الأوجه للأوبئة التي تشكل تهديدًا، وينبغي أن تشمل الدبلوماسية والمساعدات الخارجية إلى جانب الاستعداد للصحة العامة. وفقًا للمقالة استفادت إدارة “أوباما” من دروس قيّمة من أزمة الإيبولا في غرب أفريقيا في عام 2014. أحدها كان أن مجلس الأمن القومي، الذي ظل لعقود كان مركز التنسيق للاستجابة لأزمة الأمن القومي وصنع القرار، ولكنه استجاب للأزمة من خلال إنشاء مديرية للأمن الصحي العالمي وإدارة الدفاع البيولوجي، برئاسة خبير مهني.
لذا تحتاج الحكومة إلى استعادة القيادة الدائمة داخل البيت الأبيض وبناء فريق متخصص من الخبراء الذين يمكنهم التخطيط والاستعداد لأزمات مثل تلك التي تواجه البلاد الآن. على المدى الطويل عندما تستجيب لـ”كوفيد-19″، يجب على حكومة الولايات المتحدة أن تتخذ على الفور إجراء لعلاج بعض المشاكل التي يمكن الوقاية منها. واختتمت المقالة أن أفضل طريقة لحماية الولايات المتحدة هي وقف تفشي الأمراض من مصدرها، وهنا يأتي دور الاستجابة العالمية.
وذكرت المقالة المُعنونة بـ “ما فشلت واشنطن في تعلمه من تقرير الإيبولا الصادر عن مجلس الأمن القومي”، أن تفشي الإيبولا في الفترة 2013-2015 كان يعد اختبارًا حقيقيًا لقدرة واشنطن على اكتشاف واحتواء مرض مُعدٍ يهدد الأمن العالمي. وأشارت المقالة إلى تقرير مجلس الأمن القومي الأمريكي حول نجاحات وإخفاقات الاستجابات الدولية والمحلية، إذ اعتبر أن انتشار الفيروس كان ينذر بفشل نظام الاستجابة الأمريكي والدولي في حالة وجود سيناريو أكثر خطورة، وأنه رغم صعوبة تحديد تكلفة الوباء الحالي لبعض الوقت، فإن ما تم فعله وما ترك دون تفكير في ما يقرب من أربع سنوات بين نهاية أزمة الإيبولا وبداية ظهور كوفيد-19.
أشارت المقالة إلى أن الحكومة الأمريكية اتبعت استراتيجية ثلاثية الأبعاد لاحتواء انتشار أكثر خطورة للإيبولا، إذ ضاعفت الخطة جدول أعمال الأمن الصحي العالمي، وهي مبادرة أطلقتها إدارة أوباما قبل أزمة الإيبولا لتوسيع القدرات في جميع أنحاء العالم للوقاية من الأمراض المعدية واكتشافها والاستجابة لها بسرعة. كان الشق الثاني للاستراتيجية هو مواصلة بناء شبكة المستشفيات ومراكز الاختبار في الولايات المتحدة المخصصة لعلاج فيروس إيبولا وزيادة حجم المخزون الطبي الوطني مع المزيد من معدات ومواد الحماية الشخصية. الشق الثالث هو تعيين منسق الاستجابة للطوارئ الصحية وإنشاء مديرية جديدة للأمن الصحي العالمي والدفاع البيولوجي داخل مجلس الأمن القومي لمراقبة التهديدات البيولوجية وتنسيق الاستجابات المستقبلية.
لكن مع التحولات التي شهدتها الأعوام من 2017 حتى 2019، سقطت كل جوانب تلك الاستراتيجية، فعندما نفدت الأموال المقدمة للاستجابة للإيبولا، واصلت الإدارة الجديدة تمويل جدول أعمال الأمن الصحي العالمي، لكن تم تخفيض الميزانية الإجمالية لمراكز السيطرة على الأمراض، ولم يتم إجراء استثمارات جديدة قوية في قدرة أكبر على الانتشار في الولايات المتحدة أو البلدان الأخرى، ولم يحدث التوسع المتصوَّر لشبكة علاج الإيبولا، ولم يتم تعزيز المخزون الطبي الوطني، وأقر قادة الكونجرس ميزانيات لم تكن لديها أي رؤية أو نطاق لمبلغ استجابة إيبولا.
وقدمت المقالة النصح بأن يتم التركيز لما هو قادم، مع حساب طبيعة الاستجابة الأمريكية الحالية حتى لا يتم تجاهل دروس الإيبولا مرة أخرى، إذ أنه حتى الأنظمة التي تم اختبارها بشكل جيد لا تعمل كما هو مخطط لها.