
استغلال الأزمة.. كيف فاقمت تركيا من جائحة كورونا في بريطانيا؟
مع تصاعد وتيرة تفشي فيروس كورونا في بريطانيا، وأزمة نقص مستلزمات الوقاية الطبية في دور الرعاية الصحية، لجأت بريطانيا لاستيراد شحنات طبية من تركيا ضمن خطة الحكومة لمواجهة أزمة كورونا. وكانت تلك الشحنة موضع مماطلة ومساومة من الجانب التركي على أساس أنها مواد طبية تحتاجها تركيا بسبب تسارع انتشار الوباء فيها، ولم يتم الإفراج عنها إلا بعد تأخير. وما إن تم إرسالها أعلنت بريطانيا أن الشحنة معيبة وتفتقد لمتطلبات السلامة الشخصية، ولا تتوافق مع معايير المملكة المتحدة.
ماذا حدث؟
تعيش بريطانيا حالة تمرد من جانب عمال الرعاية الصحية بسبب نقص وعدم كفاية مستلزمات الوقاية الطبية، وأعلنوا عدم الاستمرار في العمل بدونها، وللتغلب على هذه الأزمة رفعت بريطانيا حظر الصادرات المطبق على معدات الحماية الشخصية للأطباء من تركيا، وتم الاتفاق على استيراد شحنة طبية حمولتها 84 طن وتشمل 400 ألف سترة واقية موجهة للعاملين في القطاع الصحي، على أن يتم تسليمها في 19 إبريل، ولكن تم تأجيل وصول الشحنة عدة مرات إلى لندن دون معرفة السبب. ما أدى إلى إصدار رؤساء هيئة الرعاية الصحية بيانًا ساخطًا طالبوا فيه الحكومة عدم تقديم وعود لا يمكن الوفاء بها، وأعلنوا دعمهم للأطباء والممرضات الذين يرفضون علاج المرضى نتيجة نقص المعدات الوقائية ما يعرضهم لخطر الإصابة.
ردت الحكومة البريطانية بشكل “يائس” على تأخير إرسال تركيا الإمدادات اللازمة، حيث أرسلت طائرة تابعة لسلاح الجو الملكي في محاولة لإجبار أنقرة على السماح بنقل الشحنة. ووصلت طائرة شحن عسكرية تركية، في 22 أبريل، إلى مطار برايز نورتون، جنوب بريطانيا، قادمة من مطار إسطنبول، وعلى متنها 400 ألف من المعدات والمستلزمات الطبية. وبعد أكثر من أسبوعين، تبين أن الشحنة جرى احتجازها بعدما تبين أنها لا تتوافق مع معايير المملكة المتحدة.
وعلقت وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية البريطانية على الشحنة المرسلة في بيان “هذا وباء عالمي حيث تشتري العديد من البلدان معدات الوقاية الشخصية، مما يؤدي إلى نقص في جميع أنحاء العالم، وليس في بريطانيا فحسب. وعادة يتم فحص جميع معدات الوقاية الشخصية لضمان توافق المعدات مع معايير السلامة والجودة التي يحتاجها موظفو الخطوط الأمامية لدينا. وإذا لم تتوافق مع مواصفاتنا أو فشلت في اجتياز عمليات ضمان الجودة لدينا، فلن يتم توزيعها على العاملين في الخطوط الأمامية لمواجهة كورونا”.
وأعلنت السلطات الرسمية البريطانية أن ما أرسلته تركيا لا يتطابق مع المواصفات ويفتقد إلى متطلبات السلامة الشخصية؛ لأن ما أرسلته قد تم صنعه من خامات ومواد أولية رديئة. ومن المحتمل أن تطالب الحكومة البريطانية نظيرتها التركية بإعاد المبالغ التي تقاضتها عن تلك الصفقة بعد إعادة المواد إلى تركيا. ومن المقرر أن تعيد الوزارة شحنة معدات الوقاية الشخصية، كما تعتزم طلب استرداد الأموال، كما فعلت في مواقف مشابهة بالماضي.
على جانب آخر، أعلنت الحكومة البريطانية في وقت سابق عن نجاح الوزراء البريطانيين في إقناع الحكومة المصرية بالسماح لأحد مصنعيها بالوفاء بطلب شراء 275 ألف سترة طبية من قبل مورد بريطاني، على الرغم من حظر مصر لتصدير الملابس الطبية، مشيرة إلى إفراج الحكومة المصرية عن السترات الطبية ونقلها إلى المملكة المتحدة. كما كشف عضو مجلس العموم البريطاني، جريج هاندز، عن تقديم مصر مساعدات طبية إلى بلاده قريبًا، في إطار مواجهة أزمة تفشي فيروس كورونا المستجد.
وذكر النائب البريطاني في تغريدة له: “هناك أخبار جيدة فيما يخص المعدات الوقائية، بعد مكالمات هاتفية بين السفير المصري في بريطانيا، والسفير البريطاني في مصر والسفارة بالقاهرة. ونتيجة لهذه المكالمات هناك عدد من ملابس الأطقم الطبية في طريقها إلى المملكة المتحدة من مصر، شكرًا لك مصر”. وقدمت مصر مساعدات للصين في بداية الأزمة، والسودان، وإيطاليا، وغيرها، ومؤخرًا بريطانيا، إحدى أكبر اقتصاديات العالم.
ما فعلته تركيا مع بريطانيا، هو استكمال لما حدث مع إسبانيا، حيث احتجزت تركيا شحنة من المعدات الطبية الحيوية لإسبانيا تقدر قيمتها بـ 3 مليون يورو وبعد أيام من تعرضها لاتهامات من المسؤولين الإسبان باستيلائها على الشحنة، تم الإفراج عنها. وبالتزامن مع هذه الأزمة كشفت وسائل إعلام يمنية عن محاولة تصدير كميات كبيرة من الكمامات الموجودة في اليمن إلى تركيا. ففي الوقت الذي تثور فيه مخاوف من تحول اليمن إلى بؤرة انتشار للفيروس، خصوصًا في ظل ضعف إمكانات المنظومة الصحية، كشفت تقارير إعلامية محلية عن أن 50 ألف كمامة كانت في طريقها للتهريب من اليمن إلى تركيا، عبر إحدى الشركات العالمية، قبل أن تتمكن السلطات من ضبطها وإعادة توزيعها على المواطنين بسعر التكلفة.
تفاقم أزمة الرعاية الصحية في بريطانيا
سجلت بريطانيا أكبر عدد من الوفيات بفيروس كورونا في القارة الأوروبية، وثاني أكبر عدد على مستوى العالم حسب الأرقام الرسمية. وتعاني من نقص المواد والمعدات البسيطة اللازمة للطواقم الطبية مثل الأقنعة الواقية والقفازات. وهذه الأزمة ليست حديثة العهد بل تعود لعام 2009، حيث تجاهلت الحكومة طيلة هذه السنوات مطالبات بشراء تلك الأدوات. وتوصية لجنة الخبراء التي تقدم المشورة للحكومة بشأن الأوبئة بشراء الأطقم الطبية في يونيو 2019.
وبسبب نقص معدات الوقاية الشخصية، يُجبر الأطباء والممرضات على التشارك في الكمامات الواقية أو حبس أنفاسهم أثناء علاج المرضى. وتبين أن أعدادًا متزايدة من الأطباء في المملكة المتحدة، تضطر إلى معالجة مرضى كورونا من دون ارتداء معدات واقية. وتقول هيئة الصحة الوطنية إنه تم تسليم أكثر من مليون كمامة طبية في الأول من ابريل، دون الإشارة إلى أمور ترى الأطقم الطبية أنها في أشد الحاجة إليها وهي غطاءات الرأس، والسترات الطبية ذات الأكمام الطويلة. وبينما تمر المستشفيات البريطانية بظروف صعبة، انتقد العاملون في القطاع الصحي نصيحة حكومية لهم بإعادة استعمال معدات الوقاية الشخصية التي استخدموها وهم يعالجون مرضى فيروس كورونا. وتأتي هذه النصيحة في الوقت الذي تقل فيه الإمدادات في مختلف أنحاء البلاد.
بالإضافة إلى ذلك، تعاني بريطانيا من أزمة نقص الأسرة، وهو ما أكده تقرير صادر عن هيئة الرعاية الصحية في بريطانيا والحاجة إلى عشرات الآلاف من الأسرة لمرضى الفيروس بحلول أواخر يوليو المقبل. ويستند التقرير إلى افتراضات من قبل المجموعة الاستشارية العلمية الحكومية للطوارئ Sage، التي تقدم المشورة للحكومة بشأن التعامل مع المرض. ووفقًا للتقرير، فإن السعة الإجمالية المطلوبة للأسرة بحلول 20 يوليو قد تصل إلى 24،630 سريرًا. كما ستحتاج المستشفيات أيضًا إلى أكثر من 23600 سريرًا لإمداد المرضى بأجهزة الأكسجين الأساسية.
ويوضح التقرير أن هيئة الرعاية الصحية في انجلترا ستحتاج إلى أكثر من 4439 سريرًا للعناية المركزة بحلول 20 يوليو القادم، لاستيعاب أعداد المرضى المتوقعة، إذ لم يسفر تطبيق “التباعد الاجتماعي” عن تقليل معدلات الإصابة. لافتًا إلى أن تلك المعدلات تعتبر أقل من معدلات ذروة دخول المرضي إلى المستشفيات، المتوقع وصولها إلى 6152 خلال شهر مايو. مشيرًا إلى أن ذروة دخول المرضى إلى المستشفيات قد تم تأجيلها بسبب إجراءات الإغلاق.
ورجحت دراسة تحليلية أجراها معهد القياسات الصحية والتقييم (IHME) في كلية الطب بجامعة واشنطن وفاة أكثر من 66 ألف شخص في المملكة المتحدة جراء فيروس كورونا وهو ما يمثل40% من إجمالي نسبة الوفيات المتوقعة في أوروبا بحلول شهر أغسطس، على أن تصل ذروة حالات الوفيات نحو 3000 شخص في اليوم. وزعم المحللون أيضًا أن المناقشات حول سياسة “مناعة القطيع” أدت إلى تأخير المملكة المتحدة في اتخاذ تدابير التباعد الاجتماعي، والتي تم تطبيقها في 23 مارس الماضي بعد أن بلغ عدد الوفيات الناجمة عن الفيروس 54 شخصًا، ويُشار إلى أن البرتغال فرضت “التباعد الاجتماعي” حين توفي أول شخص في البلاد.
كما تنتقد “جمعية استشاري ومتخصصي المستشفيات” (HSCA)، التي تمثل مسئولي المشتريات في هيئة الـNHS، نهج الحكومة البريطانية في إرسال معدات الوقاية الشخصية إلى المستشفيات والذي يستند فقط إلى عدد المرضى الذين تأكدت إصابتهم بفيروس كورونا، وكشف مسح للرابطة الطبية البريطانية عن أن نصف أطباء إنجلترا تقريبا حصلوا على معدات الوقاية الشخصية الخاصة بهم من مصادرهم أو اعتمدوا على التبرعات عندما لم تكن متاحة عبر قنوات هيئة الخدمات الصحية الطبيعية.
وقامت وزارة الدفاع البريطانية بدور بارز في مواجه الأزمة، إذ شاركت في بناء 7 مستشفيات ميدانية جديدة (NHS Nightingale) لعلاج مرضى كورونا، وتوصيل معدات الحماية الشخصية، فضلًا عن توفير المختبرات المتنقلة التي تعزز من قدرة إجراء الاختبارات في جميع أنحاء البلاد. وساهمت المستشفيات الجديدة في توفير أكثر من 33 ألف سرير إضافي، وهو ما يعادل بناء 50 مستشفى.