
صفر توران … نورديك مونيتور يكشف الوجه الآخر لمستشار أردوغان
عرض محمد منصور
تفاصيل صادمة كشف عنها الصحفي التركي عبد الله بوزكورت، عبر موقع (نورديك مونيتور) السويدي، تخص جانبًا مظلمًا في ماضي صفر توران، أحد أهم مستشاري الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والمختص بتقديم التوصيات والاستشارات فيما يخص علاقات تركيا بالعالمين العربي والإسلامي.
من خلال هذه التفاصيل، اتضح أن تأييده وتأييد حكومته لبعض الحركات الإرهابية في سوريا وليبيا وغيرها، هو امتداد لدعم حركات إرهابية سابقة، من أبرزها جماعة الجهاد الإسلامي الإرهابية، المصنفة من قبل الأمم المتحدة كأحد روافد تنظيم القاعدة الإرهابي، والتي نشطت في مصر خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، عبر سلسلة من أبشع العمليات الإرهابية في تاريخ المنطقة.
تتبع بوزكورت، سلسلة من المقالات التي كتبها توران، خلال تسعينيات القرن الماضي، في عدة مجلات وصحف، دافع من خلالها عن هذه الجماعة، ووجه سهام النقد لمن يصفونها بأنها (إرهابية)، ومحاولًا إيجاد مبررات لعمليات القتل والاغتيال التي مارستها جماعة الجهاد خلال تلك الفترة.
الجيش الإسلامي على طريق الجهاد!
من الأمثلة التي ساقها بوزكورت، والتي تؤكد على تأييد توران لجماعة الجهاد الإرهابية، وجرائمها في مصر، ما كتبه في عدد سبتمبر 1992، من مجلة (التوحيد) التركية، التي كانت لها ارتباطات مالية وتحريرية وثيقة بأجهزة الاستخبارات الإيرانية. غلاف هذا العدد تصدره مانشيت عريض تحت عنوان (الجيش الإسلامي على طريق الجهاد).
انبرى توران، في مقاله المنشور في صفحتين كاملتين، في مدح وإبراز ما رأى أنه (إنجازات كبيرة)، حققتها حركة الجهاد خلال صراعها مع الأجهزة الأمنية المصرية، وقال “إذا ما قمنا بتقييم العمليات الأخيرة التي نفذتها جماعة الجهاد الإسلامي في مصر، يمكننا أن نلمس تقدمًا كبيرًا في التكتيكات وفي نوعية المناطق المستهدفة، أولًا لم يتم القبض على أي من عناصر الجماعة، ممن نفذوا هذه العمليات، وهذا بالإضافة إلى نجاح الجماعة في مقاومة الأجهزة الأمنية المصرية ومقارعتها بالهجمات المضادة، وضع الحكومة المصرية في موقف حرج أمام الرأي العام المصري”.
وقد بدا من خلال سطور هذا المقال، أن مستشار الرئيس التركي كان راضيًا بشكل كبير عن الهجمات الإرهابية التي شنتها جماعة الجهاد خلال هذه الفترة في مصر، فقد قال في فقرة أخرى “علاوة على ذلك، فإن الهجمات ضد السياح والمنشآت السياحية، وجهت ضربة في الصميم للاقتصاد المصري”. بعد ذلك وصف العناصر الإرهابية التي قُتلت خلال المواجهات مع قوات الأمن بأنهم (شهداء)، وادعى أن الشعب المصري يدعم جماعة الجهاد ويصطف حولها، وأن القطاعات الشعبية المصرية لم تنتقد يومًا عمليات هذه الجماعة، بل تظاهرت ضد الحكومة بعد أن شنت الأجهزة الأمنية حملة من الاعتقالات طالت أعضاء في جماعة الجهاد، وكتب في هذا الصدد قائلًا “نزل الناس إلى الشوارع، وقاموا بإحراق العديد من المباني الحكومية، وتظاهروا ضد سياسات الحكومة وقمع الشرطة”.
في الصفحة الثانية من مقاله، تناول توران ملف الأقباط، واعتبر أنهم كانوا يستهدفون إقامة دولتهم الخاصة داخل مصر، ومن أجل ذلك كونوا حسب زعمه ميليشيا مسلحة، وقاموا بتخزين الأسلحة داخل الكنائس، في ظل وكما أشار توران في مقاله الاستفزازي إلى أن المسيحيين في مصر كانوا يهدفون إلى إقامة دولتهم الخاصة، وتكوين ميليشيات مسيحية مسلحة واستخدام الكنائس لتخزين الأسلحة، وذلك في ظل غض الحكومة المصرية الطرف عن هذه الأنشطة، في حين أثار المسلمون والجماعات الإسلامية هذا الملف علنًا، وأعربوا عن حساسيتهم من هذه الأنشطة.
بالإضافة إلى ما سبق، ادعى توران أن رأس الكنيسة القبطية في ذلك التوقيت، الأنبا شنودة الثالث، شجع الأقباط على السعي لتحقيق هذه الأهداف، وأشار توران إلى أن شنودة الثالث تمتع بعلاقات جيدة مع الإدارة الأمريكية آنذاك، والأمين العام الأسبق للأمم المتحدة بطرس غالي (المسيحي القبطي). اختتم توران مقاله هذا، بخلاصة مفادها أن الرئيس المصري آنذاك حسني مبارك، سيجد صعوبة في دعم وتدعيم حكومته في ظل التحديات القائمة، معربًا عن أمله في أن تتمكن جماعة الجهاد من الاستيلاء على السلطة في مصر.
ربما تنجلي من الخلفية الفكرية لتوران، والتي تتضح من مقاله السالف ذكره، أسباب اضطراب العلاقات التركية مع مصر وغيرها، فهذه الذهنية هي ما يفكر بها واحد من بين قلة قليلة مسؤولة عن إدارة ملف العلاقات التركية مع دول مثل مصر والمملكة العربية السعودية ودول الخليج.
في عام 2000، تم توجيه تهم جنائية للأشخاص المسئولين عن إدارة وتحرير هذه المجلة، الممولة إيرانيًا، بعد أن كشفت التحقيقات عن وجود صلات تربطهم بمجموعة من الاغتيالات التي تمت على الأراضي التركية. فقد قامت أجهزة الاستخبارات التركية، عبر مجلة (التوحيد)، وخليفتها مجلة (السلام)، بتجنيد مجموعات من العناصر المسلحة، وتدريبهم في معسكرات داخل إيران على استخدام الأسلحة والمتفجرات، بهدف شن هجمات ضد بعض المنشآت والدبلوماسيين في تركيا، ومن بين هذه الهجمات، ما حدث في الثامن والعشرين من أكتوبر عام 1991، حين انفجرت عبوة ناسفة أسفل سيارة الملحق الإداري في السفارة المصرية بأنقرة، عبد الله حسين القربي، ما أسفر عن إصابته بجروح.
على خلفية هذه الهجمات، أدين عشرات الأتراك بتهمة التعامل مع الاستخبارات الإيرانية، وتم زجهم في السجون، في حين تم طرد مشغليهم، الذين كانوا يتسترون خلف ستار عملهم كدبلوماسيين في الممثليات الإيرانية، من تركيا. وقد سبق ونشر موقع نورديك مونيتور وثيقة سرية، ورد فيها أن صفر توران كان من ضمن المشتبه بهم، في تحقيق سري أجراه المحققون الأتراك بدءًا من عام 2010، بشأن الأنشطة السرية لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني في تركيا، وقد تم خلال هذا التحقيق، التنصت على هاتف توران بموجب إذن من المحكمة، لمعرفة صلاته بهذه الأنشطة، لكن تدخل أردوغان في هذا التحقيق، ودفع إلى أنهاؤه عام 2014، قبل أن يتاح للمدّعين الوقت الكافي لتوجيه الاتهام إلى المشتبه بهم، وبالتالي أنقذ مستشاره من الملاحقة الجنائية بتهمة مساعدة الجواسيس الإيرانيين على الفرار من تركيا.
الجهاد الإسلامي … منظمة مسلحة ثورية
المقال السالف ذكره لم يكن الوحيد الذي مدح فيه توران هذه الجماعة الإرهابية، فقد قام بكتابة مقال مطول من أربعة عشر صفحة، في أحد أعداد مجلة (الدنيا والإسلام) الربع سنوية، الصادر في ربيع عام 1992، وفي هذا المقال، وصف جماع الجهاد الإسلامي، بأنها منظمة مسلحة ثورية، تمكنت من جذب اهتمام الشباب المصري، وأصبحت تمثل تحدي جدي وأساسي للسلطات المصرية، لدرجة قيامها باغتيال رئيس الدولة. خلال الفقرات التالية لمقالته هذه، حاول الترويج لنظرته الإيجابية حيال هذه الجماعة، في الأوساط التركية، من خلال العديد من الاقتباسات لبعض أقوال قادة الجماعة وأعضاؤها، وذلك في محاولة منه لإرضاء داعميه في طهران، كما خصص جزءًا من أجزاء هذه المقالة، لإظهار مدى إيجابية آراء الأعضاء البارزين في الجماعة، حيال ثورة 1979 في إيران، وحاول التقليل من شأن أراء بعضهم الأخر السلبية حيال الحكم في طهران.
يتضح من قراءة هذا المقال، أن توران حاول إيجاد تبريرات للهجمات الإرهابية والأنشطة غير القانونية لجماعة الجهاد الإسلامي، وذلك بحديثه عن (القمع) الذي تمارسه السلطات المصرية، وتأكيده على رؤية الجماعة التي ترى أن الطريقة الوحيدة لإقامة دول إسلامية في مصر هي (الجهاد المسلح). اختتم المقال باقتراح توحيد جماعة الجهاد الإسلامي والجماعات الإسلامية الأخرى الموجودة في مصر، من أجل استغلال إمكاناتها بشكل كامل.
اغتيال فرج فودة
في مجلة تركية أخرى موالية لإيران، وتدعى (الأرض)، تحدث توران في مقاله المنشور بعدد 15 يوليو 1992، حول إحراز حركة الجهاد تقدمًا كبيرًا في اشتباكاتهم مع أجهزة الأمن المصرية، متنبئًا أنها ستتمكن قريبًا من الاستيلاء على السلطة، في حالة تمكنها من استمالة الشارع المصري، على خلفية معاناته من العديد من الصعوبات الاقتصادية في ذلك الوقت. كما أشاد في هذا المقال بعملية اغتيال الكاتب الصحفي الأستاذ فرج فودة في 8 يونيو 1992، مؤكدًا أن هذه العملية أظهرت قدرة الجماعة على تنفيذ عمليات مخطط لها بعناية، واصفًا فودة بأنه كان رجلًا معتادًا على مهاجمة الإسلام، وأن اغتياله كان رسالة موجهة للرئيس المصري مبارك.
لم تقتصر كتابات توران على مدح وتمجيد جماعة الجهاد الإسلامي، بل تضمنت أيضًا انتقاد المقالات الأخرى التي يهاجم أصحابها هذه الجماعة ويصفونها بالإرهاب، ففي مقاله منشورة في نفس العدد المذكور آنفًا من مجلة (الأرض)، تحت عنوان “بحسب صحيفة زمان، الثوار المسلمين إرهابيين”، انتقد توران صحيفة (زمان) اليومية واسعة الإنتشار، بسبب وصفها جماعة الجهاد الإسلامي بأنها منظمة إرهابية. وتساءل توران، لماذا وصف صحيفة زمان مقتل فرج فودة بأنه قتل، مع أنه شخصية معادية للإسلام، مضيفًا “ليس من الخطأ تمامًا وصف قتل شخص لديه مثل هذه المعتقدات ضد الإسلام بأنه جريمة قتل”، ثم أشار إلى أن الهدف الأساسي لجماعة الجهاد الإسلامي، هو الإطاحة بالنظام العلماني في مصر.
مأساة صحيفة زمان وحركة جولن
في مارس 2016، استحوذت الحكومة التركية على صحفية زمان، التي كان توزيعها في ذلك الحين يصل إلى 1.2 مليون نسخة يوميًا، وذلك على خلفية شكوى قدمتها جماعة موالية لأردوغان ومتعاطفة مع تنظيم القاعدة، تسمى (تاهسيسيلر)، ويرأسها شيخ ذو توجه راديكالي يدعى الملا محمد، زعم أن الصحيفة أساءت إلى الجماعة الجهادية عبر مقالاتها، وقد دافع الرئيس التركي أردوغان عن ذلك الشيخ، الذي حث على قتل المسيحيين، وأثنى على تنظيم القاعدة وزعيمه الراحل أسامة بن لادن. بعد تولي الحكومة زمام الأمور، تحولت الصحيفة إلى لسان حال لها بين عشية وضحاها، بعد أن تم إعفاء عدد من رؤساء التحرير من مناصبهم، وتعيين موالين للحكومة بدلًا منهم، وعلى أثر ذلك، انخفض توزيع الصحيفة إلى نحو أربعة آلاف نسخة أسبوعيًا، ثم تم إغلاق الصحيفة بشكل تام في يوليو 2016، مما محى نهائيًا عقود كاملة من العمل الصحفية، والتداول إلى 4000 أسبوعًا بعد رد فعل كبير من القراء، وأغلقته الحكومة في يوليو 2016، مما أدى إلى محو إنتاجات الصحيفة على مدار عقود طويلة، وكذا موقعها على شبكة الأنترنت.
جدير بالذكر أن هذه الصحيفة كانت مملوكة لرجال أعمال مقربين من حركة فتح الله جولن، التي يواجه أعضاؤها السجن والتعذيب والمراقبة والمضايقة والتهديد بالقتل والاختطاف منذ عام 2014، عندما قرر رئيس الوزراء آنذاك والرئيس حاليًا أردوغان، اعتبار هذه الجماعة كبش فداء، لحماية نفسه ونظامه من العديد من المشاكل القانونية، التي تتراوح بين قضايا الفساد إلى مساعدة وتحريض الجماعات الجهادية في سوريا، وقد داومت حركة جولن، على انتقاد حكومة أردوغان في مجموعة متنوعة من القضايا.
في تركيا، وفي أعقاب محاولة الانقلاب في يوليو 2016، تم احتجاز أكثر من نصف مليون شخص ينتمون إلى حركة جولن، بتهم إرهابية ملفقة، مثل الاشتراك في صحيفة زمان والصحف المعارضة الأخرى. منذ ذلك الحين، تم سجن أو إعفاء أكثر من 130.000 موظف حكومي من مناصبهم، بما في ذلك كبار الدبلوماسيين وقضاة المحكمة الدستورية، من بينهم 4،560 من القضاة والمدعين العامين، وتم استبدالهم بموظفين مؤيدين لأردوغان. نتيجة لعمليات التطهير الهائلة، أصبح القضاء التركي وسلطات إنفاذ القانون، مجرد أدوات سياسية في أيدي حكومة الرئيس أردوغان الإسلامية، كما تم الاستيلاء على أصول الأفراد والكيانات التابعة لحركة جولن، والتي وفقًا لتقديرات صندوق تأمين الودائع الادخاري في تركيا، بلغت 11 مليار دولار.، كما صادرت الحكومة أصول وثروات الصحفيين المعارضين، وحرمتهم من مصادر دخلهم، بهدف خنق حرية الصحافة والتعبير.
حركة الجهاد إرهابية
لم يفلح دفاع مستشار أردوغان عن جماعة الجهاد، في صبغها بصبغة غير إرهابية، فقد أدرجتها الأمم المتحدة في السادس من أكتوبر عام 2001، كمنظمة إرهابية مرتبطة بتنظيم القاعدة وحركة طالبان وأسامة بن لادن، وقد تبين للمنظمة الدولية، أن هذه الجماعة تشارك في تمويل وتخطيط وتسهيل وإعداد وارتكاب هجمات إرهابية، وتوريد وبيع ونقل أسلحة لدعم أنشطة القاعدة وبن لادن، وقد سبق وقاد هذه الجماعة أيمن محمد ربيع الظواهري، الذي أصبح فيما بعد زعيم تنظيم القاعدة والمنظر الأساسي له.
جماعة الجهاد الإسلامي مسئولة عن عدد كبير من الهجمات الإرهابية، منها اغتيال الرئيس المصري أنور السادات عام 1981، ومحاولات اغتيال وزير الداخلية حسن الألفي ورئيس الوزراء عاطف صدقي عام 1993، وتفجير السفارة المصرية في إسلام آباد عام 1995، كما خططت لهجوم مماثل ضد السفارة الأمريكية في ألبانيا عام 1998. في عام 2001، انضمت الجماعة إلى صفوف تنظيم القاعدة، ونشطت في جميع أنحاء العالم، وقد لعب عناصرها دورًا رئيسيًا في الهجمات على مركز التجارة العالمي في عامي 1993 و2001، وذلك وفقًا للبيانات التي قدمتها لجنة العقوبات الأممية على تنظيمي داعش والقاعدة.، وقد شكل قادة جماعة الجهاد الإسلامي السابقون عام 2011، حزبًا سياسيًا أُطلق عليه الحزب الإسلامي.
باحث أول بالمرصد المصري