كورونا

“واشنطن بوست”: إرهاصات غض الدول المتقدمة الطرف عن معاناة دول العالم الثالث في ظل “كورونا”

عرض – محمد منصور

تناولت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية إحدى الظواهر الناتجة عن تفشي جائحة “كورونا” على مستوى العالم، وهي انكشاف حجم الهوة والتباعد بين الدول المتقدمة التي تتمتع بموارد وثروات، وبين دول العالم الثالث التي تعاني من اقتصاديات محدودة وموارد قليلة.

وذكرت الصحيفة الأمريكية، في مقال للكاتب المتخصص في الشئون الدولية (إيشان شارور)، أن هذه الظاهرة في واقع الأمر تعد أخطر بكثير من جائحة كورونا نفسها، فقد نبعت من تفاقم الانقسامات الاجتماعية والاقتصادية داخل الأنظمة السياسية والاقتصادية لمعظم دول العالم، وهو ما أثر بصورة سلبية على الطبقات العاملة والمستويات الاجتماعية الأدنى داخل هذه الدول.

وأشار الكاتب إلى تعمق الهوة بين دول متقدمة ترى أن الأولوية تبقى لحماية نفسها من تداعيات الجائحة، وبين دول فقيرة ستبدأ قريباً في المعاناة بشكل أكبر، من آثار تفشي هذه الجائحة، في ظل ضعف قدراتها المالية والصحية على الصمود أمام تصاعد متوقع لانتشار هذه الجائحة على أراضيها.

واعتبر أن هذه الفجوة ما بين الفريقين معرضة لتفاقم أكثر عندما تتفشى هذه الجائحة بشكل أكبر جنوبي العالم، خاصة وأن تفشيها حتى الآن تركز بشكل أساسي على القسم الشمالي من دول العالم، وتحديداً نطاق قارة أوروبا وروسيا وأمريكا الشمالية.

وذكرت الصحيفة أن الآثار الاقتصادية المدمرة لهذه الجائحة  بدأت تظهر بشكل فادح في الدول النامية، فقد توقفت أو أوشكت على التوقف، مئات الملايين من فرص العمل المؤقتة، سواء كانت هذه الفرص خاصة بعمالة الدول النامية في الخارج، أو خاصة بالعمالة الموجودة على أراضي الدول النامية، بالتبعية ستكون هذه الدول مطالبة بتقديم إعانات نقدية عاجلة لهذه العمالة، وبعضها لن يكون قادرا على سد هذه الفجوة، نظرا لمحدودية مواردها المالية الحالية، وكذا تأثر اقتصادياتها بتقلص أو حتى توقف كافة التحويلات النقدية الواردة من العمالة الخارجية، وهي تحويلات تعد شريانا اقتصاديا أساسيا للعديد من الدول النامية.

بالإضافة إلى ما سبق، من المتوقع أن تتزايد معدلات الفقر على مستوى العالم، وذلك للمرة الأولى منذ نحو عقدين، فتقديرات البنك الدولي تشير إلى أن تداعيات تفشي جائحة كورونا، ستؤدي إلى وقوع نحو 49 مليون شخص على مستوى العالم تحت خط الفقر، خاصة في قارتي آسيا وأفريقيا ودول جنوب الصحراء الكبرى، وتوقعت دراسات أخرى أن تتزايد أعداد الفقراء حول العالم خلال الأشهر القادمة، لتصل إلى نحو نصف مليار شخص، أي ما يوازي ثمانية بالمائة من التعداد السكاني العالمي.

الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر

من جانبها، دقت الأمم المتحدة من جانبها، الشهر الماضي ناقوس الخطر، وذلك عبر تحذير برنامج الغذاء العالمي، من إمكانية حدوث مجاعات ذات نطاق واسع، في حالة عدم اتخاذ إجراءات عاجلة لإنقاذ الاقتصاديات المحلية المنهارة، والآثار الاقتصادية السلبية الأخرى لتفشي جائحة كورونا، مثل تقلص معدلات التجارة والتصنيع، والنقص الحاد في السيولة والتمويل. في هذا الإطار، يتوقع البرنامج أن يتضاعف عدد سكان العالم، الذين يواجهون انعدام حاد في مقومات الأمن الغذائي، يصل إلى درجة المجاعة، إلى 265 مليون نسمة.

وكان ديفيد بيزلي، المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي، كتب مقالة في صحيفة واشنطن بوست الشهر الماضي، تناول فيها هذا الموضوع، وقال “على الرغم من أننا نبذل أقصى ما يمكن من جهود، يموت 21000 شخص من الجوع كل يوم، لذلك فإن هذه الأعداد وما يتوقع أن يضاف أليها خلال الأشهر القادمة، تمثل كارثة كبيرة لابد من محاولة التعامل معها بجدية”.

