تركيا

اتهامات جديدة لتركيا.. بين حملة اعتقالات للصحفيين وتسييس القضاء

استهلت تركيا عام 2020 بالمراجعة الثالثة لها أمام مجلس حقوق الإنسان في جنيف، والتي شهدت فيها انتقادات لاذعة للملف الحقوقي وانتهاكات الحكومة التركية لملف حقوق الإنسان، قائمة على دلائل تم فحصها من قبل مجموعة العمل التابعة للمجلس العالمي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وجاء ملف الحريات على رأس أولوية الملفات التي تنتهكها تركيا من خلال الاعتقالات التعسفية للصحفيين، مما دفع الولايات المتحدة وإيطاليا وكندا وتشيلي لمطالبة حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بوقف ما أسموه بـ “الحملات التعسفية” ضد الصحفيين، ولم تكن المراجعة الأولى منذ تولي أردوغان السلطة في البلاد.

ولعل قضية اعتقال 6 من الصحفيين التي انتشرت على صفحات الإعلام التركي وقرار المحكمة باستمرار اعتقالهم دون إخطار محاميهم أبرز دليل على مزيد من انتهاكات حكومة أردوغان، وتسييس القضاء لصالح إخفاء جرائم النظام بدعوى سياسة الدولة؛ ولعل سبب الاعتقال القائم على نشر أخبار حول جرائم النظام برعاية الرئيس التركي في ليبيا هو ما يبرز التبرير الحكومي لحملات الاعتقالات حتى تخفي جرائمها في حق الشعب التركي نفسه.

حكومة أردوغان وتكبيل الصحافة لإخفاء جرائمها تحت غطاء أسرار الدولة

بدأت جلسة محاكمة 6 من الصحفيين أمام المحكمة التركية لأول مرة في عطلة نهاية الأسبوع يوم السبت 2 مايو، دون إخطار محاميهم، والتي قررت خلالها باستمرار حبس الصحفيين بتهمة نشر أخبار عن معارك مرتزقة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في ليبيا.

وكانت قد نفذت نقابة الصحفيين الأتراك في مارس الماضي وقفات احتجاجية في 5 مدن تركية للمطالبة بالإفراج الفوري عن الصحفيين المعتقلين. ونشرت في بيان لها آنذاك أن النظام القضائي التركي لا يسير بشكل مستقل، بل مسيس بأغراض الرئيس التركي، وطلبوا الكشف عن مبررات اعتقالهم، مناشدين العدالة واصفين تركيا بأنها “بلد بلا ديمقراطية وبلا حقوق الإنسان بل يغتصب فيه حق الشعب”.

واستمعت المحكمة لأقوال الصحفين المعتقلين وهم “محمد فرحات شاليك” مدير النشر بصحيفة (يني يشام)، و”أيدين كسر” مدير شؤون التحرير بالصحيفة ذاتها، و”مراد آغيرال” الكاتب بصحيفة (يني جاغ)، و”باريش ترك أوغلو” مدير الأخبار في (أودا تي في) الذي كشف عن هوية ضابط المخابرات التركي في ليبيا وتشييع السلطات التركية لجنازته في سرية تامة، وذلك بالتعاون مع “هوليا كيلينتش” مراسلة القناة، ورئيس التحرير “باريش بهليفان”، الذين كانوا قيد الاعتقال، دون أي إرسال أية إشعار لمحاميهم.

وصف الإعلام التركي مسلسل المحاكمة بـ “فضيحة المحكمة الجنائية” الثانية في إسطنبول ، وبدوره ادعى القضاء التركي أن القضية تقع ضمن القضايا العاجلة والتي تم تعديل القانون لإمكانية النظر فيها بشكل عاجل وفقًا لتعديلات المادة (108) من قانون الإجراءات الجنائية رقم (5271)، إلا أن المشهد الثاني الأغرب في مسلسل المحاكمة هو دعوة محامين من النقابة دون المحامين وكلاء الصحفيين المعتقلين ذو المعرفة الوثيقة بالقضية، وبررت المحكمة اختيار نهاية عطلة الأسبوع للنظر في القضية بأن الأوراق الثبوتية وصلت للمحكمة في وقت متأخر وعليه ارتأت المحكمة عدم التأجيل. 

محامي الصحفيين المعتقلين “قرار المحكمة معد مسبقًا”

فيما صرح أحد محامي الصحفيين المعتقلين إلى صحيفة “يني يشام” بأن مكتب المدعي العام استأنف المحاكمة لاستمرار اعتقال الصحفيين، نتيجة الاستعانة بمحامي النقابة المحاميين، واستكمل حديثه بأن هؤلاء المحامون على غير دراية بملف القضية. 

وأضاف المحامي “أوزكان كليتش” أن “هذا يظهر مدى تعنت الحكومة”، والذين يصرون على تزامن المحاكمة مع عطلة نهاية الأسبوع، وهو ما يختلف مع ما هو معتاد في مثل تلك القضايا، وعلل ذلك لضمان استمرار الاعتقال، وأن القضية تم فتحها ونظرت المحكمة الرئيسية في الملف، بينما كان لديهم مطالب ثقيلة كانت تراجع المحكمة الملف الذي عادةً ما يستغرق 8 أيام فيما راجعته المحكمة في يومان، وتم تعيين محامين من النقابة والغريب في الأمر أنهم طالبوا باستمرار الاعتقال.

وأضاف المحامي “أوزكان كيليتش” أن المحكمة تم تحديدها وبدأت عملية المحاكمة، وأن لائحة الاتهام هي ملف قيد التقييم، مضيفًا: “تم تحرير الملف من النيابة، لكن المدعي العام لا يزال يعمل كطرف في القضية لخلق آلية لمواصلة اعتقال هؤلاء الصحفيين – هذا هو الهدف المعد مسبقًا – مما يعد انتهاكًا صارخ وأن الهدف هو منع المحكمة الفعلية لاتخاذ قرار محتمل، معتبرًا الأمر بأنه تطبيق فوق قانون حالة الطوارئ، مما ينم عن وجود نية سيئة وفعل متعمد، وأضاف أنه سيتم استئناف المحاكمة”. 

وقالت المحامية “جيزاي دولكادير” إن الهدف من المحاكمة هو اختطاف الملف من المحامين قائلةً “إنها المرة الأولى التي نواجه فيها مثل هذا الطلب. اختاروا الطريقة الأكثر سلاسة من تلقاء أنفسهم. إنهم لا يريدون منا أن ندافع ، وأن نقدم أدلة هذا انتهاك لحقهم في الدفاع. هذه العملية تتعارض مع المبادئ الأساسية للإجراءات الجنائية، لا نعرف حتى ما إذا كان يراجع الملف، ووصف الأمر بالفضيحة القضائية”. 

فيما ناشد أحد محامي المعتقلين “جلال أولغن” الذي غرد على حسابه بموقع “تويتر” قائلًا “لقد أفسدوا الأمر حقًا … وزير العدل … رئيس نقابة المحامين التركية.. اسمع صوتنا: تم فحص اعتقال موكلينا الأربعة في غيابنا باستدعاء محامين آخرين من نقابة المحامين، أنت محق إذا سألت عن الفرق الذي كان سيحدث لو كنا هناك”.

وبالوصول إلى أحد المحامين المعينين من نقابة المحامين، “ميرت جورمز”، سألنا إذا كان لديهم أي معلومات حول القضية، وتم التوضيح أنه تم تكليفهم بالقضية دون معرفة ما فحوى ملفاتها، وأن المحامين الخاصين بالنقابة لم يتمكنوا بعد من رؤية القضية التي تم فحصها جزئيًا، وعلموا أن الصحفيين المعتقلين كان لديهم محامون خاصون بالفعل أثناء المحكمة.

خبر يفضح جرائم أردوغان في ليبيا وراء قرار الاعتقال

تم احتجاز الصحفيين على خلفية نشر معلومات حول وفاة الرائد سنان كافلر ضابط المخابرات التركي Mit في ليبيا في 5 مارس، عقب نشر خبر كشف عن الجنازة السرية التي رتبها النظام التركي بحضور مجموعة قليلة من أهله، وهو ما اعتبرته السلطات التركية أمرًا يهدد الأمن القومي، فيما أراد النظام التركي غطاء جرائم أردوغان في ليبيا، نظرًا لحالة التخوف من السخط الشعبي ضد الرئيس التركي والذي اخذت شعبيته بالفعل في التآكل مع قرار الدخول إلى ليبيا، وعقد جلسة غير اعتيادية في البرلمان للموافقة على الدعم العسكري لحكومة الوفاق، والتي تلاها انتشار الأنباء عن مقتل المرتزقة السوريين وضباط أتراك في ليبيا، وعليه كان خبر وفاة “ضابط تركي” فاجعة على مسامع المجتمع التركي. 

