
“لا إفلات إذا ثبت التورط”..الفرضيات تعيدنا مرة أخرى إلى معمل “ووهان” للفيروسات
يقع معمل “ووهان” للفيروسات في ضواحي المدينة الجبلية عاصمة مقاطعة ” هوبي”، لقطات رائعة للمعمل تنتشر على شبكة الإنترنت، مكان هادئ يتميز بطبيعة ناعمة لم يكن من المتوقع أن يكون نقطة انطلاق لما يعتقد أنه واحد من أشرس الفيروسات التاجية.
ذلك المبنى المربع المستقر بالقرب من بركة عند سفح تلة غابات في ضواحي ووهان النائية لم يعد مكانًا لأية أعمال ، وفي زيارة أخيرة ، لم تر وكالة الأنباء الفرنسية أي علامة على وجود نشاط بالداخل. فقط ملصق خارج المجمع كتب عليه ، “الوقاية القوية والسيطرة ، لا داعي للذعر “.
تاريخيًا ،تم إطلاق المعهد في عام 1978 بعد اندماج سلسلة من معاهد البحث الأخرى في المدينة لتشكيله ، وفقًا لموقعه على الإنترنت باللغة الإنجليزية، وبتكلفة بلغت 300 مليون يوان أي ما يوازي “42” مليون دولار تم تجهيز المعمل بدءًا من 2015 وافتتح أخيرًا في عام 2018 وذلك بالتعاون مع شركة فرنسية للصناعات الحيوية “” Alain Merieux والمملوكة لملياردير فرنسي وأسرته ليكون الوحيد من نوعه في آسيا.
هل تتحمل واشنطن جزءًا من المسئولية؟
الولايات المتحدة تقول أن المعمل ربما يكون ” مهد الوباء” وتأخذ واشنطن الأمر على محمل الجد بعيدًا عن طريق الاتهامات والادعاءات، حيث قال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إن المسؤولين يقومون “بإجراء تحقيق كامل” في كيفية “خروج الفيروس إلى العالم”. حيث يضم المعمل الصيني ” أكبر بنك للفيروسات في آسيا” ويحتفظ داخله بأكثر من 1500 سلالة ، وفقًا لموقع المعمل على الإنترنت.
وهو المعمل الوحيد المجهز في آسيا للتعامل مع مسببات الأمراض من فئة الفيروسات الخطيرة والتي قد تنقل العدوى من شخص لآخر ، مثل الإيبولا. وليس خفيًا أن معمل ووهان يتلقى مساعدة من منظمات أمريكية ، بما في ذلك مختبر في فرع جامعة تكساس الطبي ، وقد اقترحت الاستخبارات الأمريكية على حكومتها تقديم دعم إضافي للمعمل لتطوير مستويات الأمان فيه إلا أن هذا لم يحدث! دقت الاستخبارات ناقوس الخطر ولكن لم يلتفت أحد، فهل تقف الصين وحيدة أمام مسئولية انتشار الوباء؟!
وحسب شبكة ” فوكس نيوز” الأمريكية فإن الانطلاقة الأولى ربما تكون حدثت داخل المعمل أثناء التجارب التي كان يتم إجرائها على الخفافيش، ورفض فيه المعمل التعليق على الأمر، لكنه كان قد نشر بيانًا في فبراير الماضي نفى فيه هذه الشائعات.
على أية حال ،تبقى الأمور في نطاق الشائعات حتى تظهر بعض القرائن المثيرة للاستفهام، وحسب موقع ” ناشونال ريفيو ” الأمريكي فقد نشر موقع المعمل في 18 من نوفمبر الماضي إعلانًا عن وظيفة تتضمن مهامها بحث العلاقة بين فيروس كورونا والخفافيش!
وفي الرابع والعشرين من ديسمبر الماضي نشر المعهد إعلانًا آخر متضمنًا الآتي “أكد بحث طويل المدى على الـ”خفافيش” أنها تحمل عددًا من الأمراض المعدية الرئيسية الجديدة للإنسان والحيوان مثل سارس ،وقد تم اكتشاف الفيروسات الجديدة والقوارض وتحديدها “،من قرأوا الإعلانين قالوا أنهم فهموا أنه إعلان عن فيروسات جديدة وخطيرة تستدعي تجنيد أشخاص للتعامل معها أو السيطرة عليها.
امرأة الخفافيش
كل ما تقدم حدى بواشنطن ببدء تحقيق جدي حول أصل ذلك الفيروس ، وهنا تحديدًا حان دور ” تاي عن شي زنجلي” ، عالمة الفيروسات الصينية الملقبة بـ “بات مان” ويطلق عليها زملائها في الصين ” امرأة الخفافيش” لتبحرها و رحلاتها للبحث عن الفيروسات في كهوف الخفافيش على مدى السنوات الـ 16 الماضية، فماذا وجدت “المرأة الخفاش”؟
كانت ” تاي” تحضر مؤتمرًا علميًا في شنجهاي إلا أن هذا لم يمنعها من القفز على متن أول قطار عائد لـ” ووهان”، متسائلة عما إذا كان هناك خطأ وقعت فيه الصحة الصينية بإعلانها ووهان مركزًا للوباء خصوصًا وأن تحذيراتها التي جاءت في دراساتها السابقة تضمنت أن المناطق الجنوبية و شبه الاستوائية في عدة مدن منها ” قوانج دونج” “قوانجشي” و”ووهان ” معرضة بشكل كبير لخطر انتقال الفيروسات التاجية إلى البشر من الحيوانات – وخاصة الخفافيش ، وهي مستودع معروف للعديد من الفيروسات.
فكيف أغفلوا تحذيراتها وكيف ترك المعمل دون حماية ليسرب الفيروس؟ وحسب ” الدايلي ميل ” البريطانية فإن حتى ” المرأة الوطواط” تم إسكاتها. وكانت أول من أثبت تكشف أن عقار ” “chloroquine فعال للغاية في السيطرة على عدوى كوفيد 19 في المختبر حيث كانت قد توصلت إلى التسلسل الجيني للفيروس.
المريض صفر كان في المعمل
توالت القصص المثيرة حول المعمل والتي لا يستطيع أحد إثبات مدى صحتها وفي الرابع من فبراير الماضي تحديدًا ظهر طرح جديد تمت الإشارة فيه إلى أن واحدة من الطلاب الذين كانوا يمارسون العمل البحثي في المعهد وتدعى ” هوانغ يانلينج” قد تكون المريضة صفر وأنها قد لاقت حتفها بعد أن أصيبت بالفيروس التاجي وذلك وفق ما أوردته مجلة Cell Research .
في 16 فبراير نفى المعهد الشائعات التي قالت بأن المريضة صفر هي أحد موظفيه ونقلت الصحف عن المعهد قوله بأن هوانغ كانت طالبة في قسم الدراسات العليا داخله حتى 2015 وأنها بعد تخرجها غادرت المقاطعة ولم تعد منذ ذلك الحين كما أضاف المعهد أنها تتمتع بصحة جيدة، ربما تكون الرواية صحيحة لأنه لا يوجد أي أوارق بحثية لـ” هوانغ” مؤرخة بتاريخ لاحق لعام 2015. إلا أنه يبقى من غير المفهوم الأسباب التي دعت المعهد لإزالة صورتها وسيرتها الذاتية مؤخرًا !
حتى أن بعض السيناريوهات اتجهت إلى أن ” هوانغ” أحرقت جثتها بسرعة وأن الأشخاص الذين يعملون في محرقة الجثث ربما أصيبوا بالعدوى حيث لم يتلقوا أي معلومات حول الفيروس،لأنه من غير المنطقي أن تكون بروتوكولات الدفن قد تم توظيفها قبل أن يعلن عن المرض بشكل رسمي وهي الفترة التي يعتقد أن ” هوانغ” توفيت قبلها.
ومن اللافت للنظر أن حتى أبسط الأمور التي تستطيع بكين من خلالها دحض الشائعات عن طريق إظهار ” هوانغ” على سبيل المثال لم يتم الإقدام عليها، ربما لا يؤكد ذلك أن الفيروس تسرب من المعهد ولكنه دون شك قرينة على أن هناك أمر يتم إخفائه.
رواية السوق مهتزة
استنتاج أول يفترض أنه من غير المحتمل أن يتم العثور على الخفافيش المشتبه في أنها تحمل الفيروس بشكل طبيعي في المدينة، وعلى الرغم من قصص “حساء الخفافيش”، فقد استنتج أن الخفافيش لم تباع في السوق حيث عثر على الخفافيش التي تحمل كوفيد 19 في الأصل على بعد أكثر من 900 كيلومتر من سوق المأكولات البحرية. كما أن الخفافيش عادة ما تعيش في الكهوف والأشجار. لكن سوق المأكولات البحرية في منطقة مكتظة بالسكان في ووهان ، وهي منطقة حضرية يبلغ عدد سكانها حوالي 15 مليون نسمة.واحتمال طيران الخفافيش الحاملة لكوفيد 19 كل تلك المسافة كان منخفضًا جدًا.
إعادة إنتاج التاريخ
في عام 2004 ، قررت منظمة الصحة العالمية أن تفشي فيروس السارس كان سببه تسريبان منفصلان في المعهد الصيني للفيروسات في بكين. وقالت الحكومة الصينية إن التسريبات كانت نتيجة “إهمال” وأن المسؤولين المسؤولين عوقبوا.
وفي عام 2017 ، قدمت مجموعة شنجهاي ميديا المملوكة للدولة الصينية فيلمًا وثائقيًا مدته سبع دقائق عن “تيان جونهوا” ، بعنوان “الشباب في البرية” حيث تابع مصورو الفيديو تيان جونهوا بينما كان يسافر عميقًا في الكهوف لجمع الخفافيش. ويقول باللغة الصينية: “من بين جميع المخلوقات المعروفة ، الخفافيش غنية بالفيروسات المختلفة في الداخل”. “يمكنك العثور على معظم الفيروسات المسؤولة عن الأمراض البشرية ، مثل فيروس داء الكلب ، والسارس ، والإيبولا. وبناء على ذلك ، أصبحت الكهوف التي يرتادها الخفافيش ساحات معركتنا الرئيسية “.
وفي أحد تصريحاته الأخيرة قال : “في السنوات العشر الماضية ، قمنا بزيارة كل ركن من أركان مقاطعة هوبي. لقد اكتشفنا العشرات من الكهوف غير المطورة ودرسنا أكثر من 300 نوع من ناقلات الفيروسات. لكنني آمل أن يتم حفظ عينات الفيروسات هذه فقط للبحث العلمي ولن يتم استخدامها مطلقًا في الحياة الواقعية. لأن البشر لا يحتاجون فقط إلى اللقاحات ، ولكن أيضًا إلى الحماية من الطبيعة “.
وبالعودة إلى جدران المعبد فإنه يمكن أن يحمل بول و دماء الخفافيش فيروسات فتاكة ولوضع نسبة لاحتمالية صدق فرضية تسربه في المعهد علينا أن نطرح عدة تساؤلات. ما مدى احتمالية وصول بول أو دم خفاش إلى باحث في مركز ووهان لمكافحة الأمراض والوقاية منها أو معهد ووهان لعلم الفيروسات؟ وما هي احتمالات عدم التخلص من نوع ما من النفايات الطبية أو المواد الأخرى من الخفافيش بشكل صحيح بحيث يكون المعهد هو الذي شهد الطفرة الأولى.. لسنا بحاجة لأن نكون خبراء لكي نقول أن احتمالية حدوث هذا قد تكون كبيرة خصوصًا بالرجوع لتقرير الاستخبارات الأمريكية الذي قال أن معمل ووهان افتقر لبعض عوامل الأمان المهمة.
صحيح أن الدليل النهائي سيتطلب نفاذًا أكبر بكثير إلى المعلومات حول ما حدث في تلك المرافق في الفترة الزمنية التي سبقت الوباء في المدينة.لكن علينا أن لا ننسى أنه ليس من قبيل الصدفة أن معهد ووهان للفيروسات كان يبحث عن فيروسات الإيبولا و الفيروسات التاجية المرتبطة بالسارس في الخفافيش قبل تفشي الوباء ، وأنه في الشهر الذي كان فيه أطباء ووهان يعالجون أول مرضى لـ COVID-19 ، أعلن المعهد في إشعارات التوظيف أنه قد “تم اكتشاف وتحديد عدد كبير من الفيروسات الجديدة الخفافيش والقوارض الجديدة.”
انطلاق التحقيق
أكد وزير الخارجية مايك بومبيو يوم الجمعة الماضي مجددا أن الإدارة الأمريكية تتطلع إلى معهد ووهان للفيروسات باعتباره المسؤول وأن الأمر حتى الآن لايزال قيد التحقيق ، وفي مؤتمر صحفي أشار “نحن نعلم أن المشاهد الأولى وقعت على بعد أميال من معهد ووهان للفيروسات.وأضاف “الأهم من ذلك أننا نعلم أنهم لم يسمحوا لعلماء العالم بالدخول إلى هذا المختبر لتقييم ما حدث هناك “.
وهو ما ردت عليه وزارة الخارجية الصينية في مؤتمر صحفي حيث أكدت أنه لا يوجد أي شيء مريب حدث في مختبر ووهان وأشارت من جديد أنه لا يوجد دليل على أن الفيروس التاجي ، الذي أصاب أكثر من مليوني شخص على مستوى العالم ، قد تم إجراؤه هناك. ولم ترد الصين مثلًا على الرواية الأمريكية التي نشرت في الواشنطن بوست وأشارت أن معاملات الأمان في الموقع لم تكن مطابقة للمعايير، حيث تتبع المختبرات التي تدرس الفيروسات والبكتيريا نظامًا يعرف باسم معايير BSL ،وتشير BSL إلى مستوى السلامة البيولوجية.
وهناك أربعة مستويات ، تعتمد على أنواع العوامل البيولوجية التي تتم دراستها واحتياطات الأمان اللازمة لعزلها.
- السلامة البيولوجية من المستوى الأول هي الأدنى وتستخدم من قبل المختبرات التي تدرس العوامل البيولوجية المعروفة التي لا تشكل أي خطر على البشر.
- تزداد احتياطات الأمان من خلال المستويات حتى تصل إلى مستوى السلامة البيولوجية الرابع وهو الأعلى ، والمخصص للمختبرات التي تتعامل مع أخطر مسببات الأمراض التي لا يتوفر لها سوى القليل من اللقاحات أو العلاجات المتاحة.
في المشهد الحالي ليس لدينا دليل على أن هذا المرض نشأ في تلك البقعة في ووهان ، ولكن ازدواجية الصين وتفريطها في المسئولية من البداية ، جعلتنا نحتاج على الأقل إلى طرح الأسئلة لفهم ما تقدمه القرائن .
باحث أول بالمرصد المصري



