
أثر أزمة كورونا على أهداف التنمية المستدامة في العالم ومصر
التأثير العالمي والإقليمي والمحلي لأزمة تفشي فيروس كورونا
يبدو أن الأزمة الراهنة لتفشي وباء كورونا المستجد هي مقدمة لأزمة عالمية من الركود الجيوسياسي، إذ أن تعطل الأعمال وعجلة الإنتاج حول العالم عموماً، وفي الدول الصناعية الكبرى خصوصًا بدأ بالفعل في ضرر واضح على خطط التنمية الاقتصادية والمجتمعية قصيرة المدى، وهو ما قد يتطور إلى أثر أكثر سلبية على الاستراتيجيات طويلة المدى المتعلقة بالتنمية المستدامة.
ومن هذه الاستراتيجيات والخطط طويلة المدى على المستوى العالمي: أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2030، والتي كانت بالفعل تعاني من بعض التأخر في تنفيذ أجندتها خلال الأعوام الأخيرة. وتشمل 17 هدف يصبوا في التنمية البيئية والاجتماعية والاقتصادية في مجالات عدة كالتعليم وتحسين مستوى المعيشة والخدمات وجودة المياه وغيرها.
وعلى المستوى الإقليمي: أجندة أفريقيا 2063، والتي كان معلقًا عليها العديد من الآمال بصدد انعاش الاقتصاد الإفريقي ككل وتحسين الأوضاع للعديد من دوله بعد قرون من التقلبات السياسية والاستعمار والتأخر التنموي.
وعلى المستوى المحلي: فإن هناك تحديات جديدة تخص تنفيذ استراتيجية مصر 2030 للتنمية المستدامة، خاصة مع الزيادة المفاجأة للالتزامات المادية على الحكومة المصرية بهدف مجابهة خطر انتشار فيروس الكورونا.
أثر أزمة كورونا على البعد البيئي لأهداف التنمية المستدامة في العالم ومصر
يبدو أن اتفاقية باريس للمناخ قد تواجه المزيد من المشاكل وسط العوائق المختلفة التي تواجهها، حيث أن الانسحاب الأمريكي المرتقب هذا العام من الاتفاقية، يضع بقية الدول في موقف غير مفضل من ناحية التنافسية في مجال الانتاج الصناعي، وخاصة فيما يتعلق بالصناعات الثقيلة والسيارات، وهو ما كان سيدفع بعض الدول لإعادة التفكير في مدى التزامها بالاتفاقية بعد انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية، للحفاظ على فرصها الاقتصادية وحصصها من السوق العالمي في الصناعات المذكورة، وهو ما كان سيؤدي إلى زيادة في معدلات الانبعاثات الكربونية.
ولكن بعد أزمة كورونا، فإن الوضع البيئي قد يزداد سوءًا، مؤديًا إلى تغيرات مناخية أكثر تطورًا، حيث من المتوقع أن تمارس الدول الصناعية الكبرى، وأولها جمهورية الصين الشعبية، سياسات اقتصادية تصنيعية تعرف بالسياسات الانتقامية، وتهدف تلك السياسات إلى تعويض الخسائر الاقتصادية في فترات التوقف أو تقليل العمالة وساعات العمل خلال فترة الحجر الصحي، ولن تلتفت تلك السياسات قطعاً إلى الاعتبارات البيئية والاتفاقيات المختلفة، وهو ما سينتج عنه أضرارًا بيئية أعلى من المعتاد، مع تفضيل المصلحة الاقتصادية ورضا المواطن على الحفاظ على المنظومة البيئية النظيفة.
إضافة إلى ذلك، فإن المنظومة الادارية للمجال الطبي حول العالم تواجه تحديًا في وضع أسس واضحة لسياسات التعامل مع المخلفات الطبية المتعلقة بالأزمة، بما يضمن فصل ونقل ومعالجة تلك المخلفات بصورة أمنة وصحية، وكذا الحال في التعامل مع جثث الضحايا من هذا المرض وكيفية دفنها، وهو ما شكل مؤخراً بعض المشاكل داخل المجتمع المصري، بسبب مخاوف بعض السكان من دفن الضحايا في مقابر أسرهم.
كما إنه من المتوقع في مصر زيادة مشاكل تلوث البيئة للتربة والمياه بالسموم، وهذا التلوث ناتج عن الاستخدام الغير مقنن لأدوات التنظيف والتعقيم والسوائل الكيماوية التي تحتوي على مركبات الكحول والكلور، وهو ما يتطلب تدخل سريع من وزارة البيئة بالحملات التوعوية، والمشاركة الفعالة في عمليات التعقيم الصحية جنباً إلى جنب مع المنظومة الصحية، حتى لا ينتج مشاكل مستقبلية من هذا الوضع.
كما أن على وزارة البيئية مسئولية حيوية في دراسة معدلات تراجع التلوث والأضرار البيئية الأخرى في مصر نتيجة تراجع النشاط الاقتصادي وانخفاض حركة المواصلات بسبب حظر التجوال والعمل والدراسة عن بعد، وذلك لتشارك في عملية دراسة تعديل القوانين البيئية لفترة مؤقتة تضمن تسهيل العودة للمعدلات الانتاجية بسرعة أكبر ودون تحويلها إلى سياسات انتقامية كتلك المتوقعة من بعض الدول.
وتشمل التعديلات سماحية بمقدار أكبر من التلوث للشركات والقطاعات المختلفة، على أن لا تتعدى الحدود المسموح بها إن تم جمعها على ما تم توفيره من تلوث فيما سبقها من فترة التوقف، ومن الممكن استغلال أثار أزمة كورونا عالميًا وإقليميًا في مجالات البيئة بالإسراع من عملية إطلاق بورصة السندات الكربونية، التي طالت فترة الاعداد لها خلال الفترة الأخيرة، وحساب كيفية تعظيم الاستفادة الاستثمارية منها خلال الفترة القادمة، لاسيما مع تفعيل الدول الصناعية الكبرى السياسات الانتقامية المتوقعة المذكورة.
أثر أزمة كورونا على البعد الاجتماعي لأهداف التنمية المستدامة في العالم ومصر
أما في البعد الاجتماعي لأهداف التنمية المستدامة، فهناك بعض المؤشرات السلبية وأخرى إيجابية، إذ يبدو أن هناك قصور عالمي في منظومات التعليم والصحة وإدارة الأزمات، صنعت مزيج من المشاكل المتعلقة بإنخفاض الوعي للمواطنين وكذلك عدم الجاهزية للتعامل السريع مع الوباء واحتوائه، وهو ما أدى إلى سرعة انتشار أكبر للمرض حول العالم.
وهو ما يعكس أيضاً فشل نسبي للمؤشرات القياسية المتبعة لأهداف التنمية المستدامة المتعلقة بالصحة والوعي والخدمات، في تحديد مستوياتها الحقيقية، ومن هذا المنطلق، سيكون من المحتم وضع مؤشرات جديدة لقياس تلك العناصر أو تعديل تلك الموجودة منها على أقل تقدير، وذلك سواء في أهداف الأمم المتحدة الـ17، أو أجندة أفريقيا 2063 أو استراتيجية مصر 2030.
أما على الجانب الإيجابي، فإن العملية التعليمية بجميع مراحلها لم تتوقف في مصر وفي معظم الدول، وذلك بعد وضع خطة بديلة للتحول الرقمي في التعليم، وإن كانت العملية بها بعض العيوب، إلا أنها في مصر خصوصاً أثبتت فعاليتها في زمن قياسي.
ويرجع جزء من ذلك النجاح، إلى الاستعدادات المتبعة منذ سنوات بواسطة وزارة التربية والتعليم، وكذلك الحال في مراحل التعليم العالي اللمختلفة بسبب جاهزية الجامعات الخاصة والحكومية بأنظمتها الإلكترونية، إلى أن هناك العديد من المشاكل لازالت تتعلق بهذا الملف، وستؤثر حتماً على خطط التنمية المستدامة أثناء تعديلها للفترة المقبلة، من هذه المشاكل ضعف البنية التحتية وبطء سرعة الإنترنت في مصر والعالم بعد زيادة معدلات الاستخدام سواء للعمل والدراسة أو الترفيه أو التواصل الاجتماعي.
كما أنه من المرجح زيادة الاستثمارات عالميًا في مجالات التكنولوجيا الرقمية وزيادة المجالات المفتوحة للعمل والدراسة عن بعد والرقمنة بوجه عام، وستشمل تلك الاستثمارات مجالات البرمجة والتعليم والبنية التحتية الرقمية، ومن المفيد أن تدرس الدولة المصرية قدرتها على الاستفادة من هذه التغيرات، لاسيما بأن معظم خطوط الاتصالات والانترنت بالمنطقة تعبر داخل الأراضي المصرية لتميز موقعها الجغرافي.
كما يمكن تعظيم الفائدة من عملية التحول الرقمي في التعليم في تطوير هذه العملية بعد مرور الأزمة والاعتماد عليها بصورة أكبر، بهدف تقليل معدلات الإزدحام وتحسين الخدمات التعليمية وتوفير النفقات وجذب الدارسين من الخارج دون الحاجة للسفر، وهو النهج المتبع من جامعات عالمية منذ سنوات، إلا أنه ليس منتشراً في أفريقيا ودول منطقة الشرق الأوسط بنفس المعدلات.
أثر أزمة كورونا على البعد الاقتصادي لأهداف التنمية المستدامة في العالم ومصر
أما في البعد الاقتصادي لأهداف التنمية المستدامة، فإن هناك العديد من التحديات للنظام الاقتصادي العالمي في تخطي الأزمة، حيث كان من المستبعد قبل الأزمة تنفيذ الهدف الأول الطموح من أهداف التنمية المستدامة بالقضاء على الفقر المدقع حول العالم، خاصة مع تتبع المؤشرات القياسية عبر السنوات الأخيرة لهذا الهدف.
ولكن بعد أحداث الأزمة, فقد أصبح الوضع أكثر صعوبة. إذ أن بعض المحللين الاقتصاديين يتوقعون أزمات اقتصادية تؤدي لكساد عالمي وليس فقط ركود اقتصادي، قد يكون هو الأكبر منذ أزمة الكساد الكبير عام 1929، وقد تؤدي تلك التغيرات الاقتصادية لتغير الخارطة التجارية للعالم، وستؤثر قطعًا على القدرات الاقتصادية للدول الصناعية الكبرى، كما ستؤدي لبعض المشاكل الداخلية والأمنية بعدة دول خاصة تلك ذات أعداد السكان الضخمة مقارنة بالموارد المتاحة.
وهكذا أصبح من المتوقع حدوث تغيرات واضحة في خطط وأولويات الانفاق عن ما هو مطروح بالفعل في خطط التنمية المستدامة على المستويات العالمية والإقليمية، حيث أن الميزانيات التي طرحت خلال الشهور الأخيرة من كافة دول العالم تعدت مليارات الدولارات، وهي ميزانيات كانت ستنفق في مجالات أخرى قبل حدوث الازمة، كما تم استنزاف مليارات أخرى من الاحتياطي النقدي للدول، وفي مصر أيضاً تم الدفع بميزانية قدرها 100 مليار جنيه تم تخصيصها ضمن الخطة الشاملة لمكافحة فيروس كورونا وهذا الرقم تم سحبه من ميزانية الدولة ووضعه تحت تصرف الجهات المعنية.
ولكن في نفس الوقت وعلى الجانب الإيجابي، قد تعجل تلك الازمة من أهداف استراتيجية مصر 2030 المتعلقة بمجالات الصحة بسبب طبيعة الازمة، لكنها قد تؤخر مجرى العديد من المشروعات القومية المختلفة المخطط لها طبقاً لتلك الاستراتيجية، وبجانب الاستثمارات المذكورة في المجال البيئي كبورصة الكربون، والمجال الخدمي والاجتماعي كرقمنة التعليم وتطوير الخدمات والبنية التحتية للكنولوجيا، تستطيع الدولة المصرية تقليل الخسائر نسبياً باستغلال الوضع الراهن وتفعيل سياسات للتحول الرقمي في إدارج الاقتصاد الموازي داخل منظومة الاقتصاد الرسمي للدولة، إذ يمكن إدراج الفئات التي كانت تعمل باليومية والعمال، والتي أطلقت الحكومة حزمة من الإجراءات لمساعدتهم تحت مظلة اقتصاد الدولة المعلن.
عالم ما بعد الأزمة
يمكن القول أن الفترة المقبلة ما بعد الأزمة، ستكون مختلفة في أولوياتها في دول العالم المختلفة، إذ ستتحرك المنظمات العالمية والحكومات لدراسة الخطوات الأكثر فائدة للمواطن ولانقاذ الاقتصاد وتوفير الحاجات الأساسية التي سيتم تحديدها تباعاً، وقد يخل هذا النظام بمفهوم الاستدامة المتكاملة ويصب ولو لفترة تعافٍ مؤقتة في الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية على حساب البيئية، أما الحكومة المصرية، فسيكون لديها مسئولية عاجلة لتحديد أولويات الإنفاق للفترة القادمة ووضع خطة اقتصادية ليس فقط لإنقاذ استراتيجية مصر 2030 بل لإنقاذ مكتسبات الاقتصاد المصري خلال السنوات الأخيرة.
باحث ببرنامج السياسات العامة