
نهج جديد للإنفاق العام بسيناء
تحرص الدولة المصرية فيما بعد 30 يونيو على تفادي مُعضلات التنمية التي وقعت فيها الحكومات السابقة، من حيث الاهتمام بالمركز على حساب الأطراف. لذلك فقد أفرزت الدولة جزءًا كبيرًا من مخصصات التنمية طويلة وقصيرة الأجل لأطرافها، وعلى وجه الخصوص إقليمي الصعيد وشبه جزيرة سيناء، بحيث تتحول المنطقتان إلى مناطق جاذبة للسكان والاستثمارات على السواء، وتزيد الأهداف التنموية في شبه جزيرة سيناء على إقليم الصعيد من حيث مقاومة الإرهاب وخلق تكتلات بشرية تُساهم في تدعيم الأمن القومي المصري بمعناه الواسع.
وبخصوص شبه جزيرة سيناء يُمكن استبانة ذلك التحول على الصعيد النقدي عن طريق تحليل الموازنة العامة للدولة على مستوى الإنفاق الحكومي العام في المدى القصير الذي تضطلع به وزارة المالية بهدف تمكين الأجهزة الحكومية من أداء مهامها اليومية، وتقديم الخدمات الأساسية للمواطنين، وثانيًا مستوى الإنفاق الاستثماري في المديين المتوسط والبعيد الذي تختص به وزارة التخطيط بغرض تمهيد البيئة الاقتصادية للمستقبل في سيناء ضمن الخطة الاستثمارية العامة للدولة.
أما على الصعيد التنموي فإن شبه الجزيرة تكاد تنطق من فرط ما يجري على أرضها من تغيرات جذرية، مدفوعة بإنفاق ضخم تجاوز 600 مليار جنيه، طال بنيتها التحتية، سواء من جانب ربطها بالوادي والدلتا عن طريق شبكة أنفاق تمتد تحت مياه قناة السويس، تُكملها شبكة جديدة كُليًّا من الكباري والطُّرق تجري على رمالها لربط أواصرها، بالإضافة إلى محطات عدة لتحلية مياه البحر لتوفير مياه تخدم الأغراض التنموية وتُمهد لاستقبال سُكانها الجُدد، تزامن مع ذلك إنشاء عدد من محطات الطاقة المُتجددة، لتوفير القوة الدافعة للنشاطات الاقتصادية العديدة التي يجري إنشاؤها في المجالات الصناعية، والسياحية، والزراعية. ولأن الإنسان هو محرك التنمية وهدفها، فقد لزم زيادة عدد المدارس والمُستشفيات، حفاظًا على صحته وبناء لعقله.
فلطالما عانت سيناء من الإهمال والتهميش على صعيد التنمية، سواء البشرية أو الاقتصادية، ولذا فإنه لإقالتها من عثرتها كان لا بد من رفع مُخصصاتها المالية في الموازنة العامة ابتداءً. ولأن هذا الإنفاق لن يكون كافيًا لدفع عجلة النمو، فقد لجأت الدولة إلى نوع جديد من التمويل يكون فيه التمويل للتخطيط مُنفصلًا عن التمويل للتنفيذ، بحيث يجري التخطيط على المستوى الاستراتيجية بعيدًا عن التغيرات في المناصب التنفيذية، ويتضح هذا النهج الجديد لدى تناول إنفاق الموازنة العامة في الأمدين القصير والطويل.
أولًا– الإنفاق العام قصير الأجل
تخصص الحكومة نفقاتها قصيرة الأجل لإقليم شبه جزيرة سيناء بطريقين رئيسيين، وهما: الجهاز الوطني لتنمية شبه جزيرة سيناء، والجهاز التنفيذي للمُحافظتين. ونتناول كُلًّا منهما على حدة فيما يلي:
- الجهاز الوطني لتنمية شبه جزيرة سيناء
الجهاز الوطني لتنمية شبه جزيرة سيناء هو هيئة عامة اقتصادية تتبع رئاسة مجلس الوزراء، وتعتمد فكرة إنشائه على فصل آلية التخطيط والإشراف والمتابعة التي يقوم بها الجهاز عن آلية التنفيذ التي تقوم بها الوزارات والمحافظات. وقد حددت المادة الثامنة في المرسوم بقانون رقم 14 لسنة 2012 بشأن التنمية المتكاملة بسيناء مهام الجهاز في عدد 16 مهمة، وقد تطورت موازنة الجهاز مُنذ إنشائه وحتى وقتنا الحالي على نحو مضطرد يُبين الاهتمام المُتزايد بالتنمية في هذا الإقليم، إذ تطورت موازنة الجهاز عند إنشائه من 2 مليون جنيه خصص منها 1 مليون جنيه للإنفاق الرأسمالي في عام 2012/2013، إلى 30 مليون جنيه خُصص منها حوالي 27 مليونًا للإنفاق الرأسمالي، واستمرت الزيادة في المُخصصات حتى بلغت ذروتها في عام 2016/2017 بإجمالي 35.7 مليون جنيه خُصص منها 20 مليون جنيه للإنفاق الاستثماري، بينما بلغت مُخصصاته خلال العام المالي السابق حوالي 26 مليون جنيه منها 9.5 ملايين تقريبًا للإنفاق الرأسمالي، أما العام المالي الحالي فقد بلغت المُخصصات ما إجماليه 35.1 مليون منها 17 مليونًا خُصصت للإنفاق على الاستثمار، ما يعني أن مُخصصات الجهاز خلال السنوات السبع مُنذ إنشائه، والموضحة بالشكل، بلغت حوالي 190 مليون جنيه خُصصت حصرًا لتمهيد البيئة الاستثمارية بشبه جزيرة سيناء، وهي في ذلك تنضم لإقليمين آخرين هما الصعيد وقناة السويس حظيا بجهاز مُماثل هدفه الأساسي دفع عملية التنمية فيهما.
- مخصصات المُحافظتين
إذا كانت الدولة أنشأت الجهاز الوطني لتنمية شبه جزيرة سيناء بهدف التخطيط، فإنه ليؤدي عمله يجب أن يصاحبه تطور في الجهاز التنفيذي، ولذلك فقد عمدت الدولة إلى تطوير أداء مُحافظتي شمال وجنوب سيناء، وتتجلى جهود تطوير الأداء في رفع مُخصصات الإنفاق المحلي بوتيرة سريعة. إذ ارتفعت من مستوى 690 مليون جنيه في عام 2009/2010 ليبلغ 2.75 مليار في عام 2019/2020 بالنسبة لمُحافظة شمال سيناء، وذلك بتطور بنسبة 300% تقريبًا خلال الفترة المذكورة، أما مُحافظة جنوب سيناء فقد تطورت مُخصصاتها من 260 مليون جنيه في عام 2009/2010 لتبلغ 1.14 مليار في عام 2019/2020 وهو تطور بنسبة 330%، وتدُل هذه الزيادات على مدى ما توليه الدولة من اهتمام بالإقليم، وتواتر جهودها لربط جانبي التخطيط والتنفيذ.
ثانيًا– الإنفاق الاستثماري طويل الأجل
يتمثل الإنفاق الاستثماري طويل الأجل في المشروعات التي تُقام في جميع المجالات بهدف دفع مُعدلات التنمية، سواء في القطاعات الإنتاجية من صناعة وزراعة وسياحة، أو خدمية في مجالي الصحة والتعليم، وكذلك مشروعات البنية التحتية والطاقة، وهذه وإن كانت أهم القطاعات إلا أن هناك مشروعات لا تندرج ضمن أي منها كمشروعات التشييد وتطوير المُدن لمحدودي الدخل وغيرها. ونستعرض فيما يلي تقسيم هذه المشروعات على أساس جغرافي:
- مشروعات شمال سيناء:
يجري في مُحافظة شمال سيناء 18 مشروعًا متنوعة في الحجم والقطاع، ففي طائفة المشروعات القومية الكُبرى نجد مدينة رفح الجديدة التي يجري تنفيذها بتكلفة 1.38 مليار جنيه، وفي الوقت ذاته نجد مشروعًا لبناء مدارس كمدرسة الشهيد عمرو فريد بتكلفة 3.2 ملايين جنيه، يُضاف إلى ذلك في القطاع الصناعي مشروع إنشاء مجمع مصانع الرخام بجفجافة.
- مشروعات جنوب سيناء:
يُنفذ على أراضي جنوب سيناء 38 مشروعًا بنفس التنوع السابق، بداية من المشروعات العملاقة كإنشاء مطار رأس سدر الدولي بتكلفة 3 مليارات جنيه، وتطوير المناطق الخطرة مثل منطقة الرويساوت بتكلفة 317 مليون جنيه، وصولًا إلى القطاع الصحي الذي حظي بتطوير مُستشفى أورديس، بتكلفة 70 مليون جنيه.
ويأتي هذا التنوع في التمويلي والقطاعي لتغطية الفجوة التنموية التي خُلقت وتنامت في ظل ما عانته سيناء من هجران فيما قبل 30 يونيو، لذلك كان لا بد من تنفيذ عدد كبير من المشروعات في كافة القطاعات لرأب هذه الهوة بالقدر المُستطاع، حتى تبدأ سيناء في الوقوف على قدر المُساواة مع باقي أنحاء الوطن.