كورونا

كيف يمكن أن تكون أسعار العقود المستقبلية للنفط صفرية أو سالبة!

انهارت العقود الآجلة للنفط إلى ما دون الصفر للمرة الأولى في التاريخ على الإطلاق نتيجة الاضطراب الاقتصادي الذي خلفته أزمة كوفيد – 19 وما نتج عنها من حالات الإغلاق التي يمر بها الاقتصاد العالمي، بسبب ذلك انخفاض أسعار النفط إلى أدنى مستوى لها منذ ١٩٤٦، وأشارت بورصة السلع إلى أن عقود خام غرب تكساس الوسيط للمُستقبلية ستنخفض أسعارها إلى ما دون الصفر، فكيف يمكن تفسير تحول أسعار العقود إلى السالب؟

تبدأ دورة حياة النفط الخام من الوقت المستغرق في حفر بئر واستخراج الخام، بعد ذلك يتم نقله ثم التخزين لمدة لا تزيد عن بضعة أشهر، ثم يذهب النفط إلى التكرير ويتحول إلى أنواع مختلفة من الوقود مثل البنزين والديزل ووقود الطائرات قبل أن يتم نقله إلى المستهلك؟

للإجابة على ذلك السؤال يجب أولا علينا ادراك أن الأسعار في قطاع النفط تتحدد وفقا لديناميكيات المخزونات الحالية والعرض الحالي وتوقعات العرض والطلب المستقبلي بالسوق، ويعد النمو الاقتصادي العالمي المحرك الأهم في الطلب على النفط في العالم والذي تأثر بشده جراء فيروس كوفيد -19، وحالات الاغلاق التي قامت بها معظم الدول في العالم عملت على دفع تلك المُعدلات إلى الانكماش، ومن ثم فقد تسبب ذلك في توقع صندوق النقد الدولي انخفاض معدل النمو الاقتصادي العالمي إلى -3%،  مما أدى إلى انخفاض أسعار النفط في العالم، أما من جانب العرض فيتحكم مستوي الإنتاج ومستوى التكنولوجيا في كميات الإنتاج من النفط ومن ثم يؤثر على السعر.

إن السلع (النفط) بعكس الأسهم والسندات هي أصول مادية، وليس لها تدفقات نقدية ويتم تحمليها بتكاليف تخزين ونقل، ومن ثم فإن السعر الحالي للسلع يعتبر القيمة المخصومة لسعر البيع المتوقع في تاريخ ما في المستقبل، أو هو السعر الحالي مضاف إليه تكاليف التخزين والنقل، ومن ثم فإن تكاليف التخزين للسلع يمكن أن تؤدي إلى أن تكون الأسعار المستقبلية لتلك السلع أعلى خاصة كلما زاد تاريخ التسوية (مدة اطول) في المستقبل.

يمكن تصنيف المشاركين في أسواق العقود الآجلة للسلع على أنهم تجار ومستثمرون ويتم تقسيمهم إلى مستثمرين متطلعين Informed investors وهم يمثلون الفئة التي تنتج أو تستخدم السلعة وتكون إما للوفاء بالاحتياجات الخاصة بهم بالنسبة للمستهلكين، أو للتحوط من تذبذبات الأسعار المستقبلية لتلك السلع بالنسبة للمنتجين والمستهلكين، والتجار هم المضاربين الذين يوفرون السيولة في الأسواق ويتداولون على تلك العقود بغرض تحقيق هوامش ربحيه، يمكن أن تستخدم العقود الآجلة للتحوط لتقليل مخاطر ممارسة الأعمال حيث أنه يتم تحديد سعر وتاريخ لتسليم السلعة في المستقبل في الوقت الحالي، ويمكن تسليم السلعة فعليا أو الفرق بين السعرين (الحالي والمستقبلي) عند استحقاق العقد في حال اختلاف السعر الحالي عن المستقبلي.

يشار إلى الفرق بين سعر السوق الفوري (Spot Cash) وسعر العقود الآجلة لتاريخ في المستقبل على أنه ذلك السعر المحدد للعقد، يتم احتساب الأساس على أنه السعر الفوري مطروحا منه سعر العقود الآجلة ويمكن أن يكون ذلك موجبا أو سالبا، تعرف الفرق بين سعر العقود الآجلة للاستحقاق الأقرب وسعر العقود الآجلة للاستحقاق الابعد باسم فرق التقويم (calendar spread)، عندما تكون أسعار العقود الآجلة أعلى من السعر الحالي يسمي سوق العقود الآجلة (أو منحني العقود الآجلة) Contango وهو الأمر المعتاد، ، أما اذا كانت أسعار العقود الآجلة اقل من الأسعار الحالية يسمي السوق في حالة تخلف (Backwardation (.

والحقيقة ان الوضع الحالي لسوق النفط تاريخي من حيث شدة أزمته، حيث انخفضت الأسعار نتيجة للصراع بين أوبيك وروسيا وتأخر أوبيك في التوصل إلى اتفاق بشأن خفض الإنتاج من النفط في ظل وضع اقتصادي يمثل انهيار ثلث الطلب العالمي، وارتفاع مستويات المخزون الأمريكية حتى حافتها، وهروب شركات التكرير من استلام البراميل لتكريرها، وعلى الرغم من أن منتجين النفط في الولايات المتحدة الامريكية خفضوا الإنتاج بنسبة 13%، إلا أن وتيره الخفض أقل من سرعة ملئ الخزانات في البلاد، ومن ثم يضطر التجار إلى بيع النفط باي سعر حيث انه ليس لديهم مكان للتخزين ما يعني احتمالية ان يقوم المنتجين مستقبليا بدفع أموال لمحاولة التخلص من مخزوناتهم لتجنب تكاليف التخزين، ومن ثم فإنه وفقا لتلك المتغيرات سيستمر السوق في الانخفاض حتى تتغير أحد عوامل الطلب والعرض، سواء بتوقف المنتجون عن الإنتاج أو انتهاء فيروس كوفيد-19 وعودة الطلب مجددا. 

+ posts

باحث ببرنامج السياسات العامة

أحمد بيومي

باحث ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى