
“حيل أردوغان” .. بين التخلص من خصومه العسكريين بإرسالهم إلى ليبيا والتستر على مقتل آخرين
تطاير بالأمس خبر على موقع التواصل الاجتماعي ” فيس بوك” وتحديدًا على صفحات مقاتلين ينتمون للجيش الوطني الليبي، يفيد بمقتل ضابط تركي في صفوف ميليشيات السراج في ليبيا ويدعى ” نورلان أجليك” خلال معركة دارت في طرابلس بين قوات الجيش الوطني والمرتزقة في صفوف حكومة الوفاق، الخبر أشار ضمن سطوره إلى أن الصحف التركية نعت الضابط التركي إلا أنه وبالبحث على مواقع الصحف التركية للتأكد من مصدر الخبر لم يتم التوصل إلى أي نعي أو إلى أي إشارة لوفاة الضابط التركي “نورلان أجليك” خلال قتاله في صفوف الوفاق.
بتدقيق البحث تبين أنها ليست المرة الأولى ويبدو أنها لن تكون المرة الأخيرة التي يتستر فيها النظام التركي على وجود قتلى في صفوف ضباطه في ليبيا، ويستهدف من ذلك بشكل مباشر التغطية على الخسائر الفادحة في الأرواح التي يمنى بها المقاتلون الأتراك في ليبيا، إلا أن ذلك ليس السبب في كل حالات التستر.
فمنذ فترة قريبة وتحديدًا في النصف الأخير من فبراير الماضي تكتمت السلطات التركية على خبر مقتل ” عقيد” متقاعد في المخابرات التركية بل أنه عندما دفن، دفن “سرًا” في بلدته، وحسب موقع ” نورديك مونيتور” السويدي للأبحاث فإن الأمر ليس ” حسن النية” ولا يندرج تحت خانة التشويش على الخسائر.
” أوكاني ألتناي ” ضابط المخابرات التركي والعقيد المتقاعد تم إرساله لهدف معين حيث يرجح أنه قد قد قتل بين الثامن عشر والعشرين من فبراير الماضي، وحسب الموقع فإن ” ألتناي” وبحكم عمله لديه معرفة واسعة بالصلات بين حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والجماعات الجهادية المتطرفة ولذلك فإن السيناريو الأكثر ترجيحًا هو أن أردوغان قام بإرساله إلى براثن الحرب الليبية من أجل القضاء على شاهد رئيسي على جرائم الحكم الإسلامي في تركيا.
كما يعتقد أن ” أوكاني ألتناي” الذي قيل أنه قتل خلال قصف لميناء طرابلس كان قد تم إعداده عمدًا لاغتياله من قبل المخابرات التركية، ووفقًا للمصادر العسكرية التي تم الوصول إليها فإن ” ألتناي” كان على خلاف كبير مع فصيل رئيسي داخل وكالة المخابرات حيث كان يعمل مع الجماعات الجهادية المتطرفة وأبلغ قيادة الأركان العامة عن اعتراضاته على أساليب عمل وكالة المخابرات الوطنية التركية .
ولسنوات طويلة عمل العقيد ” ألتناي” في المخابرات التركية وحضر جميع الاجتماعات السرية التي ضمت المعارضة السورية والجماعات المتطرفة ولاحقًا رسمت ” قيادة الأركان” خطة التخلص منه فأرسلته بسبب عدم ارتياحه لصلات النظام الوثيقة بالجماعات الجهادية بما في ذلك المنتسبين للقاعدة لاجتماعات في أنقرة وإسطنبول لمراقبة وتسجيل ما يجري وحسب نورديك مونيتور فإن العقيد المتقاعد كان قادرًا على توجيه صفعة قوية لنظام أردوغان.
كما اشتبك العقيد مرارًا مع ” كمال إسكنتان” الضابط السابق والبالغ من العمر 55 عامًا والذي أصبح فيما بعد رئيسًا لقسم العمليات الخاصة في معهد ” ماساتشوتس للتكنولوجيا” وقد تم استخدام ” إسكنتان” وفريقه المخادع من ضباط المخابرات لإدارة عملية سرية بهدف تسليح مجموعات تابعة للقاعدة في سوريا.
وقبل التخطيط لمقتل ” ألتناي” عمدًا كان قد عاد لتوه من حضور اجتماعات بين مسؤولي معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا والجماعات المتطرفة حيث تم التفاوض في الاجتماع السري، الذي عقد مع ممثلي الدولة الإسلامية في العراق وسوريا (داعش) ، على شروط الوصول إلى قبر سليمان شاه ، جد عثمان الأول ، مؤسس الدولة العثمانية في عام 2015 حيث استقال العقيد بعد محاولة الانقلاب في يوليو 2016.
وكان القبر، الذي يقع في الأراضي السورية على بعد 30 كيلومترًا من الحدود التركية ، يحرسه حوالي 40 جنديًا تركيًا ، ولم يتمكن الجيش التركي من إرسال بدائل أو إمدادات لوجستية لشهور في عام 2014 لأن مقاتلي داعش أحاطوا بالقبر.
على أية حال فإن الأوصاف التي أطلقت على تلك العمليات السرية وافتها حقها، فقد وصفها أحد المصادر لنورديك مونيتور بأنها عمليات تديرها حفنة من الرجال الخونة للأمة والذين لا يتصرفون بحال من الأحوال كجهاز مخابرات وإنما كعصابات جريمة منظمة.
من هو العقيد المتقاعد؟
تصف مصادر عسكرية تركية العقيد ” ألنتاي” بأنه رجل عسكري ناجح تعلم اللغة العربية في سوريا وعمل لاحقًا في الأردن كنائب للملحق العسكري بين عامي 2010 و 2012. وبعد عودته إلى تركيا، عمل في مكتب الشرق الأوسط في مقر هيئة الأركان العامة لمدة ثلاث سنوات.
ثم تقاعد ألتناي من الجيش في عام 2015 ولكن تم نقله من قبل الحكومة إلى موقع في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بناء على نصيحة هيئة الأركان العامة حتى يتمكن الجيش التركي من الاستمرار في مراقبة عمليات MIT ، وبدأت علاقته بليبيا ،ووفقًا للحسابات التي قدمها اثنان من المصادر.
عندما انخرط “إسكنتان” في تمكين الجهاديين على الأراضي الليبية بأمر من حكومة أردوغان ، تبع ذلك تعيين العقيد المتقاعد في ليبيا أيضًا. وأوضح أحد المصادر قائلاً: “لا نعرف الظروف الدقيقة لكيفية قتله ، لكني أظن أنه أُعدم ” للتستر على جرائم أردوغان المرتكبة بالتعاون مع ” ماساتشوستس “.
وحسب التقارير فقد تمت الإشارة إلى مقتل ألتناي وضابط مخابرات تركي آخر ، سنان كافلر ، في 18 فبراير 2020 عندما قصف الجيش الوطني الليبي ميناء طرابلس. وبحسب ما ورد تم استهداف سفينة تركية كانت تحمل أسلحة وذخائر أثناء رسوها في الميناء . تلك الرواية الرسمية أما المصادر فقالت لـ” نورديك مونيتور” أنه قد تم إعدامهم بشكل منفصل أو عن طريق تسريب ” إحداثيات” تواجدهم للجيش الوطني الليبي”.
وفي 18 فبراير الماضي نفت حكومة أردوغان الرواية وكان من الواضح أن مجلس الوزراء أراد التمسك باستراتيجية الإنكار ، على أمل أن تتلاشى المزاعم. ومع ذلك ، بعد ثلاثة أيام حدث شيء غريب للغاية. حيث كشف الرئيس أردوغان عن غير قصد عن الخبر خلال إحدى خطاباته العامة في أزمير في 22 فبراير 2020 حين أقر بسقوط جنود أتراك في محاولة للتباهي بعدد الجنود في الجيش الوطني الليبي الذين تم قتلهم . وقد أغضبت تصريحاته المعارضة ، التي سألت لماذا كان غامضًا بشأن عدد الجنود الذين سقطوا واتهمته بعدم احترام جنوده.
وتبين لاحقًا أن “ألتناي” أعيد إلى تركيا ودُفن سراً في مسقط رأسه في مقاطعة أيدين الغربية. حيث تم الإبلاغ عن الدفن من قبل اثنين من الصحفيين في صحيفة ” يني شفيق” في 23 فبراير الماضي قبل أن يتم اختراق حساباتهم وحذف رسائلهم دون علم أو موافقة.
ملاحقات الصحفيين تتوسع
في الرابع من مارس الماضي ألقت الشرطة التركية القبض على باريش ترك أوغلو، مدير الأخبار في موقع “أودا تي في”، بسبب تقرير عن تحدث عن تشييع جنازة أوكان ألتيناي في مقاطعة مانيسا الغربية، وقال إنها جرت بصمت دون مشاركة مسؤولين رفيعي المستوى.
ولم تلبث الملاحقات أن توسعت حيث صدرت بالأمس مذكرة ضبط وإحضار للصحفي في جريدة “بيرجون” المعارضة، “إرك أجارير”، في القضية التي ألقي فيها القبض على 3 صحفيين آخرين من موقع “أودا.تي.في”، وصحفي بصحيفة “يني شفيق” لنشرهم معلومات تخص ضابط المخابرات المتقاعد الذي لقي حتفه أو أعدم بمعرفة النظام التركي في ليبيا.
وبحسب المصادر، فإن السلطات التركية فتحت تحقيقات مع 8 متهمين، من بينهم رئيس تحرير موقع “أودا.تي في”، باريش بهليفان، ومدير التحرير باريش تارك أوغلو، والمراسلة هوليا كيلينتش، وكاتب صحيفة “يني تشاغ” مراد أغيرال؛ بتهمة إفشاء أنشطة وهوية عناصر الاستخبارات في مهام سرية.
هوليا كيلينتش
وأوضح تقرير الصحيفة أن “التهم الموجهة إلى الصحفيين الأتراك، هي إفشاء مستندات ومعلومات خاصة بأنشطة استخباراتية، وفقا للمادة 27 من قانون خدمات الاستخبارات ومؤسسة الاستخبارات الوطنية، بعد أن كشفوا هوية الضباط الأتراك المقتولين في عمليات عسكرية في ليبيا”.
وقد بدا أكيدًا أن الرئيس التركي يسعى حثيثًا لتطويق تدخله المباشر في ليبيا برداء من الغموض وتكميم الأفواه للتغطية على خسائره هناك كما يرفض الكشف عن طبيعة الخسائر التي تتكبدها قواته ، خشية أن يثير ذلك غضب الشارع التركي ، فكيف إذا كان الأمر متعلق بضابط سابق تثار الشبهات حول إعدامه أو الدفع لقتله عمدًا.
باحث أول بالمرصد المصري