
سامح عمرو: هناك التزام قانوني يقع على عاتق إثيوبيا بعدم بدء ملء السد إلا بعد التوصل إلى اتفاق
أكد الدكتور محمد سامح عمرو أستاذ ورئيس قسم القانون الدولي بكلية الحقوق جامعة القاهرة أن هناك التزامًا قانونيًا يقع على عاتق الجانب الإثيوبي في عدم التحرك ببدء ملء سد النهضة إلا بعد التوصل إلى اتفاق حول تشغيل السد مع جميع الأطراف.
وقال عمرو، على هامش مشاركته في جلسة نقاشية حول الأبعاد القانونية لقضية سد النهضة بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، إن التوصل أولا إلى اتفاق يتعلق بملء سد النهضة وتشغيله مطلب مشروع؛ لأن مصر عندما قبلت التوقيع على إعلان المبادئ عام 2015 جاء ذلك انطلاقًا من مبدأ حسن النية أو حسن الجوار وحقوق الشعب الإثيوبي الشقيق في التنمية، كلها كانت اعتبارات تتسم وتتفق مع قواعد القانون الدولي والسياسة الدولية المعاصرة والاعتبارات التنموية.
وأضاف أن مصر تعمل في ظل خطة دبلوماسية وسياسية واضحة، وانطلاقًا من ذلك فإن تحرك مصر على مستوى مجلس الأمن لعرض المسألة بشكل يتسم بإيضاح كافة الجوانب القانونية والسياسية والفنية للملف الخاص بسد النهضة الإثيوبي كان مبعثه الجهود الدبلوماسية والتفاوضية التي بُذلت سابقًا.
وفيما يتعلق بفحوى الجهود المصرية التي بُذلت في هذا السياق، أوضح عمرو أن مصر استمرت لمدة خمس سنوات، بذلت بها كل سبل التفاوض المباشر بينها وبين السودان وإثيوبيا. أيضا لجأت الدول إلى وساطة أمريكية بدفع من مصر بعد ما وصل التفاوض المباشر إلى طريق شبه مسدود تقريبًا، فكان لابد من تدخل وسيط دولي ليساعد في تحريك المياه الراكدة.
وقال “نحن نعلم أن نهر النيل هو المصدر المائي الرئيس لمصر، وبالتالي تعامل مصر مع هذه القضية هو تعامل يأتي من أهمية هذا المورد، وليس فقط شريان الحياة الرئيسي في مصر، وإنما هو أيضا أداة من أدوات الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في مصر”.
وذكر أنه لا يمكن أن يتحقق هذا الاستقرار في مصر وفى المنطقة دون وضع قواعد واضحة لهذا الملف، وبالتالي لجأت مصر إلى التفاوض بشكل مباشر لسنوات طويلة، كان هناك تفاوض سياسي، وآخر فني، وعندما تم الوصول إلى مرحلة إعلان إثيوبيا بشكل أحادي الجانب أنها ستبدأ في ملء السد خلال شهر يوليو القادم، لم يكن أمام مصر مساحة من الوقت إلا اللجوء إلى الوساطة الدولية والتفاوض بشكل مباشر، مفيدًا أن مصر اتبعت الأسلوب الدبلوماسي والسلمي في تسوية أي مسائل عالقة قد تنشأ بسبب وجود هذا السد.
وتابع بالقول “تقدمت مصر خلال الأسبوعين الماضيين بخطاب ومذكرة توضيحية وشارحة للدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، لم يكن هذا إلا نتاج مسيرة طويلة ممتدة على مدى خمس سنوات لم تسفر بعد إلى التوصل إلى اتفاق”، موضحًا أن مصر عندما وقّعت على إعلان المبادئ كان هذا بمثابة “اتفاق دولي” أُبرم بين الدول الثلاث المعنية بهذا الموضوع مصر والسودان وإثيوبيا، مشددًا على وجود التزام قانوني يقع على عاتق إثيوبيا بعدم التحرك ببدء ملء السد إلا بعد التوصل إلى اتفاق”.
وأكد عمرو أنه إذا ما تم ملء هذا السد بشكل منفرد من الجانب الإثيوبي فإن ذلك يمكن أن يرتب أضرارًا جوهرية لمصر، وهذا أمر طبقًا للأعراف والاتفاقيات الدولية لا يجوز أن تحدثه دولة منبع إزاء دولة مصب، ولذلك جاء تحرك مصر بشكل التفاوض أو التفاوض من خلال الوساطة أو بعرض وجهة النظر المصرية بشكل واضح على أعضاء مجلس الأمن مثل أن تتقدم بشكوى رسمية إلى المجلس، ولكن مصر اتخذت خطوة في سبيل احترامها لقواعد القانون الدولي ووفق احترامها لمبادئ وأهداف الأمم المتحدة، وباعتبار احترامها لاختصاصات مجلس الأمن الدولي، أنها بدأت تعرض فكرتها والإشكالية الراهنة؛ لأن الوقت يمر والظروف الدولية على الساحة لا تساعد أي من الأطراف للتوصل إلى اتفاق، أو حتى الوسيط الأمريكي أن يستأنف عمله، بسبب فيروس كورونا “كوفيد19″. فما كان من مصر إلا أن تعرض هذه المسألة بشكل ورقة مبسطة تشرح كل جوانب القضية، في إطار سعيها الدائم الدبلوماسي والسياسي لطرح هذه المسألة”. ومن هنا عرضت مصر كل الأسانيد التي تؤيد موقفها على الدول الأعضاء في مجلس الأمن.
انتهاك إثيوبيا للقانون الدولي
وردًا على تساؤل البعض لماذا نقول إن هناك مخالفات ارتكبت من جانب إثيوبيا لقواعد القانون الدولي في تعاملها مع موضوع سد النهضة الإثيوبي، أكد الدكتور محمد سامح عمرو أستاذ ورئيس قسم القانون الدولي بكلية الحقوق جامعة القاهرة أن إثيوبيا دولة في المجتمع الدولي، تخضع لأحكام القانون الدولي بشكل عام، مشددًا على ضرورة أن تمتثل إثيوبيا لقواعد ميثاق الأمم المتحدة. وبالتالي فإن أول مخالفة من مخالفات القانون الدولي؛ هي بدء إثيوبيا في بناء السد من حوالي 9 سنوات بالإرادة المنفردة دون أدنى تنسيق مع الدول المشاركة في النهر معها وهي السودان ومصر، فهي بذلك لم تلتزم بقواعد الإخطار المسبق، وهي قاعدة مستقرة في القانون الدولي، وكان يجب عليها أن تخطر الدول المشاركة في النهر، وأن تتبادل مع هذه الدول البيانات والمعلومات.
وأشار إلى ضرورة أن تعد إثيوبيا دراسات التقييم البيئي وتأثير السد على جودة المياه، وكمية المياه التي تصل إلى مصر والسودان، كل ذلك يؤدي إلى أن تضع سيناريو ما بعد ملء السد وتأثير ذلك على الاستخدام العابر والمشترك للدول المشاركة في ذات النهر، كل هذه قواعد في القانون الدولي تفرض على كل الدول المشاركة في ذات النهر الدولي، أن تكون على اتفاق بشأنها، ولذلك كل هذه مخالفات سبقت إعلان المبادئ 2015.
وأوضح إنه عندما وصلت مصر مع إثيوبيا والسودان لاتفاق، لتشكيل لجنة فنية دولية محايدة للنظر في آثار وتداعيات هذا السد، انتهت اللجنة الفنية بشكل علمي إلى تقرير يؤكد أن هناك نواقص كثيرة في عوامل آمان البناء والإنشاءات الخاصة بالسد، لذلك لابد من استكمالها واستمرار الدراسات، ولكن إثيوبيا لم تنفذ هذا التقرير وتوصياته، وهذه مخالفة أخرى للقانون الدولي، كما أنها لم تستجب للوسائل السلمية لتهدئة وتسوية الأوضاع مع مصر فيما يخص القواعد التي ينص عليها ميثاق الأمم المتحدة، وهذه أيضًا مخالفة؛ لأنها لم تحترم التفاوض أو التوصل إلى نتائج بالتفاوض ولم تحترم الوساطة.
وأضاف قائلًا “استطعنا الوصول بعد مرحلة طويلة من المفاوضات والمناقشات برعاية أمريكية وباشتراك البنك الدولي وتحت مظلته إلى اتفاق عادل ومناسب ليحكم العلاقات، ثم جاءت إثيوبيا في الجولة الأخيرة، ولم تحضر هذا الاجتماع، وهذه مخالفة أيضًا من مخالفات القانون الدولي ومخالفة لمبدأ التفاوض بحسن النية، ولذلك عندما جاءت مصر في عام 2015 ووقعت مع إثيوبيا إعلان المبادئ كان كل ذلك في ذهنها، وحاولت أن توائم وتضع التوازنات المناسبة لهذا الاتفاق”، مؤكدًا أن مصر كانت حريصة على أن يتضمن هذا الاتفاق نص واضح بأنه “لا يجوز لإثيوبيا أن تبدأ في عملية الملء إلا بعد التوصل إلى اتفاق”، ومع ذلك أعلنت إثيوبيا البدء في ملء السد هذا العام رغم عدم التوصل إلى اتفاق، وهذه مخالفة من مخالفات القانون الدولي وعدم احترام للاتفاق الدولي الذي أُبرم بين مصر والسودان.
ورأى عمرو أستاذ ورئيس قسم القانون الدولي بكلية الحقوق جامعة القاهرة، أن مصر بتوجهها لمجلس الأمن تؤكد أنها مازالت تسير في ذات المسار السياسي والدبلوماسي لمحاولة إيجاد حل لهذه الأزمة بالطريق السلمي، لأن إثيوبيا مصممة من خلال كافة تصريحاتها على أنها ستقوم بملء السد أو البدء في ملء السد هذا العام، مشيرًا إلى أن إثيوبيا إذا بدأت التصرف بشكل منفرد في اتجاه ملء السد، فهذا يعد بما يحويه من مخالفات كثيرة مهددا لاستقرار وأمن مصر والسودان، فضلا عن الاستقرار والأمن في شرق أفريقيا، مشددًا على حق مصر في أن تتقدم بشكل رسمي منفردة، أو مع آخرين من الدول المتضررة إلى مجلس الأمن باعتباره أحد الآليات المتاحة أمام متخذ القرار في مصر، لاحتواء هذه الأزمة من خلال قواعد الشرعية الدولية وقواعد ميثاق الأمم المتحدة، وإعمالًا لدور مجلس الأمن الذي نص عليه هذا الميثاق.