عقب نشر الأنباء عن جنازة الضابط التركي تم إعداد لائحة اتهام ضد ثمانية أشخاص منهم سبعة من الصحفيين، ليقعوا ضمن لائحة الاتهام مع إصدار أحكام بالسجن نحو ثمانية أشخاص تتراوح بين 7 إلى 18 عامًا بتهمة “الكشف عن معلومات يجب أن تظل سرية للدواعي الأمنية والحفاظ على السياسة الدولية”، ستة منهم مازالوا قيد الاعتقال.

كما صدر أمر اعتقال بحق الصحفي والكاتب “إرك أغارير”، الذي تم إدراجه في لائحة الاتهام باعتباره “مشتبهًا به”.، وتم الاعتقال عقب نشر خبر بعنوان “تشييع جثمان الضابط التركي الذي لقى حتفه في ليبيا دون مراسم رسمية”، وهو ما تم اعتباره اختراقًا لقانون المخابرات. 

وتم الإفراج عن الصحفيين والكتاب الذين أدلوا بشهاداتهم في محكمة إسطنبول في 6 مارس من قبل المحكمة التي صدرت فيها، مع حظر السفر للخارج وتشديد الرقابة القضائية عليهم. 

ومع ذلك ، أُلقي القبض على “شاليك” و”كسير” اللذين اعتقلا مرة أخرى بناء على اعتراض مكتب المدعي العام ، في 8 مارس من قبل المحكمة الجنائية في إسطنبول بتهمة “الكشف عن معلومات ووثائق تتعلق بنشاط المخابرات”.

في 5 مارس، حجبت هيئة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الوصول لقناة “Odatv.”، وتم اعتقال “باريش ترك أوغلو” والمراسلة “هوليا كلينتش” من منزلهما في إسطنبول ومانيسا في الساعات الأولى من صباح يوم 5 مارس، وفي اليوم نفسه، أُحيل “محمد شاليك” و”أيدين كسير” إلى المحكمة لاعتقالهما كجزء من التحقيق نفسه، وتم الإفراج عنهم مع خضوعهم للمراقبة من قبل المحكمة. وفي اليوم التالي، تمت إحالة الكاتب الصحفي اليومي “مراد آغيرال” إلى المحكمة لاعتقاله بعد خروجه من مكتب المدعي العام. 

وفي 24 أبريل، صدرت لائحة اتهام ضد الصحفيين المعتقلين “باريش ترك أوغلو” و”هوليا كيلينش” و”فرحات شاليك” و”أيدين كسير” و”مراد آغيرال” وكذلك الصحفي “إرك أكارير”، الموجود حاليًا في الخارج.  وطالب الاتحاد الدولي للصحفيين بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة بالإفراج عن الصحفيين المعتقلين في تركيا، واصفًا تركيا بالسجن الأكبر للصحفيين حول العالم. 

وانتقدوا بدورهم قانون العفو الذي أصدره حزب العدالة والتنمية والذي سمح بالإفراج عن المحتجزين في قضايا جنائية وتجاهل معتقلي الرأي والصحفيين، كما لفتت تزييف حكومة أردوغان للأعداد المعلنة عن المعتقلين من الصحفيين تحت غطاء الإداريين، وبالتالي غير معروف العدد الحقيقي.

ووفقًا لصحيفة زمان التركية فإن الدولة التركية تحتل المركز 110 في مؤشر الديمقراطية عالميًا و154 في مؤشر حرية الصحافة، نتيجة عمليات الإغلاق الواسعة التي تنتهجها ضد القنوات والصحف والمواقع الإلكترونية في الداخل، كما شنت السلطات التركية حملة اعتقالات واسعة على خلفية نشر أخبار عن مقتل عدد من الجنود الأتراك في ليبيا، وهو ما اعترف به أردوغان عندما أعلن وفاة جنود أتراك وهو ما يؤكد التقارير الصحفية، والتى نشرت قصة العقيد المتقاعد “أوكان ألتناي” الذي صدر قرار بعودته للخدمة بعد أقل من عام لعودته من الخدمة وتم ارساله إلى ليبيا للتخلص منه من قبل حزب العدالة والتنمية برئاسة أردوغان نظرًا لاطلاعه على معلومات توضح سلطة الحزب وحكومة أردوغان بالجماعات المسلحة والمتطرفة، وعليه تم الزج باسم أردوغان الذي دبر اغتياله في ميناء طرابلس بينما تم دفنه في بلاده وسط حالة من التعتيم أيضًا. 

رحمة حسن

باحثة بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى