مكافحة الإرهاب

كيف يمكن فهم تداعيات مقتل “عبد المالك دروكدال”؟

نجحت قوات الجيش الفرنسي في الثالث من يونيو الجاري في قتل”عبد المالك دروكدال”(قائد تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”)، ويعد من أهم وأخطر القيادات الإرهابية في منطقة الساحل الأفريقي، كما قضت على عدد من أقرب معاونيه، خلال عملية عسكرية في شمال مالي. 

ويسعى هذا التقرير للتعرف على ماهية دور “دروكدال”، واستعراض التداعيات المحتملة لمقتله على التنظيمات الإرهابية في أفريقيا .

من هو “عبد المالك دروكدال”؟

“عبد المالك دروكدال ” من مواليد الجزائر عام 1970. درس “التكنولوجيا والهندسة “بجامعة محافظة البليدة وتخرج عام 1993. انضم إلى التنظيمات الإرهابية بعد تخرجه من الجامعة، وأسندت له مهمة صنع المتفجرات بحكم تخصصه العلمي. سافر إلى أفغانستان وقاتل ضد الاتحاد السوفيتي، ثم عاد إلى الجزائر مرة أخرى. انضم إلى “جماعة السلفية للدعوة والقتال” في عام 2001، وأصبح أميرها بحلول عام 2004.

قاد تحولًا إيدلوجيًا داخل الجماعة “السلفية للدعوة والقتال”، إذ وسع دائرة الإرهاب من المحلي إلى الإقليمي. وفي عام 2007، أعلن مبايعته لتنظيم “القاعدة”، ليتغير اسم تنظيمه من “جماعة السلفية للدعوة والقتال” إلى “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”.  وأصبحت أهداف التنظيم الجديد؛ القضاء على النفوذ الغربي في شمال إفريقيا، والإطاحة بالحكومات “المرتدة”. وامتدد نشاط التنظيم من الجزائر إلى كلٍ من تونس، ومالي، والنيجر، وساحل العاج.

ونفذ تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” تحت قيادته عديد من الهجمات القاتلة. وبحسب مجلس الأمن فقد كان “دروكدال” خبيرًا في المتفجرات، وقد صنع منها الكثير التي استخدمت في عمليات أسفرت عن مقتل المئات. وفي عام 2011 أدرجته الولايات المتحدة الأمريكية ضمن “أهم قيادات تنظيم القاعدة المطلوبين” في العالم.

وفي إطار سعي ” دروكدال إلى توسيع نشاط التنظيم في منطقة الساحل وشمال مالي، لجأ إلى التحالف مع تنظيماتٍ مسلحة في مالي. كما سعى إلى توسيع مصادر تمويل التنظيم عبر اللجوء إلى نقل السلاح، والاتجار بالبشر، وتهريب المخدرات، بالإضافة إلى خطف السائحين، والحصول على الفدية. جدير بالذكر أن الأمم المتحدة قدرت في تقريرٍ لها صدر في عام 2014 الميزانية السنوية لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بمبلغ 15 مليون دولار.

ملاحظات مهمة

بناءً على ما تقدم، يمكن استخلاص جملةٍ من الملاحظات المهمة يمكن إجمالها فيما يلي: 

الأولى: تتعلق باحتمالية تفكك التحالفات المرتبطة بتنظيم “القاعدة في المغرب الإسلامي”، إذ أن “دروكدال”، هو من كان مسئولا عن هندسة أكبر تحالف يدين بالولاء لتنظيم “القاعدة”.  وتمثل في “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين ” التي تأسست عام ٢٠١٧، وتضم 4 جماعات إرهابية، وهي: “كتيبة المرابطون”، و”إمارة منطقة الصحراء الكبرى”، و”جماعة أنصار الدين” (أغلب عناصرها من الطوارق شمالي مالي)، و”كتائب تحرير ماسينا” (أغلب عناصرها من قبيلة الفلاني وسط مالي). وتتمركز بشكل أساسي في مالي، لكنها تشكل تهديدًا لدول الجوار (تشاد، والنيجر، وبوركينافاسو). وتجدر الإشارة إلى أن بفضل جهود ” دروكدال ” تجاوزت التنظيمات سالفة الذكر خلافاتها ونجحت في الانصهار في تنظيم موحد، من ثم يمثل غياب العقل المدبر لهذا التحالف بداية لتفككه. 

الثانية: تنصرف إلى خسارة تنظيم “القاعدة” عددٍ كبيرٍ من كبار قياداته ذات الخلفية الشرعية، والخبرة الميدانية في الآونة الأخير؛ بدايًة من استهداف “حمزة بن لادن” في سبتمبر 2019، مرورًا باستهداف “عاصم عمر” (زعيم تنظيم “القاعدة في شبه الجزيرة الهندية”) في سبتمبر 2019، وصولًا إلى استهداف ” قاسم الريمي”(قائد تنظيم “القاعدة في اليمن”) في يناير 2020 هذا من جهة.

ومن جهة أخرى. يعد “دروكدال” ثالث قيادي رفيع يخسره التنظيم في إفريقيا خلال عام تقريبًا إذ أن في فبراير الماضي، أعلن “دروكدال” مقتل اثنين من كبار أعضاء مجلس شورى التنظيم هما: “أبو عياض التونسي “و”يحيى أبو الهمام”. وبالتالي يمكن القول إن استهداف هؤلاء يأتي ضمن “استراتيجية” للتخلص من قيادات الرعيل الأول لأتاحه مجال أمام قيادات أخري لا تمانع التفاوض مع الحكومات.

الثالثة: ترتبط بالملاحظة الثانية، وتُشير إلى احتمالية فتح مجال للتفاوض بين حكومة مالي والمجموعات المرتبطة بالقاعدة، إذ أن “دروكدال” كان يعارض بشدة دعوة حكومة مالي للتفاوض مع المجموعات التابعة للقاعدة، حيث خرج الأول في ١٦ مارس الماضي في كلمة صوتية بعنوان “فرنسا وبيت العنكبوت” وتحدث فيها عن رفضه لتفاوض حكومات المنطقة مع القاعدة من أجل الخروج باتفاق يشبه اتفاق طالبان مع واشنطن. وعليه، من المحتمل أن يمثل غياب “دروكدال” من المشهد فرصة للتفاوض وإحلال السلام والمصالحة بين مالي والمجموعات المرتبطة بالقاعدة.

الرابعة: تُشير إلى ماهية القائد الجديد لتنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، إذ أن التنظيم تتم قيادته عن طريق ما يعرف ب “مجلس أعيان” ويضم 14 من القادة البارزين للتنظيم. وجرت تقاليد التنظيم أن يقرر هؤلاء اختيار القائد الجديد للتنظيم. وفي هذا السياق برز مرشحان هما؛ “إياد غالي”(زعيم جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين”)، كذا “أبو عبيدة يوسف العنابي”(رئيس مجلس أعيان تنظيم” القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”). غير أن هناك من يجادل بأن حظوظ الأول أكثر من الثاني.

 الخامسة: تتعلق بتعزيز نشاط “داعش الصحراء الكبرى” في منطقة الساحل، فقد كانت السمة الرئيسية للعلاقة بين تنظيمي “داعش” و”القاعدة” في منطقة الساحل أثناء حقبة “البغدادي” (القائد السابق لتنظيم “داعش”) هي “التعايش المشترك”؛ ففي حين يُركز تنظيم “داعش الصحراء الكبرى” على شرق مالي، وشرق بوركينافاسو، وغرب النيجر، تُركز جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” التابعة “للقاعدة” في المقابل على غربِ مالي، وشمال بوركينافاسو. الأمر الذي عزّز من نشاطهما، وسهّل تقاسم النفوذ الجغرافي، ومنحهما مساحاتٍ للتمدد دون خسائر. 

لكن مع وصول “أبو إبراهيم الهاشمي القرشي” (القائد الجديد لداعش) تغيرت استراتيجية “التعايش المشترك”، ودخلت مؤخرًا في تنافس مع جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين”. وبالتالي قد يفتح استهداف “عبد المالك دروكدال” المجال أمام “أبو وليد الصحراوي” (قائد تنظيم داعش الصحراء الكبرى) لتعزيز نفوذ تنظيمه مستغلًا التحولات التي قد تشهدها المجموعات المرتبطة بتنظيم “القاعدة “. 

السادسة: ترتبط بالملاحظة الخامسة، وتنصرف إلى ما تشهده الساحة الإرهابية في إفريقيا من جملة من المتغيرات المتعلقة بتكثيف النشاط الإرهابي من قبل كل من تنظيمي “القاعدة” و”داعش”، وذلك لدعم محاولات الأول لتعزيز نفوذه خاصةً في إقليمي الساحل والصحراء وغرب إفريقيا والقرن الإفريقي، مقابل محاولات الأخير لإثبات حضوره كمنافسٍ قويٍ للقاعدة في الساحات الاستراتيجية المهمة.

 كما تشهد المجموعات المرتبطة بكليهما حالة من الانشقاقات والتصدعات الداخلية واستهداف للقيادات، ناهيك عن انتقال عددٍ من المقاتلين الأجانب من منطقة الشرق الأوسط إلى إفريقيا في ضوء الهزائم التي تعرض لها تنظيم “داعش”، كل تلك المستجدات تلقى بظلالها على تغييرات قد تشهدها خارطة التنظيمات الإرهابية في إفريقيا في المرحلة القادمة، ما يوحى بحالةٍ من التشرذم والتشظي بين التنظيمات في مناطق، في مقابل حالةٍ من التكيف والتماهي بينهم في مناطق أخري.

مجمل القول، يمثل مقتل “عبد المالك دروكدال” نجاحا سياسيا يحسب للقوات الفرنسية. كما قد يؤدي مقتله إلى بعض التغيرات المرتبطة بالهيكل التنظيمي لتنظيم ” القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”. غير أن الطرح المرتبط بتراجع الظاهرة الإرهابية بناء على “استراتيجية قطع الرؤوس”، أثبت عدم صحته في أمثاله كثيرة سابقة؛ فشبكة “القاعدة” لاتزال قائمة بعدما يقرب من عقدين من بدء ما يسمى ب “الحرب العالمية على الإرهاب”. كذا استطاع تنظيم “داعش” التموضع مرة أخرى بعد استهداف أبرز قيادته. وعليه، فإن السبيل لتحجيم الظاهرة الإرهابية هو معالجة المحفزات والدوافع الأساسية لانضمام الأفراد للتنظيمات الإرهابية حتى تفقد الأخيرة قدرتها على التجنيد.

+ posts

باحثة ببرنامج قضايا الأمن والدفاع

تقى النجار

باحثة ببرنامج قضايا الأمن والدفاع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى