السد الإثيوبي

دراسة للخبير السوداني “الوليد مادبو” حول مخاطر سد النهضة الإثيوبي

عرض محمد منصور

دراسة مهمة ومعمقة، أعدها ونشرها الشهر الماضي، الدكتور والخبير السوداني “الوليد أدم مادبو”، خبير الحكمانية ومستشار التنمية العالمية، والرئيس المؤسس لمنصة السياسات التنموية، قدم من خلالها رؤية شاملة وموضوعية لمواضع الخلل والخلاف، كيفية التعامل والحل إزاء ملف سد النهضة، الذي تصاعدت الخلافات حوله بين إثيوبيا ومصر والسودان خلال الأشهر القليلة الماضية.

الدكتور الوليد مادبو، الحاصل على دكتوراه في العلوم السياسية من جامعة فلوريدا، وماجستير في علم المنشآت الهندسية من معهد إلينوي للتكنولوجيا بشيكاغو، تطرق في دراسته هذه، لتاريخ المنطقة التي يتم تشييد سد النهضة فيها، وحقيقة تبعيتها الأصلية للسودان، وتناول عديد من الآراء الفنية والهندسية حول سلبيات وإيجابيات السد، ومخاطره المحتملة على السودان، بجانب تقييم كامل للتموضع السوداني الحالي في هذا الملف، والأخطاء التي تم ارتكابها حيال نظرة الخرطوم لهذا الملف بشكل عام، وواقع ومستقبل العلاقة بين الخرطوم من ناحية، والقاهرة وأديس أبابا من ناحية أخرى، وفي النهاية قدم مجموعة من التوصيات العاجلة، التي يقترح أن تبدأ الحكومة السودانية على الفور في تطبيقها، من أجل محاصرة الآثار السلبية لإنشاء السد.

معضلة ديار بني شنقول

  • جغرافية وتاريخ بني شنقول: يتناول الدكتور مادبو في مستهل دراسته، مسألة إقليم (بني شنقول)، المعروف في إثيوبيا بإقليم (قماز)، والذي يحتضن موقع إنشاء سد النهضة الإثيوبي، حيث يسرد تاريخ تبعية هذا الإقليم في الأصل للسودان، وحقيقة أن سبب تمسك إثيوبيا به، يعزى إلى محدودية الموارد المتوفرة لدى أديس أبابا، والكثافة السكانية الكبيرة في إثيوبيا، التي يبلغ تعداد سكانها 120 مليون نسمة. من ملامح محدودية الموارد الإثيوبية، الطبيعة الجبلية التي تسود أراضيها، مما يجعلها تتشبث بصورة مستمرة عبر التاريخ، بالسهل المنبسط الأخضر في إقليم بني شنقول.
  • يتكون هذا الإقليم، من شريط حدودي، عرضه ما بين 250 و300 كيلو متر داخل الحدود الإثيوبية، وقد كان تاريخيًا تابع لولاية النيل الأزرق السودانية، لكن تم ضمه إلى الإمبراطورية الحبشية قبل أستقلال السودان، وشهد على مدار الحقب الماضية، محاولات للتمرد من جانب القبائل السودانية التي تقطن فيه، والتي يبلغ تعدادها أربعة ملايين نسمة، أكثر من نصفهم مسلمون، وتبلغ مساحة الإقليم الكلية حوالى 50 ألف كيلومتر مربع.
  • تاريخيًا، لم تدخر الحكومات الإثيوبية جُهدًا في محاولة طمس هوية هذا الأقليم، أو إذابة القومية السودانية بداخله، في كِيانات قبلية، مثل قبائل قالة، وأورومو، ومكادة، وأمهرة، وتقري، لكن هذا لم يطمس حقيقة أن قبائل الفونج التي حكمت في الفترة ما بين عامي 1504 و1821، جزءًا كبيرًا من أراضي السودان عبر مملكتهم (سنار)، قد تصدت لمحاولات الغزو التي قام بها ملوك الحبشة، مثل الملك صوصنيوص، الذي أرسل حملتين لغزوها عامي 1706 م و1707، والملك إياسو الأول، الذي أرسل حملة كبيرة لغزوها عام 1844. وقد فشلت هذه المحاولات وما بعدها، إلى أن انهارت الدولة الوطنية السودانية،
  • النهج السوداني حيال هذا الأقليم: يرى الدكتور مادبو، أن إهمال الحكومات السودانية والساسة لهذا الملف، وعدم إدراجها لكافة القضايا الحدودية، ضمن بنود التفاوض مع المستعمر البريطاني، أدى إلى حيازة إثيوبيا لهذا الأقليم. إثيوبيا من جانبها، كانت تستخدم دومًا أساليب يغلب عليها الطابع (الودي)، في استمالة المكونات القبلية السودانية في هذه المنطقة، من إجل إدامة سيطرتها على المنطقة، وهذا كان ضمن إستراتيجية إثيوبية عامة، تحاول استغلال حالة الاضمحلال التي دخلها السودان خلال العقود الماضية، ما بين دولة النميري الدينية، التي شابتها توجهات عقائدية أدت إلى فقدان السودان هويته الأفريقية، وهو ما أسفر عن فقدان الخرطوم لموقعها الريادي في القارة، ووثوب أديس أبابا لتبوء هذا الدور، وتمكنها من نقل مقر الاتحاد الأفريقي من الخرطوم إليها.
  • النظرة السودانية القاصرة حيال سد النهضة: في هذا الصدد، يشير الدكتور مادبو، إلى مجموعة من الأخطاء التي شابت المقاربة السودانية الخاصة بسد النهضة، وعلى رأسها تناول هذا الملف من زاوية فنية صرفة، وكأن الملف يتعلق بأرض مسطحة، تخلو من التفاصيل الثقافية والوجدانية، والروابط الاجتماعية والإنسانية. فهذه المنطقة تحمل في طياتها إرث شعب عظيم وهو قبيلة (الفونج)، وببناء أديس أبابا لهذا السد في منطقة بومبدي الواقعة وسط إقليم بني شنقول، فإن الحكومة الأثيوبية بذلك لا تكرس فقط توسعها على الأراضي السودانية فحسب، بل يتحدون بذلك الخرطوم، ويهددون جديًا حضارة وادي النيل، مستغلين في ذلك غفلة السودانيين وعجزهم في هذه المرحلة والمراحل السابقة.
  • ويضيف الدكتور مادبو، أن تحجج البعض بتحريض إسرائيل لإثيوبيا في ملف سد النهضة، يُهمل حقيقة أساسية، وهي أن الأثيوبين لم ينسوا هزيمة قبيلة الفونج لهم، وتدميرها عاصمتها التاريخية (أكسوم)، وذلك حدث قبل قيام دولة إسرائيل بقرون، ولهذا فإنهم يتعاملون مع هذا الإقليم وسكانه بمنطق استعماري، يخلط ما بين الترغيب والترهيب، وقد شهد هذا الأقليم على مدار سنوات عديدة، بعض الأجراءات العنيفة مثل التهجير القسرى وغيره، من أجل كبح جماح أية محاولة للتمرد.
  • حلول مطروحة أمام رئيس الوزراء السوداني: يتعين على الدول السودانية، حسب رأي الدكتور مادبو، دعم جبهة تحرير بني شنقول بشكل شامل وحيوي، بما في ذلك تقديم الدعم اللوجستي والإعلامي والمالي، بجانب الدعم العسكري والتسليحي. من الحلول المطروحة أيضًا، تخصيص إذاعة تخاطب الشعب السوداني بشكل عام، وقبائل بني شنقول بشكل خاص، من أجل إطلاع الرأي العام على الموقف الحالي والمستجد، وحثه على خوض معركة في الوقت المناسب، ضد السلطات الإثيوبية المحتلة.

تحقيق كل ما سبق، لن يتأتى ألا بترتيب البيت الداخلي السوداني، والاستفادة من الجهود الدولية الداعمة، وهذا لن يتحقق إلا في ظل وجود طاقم إداري حكومي من أصحاب الكفاءات، يبدأ في تنفيذ إجراءات أساسية لتحقيق التوافق الوطني، ومنها:

أ- الخروج عن الوصاية الإقليمية، والنظر بعين فاحصة لمصلحة السودان العليا، التي ستتحدد من خلال التشاور الداخلي من خلال عقد مؤتمر دستوري.

ب-  إجراء حوار وطني حقيقي، مع ممثلي الجماعات المتضررة في كافة أراضي البلاد.

ج- تشكيل برلمان، تُشْرف على تشكيله لجنةٌ قوميةٌ ذات تأهيل أخلاقي وفكري، وحضور ثقافي ومجتمعي، ويكون بمثابة الحاضنة الأساسية للقوى الوطنية التي تستهدف المساهمة في تكوين مجتمع مدني وديمقراطي.

  • النوايا الإثيوبية السيئة في ملف الحدود: إنَّ تهرب الإثيوبين من عقد اجتماع إقليمي لترسيم الحدود مع السودان حتى الآن، يفضح نواياهم في التمدد قدر إمكانهم داخل الحدود السودانية، مستغلين في ذلك عدة عوامل:

أ- تردد حكومة الإنقاذ، التي كان أفرادها يعيشون في أوهام الخلافة الإسلامية، مما جعلهم يتوجهون أكثر نحو العالم العربي، ويهملون تأمين عمق السودان الثقافي وموروثها الحضاري في قارة أفريقيا.

ب- وجود بعض المتعاونين معهم، داخل متن السلطة الإنتقالية الحالية في الخرطوم، ولهذا تسعى أديس أبابا حاليًا لإبرام أكبر قدر من العقود والأتفاقيات مع هذه السلطة، لأنه لن ينتبه لها أحد مهما كانت مُجحفة في حق الشعب السوداني.

ج- استخدام الإثيوبيين لبعض أساليب الخداع والتقية، من أجل الولوج إلى قلوب السودانيين، مما جعل غالبيتهم العظمى، لا تحتفظ بأية مخاوف من النوايا والخطط الإثيوبية. ولعل الوساطة التي قام بها رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، فيما يتعلق بالأزمة الداخلية السودانية، هي من أبرز دلائل هذا النهج الإثيوبي.

العلاقة السودانية مع مصر وإثيوبيا حيال سد النهضة

  • معضلات سودانية في التعامل مع البلدين: تناول الدكتور مادبو، العلاقة بين الخرطوم والقاهرة وأديس أبابا، ويرى أنه لا مناص للسودان من التعامل مع مصر وإثيوبيا على حدِ سواء، انطلاقا من استراتيجية اقتصادية تنموية، تتكامل فيها الفائدة المشتركة لدول المنبع والمصب. لكن المعضلة الأساسية بالنسبة للخرطوم، تتمثل في الموقف التفاوضي الضعيف لها في الوقت الحالي، لدرجة تجعلها في هذه الظروف الحرجة، عاجزة عن التموضع الصحيح الذي يؤهلها اتخاذ موقف مبدئي من هذا الملف. لهذا يحتاج السودان كي يتخذ موقفًا واضحًا، هدنة للتعافي وإلتقاط الأنفاس، وحتى يحدث ذلك، يجب ألا تسعى الدولتان أو إحداهما على استغلال ضعفه.
  • اللوبيات الإثيوبية والمصرية في الخرطوم: فيما يتعلق بالتأثير الإثيوبي والمصري على الداخل السوداني، يرى الدكتور مادبو، أن الوضع الداخلي السوداني تتناوشه عدة لوبيات، أهمها اللوبي الإثيوبي الذي يستخدم نفوذه على الجهاز المدني، واللوبي المصري الذي يستخدم نفوذه على المؤسسة العسكرية السودانية. وينتقد الدكتور مادبو في هذا الصدد نهج البلدين، حيث يرى أنه كان حريًا بالقاهرة أن تنشئ أذاعة تخاطب المناطق السودانية المحتلة من جانب إثيوبيا، أو ترسل بمبعوثين ومتخصصين من جانبها لمساعدة السودان في هذا الملف.
  • عقم حكومي متأصل: سهام النقد التي وجهها الدكتور مادبو في دراسته، شملت أيضًا الساسة السودانيين، الذين تعجب من تحولهم إلى وسطاء في ملف النهضة، بدلًا من أن يكونوا شركاء وأطراف فاعلة في هذا الملف كما يُفترض، فالسودان متضرر وصاحب حق وليس طرفًا وسيطًا. وأشار الدكتور في هذا الصدد، الى انه لا يتوقع أن يكون موقف الحكومة الحالية في هذا الملف، مختلفا عن موقف الحكومات السابقة، التي كثيرًا ما كانت تحدد مواقفها من القضايا الكبرى، انطلاقا من مصلحتها الآنية لا من منطلق المصلحة الوطنية.

هذا العقم الحكومي في السودان، نتج حسب رأي الدكتور مادبو، من تهميش الحكومات السودانية المتعاقبة في حقبة حكم الإنقاذ، للكوادر الوطنية المتخصصة، وتغليبها في اختيارها للموظفين القياديين، المصالح التنظيمية والحزبية على الكفاءة والجدارة. يضاف إلى ذلك انتهاج منظومة الحكم الحالية في السودان، لمنهجية مشوشة في تعاملها مع القضايا الأساسية، ابتداءً برهن إرادة السودان لجهات ودول عدة، مرورًا بفض الاعتصام، ثم تخلى رئيس الوزراء عن صفته الرسمية، ومبادرته بزيارة معقل متمردي الحركة الشعبية لتحرير السودان في كاودا بصفته الشخصية، وصولًا إلى منحه الأثيوبيين إذنًا ببناء ميناء في بورسودان، وغيرها من القرارات والمواقف، التي يرى الدكتور أنها لا تخدم المصلحة السودانية الوطنية 

الخلافات الفنية حول سد النهضة

لم يقبل الإثيوبيون بإعداد دراسة فنية عن السد، إلا عندما أوصى التقرير الذي أعدته جامعة MIT في عام 2014 بإعداد دراسة فنية حول السد، أوكلت بعد تلكؤٍ من الإثيوبيين إلى شركة (EDF) الفرنسية، الأقل كفاءة من مثيلاتها في هولندا، ورغم ذلك، رفض الإثيوبيون التقرير الاستهلالي لهذه اللجنة، والذي تضمن ملاحظات على التصميم الأولي للسد، وتوصية بعمل دراسة فنية شاملة ومتكاملة متكاملة، لاسيما وأنّ الإثيوبيين قرروا تجاوز سعة السد التي حددها الأمريكيون في ستينيات القرن الماضي، ب 11 مليار متر مكعب. 

  • مخاطر كبيرة يتضمنها مشروع السد: رغم كل المخاطر المحتملة، أقدم الإثيوبيون على بناء السد، دون أن يعقدوا اتفاقية مع أي من شركات التأمين، التي رفضت تحمل هذه المسؤولية؛ نظرًا للمخاطر الجمة التي يتضمنها هذا المشروع، بالإضافة إلى رفض البنك الدولي تمويل هذا المشروع، بسبب زيادة سعة السد. في هذا الإطار، صرح الخبير الدولي دياب حسين، ممثل السودان وعضو لجنة الخبراء الدوليين، الذين اختارتهم جامعة (MIT) لتقييم مشروع سد النهضة، بأنَّ اللجنة أكدت وجود كهوف، ولم تستبعد احتمال وجود فوالق في السد، كما أشار إلى أنَّ السد السروجي أساساته هشة. (السد السروجي هو السد الذي يشيّدُ على بُعد 5 كيلو مترات لحجز المياه على امتداد بحيرة السد، حتى لا تتدفق خارج البحيرة قبل أن تصل إلى السد الرئيسي)، وقد أبدت اللجنة ملاحظات عديدة عليها وعلى أساسات السد الرئيسي، دون ورود ردود مقنعة من جانب الشركة المنفذة للمشروع.
  • مخاطر سد النهضة على السدود السودانية: يقول خبير رفيع في إدارة هندسة الأنهار والسدود بمحطة البحوث الهيدرولوجية، إنّ سد النهضة صُمّم لتمرير فيضان قدره 2.6 مليار متر مكعب في اليوم، فيما لا تزيد قدرة خزان الروصيرص السوداني للتمرير عن 800 مليون متر مكعب في اليوم. ممّا يعني إنه في حالة بناء سد النهضة وتشغيله بصورة كاملة، وبدء تصريف المياه المفيضة له، سيؤدي هذا بالضرورة لإنهيار سد الروصيرص، يتبعه سد سنار وربما سد مروي، لأنّ خزان الروصيرص ببساطة لم يُصَمَّم على تمرير هذه الكمية الهائلة من المياه، كما لا تزيد قدرته على التخزين الاجباري عن 1.8 مليار متر مكعب في اليوم. لتفادي بعض الآثار المدمرة لسد النهضة على سدود السودان، يقترح بعض الخبراء تشييد سد جديد جنوب سد الروصيرص، بدون بحيرة، تحسبًا لحدوث موجات فيضان عالية.
  • إشارات البروفسير محمد الرشيد قريش لمشاكل سد النهضة الفنية: من المهم الإشارة هنا، إلى أنَّ الإثيوبيين شرعوا في بناء السد عام 2011، وهم بعدُ، لم ينتبهوا للإشكالات الفنية التي اعترت التصميم والتنفيذ، الذي تشرف عليه شركة ساليني إمبر جيلو الإيطالية، والتي أخفقت في العديد من مشروعاتها في إيطاليا. لم يتنبه الأثيوبيين إلى هذه الإشكالات الفنية، الا بعد اطلاعهم على أبحاث البروفسير محمد الرشيد قريش، الذي نوه إلى أن الطاقة المستخلصة من السد، لن تزيد عن 1639 ميغاوات، أي 33% من الطاقة الكامنة 6000 ميجاوات، التي تضمنتها الدراسات التي تم إجراؤها سابقًا. 

يضاف إلى ذلك مشاكل أخرى شابت التصميم الهندسي للسد. مّما دفع رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، لاعتقال بعض المهندسين والمسؤولين الإثيوبيين، يشاع أن أحدهم قُتِلَ قبل شروع الجهات الرسمية في التحقيق معه، وهو مهندس صرح أو كاد يوثق شهادةً في المحكمة، مفادها أن جميع مواد البناء التي استخدمت في الفترة ما بين 2011 و2018 كانت غير صالحة، ولم تخضع لمقاييس الجود المحلية. جدير بالذكر أنَّ أبي أحمد قام بإلغاء العقد

مع شركة مِيتيك، المقاول الرئيسي التابع للجيش والمشارك في المشروع، وأودع مدرائها التنفيذيين السجن عام 2017، بعد أن اتهمهم بالفساد، وعدم الكفاءة ولم يخرجهم إلا في فبراير الماضي.

أشار أيضًا البروفيسور قريش، إلى التأثيرات السلبية لسد النهضة على الربط الكهربائي المستقبلي بين إثيوبيا والسودان، لأنه أجهض أهم مزاياه، وهو إمكانية تخطيط شركة الكهرباء السودانية، لكل مشاريعها على أساس أرشدِ المواقع طبوغرافيا، وجيولوجيا

ومائيا، بغض النظر عن الدولة التي تشترك معها في الربط. أيضًا تحدث البروفسير عن عدم استيفاء موقع السد لأغلب الاِعتبارات الهندسية والجيولوجية التالية:

أ- زلزالية الموقع

ب- جيولوجيا الموقع

ج- طبوغرافية الموقع

د- هيدرولوجيا الموقع

ه- حجم التصريف المائي

و- عدم توفر المواد الخام والعمالة

الدراسات الفنية الخاصة بمشروع السد لم تستكمل كافة مراحلها، والتي تُعَد حسب رأي المهندسين في حدود عَشْر مراحل، تم إكمال مرحلتين منها فقط، الأولى تتعلق بالتصميمات الأولية والثانية تتعلق بالتصورات الأولية. على هذه الخلفية شرعت اللجنة الفنية المعينة من قبل الرئيس السابق عمر البشير، في المحادثات المتعلقة بالشأن الفني والإجرائي الخاصة بالسد، على قاعدة التوازنات السياسية وليس الاعتبارات المهنية. وقد برر البشير قبوله المبدئي ببناء السد، بعد أن ظل متمنّعا لفترة، بإن هذا القبول جاء امتثالًا لآراء الخبراء، مع أن حقيقة الأمر إنَّ اختصاصيي السدود من مهندسين وعلماء وخبراء، يكادون يؤكدون أنّ سدًا بهذا الحجم (90 مليار متر مكعب)، معلن منها 74 مليار متر مكعب والتي تساوي 18 ضعف سعة خزان الرصيرص، لا يُمكن بخصائصه الحالية أن يصمد لأكثر من خمس سنوات، نسبة لأنه بُني في أرض بركانية هشة، ويُقدِّرُ الخبراء الفيضان الذي قد ينتج عن إنهيار هذا السد ب 120 ضعف فيضان 1988.

  • مدى كفاءة استخدام سد النهضة في إنتاج الكهرباء: أن التفاوت في حجم التصريف المائي ومنسوب النيل الأزرق في بيئة سد النهضة، سيجعل التوليد الكهرومائي يتقلب من موسم لأخر، كما إن التوليد الكهربائي وإنتاج الطاقة سيكون أقل مرونة، مقارنة بتجربة التوليد من سد الروصيرص، ومتأثرًا بانخفاض فرق التوازن المائي، بحيث لا يسمح بتشغيل كافة التوربينات، وقد يتسبب في تعطيلها بالكامل.
  • الإجراءات المضادة المتوفرة لدى السودان: أن رفع منسوب خزان الروصيرص إلى مستوى يتعدى 490 مترًا، سينتج عنه دخول فائض المياه إلى الأراضي الإثيوبية، لمسافة تتراوح بين 20 و40 كيلو متر، مما سيتسبب في غمر كبير للأراضي في تلك المنطقة، بما فيها موقع بناء سد النهضة نفسه. زيادة مستوى منسوب الخزان إلى 510 متر، سيحقق استغلال أفضل لإمكانات المواقع المائية في السودان، سينعكس في قدرته على زيادة السعة التخزينية، وزيادة الرقعة الزراعية المروية صناعيا، وتأمين فرق توازن مائي أعلى، وبالتالي زيادة التوليد الكهرومائي، وتوفير قدر أكبر من السيطرة على إمدادات المياه.

ضعف التنسيق بين مصر والسودان حيال ملف سد النهضة

حسب رأس الدكتور مادبو، هناك عدة عوامل تسببت في تلكؤ مصر منذُ أمد بعيد، وتقاعُسها عن تطوير استراتيجية تُحدِّدُ مسار تعامُلها مع القرن الإفريقي خصوصًا، ومع إفريقيا عمومًا، منها أعتماد النظم الحاكمة في مصر خلال الحقب السابقة، على الجهد الاستخباراتي في فتح قنوات اتصال مع بعض المدنيين والعسكريين في الدول المعنية، لاستخدامها في تتبع الأوضاع الداخلية لهذه الدول، عوضًا عن التعاون المشترك معها، لتطوير استراتيجية تنموية واستشراف رؤية مستقبلية تعود بالنفع على الجميع.

الإرث الاستعماري خلف بعض الرواسب السلبية بين البلدين، يجب عليهما تخطيها، كي يتمكنان من إدامة التنسيق، الذي يؤهلهم للعبور نحو إفريقيا بصورة أكثر حداثة وواقعية، فيجب حسب رأي الخبير السوداني، أن يكف المصريون، عوامهم ومثقفوهم، عن ترديد مقولة “إنّ مصر والسودان كانتا إقليميْن تحت سيادة التاج المصري”، فهذه مجرد عاطفة تستخدم بوعي ومن دون وعي، لتغطية إرث استعماري يجب العمل على تصحيحه، بزيادة الوعي والتفاعل الحيوي بين الشعبين الشقيقين.

ثم يتناول الكتور مادبو الموقف الحالي للبلدين حيال ملف سد النهضة، فيقول “إنني أؤمنُ بوحدة المصير لدول المصب، من منطلقات استراتيجية تنموية بحتة، بعيدًا عن أي عاطفة مائلة إلى الانهزام، الذي يجعل السودان حديقة خلفية لمصر كما يتصوره العالم، وكما قننّته تصرفات النخب السودانية الحاكمة منذ الاستقلال، أو اتباعا لعاطفة كالكراهية التي تتوارى أحيانا، خلف الأنفة والاعتداد بالنفس! فالسياسة تُبنى على المصالح وليس

على الاستلطاف، و المهم أن يحافظ الجيل على حقه وحق الأجيال القادمة”.ويضيف “يخطئ السودانيون إذ يظنون أنهم يقفون مع مصر، إنهم يقفون مع أنفسهم لأن هذا السد يهدد حاضرهم ومستقبلهم.

موقف إثيوبيا الحالي في مسار التفاوض حول سد النهضة

لقد استغلت إثيوبيا انعدام الثقة بين القيادات السياسية لدولتي المصبّ، وضعف التنسيق بين شعبيهما، وانعدام الرؤية الاستراتيجية عند كليهما فيما يخصّ الشأن الأفريقي، فغدت تُعَوِّل على إحداث الفُرقة بين دولتي المصب، حتى أصبحت إحداهما شريكًا (مصر) والأخرى وسيطًا (السودان). لقد اعتمدت أديس أبابا على بعض حيل المماطلة والمراوغة والتسويف، في محاولة لشراء الوقت، لهذا تغيبت عن اجتماع نيويورك الأخير، علما بأنها قد حضرت الأجتماع الأول. وما ذلك إلا لأنها أحست بأن المنصات الإقليمية والدولية ستضعها في موقف تفاوضي ضعيف، وذلك للأسباب القانونية والسياسية الآتية:

أ- ترفض إثيوبيا الاعتراف بمعاهدة 1902، والتي خولتها الاستفادة من إقليم بني شنقول، ومنعتها من بناء سدودٍ تهدد أمن السودان. هذا في حد ذاته يُعد تحديا للقوانين الدولية، قبل أن يكون خرقا للاتفاقية. لا سيما أن مثل هذا السد، وبعد الدراسات التي أجرتها هيئة أمريكية في الستينات يعتبر مجازفة، يمكن أن تسبب كارثة بيئية وإنسانية. ليس هذا فقط، بل إنَّ إثيوبيا تتحدي دول المصب تحديا سافرًا، إذْ تعلن أنها ستبني سدودًا حتى تصل سعة تخزينها للمياه إلى 200 مليار متر مكعب، علما بأنها أعلنت قبل الشروع في بناء سد النهضة، أنها ستبني هذا السد بالسعة التي حددته دراسات هيئة الاستطلاع الأمريكي، والتي تبلغ 11 مليار متر مكعب، لكنها قامت بزيادة سعته تدريجيًا، حتى وصلت إلي 74 مليار متر مكعب، وهي إذ تنفرد بهذه القرارت الخطيرة فإن إثيوبيا لا تهمش دول المصب فقط، إنما هي أيضا تستخف بحقوق دول حوض النيل كافة.

ب- يرفض الإثيوبيون إطلاع السودانيين والمصريين على الدراسات الفنية، بحجة أن ذلك أمر يخص السيادة الوطنية، علما بأن ذلك يخالف المعاهدات الإقليمية والدولية، وقد كان لزاما أن يشركوهم ويطلعوهم على دراسات الجدوى الاقتصادية والبيئية والجيولوجية والاجتماعية وغيرها.

أخيرًا – توصيات عاجلة للتعامل السوداني حيال الموقف الحالي لسد النهضة

1- إطلاق تنسيق استراتيجي وحيوي وفعال مع جمهورية مصر العربية في شأن السد، لا سيما وأنّ دول المصب، لم تستنفد بعدُ السبل القانونية كافة، ولم تعمل على كسر الجمود الحالي، بربطها لقضية السد بقضايا أخرى.

2- مطالبة إثيوبيا بإيقاف الأعمال في السد فورًا، واعتبار استمرارها في البناء تغولًا على أراضي سودانية، وانتهاكًا لحرمة السودانيين القابعين منذ زمن الاحتلال الإثيوبي.

3-  إلغاء اللجنة الفنية التي شكلها الرئيس الأسبق عمر البشير، وتكوين لجنة قومية بعضوية عسكريين سيما أن الأمر يتعلق بتهديد مباشر للأمن القومي، بجانب عضوية شخصيات دبلوماسية وهندسية وزراعية وسياسية، بجانب ممثلين عن حركة تحرير بني شنقول، وزعماء قبليين، وشخصيات صحفية وإعلامية، بهدف تحديد المسار الذي يلزم اتخاذه، سيما وأنَّ الأمر ذو طبيعة سيادية في المقام الأول، ولا يلزم حصره في دائرة فنية هندسية تقلل من خطورة الاحتلال، وتقر بسياسة وضع اليد.

4- وضع استراتيجية إعلامية شاملة، وتصميم خطة مرحلية نابهة، للتواصل مع المعنيين كافة، ومع مجموعات الضغط الفاعلة على الصعيدين، الإقليمي والدولي في شأن السدود، خاصة وأنَّ بعض المنظمات العالمية، مثل منظمة الأنهار الدولية، قد أبدت انزعاجها من تصميم إثيوبيا المضي قدما في هذا المشروع غير آبهة بتحفظات الأخرين.

5- تكوين هيئة قومية تُعني بتقديم الدعم اللوجستي والإعلامي، والمالي اللازم لتأهيل الناشطين والفاعلين في هذا الصدد، وكذا التفكير في إمكانية تأسيس مركز للدراسات البحثية، يرتبط ارتباطا حيويا بالهيئات العالمية والعلمية المعنية بدراسة السدود.

6- لابد من تغيير أسس التفاوض الحالية، على أن تصبح الأولوية للنظر في المشروعية قبل المشروع، وكذا الإقرار بأنه لا يجوز لأي حكومة كانت، انتقالية أو غيرها، التنازل عن حقوق السودانيين التاريخية، إلا من خلال التصويت داخل جمعية برلمانية منتخبة، تتيح المجال للتعريف بوجهات النظر كافة، عِوضا الاحتكار والإقصاء الذي كانت تمارسه حكومة الإنقاذ.

7- الملاحقة القانونية لكل من يثبت تواطؤه من السودانيين مع الإثيوبيين، خاصة أولئك الذين انطلقوا في تأييدهم لبناء السد، من اعتبارات سياسية أو اجتماعية خاصة.


+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

محمد منصور

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى