
فورين بوليسي: كيف أجهض ترامب وبوتين محاولات فرض وقف إطلاق نار دولي
“عرض – محمد منصور”
كتب الصحفي الأمريكي كولوم لينش، مقالاً في مجلة فورين بوليسي الأمريكية، يتناول أحد تداعيات تفشي جائحة كورونا حول العالم، وهو ملف محاولات الأمم المتحدة محاصرة آثار هذه الجائحة، وفرض وقف عام لإطلاق النار في كافة الدول التي تشهد صراعات مسلحة، بهدف تمكين حكومات هذه الدول، من مكافحة هذا الفيروس بشكل أكثر فعالية. هذه المحاولات اصطدمت بوجهات نظر مغايرة من جانب دول كبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وروسيا الإتحادية.
واشنطن وموسكو تراوغان
طوال عدة أسابيع، وبمعزل عن وسائل الإعلام، عارض كلا البلدين، وفقاً لمصادر دبلوماسية رفيعة، جهود الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وحلفاء أوروبيين رئيسيين، الهادفة إلى تحفيز جميع الدول والجماعات المسلحة المنخرطة في صراعات وحروب، على الإيقاف الشامل والغير مشروط لإطلاق النار، ومن ثم تكريس كافة القدرات المالية واللوجستية، من أجل مكافحة انتشار هذه الجائحة.
واشنطن وموسكو من جهتهما، اكدتا لنظرائهما في أوروبا، عدم أعتراضهما من حيث المبدأ، على وقف إطلاق النار في من مناطق النزاعات المسلحة، من ليبيا إلى سوريا واليمن. لكنهما تخشيان من أن وقف إطلاق النار الشامل، الذي اقترحه الأمين العام للأمم المتحدة، من المحتمل أن يحد من خططهما وجهودهما، التي تستهدف تصعيد عملياتهما لمكافحة الإرهاب حول العالم، كما أن الولايات المتحدة تخشى أيضاً، أن تحد قرارات مثل هذه، من قدرة إسرائيل على تنفيذ عمليات قتالية لمكافحة الإرهاب في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
في المقابل، تلعب الحكومة الفرنسية دورًا متقدمًا في دعم وجهة نظر الأمم المتحدة، فقد أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الأربعاء الماضي، عن إحراز تقدم ملموس في المفاوضات مع قادة الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بشأن إصدار وإقرار أول قرار للمجلس يتعلق بجائحة كورونا، ومن المتوقع أن يدعم هذا القرار، وقف إطلاق النار المحدود، المفروض في مناطق النزاع العسكري بالشرق الأوسط، والذي يراقبه مجلس الأمن المكون من 15 دولة، لكن لن يؤدى هذا القرار إلى دفع دول المجلس، لتأييد مناشدات الأمين العام للأمم المتحدة، لفرض وقف دولي شامل لإطلاق النار، وسيشمل إعفاء هذه الدول من الالتزام بوقف إطلاق النار المحدود، في الحالات التي تقتضي شن عمليات عسكرية، ضد الأفراد والجماعات التي تصنفها الأمم المتحدة ككيانات إرهابية.
في نفس الإطار، أكد الرئيس الفرنسي ماكرون، إنه مازال يحاول تأمين الدعم لهذا القرار من جانب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهو يعتقد إلى حد كبير أنه سيوافق، وأضاف في مقابلة مع راديو فرنسا الدولي “أكد لي الرئيس الصيني شي جين بينغ أنه موافق على هذا القرار، وكذلك الرئيس الأمريكي ترامب ورئيس الوزراء البريطاني جونسون”. ويأمل ماكرون أن يتم الإعلان عن اتفاق نهائي، حول الإجراءات التنفيذية الخاصة بهذا القرار وبوقف إطلاق النار، خلال قمة افتراضية بين قادة الدول الخمس المتمتعة بحق النقض في مجلس الأمن، وهم بريطانيا والصين وفرنسا وروسيا والولايات المتحدة.
تراجع الولايات المتحدة عن موقفها المبدئي من مسألة وقف إطلاق النار الشامل عالميًا، ينبع بشكل أساسي من التركيز المتزايد من جانب إدارة ترامب خلال الشهور الأخيرة، على تنفيذ عمليات خاصة لمكافحة الإرهاب خارج الحدود، تشمل عمليات تنفيذ عمليات استباقية، واغتيالات لقادة في تنظيم داعش وقيادات عسكري مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، وهو ما يجعل هذه العمليات، مهددة بالتوقف بشكل تام إذا ما وافقت الولايات المتحدة، على الوقف الدولي الشامل لإطلاق النار.
في هذا الصدد، صرح أحد المسئولين الكبار السابقين في إدارة ترامب، لمجلة فورين بوليسي، في إشارة إلى التفويض بأستخدام القوة العسكرية ضد الإرهابيين، الذي منحه الكونجرس للحكومة الأمريكية، عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، قائلاً “لا يمكن أن توافق الولايات المتحدة على وقف دولي شامل لإطلاق النار، وفي نفس الوقت يظل التفويض القانوني الذي يسمح للحكومة الأمريكية بتنفيذ عمليات لمكافحة الإرهاب في الخارج قائماً، في الواقع سيكون القرار الأممي معاكساً تماماً لمضمون هذا التفويض، وبالتالي قد يعارض البنتاجون ضغوط الأمم المتحدة على الولايات المتحدة، للموافقة على الوقف الدولي الشامل لإطلاق النار.
عدد من الخبراء الاستراتيجيين، يتفقون مع وجهة النظر الأمريكية، ويرون أن الموافقة على وقف إطلاق النار، ستحد من قدرة إدارة ترامب على ملاحقة واستهداف شخصيات عسكرية إيرانية رفيعة، خاصة وأن الولايات المتحدة صعدت خلال الشهور الأخير، من نشاطها في هذا الصدد، وأخر هذه العمليات كان في يناير الماضي، حين قصفت طائرة أمريكية بدون طيار، قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، في مطار بغداد الدولي.
مع عدم قدرة مجلس الأمن الدولي على التحرك بفعالية في هذا الملف، وجه الأمين العام للأمم المتحدة، نداءاً في الثالث والعشرين من مارس الماضي، إلى الأطراف المتحاربة في جميع أنحاء العالم، نصه يقول “ضرورة إيقاف الأعمال العدائية، إسكات البنادق، إيقاف المدفعية، إنهاء الغارات الجوية. هذا سيكون حاسماً في مساعدتنا على إنشاء ممرات آمنة، لتأمين المساعدات الطبية العاجلة، وفتح قنوات جديدة للجهود الدبلوماسية، وبث الأمل في المناطق الأكثر تضرراً من تفشي جائحة كورونا”، وأضاف “إن ضراوة الفيروس وتفشيه، أظهرت بجلاء حماقة الحرب، لهذا السبب، أدعو اليوم إلى وقف فوري لإطلاق النار في جميع أنحاء العالم، فلقد حان الوقت لوضع الحلول العسكرية جانباً، والتركيز معًا على النضال الحقيقي للحفاظ على حياة البشر”.
حازت مبادرة الأمين العام على دعم دولي كبير وتحصلت على تأييد عشرات الحكومات والمنظمات الإقليمية الرئيسية والزعماء السياسيين والدينيين حول العالم، بما في ذلك بابا الفاتيكان، بل وأدت هذه المبادرة إلى دفع الأطراف المتحاربة في بعض مناطق النزاعات المسلحة، إلى الدخول في سلسلة من ترتيبات وقف إطلاق النار غير الشامل.
بالإضافة إلى ذلك، تم في الثاني من الشهر الجاري، تأييد مبادرة الأمين العام، من تحالف مكون من 193 مؤسسة، تتنوع بين الجمعيات الخيرية والمنظمات الحقوقية والجماعات الدينية، وحثت الأمين العام على استخدام نفوذه لإقناع مجلس الأمن بأن يحذو حذوه. وقد أصدر هذا التحالف رسالة مشتركة، قال فيها “نحن قلقون من عدم اتخاذ مجلس الأمن الدولي إجراءات فعلية في هذا الصدد حتى الآن، ونعتقد أن سيادة العام في وضع أفضل لقيادة الجهود التي تستهدف توحيد أراء أعضاء مجلس الأمن في هذا الملف، ومساعدتهم في التغلب على الخلافات ومحاولات التملص من الإلتزامات، بما في ذلك استخدام مكافحة الإرهاب كحجة تبرر عدم الموافقة على وقف دولي شامل لإطلاق النار”.
تناقضات الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن
الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، والتي تمتلك حق النقض، أتسمت مواقفها من مسألة وقف أطلاق النار الشامل، بالكثير من التناقضات، على سبيل المثال، دعمت بكين توجه بعض أعضاء المجلس، لإقرار وقف دولي محدود لإطلاق النار، لكنها في نفس الوقت، أصدرت بيان غير رسمي، تم توزيعه على الدول الأعضاء بالمجلس، رحبت فيه بمبادرة الأمين العام، حول وقف دولي شامل لإطلاق النار، وكان نص البيان يقول “أن الصين تدعم بقوة دور الأمين العام في مكافحة جائحة كورونا، وتولي أهمية كبيرة لندائه من أجل وقف إطلاق نار دولي شامل، وتدعو الصين كافة الأطراف إلى دعم هذه المبادرة والعمل على إقرارها، من أجل كسب الوقت، والتفرغ لعمليات المكافحة والاحتواء والعزل، وفتح مساحات للتعاون بين الدول، وتهيئة الظروف من أجل البدء في تطبيق حلول سياسية للصراعات حول العالم”.
أما الولايات المتحدة، فقد تحدثت كيلي نايت كرافت، مندوبة الولايات المتحدة الدائمة في الأمم المتحدة، بحرارة خلال مقابلة تلفزيونية، عن مبادرة غوتيريش إلى وقف إطلاق نار عالمي، مشيرة إلى ذلك يعتبر دليل واضح، على أن الأمم المتحدة كانت نشطة منذ شهور في محاولة تجنب تأثيرات تفشي جائحة كورونا، وقالت إنها تأمل بحلول نهاية الأسبوع أو أوائل الأسبوع المقبل، أن تكون قد أنتهت المفاوضات حول مشروع القرار الذي صاغته فرنسا، والذي يدعو إلى وقف القتال في كافة مواطن النزاع المسلح. المتحدث بإسم وزارة الخارجية الأمريكية، قال في تصريح صحفي “الولايات المتحدة تدعم دعوة الأمين العام إلى وقف عالمي لإطلاق النار ، لكنها ستواصل جهودها في مكافحة الإرهاب”.
وراء الستار، ساهم المفاوضون الأمريكيون في تأخير الاتفاق على مشروع القرار الفرنسي وقرار وقف إطلاق النار الدولي الشامل، فقد رفضت الولايات المتحدة الانضمام إلى قائمة تضم أكثر من 70 دولة، بما في ذلك حلفاء مقربون لها مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا، أعلنت تأييده لمبادرة الأمين العام للأمم المتحدة، حول الوقف الشامل لإطلاق النار.
بالإضافة إلى ذلك، أصرت الولايات المتحدة في البداية، على ضرورة أن يتضمن نص مشروع القرار الفرنسي، إشارة واضحة إلى أن جائحة كورونا مصدرها الأول هو الصين، وأن يتم وصفها بإسم (فيروس ووهان)، وهو ما سيجبر الصين على استخدام حق الفيتو، في حالة تم طرح القرار للتصويت عليها بهذه الصيغة. لكن أقنع الفرنسيون الأمريكيين بعدم الإستمرار في أصرارهم هذا، لكن الولايات المتحدة رفضت إبداء تأييد صريح لمبادرة الأمين العام للأمم المتحدة، مما دعا باريس إلى تعديل مشروع القرار الخاص بها، ليصبح داعياً لوقف محدود لإطلاق النار.
في وقت سابق من هذا الأسبوع، أثارت الولايات المتحدة اعتراضات جديدة على بند في القرار الفرنسي، ينص على دعم جهود منظمة الصحة العالمية لمكافحة تفشي جائحة كورونا، وقد جاء هذا الموقف عقب قرار الرئيس الأمريكي، بإيقاف تمويل بلاده لهذه المنظمة، على خلفية مزاعم بتحيزها للصين. في غضون ذلك، دعت الصين وروسيا، دول العالم إلى تقديم مزيد من الدعم إلى منظمة الصحة العالمية، لمساندتها في جهودها لمكافحة الجائحة، ومازال هذا الملف حتى الآن يشوبه توتر متصاعد.
على الرغم من المعارضة الأمريكية الواضحة، لكل من مشروع القرار الفرنسي، ومبادرة الأمين العام للأمم المتحدة، إلآ أن تصريحات الرئيس الفرنسي ماكرون، أوحت بأن روسيا هي الدولة الوحيدة، التي تعارض فرض وقف دولي شامل لإطلاق النار، بحجة أنها تحتاج إلى هامش حرية، يؤمن لها مرونة في تنفيذها لعمليات مكافحة الإرهاب في سوريا وأماكن أخرى.
وزارة الخارجية الروسية، أصدرت بياناً في هذا الصدد، قالت فيه “نحن نؤيد البيان الذي أدلى به الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش أواخر الشهر الماضي، ونحن نحث جميع الأطراف المنخرطة في النزاعات المسلحة الإقليمية، على وقف الأعمال العدائية على الفور، وإيقاف أطلاق النار، وفرض هدنة إنسانية”، لكنها أضافت “نحن قلقون للغاية بشأن الوضع في المناطق التي تسيطر عليها الجماعات الإرهابية، والتي لا تمتلك مقومات الدول ولا ترغب في الحفاظ على صحة وحياة السكان المدنيين، وقد تصبح هذه المناطق أكثر عرضة لتفشي جائحة كورونا، لذا نحن نرى وجوب أستمرار كافة إجراءات مكافحة الإرهاب”.
باحث أول بالمرصد المصري