
جامعة ييل تنشر دراسة حول توقعات تزايد الإصابات بالقارة الأفريقية
عرض رحمة حسن
مع تأخر ظهور انتشار فيروس كورونا المستجد في القارة الأفريقية، والتي تم إرجاعه لعدة عوامل منها المناخ الحار، وانغلاق بعض الدول في القارة على نفسها، خاصةً وأن الحالات الأولى التي ظهرت في القارة كانت من القادمين من الخارج، إلا أنه مع بدايات ظهور المرض انتشر الحديث حول أنه من المتوقع أن تكون القارة هي الأكثر عرضة لمخاطر انتشار الفيروس؛ نظرًا لضعف الأنظمة الصحية في بعض دول القارة وانتشار بعض الأمراض مثل الإيبولا والملاريا وأمراض ضعف المناعة، والتي من شأنها أن تمثل ضغوطًا على الأنظمة الصحية بالقارة السمراء.
كما سيؤدي اهتمام الحكومات بالقضاء على أحد الأمراض في تأثرها بالمرض الآخر وزيادة أعداد الاصابات المتوقعة، إلا أن خبرة القارة والشراكات التي كونتها خلال فترات أزمات الأوبئة الأخرى قد تسهم في مواجهة الأزمة، ولكن هل ستنجح كل دول القارة في مواجهة جائحة كورونا؟ أم هناك دول أكثر تأثرًا وكيف يمكن تحليل البيانات للتسهيل على واضعي السياسات؟
نشرت كلية الطب في “جامعة ييل” الأمريكية حديثًا حول الدراسة التي قام بها مجموعة من الباحثين حول “التنبؤ بتأثير كوفيد-19 على القارة الأفريقية”، حيث يتخوف مسؤولو الصحة العامة من أنها ستكون مجرد مسألة وقت فقط قبل أن تبدأ العدوى في الارتفاع في ثاني أكبر قارة في العالم والتي تضم مايقرب من 1,3 مليار نسمة.
وقام فريق بحثي في الجامعة بتطوير أحد أول نماذج التنبؤ بانتشار الجائحة من خلال تحليل معدلات الإصابة والوفيات في جميع أنحاء أفريقيا، والتي استخدموا فيها علوم البيانات المتقدمة لضمان احتساب توقعاتهم للظروف الاجتماعية والاقتصادية القائمة في مختلف البلدان الأفريقية. توفر التوقعات الناتجة بيانات مهمة خاصة بالمنطقة تهدف إلى مساعدة واضعي السياسات وأنظمة الرعاية الصحية في الاستعداد لحالات التفشي المحتملة.
الدول الأكثر تأثرًا بانتشار الفيروس في القارة
من المرجح أن تشهد القارة الأفريقية مستويات عالية من انتشار كوفيد-19. بحلول 30 يونيو 2020، في ظل غياب السياسات المناسبة. وقدّرت الدراسة أنه يمكن إصابة ما يصل إلى 16.3 مليون شخص في أفريقيا، مع توقع زيادة بنسبة 39٪ من مايو إلى يونيو. وكانت المراكز الأفريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها قد أفادت أن حالات الإصابة بفيروس كورونا في جميع أنحاء القارة زادت بنسبة 37% خلال الأسبوع الأخير من أبريل.
وأظهر النموذج أن دول شمال أفريقيا والمتمثلة في المغرب والجزائر والتي ستصبح نقاط ساخنة ستكون الأكثر تأثرًا بالوباء، وأن شرق أفريقيا هي الدول الأقل تأثرًا في القارة، بينما ستكون زامبيا وجيبوتي هم الأكثر تأثرًا في الشرق، وغانا وكوت ديفوار في الغرب، كما ستكون جمهورية الكونغو الديمقراطية والجابون من النقاط الساخنة في وسط أفريقيا، في حين ستشهد جنوب أفريقيا وسوازيلاند معدلات إصابة كبيرة في الجنوب.
وأوضح الباحثون أنه من المتوقع أن يظل معدل انتشار فيروس كورونا المستجد في أفريقيا أقل من 1.5٪ طوال فترة التنبؤ التي تمتد لثلاثة أشهر، من أبريل إلى يونيو، ومع ذلك، هناك اختلافات واسعة في تأثر الأقاليم داخل الدولة، على سبيل المثال، في المناطق دون الإقليمية لشمال وجنوب أفريقيا، من المتوقع أن تكون معدلات الإصابة التراكمية أكثر بقليل من 3٪ مع توقع أن يبلغ المعدل في المناطق الفرعية الأخرى حوالي 3.5٪ اعتبارًا من 30 يونيو. وهذا يعني أن بعض المناطق في أفريقيا ستكون بالفعل معرضة للإصابة بقوة مقارنة بمناطق أخرى.
أسباب اختلاف تأثر الدول الأفريقية وفاعلية الإجراءات الاحترازية
أرجع الباحثون سبب هذا الاختلاف إلى قوة أنظمة الرعاية الصحية المحلية، وعبء الأمراض المعدية الأخرى مثل فيروس نقص المناعة البشرية “الإيدز” والحالة الاجتماعية والاقتصادية ومستويات السكان، فوجدوا أن البلدان الأقل تحضرًا ذات المستويات المنخفضة من التنمية الاجتماعية والاقتصادية (وبالتالي، اتصالات أقل مع بقية العالم)، من المرجح أن تشهد انتقالًا أقل وأبطأ للأمراض في المراحل المبكرة من الوباء، ومع ذلك، فإن تلك العوامل نفسها التي تعمل في البداية لصالح تلك البلدان يمكن أن تعوق الإجراءات الاحترازية التي قللت من تأثير كوفيد-19 في أماكن أخرى.
وعن فاعلية طرق الوقاية المستخدمة، ترى الدراسة أن إجراءات الوقاية واسعة النطاق التي نجحت في بلدان أخرى مثل غسل اليدين بصورة متكررة، والحد من الحركة والتباعد الاجتماعي ليست كافية، أو غير عملية للتصدي للوباء في السياق الأفريقي.
وتشمل العوائق التي تحول دون هذه التدابير “المستوطنات غير الرسمية الكبيرة، والافتقار إلى المياه والصرف الصحي المناسب، والتركيزات العالية للمجتمعات المهمشة، بما في ذلك حوالي 12.3 مليون شخص من النازحين قسرًا و4.2 مليون لاجئ”.
تدابير الاستجابة الفعالة في السياق الأفريقي
من المهم في السياق الأفريقي أن يتم وضع تدابير الاستجابة في سياقها لمعالجة العوامل الفردية والهيكلية الكامنة بحيث تكون متوازنة أيضًا مع حاجة الشعب داخل الأقاليم الأفريقية بداية من الحفاظ على سبل العيش الفردية والتماسك الاجتماعي. فعلى سبيل المثال، من المرجح أن يعود العمال الذين يفقدون وظائفهم في المناطق الحضرية بسبب الإغلاق الاقتصادي إلى منازلهم في المناطق الريفية حيث يقيم عدد كبير من كبار السن، مما يزيد من المخاطر الصحية.
وبالتالي، فإن تدابير مثل توفير الدعم الكافي للمياه والصرف الصحي، وتوزيع الغذاء الموثوق به والقيود المستهدفة على الحركة (على سبيل المثال من المناطق الحضرية إلى المناطق الريفية) ستقطع شوطًا طويلًا في التخفيف من انتشار المرض.
وعن الأنظمة الصحية في أفريقيا فإنها تخضع للعديد من الضغوط من سوء بعض أنظمة الحكم إلى أفريقيا التي تضطر إلى تبني نماذج السوق الحرة للتقشف الاقتصادي في إطار برامج التكيف الهيكلي لصندوق النقد الدولي. هذه السياسات لها تأثير ضار، إلى جانب أن الأنظمة الصحية متوترة بالفعل في أفريقيا نتيجة انتشار الأوبئة. ونتيجة لذلك، تتخذ القيادة المحلية بالدول الأفريقية بالفعل خطوات مناسبة، من تطوير مجموعات الاختبارات المحلية إلى إنتاج أجهزة التهوية من مصادر محلية.
وعن سبل مواجهة الحكومات لفيروس كورونا في أفريقيا، أوضحت الدراسة أن أكثر النظم الصحية فاعلية قد تفشل إذا لم يتم التعرف على حاجات السكان المحليين، كما حدث عند مواجهة فيروس نقص المناعة البشرية “الإيدز”، كما يجب أن يتم تفعيل الشراكات بين أصحاب المصلحة المتعددين والتي تم تنفيذها مسبقًا عند مواجهة الأوبئة والأمراض المتفشية بالماضي.
كما يجب على واضعي السياسات الأفارقة أن يأخذوا بعين الاعتبار التأثير الذي قد تحدثه بعض التدخلات في تعميق التفاوتات الصحية، مع التوصية باستخدام الأساليب المعتمدة على البيانات لتحديد الفئات الضعيفة حتى يمكن دعمها بشكل صحيح ومنصف خلال هذه الأزمة، فيجب ألا يتم تهميش أي مجتمع.
وأخيرًا، بقدر تعامل الأنظمة الصحية مع الوضع الناشئ، تعد البيانات هي الأساس في تقديم استجابة قائمة على الأدلة. وتقدم الدراسة نموذج للتنبؤ ليكون دليلًا شاملًا، ولكنه مرن بما يكفي ليتم تحديثه بانتظام حسب ما تتطلب الظروف، وهو النموذج الذي مازال قيد التحكيم من جامعة ييل.
باحثة بالمرصد المصري