وقد حذر بيزلي خلال هذه المقالة، من تفشي (جائحة الجوع) الموازية لجائحة كورونا، إذا لم يتم اتخاذ إجراءات اقتصادية ونقدية لإبقاء إقتصاديات الدول النامية في مستويات آمنة، وذلك بالتزامن مع ضخ الدول الصناعية المتقدمة تريليونات الدولارات، كمحفزات مالية تقي اقتصادياتها العملاقة، التأثيرات المدمرة لهذه الجائحة.

من جانبه، قال عامر الداودي، مسؤول برنامج الغذاء العالمي المختص بإجراءات مكافحة جائحة كورونا، “إننا نشهد الآن تدهورا كبيرا للأمن الغذائي لملايين البشر حول العالم، وهذا قد ينذر بتشكل فئة جديدة من سكان المدن، ستعيش في أجواء يسودها تفشي المجاعات وانعدام الأمن”، محذرا من أن هذه الجائحة سيكون لها (تأثير مضاعف”)، في عديد من البلدان ذات الأنظمة الصحية الضعيفة.

 لمواجهة هذه الأوضاع، أطلقت الأمم المتحدة خطة استجابة إنسانية طارئة بقيمة ملياري دولار، موجهة بشكل أساسي للدول الأكثر فقراً حول العالم، لكن ونظراً للتدفق البطيء لأموال المانحين ، وجه برنامج الغذاء العالمي، دعوة خاصة به، تستهدف نحو 350 مليون دولار، لكنه حتى الآن لم ينجح سوى في الحصول على جزء يسير منها من الدول المانحة. برنامج الغذاء العالمي هي العمود الفقري اللوجستي للنظام الإنساني الدولي، وبالإضافة إلى تقديمه المساعدة الغذائية للمحتاجين، سيكون البرنامج في قلب جهود الإغاثة الوبائية في المستقبل، وذلك بمساهمته في تقديم الإمدادات الطبية الطارئة في مناطق الأزمات والكوارث، وكذا توفيره الكوادر العاملة في المجالين الطبي والإنساني.

قد تكون هناك حاجة أيضا إلى توفير مليارات الدولارات، لمساعدة الدول الأكثر فقرا على توزيع لقاحات لعلاج جائحة كورونا في المستقبل، لكن تبقى هذه المبالغ نقطة في بحر ما تمكنت الدول المتقدمة، من توفيره من موارد مالية لمواطنيها خلال الشهور الماضية، فقد أقرت الولايات المتحدة حزمة تحفيز اقتصادية بقيمة تريليوني دولار، مع توفر إمكانيات مستقبلية لزيادة هذه المبالغ، وهذا هو نفس الحال في ما يتعلق بالإجراءات النقدية الأوروبية الخاصة بالتحفيز الاقتصادي.

في هذا الصدد، تسعى حكومات الدول المتقدمة، إلى تقديم الدعم للدول النامية أو الأكثر فقرا. في الشهر الماضي، وافق وزراء مالية مجموعة دول العشرين، بصورة مؤقتة، على تجميد سداد عشرات الدول النامية للديون المترتبة عليها للدول المتقدمة. وعلق رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، على هذه الخطوة بالقول، إنها لا تفي بالغرض، ودعا الدول الدائنة إلى إلغاء (الديون الثنائية والتجارية الرسمية)، المترتبة على هذه البلدان، من أجل مساعدتها على تكريس مواردها الذاتية القلية، لدعم اقتصادها وأنظمتها الصحية في هذه المرحلة.

هذا الكلام جاء في مقال نشر بقلم أحمد في صحيفة نيويورك تايمز، وأضاف فيه، “في عام 2019 ، أنفقت 64 دولة، نصفها تقريبا في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، موارد مالية لسداد ما يترتب عليها من أقساط خاصة بالديون، أكثر مما أنفقته على قطاعاتها الصحية، أثيوبيا تنفق ضعف أنفاقها على القطاع الصحي، على سداد ديونها الخارجية”.

وأضاف أبي أحمد “من مصلحة جميع الدول، السماح للمقترضين بهامش من الحركة، من أجل التعافي من آثار الأوضاع الحالية، وفي حالة حدوث ذلك، سوف نتقاسم جميعا فوائد إعادة تأهيل اقتصادات البلدان الأكثر تضررا، تماما مثلما ستؤثر عواقب الإهمال علينا جميعا.” وأخيراً، لا يبدو أن التضامن الدولي يمثل أولوية لبعض الجهات الفاعلة الرئيسية، فقد انخرطت الولايات المتحدة والصين في نزاع متصاعد بشكل كبير، وتواصل إدارة ترامب حملتها ضد منظمة الصحة العالمية، وهي مؤسسة أخرى مهمة من مؤسسات الأمم المتحدة. قد يكون قصر النظر هذا مكلفاً جدا في هذه المرحلة، لأن الحقيقة التي يجب أن يدركها الجميع هي، أنه وأن كانت مكافحة هذه الجائحة محلياً داخل حدود الدول هي أولوية أساسية حالياً، لكن هذا لا ينفي أن الطريقة الوحيدة للوصول إلى بر الأمان في هذا الصدد، هي تكاتف الجميع لمكافحتها على المستوى الدولي.

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

محمد منصور

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى