تركيا

“عبد الله بوزكورت” يكتب: خطة أردوغان السرية لدعم انتخاب مرسي وصفقته مع خيرت الشاطر

في الثامن عشر من يونيو 2019، حضر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مراسم الجنازة الرمزية التي أقيمت في تركيا، للرئيس المصري المخلوع محمد مرسي، الذي أصيب بأزمة قلبية خلال إحدى جلسات محاكمته.

كشفت وثائق تحصل عليها المرصد المصري، تفاصيل الخطة السرية التي حاول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تنفيذها عام 2013، للمساهمة في إيصال جماعة الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم في مصر، وتنصيب محمد مرسي في منصب رئاسة الجمهورية، وذلك ضمن صفقة ابرمها أردوغان مع رجل جماعة الإخوان القوي آنذاك خيرت الشاطر.

وردت تفاصيل هذه الخطة، خلال مكالمة هاتفية، تم التنصت عليها بشكل سري، تمت في الثاني والعشرين من أبريل عام 2013، الساعة الثانية ظهراً، بين الرئيس التركي، وبين مصطفي لطيف طوباش، رئيس مجلس إدارة شركة (بيم) التركية، وأحد أبرز رجال الأعمال الموالين لنظام إردوغان، والذي يرتبط بعلاقات وثيقة معه منذ سنوات طويلة.

مجمل المكالمة التي نحن بصددها، والتي تثبت ضلوع أردوغان شخصياً، في التدخل التركي في الحياة السياسية في مصر، وتحديداً في الفترة التي بدء فيها التأييد الشعبي لحكم محمد مرسي بالانحسار بشكل متسارع، تظهر من خلالها، تفاصيل المساعدة التركية لمرسي وجماعة الإخوان، قبيل انتخابات الرئاسة المصرية عام 2012، والتي استهدفت تحصين صورتهم وتدعيمها في الأوساط الشعبية المصرية، كما ظهر من خلال هذه المكالمة أيضاً، إشادة أردوغان بإقرار الدستور المصري، الذي أيده مرسي وجماعة الإخوان، لكنه جوبه بمعارضة شديدة من بعض الأحزاب آنذاك.

النص الكامل للمحادثة الهاتفية

الرقم التعريفي: 9053855652 – الهدف: 905322129405

التاريخ والساعة: 22/4/2013- الساعة 13:53- المدة: 182

رقم الهاتف المتصل: 905322129405 – رقم هاتف المستقبل: 905322135958

ملحوظة: تبين نتيجة للتنصت والاستماع، إنه لم يكن هناك أي تحويل للمحادثة التي كانت بين الساعة 22: 00- 1:5، وإنه لم يكن هناك قصور في المحادثة بعد الساعة 1:5

م. لطيف طوباش: لقد حدث شيئا اليوم

رجب طيب أردوغان: أحقا ذلك

م. لطيف طوباش: قبل قليل أحضر ماء زمزم لكم، وسوف أرسله إلى المنزل إن شاء الله

رجب طيب أردوغان: رضي الله عنك

م. لطيف طوباش: وهو يبلغك السلام

رجب طيب أردوغان: ومنا أيضا تحياتنا

م. لطيف طوباش: يا أخي هل جاء شيء من مصر

رجب طيب أردوغان: هِم!

م. لطيف طوباش: يا إلهي إنه يقول إنهم يفعلون أشياء كثيرة، ويقولون سوف نفعل كذا وكذا في 100 يوم، ولما لم ينفذ شيء من ذلك، انقسم الشعب إلى قسمين، ويقول أيضا إن مرسي ليس هو من يدير الدولة بشكلٍ جيد.

رجب طيب أردوغان: لا، لا، لقد حصل على معلومات خاطئة.

م. لطيف طوباش: أي إنه يقول إن هناك شيئا يدور في الخلف

رجب طيب أردوغان: على كل حال، في الواقع فإن لديّ بعض الضيق منه في الآن.

م. لطيف طوباش: أحقا ذلك

رجب طيب أردوغان: بالطبع، إنه الآن لا يستطيع الإدارة بشكلٍ جيد، أي إنه لم يأخذ ذلك الأمر على محمل الجد

م. لطيف طوباش: أجل

رجب طيب أردوغان: ولكنني قلت له أيضا، قلت له من فضلك يجب ألا يكون بينكما زعل واستياء أو شيئا من ذلك القبيل هكذا

م. لطيف طوباش: أجل

رجب طيب أردوغان: بالطبع هناك قذارة في القاهرة، لقد قلتُ له لنفعل شيئا على الأقل، وقلتُ له اسمع القاهرة قذرة، أين القاهرة القديمة، مدينة المقابر!

م. لطيف طوباش: طبعا

رجب طيب أردوغان: فضيحة، وبعد ذلك فإن هناك مصانع للجلود وتفوح منها رائحة عجيبة، إنها قذارة أو شيئا من هذا القبيل.

م. لطيف طوباش: أجل

رجب طيب أردوغان: هؤلاء الأسبان لا يقومون بتنظيف ذلك المكان.

م. لطيف طوباش: أجل

رجب طيب أردوغان: لقد قلتُ لأرسل شركة واحدة على الأقل حتى الانتخابات، لقد قلتُ سوف نرسل لكم من 100 – 150 سيارة كمنحة

م. لطيف طوباش: أجل

رجب طيب أردوغان: قلت إن السيارات نحن سوف نمنحها أو شيئا من هذا القبيل

م. لطيف طوباش: فهمتُ

رجب طيب أردوغان: أي إنني لا أفهمهم أيضا، إنهم لم يرسلوا حتى ولو وزير، وعندما هاتفته مرة أخرى من أجل تهنئته مرة أخرى قمت بتذكيره.

م. لطيف طوباش: إنه يقول إن الوحيد الذي قام بالتهنئة منذ أول يوم كان رجب طيب أردوغان.

رجب طيب أردوغان: نعم، نعم

م. لطيف طوباش: وأيضا يقول إنه الأول والوحيد، ويقول إنهم يصدرون قرارا، ويقول إنهم يفعلون عكس ذلك بعد يوم واحد.

رجب طيب أردوغان: هذا شيء سيء، سيء للغاية.

م. لطيف طوباش: هؤلاء الناس يقولون إنهم واعون لكل شيء، ويكذبون، ويقول إنهم يفعلون الخطأ، ويقومون بتصويبه في اليوم التالي.

رجب طيب أردوغان: ولكن لقد فعل شيئا هكذا من أجل الله.

م. لطيف طوباش: نعم، نعم فاز

رجب طيب أردوغان: لقد عدل الدستور، إن شاء الله يكون خيرا

م. لطيف طوباش: ليرضى الله عنك يا أخي الكبير

رجب طيب أردوغان: حسنا وليرضى الله عنك أنت أيضا.

م. لطيف طوباش: أدام الله عزك، السلام عليكم

رجب طيب أردوغان: وعليكم السلام

م. لطيف طوباش: وسلامي أيضا إلى أهل منزلكم

رجب طيب أردوغان: سلمك الله يا أخي، إلى اللقاء

تبدأ المكالمة، التي أجراها مصطفى طوباش مع إردوغان، رئيس وزراء تركيا آنذاك، بالحديث عن آخر التطورات في مصر آنذاك، حيث قال طوباش أنه التقى برجل الأعمال السعودي ياسين القاضي، (الذي أدرجته سابقاً الأمم المتحدة والولايات المتحدة كأحد ممولي تنظيم القاعدة، وله ارتباطات اقتصادية وصفقات سرية مع كل من طوباش، وبلال أردوغان نجل الرئيس التركي، وأخرين، في خرق فاضح للقوانين التجارية التركية، وهي انتهاكات حقق فيها المدعى العام في إسطنبول)، وتناقش معه حول الأحداث الأخيرة في مصر، وأضاف طوباش قائلاً لأردوغان “سيعود ياسين القاضي اليوم إلى تركيا، وقد أحضر لك معه ماء زمزم، سأرسله إلى منزلك، وهو يرسل لك تحياته وسلامه”. حينها رد أردوغان على تحية القاضي له، ثم تحول الحديث بينه وبين طوباش ليصبح حول تزايد حدة الاستياء الشعبي، من النهج الاستبدادي الذي أتسم به حكم مرسي وجماعة الإخوان في هذه الفترة، وهو ما ادى إلى بروز حملة (تمرد) المعارضة في أبريل 2013، والتي تألفت من نشطاء يطالبون بإستقالة مرسي، وتنظيم انتخابات رئاسية مبكرة، وإقرار دستور جديد.

في هذا الصدد، قال طوباش لأردوغان نقلاً عن القاضي “من يدير الحكم فعلياً في مصر هو خيرت الشاطر وليس مرسي”، وفي هذا إشارة إلى خيرت الشاطر، رجل الإخوان القوي، الذي تم استبعاده من الترشح عن حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان، في سباق انتخابات رئاسة الجمهورية المصرية عام 2012. أردوغان رد على هذا بالقول “أخبرت قيادات الإخوان أن يتجبنوا حدوث أي انشقاقات أو توترات فيما بينهم”، وهو بذلك كان يشير إلى القلق الذي كان يساوره في هذا التوقيت، من بعض المشاكل الداخلية التي بدأت في الظهور، داخل أوساط جماعة الإخوان، واحتمالية حدوث نزاع داخلي داخلها، بين مرسي والشاطر، على خلفية ملف انتخابات الرئاسة، خاصة أن كلاهما أحتفظ بعلاقات وثيقة وودية مع إردوغان، الذي يعتبر المعادل الموضوعي لجماعة الإخوان في تركيا.

.

بعد ذلك ذكر إردوغان لطوباش، بعض النصائح التي وجهها سابقاً لمرسي وقادة جماعة الإخوان، بهدف تحسين صورتهم أمام الشعب، وقال “قلت لمرسي، أنظر، القاهرة تضج بالقمامة، وهي تنتشر في كل مكان، خاصة المناطق العشوائية، والقاهرة القديمة، التي تنتشر بها مصانع الجلود ومتاجر بيع المنتجات الجلدية، التي تنشر من خلالها روائح سيئة للغاية، لذلك دعنا نقم بشئ حيال هذا الأمر”، ثم قال لمرسي أنه سيرسل إليه ممثلين عن إحدى الشركات التركية، سيعملون في القاهرة لمعالجة هذا الموضوع، حتى نهاية فترة الانتخابات، وسيمنحه ما بين مائة إلى مائة وخمسين شاحنة ثقيلة لجمع وضغط القمامة، في محاولة منه لتحسين صورة مرسي وجماعة الإخوان، تحسباً لاحتمالية انعقاد انتخابات رئاسية مبكرة في تلك الفترة، وهذه المحاولة تمثل في حد ذاتها، انتهاكا للقوانين المصرية التي تمنع التدخلات الأجنبية في الشئون السياسية والسيادية.

https://www.nordicmonitor.com/wp-content/uploads/2020/06/Erdogan_party_mobilizes_support_for_morsi-300x201.jpg

قام حزب أردوغان الحاكم في تركيا، في الثامن عشر من يونيو 2019، بتسيير تظاهرات وإقامة جنازة رمزية لمحمد مرسي.

وفي نهاية هذه المكالمة، أعرب أردوغان عن أسفه لأن حكومة مرسي لم ترسل آنذاك، وزيراً للتباحث مع أنقرة، حول اقتراح إردوغان السالف ذكره، وقال أنه في يوم سابق قام بتذكير مرسي بهذا الأمر، خلال محادثة هاتفية تمت بينهما في اليوم السابق للمحادثة التي نحن بصددها، مشيراً إلى أنه قال له أن الشركة الإسبانية (أف سي سي)، التي كانت تتولى حينها ملف معالجة القمامة في القاهرة، “لن تستطيع تنظيف العاصمة”، وذكر إردوغان أيضاً لطوباش، أنه أعرب لمرسي خلال هذه المكالمة عن سعادته بموافقة أغلبية المقترعين المصريين، على الدستور الجديد، وهو ما اعتبره أردوغان حينها نصراً لمرسي.

برغم الدعم التركي المتعدد الأوجه لنظام محمد مرسي في مصر، إلا أن هذا لم يمنع قيام احتجاجات شعبية عارمة ضد هذا النظام، في يوليو 2013، مما أدى بعد ذلك إلى الإطاحة بمرسي، بعد أن انحازت المؤسسة العسكرية المصرية لهذه الاحتجاجات، وهو مثل ضربة في الصميم للعلاقات بين أنقرة ومصر، الدولة العربية الكبرى. عقب هذا، تموضع الرئيس التركي مع جماعة الإخوان المسلمين، وجماعات الإسلام السياسي، ورفض الاعتراف بشرعية الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي وحكومته، وقدم بدلاً من ذلك، الملاذ الآمن لقيادات جماعة الإخوان، وتحولت تركيا بذلك إلى مركز إقليمي لتواجد ونشاط هذه الجماعة على المستوى الدولي.

لم يكتفي إردوغان بهذه المواقف، بل اعتاد منذ ذلك الوقت، التضامن مع جماعة الإخوان، برفع شعار (رابعة) في كل مناسبة عامة، وهو شعار يستخدمه الإخوان المسلمين، للإشارة إلى أحداث اعتصام ميدان رابعة العدوية في القاهرة، وإردوغان هنا يستخدم هذا الشعار، للدلالة أيضاً على مبادئ (تركيا الجديدة)، وهي أمة واحدة، علم واحد، دولة واحدة، وطن واحد.

تدهورت بالتبعية العلاقات بين القاهرة وأنقرة، ففي أغسطس 2013، تبادل كلا البلدين استدعاء السفراء، وعلى الرغم من عودة السفير التركي إلى القاهرة بعد أسابيع، الا أن القاهرة رفضت إعادة سفيرها إلى أنقرة، وفي نوفمبر 2013، أعلنت القاهرة السفير التركي في مصر حسين عوني بوتسالي، شخصاً غير مرغوب فيه، وطلبت مغادرته الفورية للبلاد، بسبب تدخل أنقرة المستمر في الشأن المصري، وكذلك خفضت القاهرة مستوى علاقاتها الدبلوماسية مع أنقرة، إلى مستوى القائم بالأعمال، وردت تركيا بعدها على هذه الخطوات، بإعلان أن السفير المصري في أنقرة عبد الرحمن صلاح، بات شخصاً غير مرغوب فيه.

بالعودة إلى تحقيقات المدعي العام في إسطنبول، كان كل من ياسين القاضي، ومصطفى طوباش، وبلال أردوغان نجل الرئيس التركي، وكذلك صهر إردوغان “بيرات البيرق”، محل تحقيق أجراه الادعاء العام في إسطنبول، يتعلق بالجريمة المنظمة، وكانت النيابة العامة على وشك توقيفهم، بموجب أوامر أصدرتها في الخامس والعشرين من ديسمبر 2013، لولا تدخل إردوغان، الذي أصدر أوعز لقيادة الشرطة التركية، بعدم تنفيذ قرارات الاعتقال الصادرة من المدعي العام بحق هؤلاء، وتمكن بعد ذلك من تبييض جرائم أصدقائه وأفراد عائلته، بقيامه بتنحية كافة المشاركين في تحقيقات النيابة حول هذا الموضوع، ومنهم المدعين العامين وبعض ضباط الشرطة.

C:\Users\DELL\Desktop\770937.jpg

مصطفى لطيف طوباش، رئيس مجلس إدارة شركة (BIM)

عبد الله بوزكورت

مدير مركز نورديك مونيتور السويدي لدراسات الإرهاب والاستخبارات

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى