عين على الأحداثتركيا

باحثان يونانيان “انتكاسة” أردوغان في سوريا وليبيا وراء التهديد بسلاح الهجرة غير الشرعية أمام الأوروبيين

باحثان يونانيان يسردان ما أسمياه بالانتهاك التركي الصارخ للقانون الدولي، وللحدود الوطنية وسيادة دولة اليونان، البلد ذات الموقع الاستراتيجي على الأطراف الجنوبية للناتو والاتحاد الأوروبي، محاولة استخدام أسلوب الدعاية الهجينة والسوداء ضد اليونان باعتبارها بوابة الدخول للاتحاد الأوروبي، من خلال خلق قصص إعلامية وهمية كان مؤلفها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، محاولًا خلق دعاية مضادة ضد أوروبا بأنها تقف ضد السوريين الفارين من الصراع والتي تبين فيما بعد أنهم عناصر أفغانية وباكستانية وصومالية من المقيمين في تركيا وبينهم عناصر من الشرطة التركية لتوضح المؤامرة التركية في تشويه الدول والضغط على الاتحاد الأوروبي للوقوف بالصف التركي وتقديم الدعم له، مع خلق موطئ قدم لها في مياه البحر المتوسط.

فأوضح الباحثان أنه منذ 29 فبراير وطوال شهر مارس بأكمله حتى اندلاع أزمة فيروس كورونا والتي قررت فيه تركيا وقف عملية نقل المهاجرين خوفًا من انتشار الفيروس على الحدود، واجهت اليونان حدثًا غير مسبوق لتجمع عشرات الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين الذين أقاموا لسنوات في تركيا على طول الحدود البرية التي تفصل بين البلدين في تراقيا على طول نهر إيفروس، محاولين دخول الأراضي اليونانية وسط هجوم على الشرطة وحرس الحدود والقوات المسلحة.

فقد كشف الباحثان أنه لأول مرة وخلال هذه الفترة كانت هناك أكثر من 52000 محاولة لدخول الأراضي اليونانية بشكل غير قانوني، تم القبض على 410 مهاجر غير شرعي انتهكوا الحدود وحكم على 50 منهم بالسجن 4 سنوات وغرامة 10000 يورو لكل منهم لعبور الحدود بشكل غير قانوني، وعلى خلاف ما روجت له الدولة التركية جاء المهاجرون من غير “السوريين” بل من دول أفغانستان وباكستان والصومال ودول جنوب الصحراء الكبرى، واتضح من معرفتهم باللغة التركية أنهم يعيشون في تركيا لسنوات!

تورط عناصر تركية استخباراتية في أعمال الشغب على الحدود اليونانية

أوضح تقرير معلوماتي لدائرة المخابرات الألمانية BND أن الحكومة التركية حرضت عن عمد على أعمال الشغب ضد الشرطة اليونانية في المنطقة الحدودية من خلال زرع عناصر من المخابرات التركية وأجهزتها الأمنية ضمن الحشود، واستخدم رجال الشرطة التركية الغاز المسيل للدموع ضد قوات الأمن اليونانية، كما حاول الجيش التركي إسقاط جزء من السياج الحدودي اليوناني، في حين تم نشر جنود أتراك على الحدود لمنع المهاجرين من العودة إلى المناطق الداخلية من تركيا.

كما نظمت تحركات المهاجرين غير الشرعيين في مجموعات وطريقة عمل يختص بها العمل الشرطي والقوات المسلحة فقط، وتم نقل المهاجرين غير الشرعيين إلى الحدود من قبل السلطات التركية نفسها بواسطة حافلات. كما قامت وسائل الإعلام الحكومية التركية بالترويج للتوجه إلى اليونان وتحديد الموقع الدقيق للطرق البرية والبحرية نحو أراضي الاتحاد الأوروبي من خلال البث المباشر لمحاولة التدفق من أجل إقناع المزيد للتدفق نحو الاتحاد الأوروبي.

كما استخدمت تركيا وما زالت تستخدم العمليات النفسية والدعاية السوداء على نطاق واسع في سياق حرب هجينة حقيقية ضد اليونان والاتحاد الأوروبي بشكل عام، وبث اتهامات لا أساس لها وجهها المسؤولون الأتراك وحتى من الرئيس أردوغان نفسه من خلال الادعاء بأن الجيش اليوناني ورجال الشرطة تسببوا في وفاة خمسة مهاجرين سوريين، وهو ادعاء لا أساس له من الصحة ولم يتم التحقق منه من قبل أي وسيلة إعلام دولية، وغيرها من القصص المختلقة كجزء من حرب تركيا المعلوماتية الهجينة.

تصعيد يوناني وسط إصرار تركي على تهديد الحدود الأوروبية

مع الإصرار التركي على عودة المهاجرين غير الشرعيين إلى اليونان عقب انتهاء جائحة كورونا، والتي أكدتها تصريحات وزير الداخلية التركي سليمان صويلو في مقابلة تلفزيونية في أواخر مارس “أنه بمجرد انتهاء أزمة فيروس كورونا، ستسمح تركيا مرة أخرى بحركة المهاجرين نحو الحدود اليونانية”، عرضت اليونان خلال مؤتمر الناتو عبر الإنترنت في 2 أبريل القضية على حلف الناتو واتهمت تركيا بتوجيه هجوم مدبر وغير مسبوق على حدودها، إلى جانب شن حملة تضليل وانتهاك القيم المتفق عليها داخل الحلف. 

واستندت اليونان على انتهاك تركيا بحكم الأمر الواقع لاتفاقية الاتحاد الأوروبي وتركيا التي أبرمت في مارس 2016 بهدف صريح لتجنب التدفق الهائل للهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، من خلال السماح بحركة جماعية للمهاجرين غير الشرعيين عبر أراضيها نحو حدود اليونان. واعتبرته إعادة دراماتيكية لحدث الهجرة الجماعية عام 2015، والتي ساهمت في دخول أكثر من مليون مهاجر إلى الاتحاد الأوروبي عبر البحر المتوسط ​​، خاصة عبر إيطاليا واليونان. 

في السنوات التي تلت الصفقة انتهكت تركيا الاتفاقية باستمرار، ففي عام 2016 سمحت برحيل المهاجرين المتجهين إلى اليونان إما عن طريق البر نحو حدود نهر إفروس أو عبر البحر نحو العديد من الجزر اليونانية في بحر إيجه. ومنذ 29 فبراير، عندما أعلنت تركيا أنها لن تعوق حركة المهاجرين نحو الاتحاد الأوروبي، تحول هذا الموقف المتناقض تجاه اتفاقية 2016 إلى انتهاك صريح وعدوان دولة على اليونان والاتحاد الأوروبي.

صفقة مربحة للتطلعات التركية

وصف الكاتبان اتفاقية “تركيا والاتحاد الأوروبي” المبرمة 2016 بأنها كانت لا تتماشى مع المخاوف الأمنية الأساسية للحكومة اليونانية، بل كانت مناسبة للتطلعات الجيوسياسية التركية، حيث سمحت بإجراءات من جانب واحد – تركيا- فيما يتعلق بالسيطرة على تدفقات الهجرة من قبل الدولة المضيفة، وفي هذه الحالة تمكنت تركيا من الاستفادة بشكل فعال من تدفقات الهجرة. 

وبموجب هذه الاتفاقية حصلت تركيا على مبالغ طائلة من الاتحاد الاوروبي ما يقرب من 6 مليارات يورو مقابل التعهد بوقف التدفق الجماعي لأوروبا، تم استخدام 3 مليارات فقط منها للسكن والخدمات المقدمة للمهاجرين المقيمين في تركيا، ووفقًا لأحكام إعادة القبول، سيُعاد إلى تركيا مواطنون من دول ثالثة عبروا الحدود بشكل غير قانوني من تركيا إلى الجزر اليونانية ولم يكونوا مؤهلين للحصول على الحماية الدولية.

وتشكل الإجراءات التي تتخذها تركيا نمطًا لاستخدام الهجرة كسلاح ضد الاتحاد الأوروبي، كجزء من استراتيجية منسقة تأخذ في الاعتبار البعد الاستراتيجي لكل من تدفقات الهجرة والبيانات الديموجرافية بشكل عام.

الهجرة الشرعية لإخفاء الانتكاسات التركية الاقتصادية والعسكرية

أرجع الباحثان استخدام تركيا لسلاح الهجرة غير الشرعية إلى سببين اقتصادي وعسكري، حيث بلغت الأزمة المالية والاقتصادية التركية ذروتها في عام 2018 بانخفاض قيمة الليرة التركية بشكل ملحوظ وارتفاع معدلات التضخم، وما ترتب عليه من ارتفاع تكاليف الاقتراض وارتفاع التخلف عن سداد القروض.

وعلى المستوى العسكري، وصف الباحثان التدخل التركي في سوريا وليبيا بـ”الانتكاسة”، فرغم ما تكبدته تركيا من خسائر مالية وبشرية، فإنها لم تحقق نجاحًا كبيرًا على المدى المتوسط ​​والطويل، فقد تعطلت الطموحات التركية في سوريا لتقويض نظام الأسد بسبب تقدم قوات النظام في شمال غرب سوريا ودعم روسيا المستمر لقوات الأسد، وفي ليبيا أدت محاولات تركيا لمساعدة حكومة السراج المتعثرة إلى تجمع دبلوماسي دولي منسق في المنطقة بين دول “اليونان وقبرص ومصر” ضد الطموحات التركية، والدول الأخرى المعنية مثل فرنسا.

تركيا تشهر ملف الهجرة غير الشرعية كسلاح في وجه الاتحاد الأوروبي

أوضح الباحثان أن هذه العوامل لها تأثير سلبي على سمعة أردوغان في الداخل التركي، مما تسبب في تزايد الضغط الداخلي، فتحول أردوغان مرة أخرى إلى “سلاح الهجرة” من أجل ابتزاز الاتحاد الأوروبي بوجه عام واليونان على وجه الخصوص، وذلك بهدف: 

  • الحصول على تمويل سخي إضافي.
  • تحقيق دعم الاتحاد الأوروبي / الناتو لحملته المستمرة في سوريا.
  • ردع مهمة الاتحاد الأوروبي “إيرين” في شرق البحر المتوسط ​​من فرض حظر الأسلحة على ليبيا ضد السفن التركية وتسليم الأسلحة التركية.

وفيما يخص أسباب الابتزاز اليوناني، فإن تركيا تهدف إلى: 

  • ترى تركيا أنها خصم رئيسي في شرق البحر المتوسط ​​بسبب التنافس التاريخي بين الدولتين.
  • زعزعة استقرار اليونان وخلق مزيد من حالة عدم الاستقرار في المناطق الحدودية، مثل منطقة إفروس أو الجزر اليونانية لبحر إيجه الشرقي، وذلك نظرًا للمعارضة التركية لحق اليونان في الدفاع عن نفسها بوضع جيشها على تلك الحدود، ومعارضة حق اليونان في تمديد مياهها الإقليمية إلى 12 ميلًا، وفقًا لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار.
  • التحقق من الاستعداد والقدرات التشغيلية للإدارة والجيش اليوناني في حالة حدوث أزمة كبيرة والتي تعمل أيضًا كمحاكاة للحرب.

تصريحات أوروبية وجهل لنوايا أردوغان

يرى الباحثان أنه بالرغم من السياسة التركية الصارخة في وجه الاتحاد الأوروبي، إلا أن المسؤولين الأوروبيين مازالوا يجهلون النوايا الأردوغانية والتي ظهرت في التصريحات الرسمية وعرض المزيد من الأموال لتركيا وأخذ المزيد من المهاجرين. 

على المستوى النظري، يجب تجنب الخلط المتكرر بين مفاهيم اللاجئين والمهاجرين على الحدود اليونانية والاتحاد الأوروبي، حيث لا يمكن تعريف المهاجرين المقيمين لسنوات في تركيا بأنهم لاجئون؛ لأنهم يتخلون عن بلد آمن – كتركيا – ويحاولون دخول أراضي الاتحاد الأوروبي ليس من خلال نقاط الدخول الرسمية، ولكن من خلال انتهاك الحدود اليونانية بمساعدة السلطات التركية “دبلوماسية المهاجرين”.

ناقشت أورسولا فون ديرلاين رئيسة المفوضية الأوروبية وهورست زيهوفر وزير الداخلية الألمانية، تبني “تحالف الراغبين” لقبول عدد معين من اللاجئين والنساء والأطفال أو القصر غير المصحوبين، وهو الذي يفتح الباب أمام “لم الأسرة” الذي تسمح به تشريعات الاتحاد الأوروبي بقبول الآباء أو الأجداد للاجئين القصر غير المصحوبين لغرض لم شمل الأسرة، وهو الأمر الذي سيحفز العديد من المضي قدمًا نحو مزيد من تدفق المهاجرين.  وأوضح الباحثان أن مبدأ حسن النية قد يدفع لاتخاذ قرارات مدفوعة بالعواطف لاينطبق والسياسات التركية. 

توصيات لمواجهة الأغراض التركية الخفية وتقليل مخاطر الهجرة غير الشرعية

قدم الباحثان توصيات للاتحاد الاوروبي، من خلال الاستجابة المنسقة من الاتحاد الأوروبي لأزمة الهجرة الجديدة، وإرسال رسالة رئيسية لتركيا مفادها أنه لا توجد طريقة للدخول القسري أو غير القانوني إلى أراضي الاتحاد الأوروبي، واستهداف كافة أنواع المهاجرين والمتاجرين بالبشر.

فيتضح من سياسة الرئيس أردوغان تجاه أوروبا على مدى السنوات الماضية أنه يفسر كل امتياز أوروبي على أنه ضعف، وبالتالي سيستمر في العمل وفقًا لذلك في المستقبل، وأنه من الحلول الوهمية التصديق بأن المشكلة الأساسية للهجرة من تركيا يمكن حلها عن طريق قبول بضعة آلاف من المهاجرين الآخرين في أوروبا ودفع مليار أخرى إلى تركيا، بل سيسهم في تدفق المزيد والمزيد من المهاجرين، وسيطلب أردوغان المزيد والمزيد من التنازلات في المستقبل القريب، في نمط دائم التكرار.

وعليه يجب على الاتحاد الأوروبي تقديم دعم قوي لليونان لحماية حدود الاتحاد الأوروبي ليس على المستوى السياسي والدبلوماسي فقط، بل يجب أن يشمل المساعدة المالية التي سيتم استثمارها في الهياكل الحدودية والأمنية وكذلك الدعم اللوجستي.

أعلنت اليونان بالفعل أنها ستمد السياج على طول حدود إفروس مع تركيا إلى 40 كيلومترًا وتزيد من استعدادها التشغيلي على البر والبحر.

كما أن إنشاء مناطق آمنة للاجئين في البلدان المجاورة لسوريا عنصر مهم للسماح للسوريين بالبقاء في منطقتهم والعودة إلى ديارهم لإعادة بناء بلدهم في أقرب وقت ممكن، من خلال التمويل التشاركي للاتحاد الأوروبي لتلك المناطق وأن تكون مدن جديدة منظمة وليس مخيمات. 

اتخاذ إجراءات منظمة للجوء إلى أوروبا، فمن المتوقع أن تقلل إجراءات الهجرة المنظمة من احتمال تسلل الإرهابيين إلى أوروبا.

وضع إطار سياسي وقانوني لـ”خطة سد الفجوة” وضمان نقل المهاجرين العالقين عند حدود أوروبا أو تم إنقاذهم من البحر إلى مركز للمهاجرين في جزيرة غير مأهولة أو إلى سفن أكبركحل مؤقت لبضعة أيام يليها تحديد بلدان الأصل وضرورة إعادة أولئك الذين ليس لديهم احتمال للجوء على الفور، ويخضع الآخرون لإجراء لجوء منظم ولكن بشكل سريع، وذلك للحد من فترة الانتظار في مراكز الهجرة.

وتبني استراتيجية متوسطة المدى على ثلاث مراحل، المرحلة الاولى هي احتواء “المضاعفات” لزعزعة الاستقرار من خلال التركيز على الحد من النمو السكاني، وحماية البيئة وتقليل الفساد وكذلك تحسين الحكم الرشيد، وتهدف المرحلة الثانية إلى تحقيق تأثير إيجابي واسع النطاق من خلال تنفيذ التدابير الأكثر إلحاحًا لتحقيق الاستقرار والتعامل مع المشاكل الرئيسية في القطاع الاجتماعي والاقتصادي والأمني ​​وقطاع حقوق الإنسان.

وأخيرًا، تضييق الفجوة مع الدول المتقدمة من خلال الدمج وتحقيق تحسن كبير في القطاعات المذكورة.

كاتب

رحمة حسن

باحثة بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى