
كيف تستفيد مصر من مواردها المائية؟
يُعد ملف مياه النيل بصفة عامة وملف سد النهضة على وجه الخصوص في صدارة أجندة الدولة المصرية وكافة مؤسساتها وفى مقدمة اهتمامات السياسة الخارجية المصرية، والحفاظ على حقوق مصر المائية أمر تاريخي ظلت مصر على مر العصور تحرص عليه وتعمل على حمايته وتأمينه. وتعمل الدولة بكافة مؤسساتها للحفاظ عليه. ومن ثم جاء انخراط مصر في المفاوضات منذ إعلان إثيوبيا الأحادي البدء في تدشين السد في مطلع أبريل 2011 في أعقاب ثورة 25 يناير. وأكد الرئيس “عبد الفتاح السيسي” في الكلمة التي ألقاها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في الدورة رقم 74 أن “النيل بالنسبة لمصر مسألة حياة أو موت”، مشددًا على أن مصر لن تقبل بسياسة فرض الأمر الواقع.
وتأتي مصر على رأس الدول ليس فقط في القارة الأفريقية وإنما أيضا على مستوى العالم من حيث الاهتمام بالمياه والعمل المستمر على حُسن إدارتها، ويترجم ذلك في عدة اتفاقيات أهمها: اتفاقية 1959 والتي تحصل مصر بمقتضاها على 55.5 مليار متر مكعب، والسودان على 18.5 مليار متر مكعب باعتبار أن الإيراد الكلي للنهر 84 مليارًا يضيع منها نحو 10 مليارات أثناء الاندفاع من الجنوب إلى الشمال بسبب البخر والتسرب.
ولا يمثل الإيراد الكلي للنهر سوى 5% فقط من مياه السيول التي تهطل على الهضبتين؛ الاستوائية والإثيوبية، أي أن الفاقد يصل إلى 95% من المياه غير المستغلةـ مما يحتم على الدول أن تنتبه إليها وتدرس مشروعات الحفاظ عليها واستثمارها لترقية مجتمعاتها وللأجيال القادمة.
ترتبط مصر ارتباطًا وثيقًا مع دول حوض النيل، ونهر النيل الذي يجمع دول الحوض مصدر أساسي لتحقيق التنمية في مصر، بل هو مصدر وحيد للحياة في ربوعها. لذلك سعت مصر لحماية مصالحها مع دول حوض النيل من خلال مسارات متنوعة على رأسها العلاقات الثنائية. وتهدف مصر من خلال برامج التعاون الثنائية مع دول حوض النيل إلى خلق شبكة من العلاقات القوية، بالإضافة إلى حرصها على تنمية هذه الدول من خلال مشروعاتها التي تقوم بتنفيذها هناك والتي تعود بالنفع المباشر على مواطني وشعوب هذه الدول.
ومن أهم الثوابت التي تحرص عليها مصر عند تخطيط وتنفيذ مشروعات التعاون الثنائي، أن مصر ليست ضد التنمية، وأنها تسعى دومًا إلى توثيق وتدعيم أواصر التعاون والتكامل. كما تؤكد على سعى وزارة الموارد المائية والري إلى تنفيذ أهداف الوزارة الرامية إلى تقديم الدعم الفني ونقل خبراتها في جميع المجالات (مثل إدارة الموارد المائية والتطهير وتحسين سبل استخدام المياه …) من خلال برامج التدريب المتخصصة وبناء القدرات البشرية والمؤسسية.
وهناك عدة اعتبارات تحكم علاقات مصر مع جيرانها من دول حوض النيل لتحقيق أهدافها الاستراتيجية بشأن سياستها المائية أهمها انتهاء عصر الوفرة المائية ودخولها مرحلة الندرة المائية، حيث تَمر مصر الآن بمرحلة الفقر المائي طبقًا للتعاريف الدولية في حالة حصول الفرد على أقل من 100 متر مكعب في السنة. أصبح نصيب الفرد 700 متر مكعب من المياه. وبالتالي تتناقص نسبة الفرد في ظل الزيادة السكانية مع ثبات النسبة من مياه النيل. إضافة إلى التحديات الطبيعية المتمثلة في ظاهرة التغيير المناخي، حيث يعد الاستخدام الأمثل للموارد المائية المتاحة، وتنمية موارد حوض النيل وزيادة إيراده المخرج الوحيد لتحقيق الأمن المائي لمصر وكذلك لبقية دول حوض النيل في مواجهة زيادة عدد السكان ومتطلبات التنمية ورفع مستوى المعيشة لمواطني دول حوض النيل.
موارد مصر المائية
تنقسم الموارد المائية في مصر إلى الموارد المائية التقليدية المتوفرة في حصة مصر من مياه النيل، والكميات المحدودة من مياه الأمطار والسيول، والمياه الجوفية العميقة في الصحراء الشرقية والغربية، وفي سيناء وهي غير متجددة تقريبًا ويمكن تخطيط استغلالها لفترات زمنية طويلة حسب الظروف التنموية ومدى الحاجة لمياهها. وتمثل التحلية موردًا مائيًا يمكن استغلاله في توفير مياه الشرب للمدن القريبة من شواطئ مصر الممتدة شرقًا وشمالًا. وأيضًا الأحواض الجوفية ذات المياه الضاربة للملوحة. أما الموارد المائية غير التقليدية فتشمل إعادة استخدام نواتج استخدامات الزراعة والصناعة والسكان من مياه صرف زراعي وصحي وصناعي، واستغلال المخزون الجوفي الضحل في الوادي والدلتا والذي تأتي مياهه من تسرب المياه من النيل أو من الترع والمصارف ومياه الزراعة.
قامت مصر بعدة إجراءات ومشروعات للحفاظ على الموارد المائية، من خلال ما تقوم به وزارة الري من جهود لرفع كفاءة كل الموارد المائية الموجودة وحسن استغلالها، ومنذ عام 2015 وبتكليف من الرئيس “السيسي” قامت الوزارة بالعديد من المشروعات لتنفيذ استراتيجية إدارة الموارد المائية حتى عام 2037 وأنهيت هذه الدراسة عام 2017 والتي عَكف عليها العديد من الخبراء من كافة المجالات لإدارة المياه مع الأخذ في الاعتبار الزيادة السكانية والاحتياجات المختلفة للمياه.
وتكلفة هذه الخطة 900 مليار جنيه لتشمل كافة المجالات بدءًا من التحول للري الحديث وإدارة وترشيد الترع والمصارف والقنوات ومُعالجة مياه الصرف الصحي والصرف الزراعي والتوسع في تحلية مياه البحر أو المياه الجوفية. وتم تنفيذ العديد من هذه المشروعات في أقل من ثلاث سنوات بتكلفة 110 مليار جنيه.
ويوضح الشكل التالي: أهداف خطة الموارد المائية 2037
المصدر: وزارة الموارد المائية والري
بلغ إجمالي احتياجات مصر المائية الحالية حوالي 110 مليار متر مكعب سنويًا، وتستورد مصر مياه افتراضية (في شكل منتجات غذائية وزراعية …) تبلغ حوالي 30 مليار متر مكعب سنويًا (وهي كمية المياه التي يحتاجها إنتاج تلك المنتجات في حال زراعتها وإنتاجها في مصر)، في حين يبلغ إجمالي الاحتياجات المائية بعد استبعاد المياه الافتراضية التي يتم استيرادها حوالي 80 مليار متر مكعب سنويًا، وفى المقابل يبلغ إجمالي الموارد المائية (المتنامية) والموارد المائية (المحدودة) 20,75 مليار متر مكعب سنويًا.
ويوضح الجدول التالي: الموارد المائية في مصر وتغير نسبتها خلال السنوات
يبلغ الإجمالي السنوي للموارد المائية التقليدية من المياه العذبة المتوفرة حاليًا حوالي 59,25 مليار متر مكعب وتشمل حصة مصر من مياه النيل (55,5 مليار متر مكعب) والمياه الجوفية العميقة (2,1 مليار متر مكعب) ومياه الأمطار والسيول (1,3 مليار متر مكعب) بالإضافة إلى تحلية المياه المالحة وشبه المالحة (0,35 مليار متر مكعب)، ويمكن توضيح الموارد المائية سواء التقليدية أو غير التقليدية بشكل تفصيلي في ظل استراتيجية مصر لتنمية وإدارة الموارد المائية حتى عام 2050 على النحو التالي:
- مياه نهر النيل: تمثل مياه نهر النيل معظم الموارد المائية السطحية لمصر، وتنبع مياه نهر النيل من الهضبة الإثيوبية، وتمثل حوالي 85% من إيراد نهر النيل عند أسوان، وهضبة البحيرات الاستوائية وجنوب السودان، وتمثل حوالي 15% من إيراد نهر النيل عند أسوان.
- المياه الجوفية العميقة: تمثل المياه الجوفية بمصر مخزونًا استراتيجيًا للموارد المائية وخاصةً في ظل ندرة الموارد المائية الحالية، وتهدف استراتيجية تنمية وإدارة الموارد المائية حتى عام 2050 في إدارة هذا المورد إلى ضمان حق الأجيال القادمة في المياه والاستخدام الأمثل للمياه الجوفية وعمل تقييم حذر لإمكانات الخزانات الجوفية لضمان استدامة هذا المصدر المائي للتنمية المستهدفة، بما يحقق تعظيم العائد من وحدة المياه المخصصة لوحدة الأراضي والاستخدامات الأخرى.
- حصاد مياه الأمطار والسيول: تزيد معدلات الأمطار على الساحل الشمالي الغربي بمتوسط يبلغ حوالي 200 مم في العام وتقل كلما اتجهنا شرقًا سريعا كلما اتجهنا جنوبا وتزيد كذلك على سلاسل جبال البحر الأحمر في سيناء، أما السيول فتعتبر من الأمور الشائعة الحدوث في المناطق وشبه القاحلة والتي تحدث بسبب هطول الأمطار الغزيرة في وقت قصير. وتعتبر مياه الأمطار والسيول على سواحل البحر الأحمر وسيناء وسواحل البحر الأبيض من أهم مصادر المياه العذبة للبدو والقبائل في تلك المناطق وتستخدم في الشرب والزراعة.
- تحلية مياه البحر: من أهم مصادر الموارد المائية مستقبلًا للوفاء باحتياجات التنمية المستدامة بالمناطق الساحلية وتقع مصر في موقع جغرافي مناسب ويحدها البحر الأحمر بطول حدودها شرقًا والبحر الأبيض بطول حدودها شمالًا ويبقي عنصر التكلفة مُحددًا رئيسيًا للتوسع في مشروعات التحلية. هذا ومن المتوقع أن يزيد الاعتماد في المستقبل القريب على مياه التحلية للتزود بمياه الشرب بالمناطق الساحلية والمناطق النائية التي تتوفر بها مياه جوفية مالحة.
- إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي: يتم إعادة استخدام مياه المصارف ذات النوعية المناسبة مع مياه نهر النيل في تغطية الاحتياجات المائية بالوادي والدلتا، ويقدر إجمالي حجم المياه المعاد استخدامها من مياه الصرف الزراعي حاليًا بحوالي21 مليار متر مكعب سنويًا، وتتضمن هذه الكمية ما يعاد استخدامه في الوجه البحري والقبلي وكميات مياه الصرف الزراعي المعاد استخدامها بالفيوم، ويتم استخدام هذه المياه كمصدر مكمل للمياه السطحية في بعض المناطق في فترة أقصى الاحتياجات للزراعة، وبذلك يعمل هذا الخزان كخزان موسمي وهى تمثل إعادة استخدام للمياه بشكل آمن خاصةً في جنوب الدلتا بينما تعمل المياه الجوفية في شمال الدلتا كحائط صد لمع تداخل مياه البحر.
- إعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة: يُعد التوسع في معالجة مياه الصرف الصحي ضرورة لتحسين نوعية المياه في المجاري المائية خاصةً التي يتم إعادة استخدامها، وتستخدم بعض مياه الصرف الصحي بشكل مباشر في الزراعة ويتم في الوقت الحالي استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة في الزراعة في مناطق مختلفة من الوادي بأسيوط والتبين وحلوان، وذلك بناء على الكود المصري لإعادة الاستخدام والذي يحدد نوعية الزراعات التي تزرع على المياه المعالجة طبقًا لدرجة المعالجة وبناء على قياسات لنوعية المياه المعالجة.