احتجاز بريطانيا لناقلة نفط إيرانية هل يفتح الباب للقرصنة الدولية؟
في الرابع من يوليو الجاري احتجزت القوات البريطانية ناقلة النفط الإيرانية “جريس 1” قبالة جبل طارق في مياه البحر المتوسط، وهي السفينة التي كانت في طريقها إلى سوريا،ودارات حولها الظنون بأنها تحمل نفطا خاما إلى دمشق، الأمر الذي أثار لغطا كبيرا، حول الأسباب التي دعت بريطانيا لاعتراض الناقلة بناء على طلب أمريكي على الرغم من امتلاك الولايات المتحدة لقوات متمركزة في مدينة شتوتجارت الألمانية والمندرجة تحت القيادة العسكرية الأمريكية الوسطى.
وهو ما يفتح الباب أمام كل الانتقادات التي تطال بريطانيا كل حين وتتمحور حول خضوعها للإدارة الأمريكية والامتثال لأوامرها، ولاحقاأعلنت قوات منطقة جبل طارق التي تتمتع بحكم ذاتي، استمرار احتجاز السفينة لمدة 14 يوما آخرين بناء على قرار من المحكمة العليا.
وهذه العملية قد تكون أول اعتراض من نوعه بموجب عقوبات يفرضها الاتحاد الأوروبي على سوريا. وإذا تأكد أن السفينة كانت تحاول تسليم هذه الشحنة إلى سوريا فقد يمثل هذا انتهاكا أيضا للعقوبات الأمريكية على صادرات النفط الإيرانية.
وعلى النقيض من الرواية الإسبانية ، قالت مصادر أخرى أن طلب اعتراض الناقلة جاء من الحكومة المحلية في جبل طارق، حيث قالت الحكومة المحلية في بيانها إن لديها أسبابا وجيهة تدعوها للاعتقاد بأن الناقلة (جريس 1) تحمل شحنة من النفط الخام إلى مصفاة بانياس في سوريا.
وحسب بيان الحكومة أيضا ، فقد تلقت إشارات في 17 ابريل بأنه جرى تحميل الناقلة بالنفط الإيراني قبالة السواحل الإيرانية على الرغم من أن وثائق السفينة تشير إلى أن مصدر النفط هو العراق.
إيران تستغل حلفاءها لتسويق النفط
بحسب معلومات، تصدرت عمليات تصدير النفط الإيراني عبر العراق كل محاولات الالتفاف التي عمد إليها نظام ولاية الفقيه لتفريغ العقوبات الأمريكية من مضمونها.
ويعتمدالحرس الثوري الإيراني في تهريب النفط في الوقت الراهن، على طرق وآليات قديمة تعود لعهد الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، الذي كان يلتف على الحصار الدولي من خلال تصدير النفط عبر إيران.
وحاليا تبيع إيران نفطها عبر العراق بطريقتين؛ الأولى تتمثل في خلط النفط الإيراني الذي يهرب حاليا مع النفط العراقي لتغيير مواصفاته أما الطريقة الثانية فتتمثل في تصدير المليشيات مليون برميل من النفط الخام العراقي وتسليم واردات ٨٠٠ ألف برميل منها بالكامل إلى إيران مقابل وعود من طهران بإيداع مليون برميل نفط لصالح هذه المليشيات في إيران مستقبلا، على أن تستلمالمخزون من النفط الإيرانيعندما ترفع العقوبات عن نظام الملالي”.
لماذا غيرت السفينة مسارها ؟
في الرابع من يونيو ، رصدت إشارة السفينة وهي تدور حول الطرف الجنوبي لقارة أفريقيا بالقرب من رأس الرجاء الصالح وذلك لتفادي العبور من قناة السويس والذي أشارت إليه مصادر أخرى في إطار تعثر العبور من قناة السويس بعد منع السعودية للناقلة من تفريغ جزء من حمولتها في المياه التابعة للسعودية.
فعادة تمر ناقلات النفط العملاقة عبر قناة السويس بشرط أن تكون حمولتها ملائمة لتجهيزات القناة، فإذا كانت حمولة الناقلة غير ملائمة يتم تفريغ بعض النفط الخام الذي تحمله قبل دخول القناة وضخه عبر أنبوب إلى الجانب الآخر من القناة ثم إعادة تحميله من جديد،وتمتلك الرياض جزءا من منظومة التفريغ هذه، ولذلك فهي لا تسمح للسفن الإيرانية باستخدامها.
ولذلك سلكت الناقلة “جريس 1” طريقا مختلفا وطويلا يدور حول إفريقيا في رحلة تبلغ مسافتها 12000 ميل بحري للوصول إلى سوريا، إذا كانت بالفعل وجهتها النهائية سوريا.
وحسب الإعلام الإيراني ، فلم يكن هذا التعامل السعودي مع الناقلات الإيرانية هو الأول من نوعه، إذ قامت السعودية بإنقاذ سفينة إيرانية فقد طاقهما القدرة على السيطرة عليها قرب سواحلها، ولكن على الرغم من أن الشركة المشغلة للناقلة سددت أكثر من عشرة ملايين دولار للسعودية مقابل إصلاح الناقلة ورسوها في ميناء جدة، فإن الجانب السعودي لا يسمح لها بمغادرة الميناء، فضلا عن مطالبته بـ200 ألف دولار يوميا مقابل رسوها.
خلاف إسباني بريطاني
لم تخلق الواقعة تعقيدا على المستوى الإيراني البريطاني فحسب، بل خلقت تعقيدا آخر على المستوى الإسباني البريطاني، فبريطانيا اعترضت الناقلة الإيرانية بطلب أمريكي عند مياه جبل طارق، التي تعتبرها مدريد مياها خاضعة لسيادتها، وهو ما اعتبرته إسبانيا انتهاكا لهذه السيادة، في حين ترى بريطانيا منطقة جبل طارق منطقة حكم ذاتي خاضعة للتاج البريطاني، ولذلك سارعت بالترحيب بإقدام حكومة جبل طارق على احتجاز السفينة.
نزاع تاريخي بين بريطانيا وإسبانيا، عاد إلى الواجهة مجددا مع هذه الواقعة، وكشفت وسائل إعلام إسبانية عن نية إسبانية بتقديم احتجاج رسمي على بريطانيا لإيقافها ناقلة النفط في مياه إقليمية إسبانية، فيما يبدو بوادر أزمة دبلوماسية بين الجارتين حول هذه القضية التي كانت أحد عوامل تأخير حدوث اتفاق بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي في مرحلة الخروج من الاتحاد.
قرصنة مقننة
احتجاز الناقلة الإيرانية في جبل طارق قد يفتح الباب لممارسة القرصنة الدولية الرسمية، فقد بات بإمكان أي دولة بينها وبين دولة أخرى خلافات سياسية أو دبلوماسية أو اقتصادية أن تحتجز سفنها وناقلاتها أثناء مرورها بالمياه الإقليمية أو الدولية.
وتعد التهديدات الإيرانية التي جاءت على لسان محسن رضائي أمين مجلس تشخيص مصلحة النظام، بأنه إذا “لم تفرج بريطانيا عن ناقلة النفط الإيرانية فسيكون على السلطات (الإيرانية) واجب احتجاز ناقلة نفط بريطانية”، أكبر دليل على إمكانية حدوث ذلك.
وبالفعل تواترت أنباء عن احتجاز إيران لناقلة النفط العملاقة (باسيفيك فوياجر) التي ترفع العلم البريطاني، ورغم النفي الإيراني لذلك، فإن حرب الناقلات الجارية في المنطقة من المنتظر أن تشهد تصاعدا.
أمن الطاقة في مهب الريح
يأتي احتجاز الناقلة الإيرانية في أعقاب استهداف ناقلتيْ نفط في خليج عمان، وقبله إعلان الإمارات تعرّض 4 سفن شحن تجارية لعمليات تخريبية قبالة ميناء الفجيرة، وهي الحوادث التي فتحت بابا كبيرا للنقاش حول مستقبل أمن الطاقة العالمي وتأمين إمدادات النفط.
وفي ظل تصاعد التصعيد بين إيران والدول المعنية بالاتفاق النووي معها، فإن هذه الحوادث من المرجح أن تتزايد بشكل مطرد خلال الفترة المقبلة، مما يهدد إمدادات النفط العالمية، ولن تصمت إيران إزاء أي استهداف لناقلاتها مستقبلا، فطهران التي تصدر حاليا أقل من 500 ألف برميل نفط يوميا، تحتاج إلى أن يكون أقرب إلى 600 الف للحفاظ على اقتصادها قائما، في ظل العقوبات الأمريكية عليها، وبالتالي لن تسمح باستهداف أي من ناقلاتها، وسترد بقوة إذا حدث ذلك.