كورونا

هدف واحد واستراتيجية مقاربة.. أوروبا على خطى تخفيف القيود

ما بين الرغبة في إعادة تنشيط الاقتصاد، والمخاوف الصحية المشروعة، تتجه أوروبا التي خسرت عددًا كبيرًا من الضحايا جراء فيروس كورونا المستجد نحو الخروج التدريجي، وسط آمال بأنها ربما تجاوزت الموجة الأولى من الوباء، وحتمية التعايش مع الفيروس لتحقيق التوازن بين الاحتياجات الاقتصادية والقدرة على احتواء الوباء لحين التوصل إلى لقاح.

شرعت أوروبا منذ بداية الأزمة إلى تبني استراتيجيات إغلاق صارمة، في محاولة منها لكبح جماح التفشي، اعتمدت في مجملها على ثلاث ركائز أساسية، الأولى: تبني سياسات إغلاق بدرجات متفاوتة بداية بالحجر المنزلي وانتهاء بغلق الحدود، لتجنب انتشار الفيروس. والثاني: تأهب واستعداد أنظمة الرعاية الصحية، وتوفير مستلزمات الوقاية الطبية. والثالث: هو إقرار حزمة مساعدات اقتصادية واسعة النطاق لمجابهة الخسائر الاقتصادية المتوقعة. وبعد شهرين من العزل الصارم، لم تعد دول الاتحاد باستطاعتها تحمل الجمود الاقتصادي، واتجهت إلى رفع القيود والعودة إلى الحياة الطبيعية. 

وعلى الرغم من التحركات النشطة لتخفيف القيود في جميع أوروبا، لا تزال بريطانيا مترددة وترى من السابق لأوانه تخفيف القيود الآن بعد أن لُقبت بـ”الرجل المريض”، وفشلت في الحد من الوفيات والإصابات. بل وتصدرت قائمة الوفيات الأعلى في أوروبا، في فترة أقل من إيطاليا. ومع ذلك هناك عدد من التحفظات بشأن المقارنة بين الدولتين، لأسباب منها أن عدد سكان بريطانيا يزيد عن عدد سكان إيطاليا بـ 10% ، وكذلك فإن حجم أكبر مدينة بريطانية يفوق نظيرتها الإيطالية بثلاثة أضعاف، بالإضافة إلى إجراء إيطاليا عدد أكبر من الاختبارات حتى الآن، والأهم من ذلك أن معظم الدول الأوروبية تجاوزت ذروة الإصابات باستثناء بريطانيا. 

\\SERVER\Folder Redirection\marwa.mohammed\Downloads\خريطة انتشار.PNG

عوامل كثيرة وضعت بريطانيا على قمة وفيات كورونا بأوروبا أبرزها

  • تأخر قرارات الإغلاق: تسبب في ارتفاع نسب الإصابات، حيث تم اتخاذ القرار في وقت متأخر عن اتخاذ هذا الإجراء في ألمانيا وأيرلندا ودول في شرق أوروبا، وكذلك إسبانيا وإيطاليا.
  • غياب التتبع: يعد سببًا هامًا، حيث تخلت بريطانيا عن سياسة تتبع ورصد المخالطين للمصابين وتتبع حركاتهم لاحتواء تفشي الوباء بين السكان، وهي السياسة التي أظهرت نجاحًا في دول مثل ألمانيا وسنغافورة وكوريا الجنوبية.
  • الكثافة السكانية: يوجد في بريطانيا أربع مدن مليونية هي لندن، مانشستر، وجلاسكو، وبرمنجهام، مقارنة بمدينة واحدة فقط مليونية في فرنسا وهي باريس. إذ تمثل الكثافة السكانية مؤشرًا على خطر سرعة تفشي الفيروس.
  • الشيخوخة: تمثل عاملًا حاسمًا في عدد الوفيات بسبب الفيروس عالميًا، وتعد بريطانيا من أعلى الدول من حيث نسبة شيخوخة السكان، إذ يعيش 400 ألف مسن داخل دور الرعاية ويعاني الكثير منهم أمراضًا مزمنة. كما تتعايش شريحة واسعة من المسنين في البلاد مع أمراض مزمنة لفترات طويلة مثل مرض السكر، والسرطان، والخرف.
  • ارتفاع نسبة البدانة: والذي يزيد من خطر الوفاة لدى المصابين بالفيروس، إذ يعتقد الأطباء صعوبة تنفس البدناء وقلة كفاءة الرئة لديهم.
  • السياحة: إذ تعد لندن مركزًا للسفر العالمي، وقد سجلت المدينة ربع حالات الإصابة في بريطانيا.

استراتيجيات تخفيف القيود

دول كثيرة بدأت برفع إجراءات الحجر ودول أخرى تستعد وأخرى تضع خططًا لرفع القيود تدريجيًا، كل هذا في ظل إجراءات مشروطة تعتمد على تراجع منحنى الإصابات والوفيات، وفي حال أدى تخفيف القيود إلى انتشار الفيروس سيتم إعادة تطبيق القواعد القديمة مرة أخرى. فقد تم السماح لأكثر من أربعة ملايين شخص بالعودة إلى العمل في إيطاليا، وسُمح للسكان الإسبان بممارسة الرياضة لأول مرة منذ سبعة أسابيع، وسمحت دول أخرى للمطاعم بتقديم الوجبات السريعة. 

وفيما يلي نظرة على بعض الدول الأوروبية التي لديها عدد كبير من حالات الإصابة بفيروس كورونا في العالم واستراتيجيات الخروج الخاصة بها.

بريطانيا.. استمرار الإغلاق حتى يونيو

United Kingdom to follow eased lockdown until June

أعلن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون أن الإغلاق بسبب فيروس كورونا سيبقى مفروضًا حتى الأول من يونيو على أقل تقدير، والوقت الحالي ليس مناسبًا لإنهائه. ومع ذلك تم وضع خطة لرفع إجراءات قيود الإغلاق تدريجيًا، هذه الخطة مشروطة باستيفاء المعايير الخمسة التي حددتها الحكومة البريطانية مسبقًا لرفع الإغلاق وهي: حماية قدرة هيئة الرعاية الصحية، وانخفاض معدل الوفيات، واستمرار انخفاض معدلات الإصابة، وتوفير مستلزمات الوقاية الشخصية، والتأكد من انخفاض معدلات انتشار المرض بأقل من 1%. وعلى ذلك تقوم خطة الخروج البريطاني على عدة مراحل:

المرحلة الأولى: استمرار العمل من المنزل وعدم الذهاب إليه إلا في حالات الضرورة القصوى. بالإضافة إلى تجنب وسائل النقل العام، مع استخدام السيارة أو الدراجة أو السير على الأقدام.

المرحلة الثانية: تبدأ في أول شهر يونيو مع امكانية فتح المدارس الإبتدائية للمرحلة الأولى والمرحلة السادسة على شكل مجموعات متفرقة سيعلن عنها فيما بعد، أما المدارس الثانوية ستبقى مغلقة إلى سبتمبر، كما ستعود المحلات التجارية الصغيرة للعمل.

المرحلة الثالثة: تنقسم الى ثلاث فترات، تبدأ مع بداية شهر يوليو، وتضم قطاع الضيافة كالمطاعم والفنادق، والفترة الثانية، محلات تصفيف الشعر والحانات والسينما ونوادي الرياضة، والفترة الثالثة (لن يتم تطبيقها قبل الخريف)، وستضم الأحداث الرياضية العامة.

بالإضافة إلى ما سبق، سيتم إطلاق نظام للإنذار والتنبيه “Covid Alert System” مكون من خمس مستويات يديره مركز جديد للأمن الحيوي المشترك. وسيتم تحديد مستويات الخطر وفقًا لمعدل انتشار المرض. وبالتالي مدى ضرورة تطبيق مبدأ التباعد الاجتماعي. ويعني المستوى الأول من النظام اختفاء المرض من البلاد، فيما يعتبر المستوى الخامس هو الأكثر خطورة، وتمر بريطانيا حاليًا بالمستوى الرابع من الإنذار خلال فترة الإغلاق ويمكنها أن تنتقل تدريجيا إلى المستوى الثالث، ما يعني أنه من الممكن إعادة فتح قطاعات من الحياة العامة. وسيتم تحديد المستوى بشكل أساسي من خلال معدل الإصابات والعدد الإجمالي لحالات الإصابة بالفيروس.

أسبانيا.. رفع إجراءات الإغلاق للعودة إلى الوضع الطبيعي

بعد ستة أسابيع تقريبا من الإغلاق العام وتحديدًا منذ 14 مارس، قررت حكومة رئيس الوزراء بيدرو سانشيز، رفع الإغلاق تدريجيًا، مع الإبقاء على قيود صارمة بالمناطق الأكثر تضررًا. وسيتم تخفيف القيود في المدن بوتيرة متباينة اعتمادًا على شدة تفشي المرض. وتم الإعلان عن خطة من أربع مراحل لرفع إجراءات الإغلاق، والعودة إلى “الوضع الطبيعي الجديد” بحلول نهاية يونيو المقبل. وبدأت خطة الخروج في 4 مايو الحالي بتخفيف بعض الإجرءات الاحترازية والسماح للعاملين لاسيما في مجال البناء والتصنيع بالعودة التدريجية للعمل.

وقبل بداية تطبيق خطة الخروج، كانت هناك “المرحلة صفر” التمهيدية، في الفترة بين 4 و11 مايو، والتي شهدت إعادة فتح مراكز تصفيف الشعر والشركات الأخرى التي تقوم بالتوظيف، وُسمح خلالها للمطاعم بتقديم خدمات الطعام الجاهز. أما باقي الأقاليم ستخفف إجراءات الإغلاق بناءً على معدلات الإصابة فيها، وسعة المستشفيات المحلية، ومدى مراعاة تدابير التباعد الاجتماعي. واعتمدت خطة الحكومة الإسبانية في تخفيف إجراءات الإغلاق على عدد من الخطوات، وتخضع الخطة للمراجعة حال ارتفاع الإصابات. كما تضمنت خطة تخفيف القيود:

  • فتح الشركات الصغيرة والفنادق أبوابها اعتبارًا من 11 مايو، مع بقاء قواعد التباعد الاجتماعي سارية.
  • على الرغم من إعادة فتح بعض المدارس، في أواخر مايو، إلا أن معظم مدارس إسبانيا ستظل مغلقة حتى بداية الفصل الدراسي الجديد في سبتمبر.
  • يمكن أن تبدأ المطاعم فتح شرفاتها من منتصف مايو، ولكن يجب ألا تكون مشغولة بأكثر من 30% من سعتها، خلال المرحلة الأولى.
  • إعادة فتح المسارح ودور السينما اعتبارًا من أواخر شهر مايو، مع الالتزام بشغل أقل من ثلث سعتها.
  • فتح المتاجر، بنصف السعة، بدءًا من نهاية يونيو، مع المحافظة على مسافة مترين بين المتسوقين.
  • من المتوقع إعادة فتح الشواطئ في أواخر يونيو.
  • فرض حجر صحي لمدة 14 يوم على القادمين من خارج أسبانيا

إيطاليا.. تقود أوروبا في تخفيف القيود

In Italy, bars and restaurants shut for dine-in till June

أعلنت إيطاليا، ثالث أكثر الدول تضررًا في العالم، والتي شهدت أطول فترة إغلاق في أوروبا، وخضعت لإجراءات حظر صارمة منذ 9 مارس، إلى رفع إجراءات العزل تدريجيًا في 4 مايو كمرحلة أولى، وتخفيف قيود التباعد الاجتماعي والسماح بالزيارات العائلية وفتح الحدائق والتجمع بأعداد محدودة واستئناف العمل في قطاعات الصناعات والتشييد، على أن يشهد 18 مايو الحالي السماح لمتاجر التجزئة بفتح أبوابها، إلى جانب المتاحف والأماكن الثقافية والمكتبات. لكن لن يتم فتح المدارس قبل شهر سبتمبر. أما المرحلة الثانية من تخفيف إجراءات الإغلاق فهي تهدف إلى اختبار كيفية تعامل السكان مع تخفيف إجراءات العزل. بالإضافة إلى الإجراءات التالية:

  • السماح للأشخاص بالتنقل في مناطقهم، ولكن ليس بين مناطق مختلفة.
  • استئناف طقوس الجنازات، لكن بحضور 15 شخصا كحد أقصى، ومن الأفضل أن تجري في الهواء الطلق.
  • يمكن للرياضيين الأفراد استئناف التدريب، ويمكن للأشخاص ممارسة الرياضة ليس فقط في محيط منازلهم، ولكن في مناطق أوسع.
  • إعادة فتح محال مصففي الشعر وصالونات التجميل وخدمة تناول الطعام في المطاعم، اعتبارا من الأول من يونيو.
  • إعادة فتح المزيد من متاجر البيع بالتجزئة، التي لم تفتح بالفعل بموجب إجراءات التخفيف الأولى، في 18 من مايو جنبا إلى جنب مع المتاحف والمكتبات.
  • ستتمكن الفرق الرياضية أيضا من إجراء تدريب جماعي، اعتبارا من 18 من مايو. ولم يصدر إعلان بشأن إمكانية استئناف الدوري الإيطالي الممتاز لكرة القدم، حتى ولو من دون جمهور.

فرنسا.. على خطى تخفيف القيود

C:\Users\marwa.mohammed\Desktop\5869.jpg

بعد ثمانية أسابيع من الإغلاق، بدأت فرنسا في الخروج التدريجي من الحجر الصحي الذي أثقل كاهل الاقتصاد وادخل البلاد في مرحلة غير مسبوقة من الركود. وعلى الرغم من الخروج التدريجي للعزل، إلا أن السلطات الفرنسية تراقب الوضع بحذر ودقة، وتم تخفيف القيود اعتبارا من 11 مايو، على أن تتم مراجعة وتقييم الأوضاع بعد ثلاثة أسابيع. وتتلخص خطوات الخروج التدريجي في: 

  • تقسيم فرنسا إلى قسمين، مع أربع “مناطق حمراء” بما في ذلك العاصمة باريس، مع استمرار إغلاق المتنزهات والحدائق والمدارس للأطفال من سن 11 إلى 18 عامًا.
  • بدأ المدارس الابتدائية ودور الحضانة فتح أبوابها مجددا اعتبارا من 11 مايو، بينما تفتح المدارس للأطفال من سن 11 إلى 15 عاما في “المناطق الخضراء” في 18 مايو. وسيتم وضع 15 تلميذا بحد أقصى في الفصول الدراسية، وسيكون ارتداء الكمامات إلزاميًا للأطفال الأكبر سنا. أما المدارس الثانوية من سن 15 إلى 18 سنة، فلن تفتح أبوابها قبل شهر يونيو.
  • جميع المتاجر (باستثناء مراكز التسوق في باريس) ستعيد فتح أبوابها، ويمكن إعادة فتح مراكز الترفيه والمقابر، ولكن ستظل الحانات والمطاعم مغلقة.
  • لن يضطر المقيمون إلى تقديم تصاريح السفر، وسيُسمح بالقيام برحلات بالسيارة لمسافة تبعد 100 كيلومتر من المنزل. وتتطلب الرحلات الطويلة تصريحًا، وخلال ساعة الذروة في باريس، يحتاج المواطنون لإذن من صاحب العمل أو سبب مقنع للخروج والسفر.
  • يُسمح أيضا بتجمعات لأقل من 10 أشخاص، وسيتم السماح لكبار السن والمعرضين للخطر (من يعانون من أمراض مزمنة) بالخروج ولكن يجب مراقبة الوضع جيدا، وإعادة تقييمه.

ألمانيا.. تفاؤل حذر

البوابة نيوز

خففت ألمانيا القيود المفروضة لمواجهة فيروس كورونا، لكن خيار الإغلاق مرة أخرى لا يزال قائمًا، بحسب المستشارة أنجيلا ميركل، التي قالت “لقد حققنا الكثير في مكافحة الفيروس، ولكن علينا ألا نبالغ في نجاحنا مؤكدة بأن هذا النجاح المرحلي لا يزال هشا”، وكانت المستشارة الألمانية قد رضخت لضغوط من قيادات الولايات الألمانية لعودة الحياة الاجتماعية وإنعاش الاقتصاد لكنها في ذات الوقت وضعت آلية تسمح بإعادة فرض القيود إذا زادت حالات الإصابة مجددا.

وبعد أيام من تخفيف إجراءات الحجر الصحي المفروض في البلاد، شهد معدل الإصابات الجديدة بفيروس كورونا ارتفاعا مجددا، مما أثار مخاوف من خروج الجائحة عن السيطرة. وأفادت إحصائيات نشرها معهد روبرت كوخ لمكافحة الأمراض المعدية في ألمانيا بأن معدل الإصابات الجديدة بفيروس كورونا في البلاد عاد للتسارع مجددا. وقال المعهد في تقريره إن عدد من ينقل إليهم كل مريض العدوى، والمعروف بمعدل نشر العدوى، ارتفع إلى 1.1 وبما أنه ارتفع عن الواحد فذلك يعني أن أعداد الإصابات الجديدة تتزايد.

هذا وقد شملت خطة رفع القيود التي فرضتها ألمانيا وساهمت في ارتفاع منحنى الإصابات:

  • إعادة فتح المتاجر بمختلف مساحاتها، مع التشديد على النظافة والالتزام بقواعد التباعد الاجتماعي.
  • تم السماح بفتح المتاجر التي تقل مساحاتها عن 800 متر مربع منذ 20 أبريل، إلى جانب وكلاء السيارات ومحلات الدراجات الهوائية وبيع الكتب.
  • تم إعادة فتح المدارس جزئيا للأطفال الصغار، وأولئك الذين يخضعون للامتحانات. على أن تعود جميع الفصول الأخرى تدريجيا طوال الفصل الصيفي.
  • يُسمح الآن لعائلتين مختلفتين بزيارة بعضهما البعض.
  • حظر الأحداث العامة الكبرى مثل المهرجانات حتى نهاية أغسطس على أقل تقدير.
+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى